سقوط الموصل: دروس نكسة العاشر من حزيران 2014 | كتب علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
تتعلم الأمم من تجاربها المريرة وكذلك من تجاربها الناجحة ، وتدرس تاريخها البعيد والحديث لتنطلق الى المستقبل ..
وعندما تُريد الأمة أن تنهض من نكسة كبيرة حلت بها تجند كل خبرائها السياسين والاقتصادين وعلماء الاجتماع والنفس لدراسة أسباب النكسة وأثارها ونتائجها بكل الأبعاد، وبشفافية تامة ،لأن إخفاء الحقائق لايثمر ،وعمليات الطمر لن تفلح في تقدم الأمة بل تجعلها معرضةً للانتكاس في أي تحدٍ جديد.
ومازلنا نتغافل عن أسباب سقوط الموصل في العاشر من حزيران سنة 2014 وكأنه حدث عابر مع أن هذا الأمر كاد أن يمحو العراق من الخارطة وتولد بلدان أُخرى .
مازلنا لم نستق من مسببات ذلك السقوط المدوي الذي شرد اكثر من مليوني مواطن عراقي ،وذهب الالاف العسكرين ضحية دون قتال وأغلبهم من المجندين حديثاً الذين لم يستعملوا سلاحا للقتال ومازالوا في مراحل التدريب الاولى الذين تم قبولهم لاغراض انتخابية أنذاك .
لقد اختفت فرقتان عسكريتان دون قتال في الموصل تبعتها فرق اخرى في بقية المحافظات صلاح الدين وكركوك والانبار مع أن داعش لم تكن تخطط للاحتلال ،إنَّما هجومها كان لتهريب السجناء في سجن بادوش استكمالا لما أسمته في غزواتها “تهديم الاسوار ” وانتقاماً ورداً على مقتل البيلاوي الذي تم اصطياده في عملية نوعية في كركوك أنذاك .
كان الامر إنهياراً تاماً للجيش وللمؤسسات الحكومية واستولت عصابات داعش على ملايين الدولارات في المصارف الموجودة في الموصل (حتى هذه اللحظة لم أقرأ إحصائية عن الخسائر المادية) جراء سقوط الموصل وبقية المحافظات !.
قد يكون التبرير في بداية الازمة ،والترويج بوجود مؤامرة أمراً مقبولا لشحذ الهمم ،ولكن هذا لم يعد كافياً بعد مرور هذه السنين ،ولعلي أُكرر ما قلته سابقاً:- إن نجاح المؤامرة عليك فهذا يعني أنَّ الاخرَ تفوق في التخطيطِ ، ولم تُحسنْ الدفاعَ عن نفسِكَ جيداً ، وهو تبرير للفشل !.
ومع القبول بتفسير المؤامرة يجب أيضا أن ندرسها ،لنستطيع تفكيك مثيلاتها سيما وأنَّ العالم لم يتوقف ،والحياة لم تنته بعد . ومازال العراق يتعرض يومياً لتحدٍ جديد.
ومن المؤسف حقاً أننا لانجد توجيهاً حقيقاً لدراسة نكسة حزيران العراقية لا من الجهات الحكومية ولا من منظمات المجتمع المدني ،ولا المؤسسات الدينية وحتى التعليمية .
هذه النكسة التي غيرت مسار المجتمع العراقي ،وخلقت واقعاً ومجتمعاً جديداً أولهُ يمكن لنا أن نسميهِ مجتمعَ النازحين ،
وثانيه عاش تحت سلطة منظمة إرهابية تكفيرية تعلم الاطفال وتربى على ثقافة القتل والاقصاء والى آخره من مفاهيم تخريبة لعقول الاطفال .
ومن المؤسف أيضاً أننا لم نضع خططاً تربويةً على المدى القصيرِ و لا على المدى البعيد .
ولا أستطيع أن أقول خططاً لمحو الفكر الداعشي لأن الفكر لا يمكن إزالته بسهولة بل يمكن لم أن تحاصره ،تمنع الظروف التي تساعد على نموه .
ولان نساءً وأطفالا مازالوا يرون في رجال داعش على أنهم أبطال وممن يذكروهم بالصحابة ورجال الاسلام الذين دافعوا وقاتلوا من أجله فعلينا أن تكون لدينا طوارئ عملياتية لدراسة كل حالة بطريقة علمية .
إنَّ دروسَ الهزيمةِ متشعبةٌ ، تبدأ من السياسية وتنتهي بعلم الاجتماع مرورا بعلم النفس والاقتصاد.
ولم أجد أي خطةٍ حكومية بعد التحرير ولاقبلها لدراسة أسباب السقوط وأثاره ،وقد تبرر الحكومة في الفترة مابين 2014الى 2018 أنها كانت تهتم بحرب التحرير الذي انجزته بفترةٍ قياسية ،وبطريقة نوعية تستحق أن تدرس ويفتخر بها الشعب العراقي.
عندما ندعُ لدراسة أسباب سقوط الموصل لانريد لها ان تكون على طريقةِ بعضِ السياسينَ الذين استخدموا سقوط الموصل كورقة انتخابية ،لم يريدوا منها إلا التسقيط.
وهو أمرٌ واردٌ في عالم السياسيةِ ،و لكنه ليس مجدياً على المستوى الستراتيجي لبناء الامة ونهضتها .
وأما مَنْ أرادَ من الشيعة أن يوهم نفسَهُ بأنَّ سقوط الموصل هو عقوبة للسنة فهو واهم
ومن أراد من الأكراد أن يوهم نفسه بأن سقوط الموصل والمحافظات عقوبةً للعرب فهو واهم أيضا .
ومن هللَ لسقوط ورحب باحتلالها وصمت لأنه إعتقد ان ذلك نهاية حقبة الشيعة فقد تبين وهمه وخطل تفكيره.
من المؤسف محاولة البعض طمس هذا المقطع الزمني وابعاده عن الدراسةِ والتحليل سياسياً وأمنياً وإجتماعياً ودينياً أيضا .
ومشكلة داعش لم تنتهِ ومازلت أُكرر أنََ أثارَ داعشَ باقيةٌ ،تلاشت قوتها العسكرية وفكرها مازال قائماً ،و خلاياها النائمة مازالت موجودة .
كما أن مبرراتِ نموها تظهر بين فترة و أُخرى وهذا كله بحاجة الى تفكيك للمعضلة بصورة مفصلة ومنفصلة وتتجمع لتلتقي مع خطة ستراتيجية لاحتواء الفكر الداعشي.
لقد رفعت شعار تحرير الانسان منذ معارك التحرير الأُولى وهو أهم من كل شيء، ولهذا يجب أن نعمل لعدم عودة داعش .
بقراءة واعية صريحة لاسباب نكسة الموصل بكل العوامل دون ترك ثغرة هنا أو هناك لنصل الى النتيجة المرجوة والعبرة المنشودة ولاتتكرر النكسة لاسامح الله .
كانت النكسة جراء عوامل متعددة ينبغي لقادة المجتمع العراقي التوقف عندها طويلا وإلا لايمكن أن أعتبرهم قادةً وهم لايشخصون الأسباب التي أدت الى مثل هذه الكارثة ،ومن ثم لايريدون علاجها .
وقد تعاد الكَرَةَ من حيث نشعر أو لا نشعر .