دول مجلس التعاون الخليجي: الاستدارة نحو الشرق | بقلم د. عوض سليمية
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
يبدو أن معظم الحلفاء التقليديين للولايات المتحدة في المنطقة العربية، قد وصلوا الى قناعة مفادها ضرورة تغيير النهج القديم القائل أن التحالف مع واشنطن قضية ثابتة في السياسة الخارجية، ويأتي في مقدمة اسباب هذا التحول، عدم ثبات سياسات واشنطن خاصة على مدار العقدين الماضيين، والتي وصلت أحياناً الى مستوى من التوتر الغير مسبوق في العلاقات بين الطرفين، حيث تشعر الانظمة في المنطقة بانها ضحايا لنهج دبلومسية القيم والمبادئ التي تستدعيها واشنطن وقت الحاجة، الى جانب، ظهور تغيير في اولويات إدارة الرئيس بايدن بالتوجه نحو التصدي للقوة الاقتصادية الصاعدة للصين، ومواجهة النفوذ الروسي المتنامي.
ضمن هذا السياق، تندرج زيارة وفد رفيع المستوى من وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي ضم وزراء كل من “العربية السعودية، الكويت، سلطنة عمان والبحرين”، وعلى رأسهم الامين العام للمجلس، الى جمهورية الصين الشعبية، وهي المرة الاولى- بحسب مراقبين، التي يقوم بها وزراء خارجية دول المجلس بزيارة جماعية الى الصين، بهدف تطوير العلاقة بين البلدين على كافة المستويات بما فيها الاقتصادية والتجارية لغرض موائمة خطط التنمية الطموحة لدول مجلس التعاون، بالاضافة الى تأمين احتياجاتها الامنية والعسكرية لحفظ الامن القومي لدول الخليج في ظل انسحاب واشنطن من منطقة ما زالت ملتهبة على اكثر من جبهة.
على المستوى الاقتصادي، وفي ظل استعداد جمهورية الصين الشعبية لتعزيز العلاقات الثنائية مع دول مجلس التعاون الخليجي، وفقاً لما ورد على لسان وزير الخارجية الصيني وانغ يي خلال لقائه مع وزير الخارجية السعودية فيصل بن فرحان، فإن ايجاد ارضية مشتركة قائمة على تطوير استراتيجيات التنمية المستدامة التي تسعى اليها دول مجلس التعاون، سوف يجد مساحات واسعة مستقبلية نحو تكامل اقتصادي مع الصين، خاصة بعد اعلان دول الخليج رغبتها في رفع مستوى التعاون الاقتصادي مع بكين، الى جانب الاستثمار في البنية التحتية للخطة الاقتصادية الطموحة التي اعلنت عنها الصين عام 2013 والمعروفة بــــ “مبادرة الحزام والطريق”، والهادفة في جوهررها الى تحقيق النمو المستدام لكل الشركاء، فهي مبادرة ذات طابع دولي اكثر منها احادية قطبية على غرار العولمة الامريكية، وقد انضمت الى هذه المبادرة منذ اعلانها قرابة 141 دولة و32 منظمة دولية حتى نهاية العام 2021، وفق مراقبين اقتصاديين، وباتت الدول المشاركة تتقاسم ثمار التنمية الصينية، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادي على طريق بناء رابط المصير المشترك للبشرية جمعاء، وفقاً لبيان المؤتمر التاسع عشر للحزب الشيوعي الصيني عام 2017.
وبالنظر الى أن الصين تعد اكبر دولة مستهلكة للنفط في العالم، ومصدره الاول دول مجلس التعاون الخليجي، التي تمتلك أكبر احتياطي من النفط في العالم، يُقدر بنحو 500.2 مليار برميل حتى العام 2020، بالإضافة إلى ثاني أعلى احتياطي من الغاز الطبيعي بعد روسيا، يقدر بنحو 43.3 تريليون متر مكعب، بحسب موقع Sky News. وفي الوقت نفسه، تجد المنتجات الصينية طريقها الى اسواق دول الخليج، بالاضافة الى ابرام وتوقيع عدد كبير من العقود والصفقات التجارية بين البلدين، فإن امكانية الاعلان عن توقيع اتفاقية تجارة حرة عالية المستوى بين البلدين اصبحت متاحة.
