الاحدثالشرق الاوسط

ظريف لن يكون غورباتشوف إيران ..!! | بقلم علي الهماشي

التشبيه ليس طعناً في إيرانية وإخلاص وزير الخارجية الأسبق محمد جواد ظريف لبلده، و هو لا يريد تقسيم إيران وانهاء نظامها السياسي، ولكن غورباتشوف بات مثالاً للتغيير الداخلي للأنظمة لما قام به في الاتحاد السوفيتي ابتداءً من البيريسترويكا وانتهاءً بالغلاسنوست .

وكلما صعد نجم سياسي إيراني محسوب على معسكر (الإصلاحيين) حتى لوَّح أعداء إيران بقرب زوال النظام أو تفككه عن طريق هذا الإصلاحي الذي سيكون غورباتشوف إيران، وفي المقابل تشتد الهجمة عليه من قبل المحافظين، حتى تصل الى مستوى التخوين، أو إنه ضد ولاية الفقيه، ويريد تركيع الامة الايرانية أمام أعدائها ، فيتم تسقيطه ومن ثم عزله بالقانون أو بغيره، وما حصل مع ظريف مؤخراً جرى بالطريقتين التسقيط الشعبي من خلال حملة اعلامية منظمة، وبعدها كان القانون كفيلاً بإجباره على تقديم استقالته من منصبه كنائب لرئيس الجمهورية، وماكتبه في رسالة الاستقالة يشير الى ذلك .
..
البيريسترويكا والغلاسنوست في إيران :

لا شك إنَّ كلا الأمرين ملحان في إيران وأقصد بهما البيريسترويكا والغلاسنوست لكن لا كما يريد أعداء هذا البلد، وإنما لأن النظام قائم على نظرية حكم قابلة للاجتهاد والتجديد فالمراجعة مطلوبة لديمومة وقوة النظام السياسي واستقراره أيضا، لأنَّ التغطية على الأخطاء والتغاضي عن الفساد هو الأشد خطراً من التهديد الخارجي .

وكأي بلد مر على نظامه أكثر من أربعة عقود بحاجة إلى (غلاسنوست) كي يُعيد الواطن ثقته بنظامه السياسي وليس إلى إعادة بناء جديدة تكون أشبه بالتغيير أو إنها ستكون ثورة او انقلاب كامل .

أين يلتقي ظريف مع رؤية غورباتشوف :

ظريف عندما كان وزيراً للخارجية سعى إلى ترسيخ علاقات دبلوماسية تقوم على أساس الحوار مع الدول أو على الدبلوماسية الهادئة، وله رأي في سياسة الميدان وقد نُقل عنه في تسريب صوتي ما ينتقد به سياسة الميدان التي أثرت كثيراً على شعبيته، وأغضبت الحرس الثوري لأنها اعتبرت انتقادً للمرحوم سليماني رجل سياسة الميدان، ورأس حربة الحرس الثوري لا في إيران فقط وإنما خارجها أيضا.

ظريف مفاوض ومحاور بارع يحاول انتزاع الحق حتى آخر لحظة ولا يفرط بمصالح إيران التي يراها حقاً وهذا ما رأيته في محادثاته حول اتفاقية الجزائر بين العراق وإيران فقد تمسك كإيراني بهذه الاتفاقية التي تمنح إيران حقوقا على حساب العراق كان صدام حسين قد وقعها مع شاه إيران في سبعينات القرن المنصرم بوساطة جزائرية وأدت إلى إنهاء تمرد الأكراد بقيادة الملا مصطفى البرزاني، ثم عاد فألغاها في بداية الثمانينات ليعلن الحرب مع إيران، ثم يعود ليقبل بها كأساس للعلاقات بين البلدين بعد وقف الحرب التي دامت ثمان سنوات ..

بروز ظريف :
ظريف برز كوزير للخارجية وكشخصية محورية في الحكومة الإصلاحية برئيسها الشيخ روحاني ، وكان أحد مهندسي الاتفاق النووي، لكن بروزه اصطدم في وقت لمعت فيه نجومية سليماني الذي يرى فيه الحرس الثوري أنه لولب الحركة الخارجية والامتداد له ، وكانت له حُظوة عند المرشد الأعلى ، و تميز عن أعضاء مجلس الأمن القومي بأنه على تماس مع قادة المنطقة وحركات التحرر ، وعادة (التنفيذي ) يتميز عن الآخرين في مناقشة الملفات .

ولمعت نجوميته على المستوين الرسمي والشعبي ، فقد نجح في العراق بعد التغيير في 2003 و بعد الربيع العربي تمكن من الوصول إلى اليمن وسوريا ودخل مع حماس والجهاد الاسلامي في حوار ومن ثم تنسيق وأصبح لإيران حضور واضح في الشرق الاوسط ،سُمي بمحور المقاومة ، ونُسجت بعض القصص والروايات حول شخصيته فتحول الى بطل لدى الإيرانيين بل وحتى عند شيعة المنطقة ..
ظريف لم يرَ في سياسة الميدان إنجازاً ويراها قلقة ومهددة للاستقرار أكثر مما تكون حائط صد لأُم القرى ..

لم يكن يرى أن هذا الأمر وحده قادرا على حماية النظام الإسلامي بل يرى أن الالتزام بالقضايا الخارجية يمثل عبئاً على ايران وهنا ربما يلتقي مع الراحل غورباتشوف الذي أعاد رسم سياسة الاتحاد السوفيتي الخارجية ابتدأت بالتخلي عن الالتزامات الاممية ، وأعطى لقوميات الاتحاد السوفيتي فُسحة للتحرك ، كما حاول التخلي عن دول حلف وارسو ، وهو ما أثر فعلاً على مصير الاتحاد السوفيتي وتفكك بعدها !،
غورباتشوف تمكن من تنفيذ رؤيته لأنه كان على رأس النظام ورأس الحزب الحاكم ،وبغض النظر عن توقعاته للنتائج التي الت إليها رؤيته ،أو انه كان مخططاً لذلك بحسب نظرية المؤامرة التي تشير الى تجنيده من قبل السي آي إيه..

لكن ظريف لم يستطع أن يطبق رؤيته ولم يقاوم فقد قدم استقالته كوزير للخارجية في حكومة روحاني ورفض المرشد أنذاك استقالته ، وانتهت الحكومة بعد انتخابات إيران الماضية ،ولكنه عاد بقوة وظهر اسمه مرة أخرى كمهندس لهذه الحكومة برئاسة مسعود بزشكيان الذي جاء بعد انتخابات 2024 بعد مقتل الرئيس السابق ابراهيم رئيسي (رحمه الله) لتحطم طائرته الرئاسية ..

ولكن قانوناً سنه البرلمان الإيراني كان كفيلاً بمنع ظريف من الاستمرار في تبوء منصب نائب الرئيس الذي ينص على عدم تولي أي منصب لمن يحمل جنسية مزدوجة أو حتى زوجته وأولاده ،وبالرغم من أن الخلاف مازال سارياً حول هذا القانون إلا أن الرجل أُجبر على تقديم استقالته .

وبذلك خسر الإصلاحيون أحد رموزهم ، ولن يكون ظريف غورباتشوف إيران لأنه ببساطة فقد الآليات اللازمة لتنفيذ ذلك !!.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى