جمال عبد الناصر “رجل في أُمة وأُمة في رجل” كتب المحامي عمر زين
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
بمناسبة الذكرى التاسعة والستين لثورة الجيش المصري التي قامت بتاريخ 23 يوليو/تموز/1952، بقيادة تنظيم الضباط الاحرار ورئيسه الضابط المقدم أركان حرب “البكباشي” جمال عبد الناصر، وانقطعت بل وانطفأت بوفاة قائدها في 28/سبتمبر/ايلول 1970، اي لمدة ثمانية عشر عاماً اكتنزت خلالها بمنجزات تاريخية رائعة: مصرية وعربية ودولية عالمية. وعلى مدار هذه السنوات الطويلة منذ قيامها وحتى اليوم اتبعت هذه الثورة دراسات وتحليلات وتوقعات واستنتاجات وتأييدات وعدائيات (وعلى هذه الحال سيبقى الوضع مستمراً دورياً مع تجدد المناسبات والذكريات).
اما نحن – وخلافاً لعادتنا السنوية – فقد آثرنا ان نتوجه لأولادنا ولأحفادنا ولأمثالهم من الاجيال اللاحقة لجيلنا (وقد شارفنا على نهاية العمر) في بيئتنا الوطنية اللبنانية وفي جنبات مجتمعنا العربي ببعض مما اوحته لنا هذه الثورة المجيدة وببعض مما طلعت به هذه القيادة التاريخية وانجزته على المستوى المصري والمستوى العربي والمستوى الدولي/العالمي الى درجة انه كان يخيل لمفكرين ومحللين وطنيين واقليميين ودوليين ان انجازات هذه الثورة لا يمكن ان تحدد بثمانية عشر عاماً فقط بل تتسع لها عشرات السنين واكثر.
فجمال عبد الناصر هو اول حاكم وطني مصري عرفه المصريون منذ نهاية عصور الفراعنة منذ مئات السنين. وهو اول حاكم وطني مصري لم يقفز الى السلطة والحكم وفق الطريقة الانقلابية العسكرية التقليدية “قم لأقعد محلك”، بل كان اول حاكم مصري، بل اول حاكم خرج وفي يده البيان الاول لهذه الثورة – وليس ابداً هذا الانقلاب العسكري – وهو بيان المبادئ الستة التالية التي بتحقيقها استعادت مصر كرامتها الوطنية واستعادت مصر دورها الريادي في دنيا العرب وفي الساحة الدولية العالمية:
1- القضاء على الاستعمار واعوانه.
2- القضاء على الاقطاع.
3- القضاء على الاحتكار وسيطرة رأس المال على الحكم.
4- اقامة عدالة اجتماعية شاملة.
5- اقامة حياة ديمقراطية سليمة.
6- اقامة جيش وطني قوي.
وجمال عبد الناصر بهذه المبادئ الستة الثورية: هو القائد الثائر لهذه الثورة الشعبية التي اقتلعت النظام الملكي الرجعي من جذوره ودون ان تهدر فيها قطرة دم واحدة لا من قوى النظام البائد ولا من قوى الثورة الشعبية ولا من جماهير الشعب المصري الذي خرج واندفع مباركاً ومؤيداً للنظام الثوري الجديد.
وجمال عبد الناصر هو الذي قضى على الاقطاع، واعاد الارض المصرية الى الشعب المصري الكادح الذي فيها سخرة بأمر رجال الاقطاع، بحيث كان قانون الاصلاح الزراعي قد قضى على الاقطاع، واعاد للشعب المصري سيادته على ارض اول قانون ثوري جسد على الارض شعار او مبدأ القضاء على الاقطاع.
وجمال عبد الناصر هو الذي قضى على الاستعمار العسكري البريطاني المرابط على طول قناة السويس، حماية لادارتها الاجنبية من الانكليز والفرنسيين وغيرهم، وذلك بإكراه الانكليز على توقيع اتفاقية جلاء الجيش الانكليزي (90,000 عدداً وعدة) عن قناة السويس بمدة اقصاها شهر حزيران 1954 وهذا ما حدث في حينه.