ويظهر الشكل التالي حجم التبادل التجاري بين دول الخليج وجمهورية الصين الشعبية، والتي تفوق الـــ 150 مليار دولار. بحسب موقع الخليج اون لاين.
في الاطار، وضمن الحوارات الدائرة الان بين الوفدين الخليجي والصيني، بهدف تطوير التعاون ورفع درجة التنسيق، فقد اكد وزير الخارجية الصيني خلال لقائه بنظيره السعودي، بأن “الصين تدعم دول الخليج في إقامة منصات حوار متعددة الأطراف واتخاذ زمام المبادرة في القضايا الإقليمية بأنفسها“، وفقاً لوكالة انباء “شينخوا”، أكد وزير الخارجية السعودي أن “السعودية تعارض دائما التدخل في الشؤون الداخلية للصين، وتدافع بحزم عن مبدأ صين واحدة، وتؤيد بشدة الموقف الشرعي للصين بشأن المسائل المتعلقة بتايوان وشينجيانغ، فضلا عن حقوق الإنسان”. ويعد هذا التصريح بحسب مراقبين، رسالة واضحة لمعارضة دول مجلس التعاون الخليجي وعلى رأسها العربية السعودية للسياسات الامريكية المعادية للصين.
الصين القادمة الى المنطقة باقل صداع سياسي، وبعلاقات متوازنة مع جميع الدول بما فيها ايران وإسرائيل، والتي تؤمن بالالتزام بالقانون الدولي ومواثيق الامم المتحدة في تنظيم العلاقات بين الدول، وبحكم قوتها الاقتصادية والعسكرية الى جانب عضويتها في مجلس الامن الدولي، قادرة أن تلعب دور دبلوماسي وسياسي هادئ، وتحجز مقعدها الدائم والداعي الى الحق في حياة كريمة ومستقرة لجميع سكان الارض، بعيداً عن لعبة المصالح الامريكية، وبالتالي، يمكن الاستفادة منها في إطفاء الحرائق التي ما زالت مشتعلة في المنطقة، الى جانب ممارسة نفوذها وعلاقاتها الطيبة مع طهران للضغط عليها للانسحاب من العواصم العربية التي تتواجد فيها، مع ضرورة تقديم ضمانات امنية لدول المنطقة بشأن برنامجها النووي، وتبني سياسات حسن الجوار مع دول الخليج، بما يشمل التزامها بوقف الحرب الدائرة في اليمن، بالاضافة الى ذلك، يمكن الاستفادة من علاقاتها مع اسرائيل للضغط عليها لانهاء الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، على مبدأ حل الدولتين والذي تدعمه القيادة الصينية.
بينما تنظر الولايات المتحدة الى دول الخليج واسرائيل باعتبارها دول حليفة، قادرة على تشكيل خط الدفاع الاول لمنع الصين من الاقتراب للاستثمار في المنطقة، إلا أن هذه الزيارة جاءت بدلالات تعاكس التوقعات الامريكية، وتأتي في مقدمتها، عدم رضوخ دول الخليج للابتزازات الامريكية، وتفضيل مصالح بلادهم بعيدا عن المواقف الامريكية، الى جانب عدم رغبة دول الخليج الى تحويل بلادهم الى ساحة للحرب الباردة بين واشنطن ومنافسيها.
وإنطلاقاً من قناعات دول الخليج بأن النموذج المتوازن الذي تقدمه الصين للعالم، قائم على المنفعة والشراكة المتبادلة، وليس على شروط سياسية مسبقة، بات هذا النهج يشكل حافز لانخراط دول الخليج وباقي دول الشرق الاوسط في حالة من التكامل الاقتصادي مع الصين، خاصة وان الاخيرة قادرة على تغطية جميع احتياجات شعوب المنطقة، ليس فقط من الناحية الاقتصادية والتنموية، بل ومن الناحية الامنية والعسكرية أيضاً، على قاعدة وجود اليات منتظمة تراعي المصالح المشتركة لكافة الاطراف.