وجمال عبد الناصر هو الضابط المصري الذي دخل حرب فلسطين 1948 مع القوات المصرية “المزودة بالاسلحة الفاسدة”، وهو الذي تعرض للحصار في موقع الفالوجة واصيب لمرتين، وهو الذي كان يقول: “كنا محاصرين هنا في الفالوجة في فلسطين ولكن الحصار الاكبر هناك في مصر في القاهرة…”.
وجمال عبد الناصر وبحرصه على اقامة جيش وطني قوي، هو الذي كسر احتكار السلاح، متجاوزاً ممنوعات الدول الغربية، عندما توجه الى السفير السوفياتي في احدى المناسبات الاحتفالية قائلاً له: وانتم ايها السادة السوفيات، الا تسلحون الجيش المصري؟! وبقدر ما كان السؤال مفاجئاً كان الجواب اكثر مفاجأة وبدأت عملية كسر احتكار السلاح وتزويد الجيش المصري بكل ما يحتاجه وسط تسهيلات واسعة ووسط ذهول الغرب بكل دوله.
جمال عبد الناصر الذي كان همه السد العالي المنوي اقامته بعدما بينت الدراسات اهميته في رفع الاقتصاد المصري الى الامام بقطاعاتها الزراعية وقطاعاتها الصناعية، فمنع فيضان النيل الموسمي، والانتهاء من الاضرار الجسيمة التي يلحقها بالمدن والقرى المشاطئة لمجراه، واستصلاح مئات آلاف الفدادين المصحرة، وتعميم نظام الري، وكهربة مصر بكافة مناطقها ومدنها وقراها، واستحداث قطاعات جديدة صناعية كانت غير متوقعة بسبب افتقاد الكهرباء، حيث من اجل كل ذلك كان السعي المتواصل دولياً وعالمياً للتمويل وتأمينه وخاصة من الدول العربية الغنية والبنك الدولي، التي انتهت كلها الى لا شيء خاصة عندما اعلن البنك الدولي انسحابه من تمويل السد، الا ان جمال عبد الناصر الذي ادرك واعياً ان ضغط الولايات المتحدة الاميركية ومعها دول الغرب هو الذي قاد البنك الدولي الى الانسحاب من التمويل، كان الرد التاريخي بقوله: اذا كان الغرب والبنك الدولي قد اقلعوا وانسحبوا من تمويل بناء السد، فنحن في مصر سنجد الوسيلة التي تمكننا من انشاء السد العالي، وكانت مفاجأته للبنك الدولي وللدول الغربية في خطاب الاسكندرية في 26/يوليو/تموز/1956: تأميم الشركة العالمية لقناة السويس واعلانها شركة مساهمة مصرية… لقد كان تأميم قناة السويس واستلام ادارتها فور اعلان جمال عبد الناصر لذلك في المهرجان حدثاً عالمياً، انتفض المحتل بإدارة القناص فكانت المؤتمرات، وكانت المفاوضات، وكانت الضغوطات، التي انتهت كلها بإعلان الحرب على مصر، والتوجه لاحتلال القناة من دول العدوان الثلاثي: بريطانيا – فرنسا – اسرائيل في 29/9/1956، وكانت مصر بالمرصاد قيادة وحكومة وجيشاً وشعباً بالمرصاد، واعلان جمال عبد الناصر من فوق منبر الجامع الازهر: “سنقاتل سنقاتل سنقاتل دفاعاً عن شعب مصر وحفاظاً على حقنا في القناة ولن نستسلم”. وانتهى العدوان بالخذلان وانتصرت مصر بقيادة جمال عبد الناصر.
وجمال عبد الناصر بالمكانة التي احتلتها مصر في الميدان العربي والعالمي بعد كسر احتكار السلاح، وبعد تأميم قناة السويس، وانتصارها في حرب العدوان الثلاثي، وانهزام دوله الثلاث، جعلت منه قائداً مصرياً وعربياً ودولياً عالمياً دفعته الى التطلع لبناء محور دولي (محور دول الحياد الايجابي) بمشاركة: جوزيب بروز تيتو رئيس يوغوسلافيا الاتحادية، وجواهر لال نهرو رئيس وزراء الهند، واحمد سيكوتوري رئيس اندونيسيا والصين الشعبية ووزير خارجيتها تشو أن لاي، وكان مؤتمر باندونغ 1956 في اندونيسيا تلك المناسبة العالمية التي اخرجت الى الوجود محوراً دولياً جديداً يقف بين المعسكريين التقليديين العالميين (المعسكر الشرقي الشيوعي والمعسكر الغربي الرأسمالي الاستعماري الامبريالي) متقلداً قيادة العالم الثالث بقاراته الثلاث آسيا وافريقيا واميركا اللاتينية، ومدافعاً عن امم هذا العالم وشعوبه وبحقه في الحرية والاستقلال وبناء مجتمعاته الوطنية المستقلة بكل كرامة سياسية واجتماعية، وكانت تبعاً لذلك نشوء حركات التحرير بالعنف الثوري تتوالد وتتواصل فيما بينها، فكانت هذه الثورات ظاهرة عالمية اثبتت شرعيتها ووطنيتها واستقلالها وخاصة: حركة تحرير فيتنام وتوحيدها وطرد الاحتلال الامريكي – حركة تحرير الجزائر واستقلالها وطرد الاستعمار الفرنسي – حركة تحرير كوبا وطرد النظام العميل فيها للمدعو الجنرال باتيستا وطرد الاستعمار الاميركي منها.
وجمال عبد الناصر، هو الرئيس الاول للجمهورية العربية المتحدة التي قامت في 1/2/1958 بوحدة مصر وسوريا، هذه الجمهورية التي كانت اول ردة فعل عربية على واقع التجزئة العربية الذي فرضه الاستعمار الغربي على اختلاف دوله الاوروبية: الانكليزية والفرنسية والايطالية والاسبانية والبرتغالية، هذا بالاضافة الى استلاب بعض المناطق العربية والحاقها بالدول المجاورة: فلواء الاسكندرون الحقته دولة الانتداب الفرنسي على سوريا بتركيا 1939، وعربستان العراقية الحقت بإيران 1935 ومدينتي سبتة ومليلية المغربيتين لازالتا تحت السيادة الاسبانية حتى الآن، واما الانتداب الدولي الذي اقرته وفرضته عصبة الامم المتحدة بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى وعهدت به الى الدول المنتصرة، فقد بدا بكل وضوح انه نظام استعماري جعل فرنسا المنتدبة على سوريا تلجأ الى تقسيم سوريا الى خمس دول وهي: دولة دمشق، دولة حلب، دولة العلويين على الساحل السوري المطل على البحر الابيض المتوسط ودولة لبنان الكبير (1/ايلول 1920) ودولة جبل الدروز الى جانب سلب لواء الاسكندرون واعطائه لتركيا، اما بريطانيا المنتدبة على فلسطين والعراق فقد قدمتها دولة الانتداب الانكليزية هدية بوعد بلفور لاقامة وطن قومي يهودي صهيوني، وكل ذلك جاء مخالفاً لمحادثات شريف مكة والحجاز – ومكماهون الانكليزي بتمكين العرب من بناء وحدتهم العربية في حال اعلن شريف مكة الحرب على الاستعمار التركي، ولكن الذي حدث كان تطبيق اتفاقية سايكس –بيكو وزيري خارجية بريطانيا وفرنسا، تلك المعاهدة السرية على شريف مكة التي اعلنت للعالم من موسكو بعد انتصار الثورة البلشفية فيها، والتي انطوت ايضاً على انشاء المملكة العربية السعودية في عام 1926 بتوحيد منطقتي نجد والحجاز، وانشاء امارة شرق الاردن باقتطاعها من سوريا والحجاز، وانشاء مملكة العراق التي اعطيت الاولى للأمير عبدالله ابن شريف مكة والثانية للملك فيصل بعدما طرد من سوريا الى العراق بمعركة ميسلون التي خاضها الجيش الفرنسي ضد الجيش السوري واستشهاد وزير الدفاع السوري يوسف العظمة.
لقد كانت الثورة المصرية بقيادة جمال عبد الناصر ولم يمضِ على قيامها ست سنوات، وبعثه للحركة القومية العربية الواعية لوجود الامة العربية المتكونة بنتيجة عوامل تاريخية في الزمن المديد، وتأييدها العارم من جماهير الامة العربية فوق الارض التاريخية بين الخليج العربي والمحيط الاطلسي وتنظيماته الحزبية والشعبية المتطلعة نحو الوحدة، وبعدما رأت في شخصيته وآرائه وكتاباته الشخصية القيادة التي توسمت فيها الخير، وبعد هذه السنوات الست من الكفاح المتواصل – المشار اليه اعلاه – ان وحدة مصر وسوريا وحتميتها بهذا الزمن الواعد وبهذه القيادة التاريخية هو الموقف المستجيب للتاريخ وإرادة هذه الامة وهو الذي يقول:
” لقد كانت دولة كبرى في هذا الشرق، ليست دخيلة فيه ولا غاصبة ليست عادية عليه ولا مستعدية، دولة تحمي ولا تهدد، تصون ولا تبدد، توحد ولا تفرق، تسالم ولا تفرّط، تشد أزر الاخ والصديق، ترد كيد العدو لا تنحرف ولا تنحاز توكد العدل، تدعم السلام توفر الرخاء بقدر ما تتحمل وتطيق”.
جمال عبد الناصر، الذي تلقى بألم صباح 28 /ايلول/1961 نبأ الانفصال في سوريا، لم يكن غافلاً ابداً عمّن كان وراءه من صانعيه ومؤيديه من فئة الخونة اشخاصاً واحزاباً من السوريين والعرب ومن فئة اعداء الامة العربية القابعين دواخل عروشهم والجواسيس القابعين في أقبية وسراديب المخابرات الاجنبية ومدة عدائهم للجمهورية العربية وهو القائل عنهم يوم اعلان الجمهورية العربية المتحدة:
“على انني ارى من واجبي في هذه اللحظات التاريخية ان اصارحكم ان الطريق الذي نقبل عليه هو شاق وطويل. وان رحلتنا عليه ليس نزهة نروح بها عن النفس – انما رحلتنا عليه مشاق ومتاعب وكفاح وجهاد، فالذين لا تروقهم وحدة مصر وسوريا، ولا توافق اغراضهم لن يتقبلوها بالرضى والسكوت، وانما ستكون المساعي والمحاولات والمناورات والمؤامرات. لهذا اقول لكم من الآن يجب ان نظل مفتوحي الاعين، منتبهي الحس والوجدان، اننا نعيش فترة رائعة، ولكن علينا ان ندرك ان لهذه الفترة الرائعة اخطارها ايضاً، وربما كانت شهوات انفسنا هي اكبر الاخطار التي يتعين علينا مواجهتها”!!
وجمال عبد الناصر بهذا الوعي الرائع الذي حدده يوم قيام الجمهورية العربية المتحدة، وبهذه الجدية والتبصر الحاد لما يتربص بها من مخاطر ومؤامرات، وقد رأينا تلك المؤامرة التي تعرض لها عبد الحميد السراج بالرشوة بالمال تكشفها بنفسه واجهضها، وقد رأينا ايضاً بأن مدير مكتب المشير عبد الحكيم عامر في دمشق كان العقيد في الجيش العربي السوري عبد الكريم النحلاوي هو قائد المجموعة العسكرية التي قادت عملية الانفصال وفك عرى الجمهورية العربية المتحدة.
وجمال عبد الناصر، وبقدر ما كانت تتوارد امامه معطيات سورية وعربية ودولية كانت تؤكد صحة ما حذر منه – كما بينا اعلاه – فانه قال لا حقاً عن ان الذين سارعوا – منذ بدء حركة الانفصال – الى تأييدها والاعتراف بها كان بعد مرور اكثر من اسبوعين على الانفصال.
ولم يذكر جمال عبد الناصر للقوى السياسية التي سارعت الى تأييد الانفصال وخاصة منها:
1- الشركة الخماسية واطرافها الاممية بقرارات تموز عام 1961.
2- بعض ضباط الجيش السوري الذين قادوا حركة الانفصال (الذين طلب بعضهم لاحقاً العفو والغفران) وقال عبد الناصر بهؤلاء: لا حقد على ضباط الانفصال في سوريا.
3- الحزب الشيوعي السوري وباقي الاحزاب الشيوعية العربية.
4- الحزب السوري القومي الاجتماعي.
5- حزب البعث العربي الاشتراكي.
وجمال عبد الناصر – بعد اشهر – ودع سوريا وطلب الى وزارة الخارجية المصرية في القاهرة ان لا تمانع او تعارض عودة سوريا الى مقعدها في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفي جامعة الدول العربية وهو يقول: “وستبقى الجمهورية العربية المتحدة رافعة اعلامها مرددة نشيدها مندفعة بكل قواها لتبقى سنداً لكل حق عربي”.
وبقي اسم الجمهورية العربية المتحدة تحمله مصر رسمياً وعربياً ودولياً الى ان جيء بأنور السادات فأجرى تعديل الاسم ليصبح:”جمهورية مصر العربية”.
وجمال عبد الناصر وقد أطلت سنة 1962 وهو ما زال يعاني من جريمة الانفصال، اذا بثورة المليون ونصف مليون شهيد جزائري تطرق وتدق وتفتح امامها ابواب الانتصار، مخلفة وراءها حوالي مئة وثلاثين سنة من الاستعمار الفرنسي الذي كان مقتنعاً بأن الجزائر وشعبها جزءاً من الارض والامة الفرنسية، وان نصف مليون مستعمر فرنسي ولدوا وعاشوا فوق التراب الجزائري يهيئون انفسهم لترك الجزائر والعودة الى ما وراء المتوسط لجهة اوروبا حيث فرنسا الاوروبية، والجزائر عادت جزائرية كما قال الجنرال ديغول الذي وضع حداً لكذبة دامت مئة وثلاثين سنة، وهنا زاد عليه قائد الثورة الجزائرية ورئيس جمهورية الجزائر احمد بن بيلا انها الجمهورية الجزائرية العربية الذي قال في القاهرة انها عاصمة الجمهورية العربية كما اراد لها عبد الناصر: “اننا نحن هنا في القاهرة عند الرئيس جمال عبد الناصر لتهنئته بانتصار الثورة الجزائرية الذي كان اول عربي مع الثورة الجزائرية مساعداً لها بالمال والسلاح في وقت كان الكثر من المواطنين الجزائرين ضد الثورة ومع الفرنسيين، واننا من هنا نعلن اننا على استعداد لارسال مئة الف مقاتل جزائري الى مصر ليعملوا مع الجيش المصري بقيادة جمال عبد الناصر على تحرير فلسطين”.
وجمال عبد الناصر – كما كان في دعمه لثورة الجزائر، كان بنفس القوة الى جانب ثورة الجيش اليمني بقيادة عبدالله السلال الذي اقتلع اعتى نظام ملكي امامي على الارض، واعلن النظام الجمهوري، حيث ما لبثت المملكة العربية السعودية والمملكة الاردنية الهاشمية على الدخول في اليمن في حرب ضد النظام الجمهوري الجديد فبادر جمال عبد الناصر الى ارسال من قوات الجيش المصري الى اليمن ما يمكن الجيش اليمني على الحفاظ على النظام الجمهوري، وعلى هذا الامر استمر الجيش المصري بالقيام بواجب النصرة والدفاع على النظام اليمني الجمهوري ثم بموجب معاهدة مصرية – سعودية – يمنية – اردنية عمل عليها جمال عبد الناصر وانتهت بالتوافق على الاعتراف السعودي والاردني وبعض قطاعات الشعب اليمني الموالي لنظام الامامة البائد وعودة الجيش المصري الى بلاده للانخراط في عملية بناء الجيش المصري الواسعة استعداداً للمعركة الفصل مع الكيان الصهيوني.
جمال عبد الناصر في اتحاد الجنوب اليمني هو ذاته في اليمن الشمالي، فعندما انطلقت حرب التحرير بقيادة “ذئاب ردفان الحمر” الجناح المقاوم لحركة القوميين العرب اندفع الجيش المصري من مواقعه في اليمن الشمالي مساعداً ومعاوناً لتشكيلات “ذئاب ردفان الحمر” وغيرهم من قوى الشعب اليمني في الجنوب المحتل الى ان تم التحرير والانتصار في اواخر سنة 1967 واعلان دولة اليمن الديمقراطي برئاسة قحطان الشعبي.
وجمال عبد الناصر، الذي تعرض لهزيمة الخامس من حزيران /يونيو 1967 واحتلال اسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية في الاردن والجولان السوري فاجأ جماهير الامة العربية ومعها احرار العالم في محور دول عدم الانحياز وشعوب العالم الثالث المكوَّن لأمم وشعوب القارات الثلاث، باعلان استقالته من رئاسة الجمهورية وتحمله المسؤولية كاملة وعودته الى صفوف الجماهير المصرية العربية والعالمية لازالة آثار العدوان ومسمياً اخاه في مجلس قيادة الثورة زكريا محي الدين باستلام موقع الرئاسة، ولشد ما كان الموقف مشحوناً لم يكن في عالم الواقع توقع ما ردّ به اذ اندفع الشعب المصري بكافة فئاته رجالاً ونساءً وغطى شوارع القاهرة وسائر المدن والبلدات المصرية في ظل اجراءات قطع الكهرباء وحذر الناس من الخروج والتجول وعلى مدى طوال الليل الى مطلع النهار، ان ملايين المصريين ومعهم وبنفس القوة والاندفاع في عواصم الدول العربية بمدنها وقراها وفي غالبية عواصم العالم الثالث يرفضون الاستقالة ولا يريدون جمال عبد الناصر الا في مركزه، واجتمع مجلس الامة المصري محاطاً بالكتل البشرية وجاء نداء مجلس الامة المصري مناشداً جمال عبد الناصر البقاء في موقع المسؤولية حيث لا يوجد سواه قادراً على ذلك، وعند انتصاف النهار والحال على حاله، وباستجابة جمال عبد الناصر لارادة الامة ولنداء مجلس الامة وعودته عن الاستقالة، استعادت مصر ودنيا العرب والعالم الحر استقرارها والانصراف بقيادة جمال عبد الناصر الى البدء بورشة اعادة تكوين السلطة الحاكمة، واعادة بناء الجيش المصري، واستعادة قدراته التحريرية للاراضي العربية المحتلة تطبيقاً وتنفيذاً لمقررات مؤتمر الخرطوم: – لا صلح – لا مفاوضات – لا اعتراف – وشعار عبد الناصر الذي صار نهجاً استراتيجياً: ما اخذ بالقوة لا يسترد الا بالقوة، في وقت كانت العروض (عروض الترغيب والترهيب) تنهال على عبد الناصر بأن باب المفاوضات مفتوح مع اسرائيل بحيث تعاد سيناء الى مصر مقابل توقيع اتفاقيات عدم اعتداء حيث كان الرد عند عبد الناصر، اعادة الضفة الغربية والجولان وقطاع غزة قبل اعادة سيناء.
وجمال عبد الناصر وبانصرافه بالتعاون مع الاتحاد السوفياتي الى اعادة بناء الجيش المصري والوصول الى يوم التحرير الموعود، اندلع القتال في عمان بين الجيش الاردني وفصائل المقاومة الفلسطينية، فهب عبد الناصر لايقاف هذه الحرب، وبعد كر وفر ولقاءات ومباحثات استغرقت الوقت كله وانتهت بعقد قمة عربية في القاهرة حضره على الاخص ملك الاردن ورئيس منظمة التحرير الفلطسنية ياسر عرفات “ابو عمار” توصلت الى وقف المعارك في الاردن. وبعد سفر الوفود العربية وتوديعها في المطار شخصياً من قبل جمال عبد الناصر وبعد ما فرغ من هذا الواجب بتوديع رئيس الجمهورية اللبنانية سليمان فرنجية سارع وطلب السيارة الى حيث هو في ارض المطار وعاد مباشرة الى المنزل وهناك بعض الاطباء الذين حضروا مسرعين وقاموا بما تيسر ولكن القدر كان بالمرصاد وكان الانتقال الى الرفيق الاعلى ف (انا لله وانا اليه راجعون).
مات جمال عبد الناصر مساء يوم 28/ايلول/1970 فماتت معه الثورة المصرية التي ولدت معه في 23/تموز/1952. نعم وبكل تأكيد!! فالمجد والخلود لحركة الضباط الاحرار ومؤسسها جمال عبد الناصر في الجيش المصري.
اما نحن الجيل الذي قدر له معايشة جمال عبد الناصر ومعايشة ثورة 23/ايلول/1952 فقد أرّخنا شاعر العرب والعروبة الراحل نزار قباني بقوله: ” وعندما يسألنا اولادنا، من انتم؟ في اي عصر عشتم، في عصر اي ملهم؟ في عصر اي ساحر؟
نجيبهم في عصر جمال عبد الناصر. الله ما اروعها شهادة ان يوجد الانسان في زمان عبد الناصر.