لم أعد أحتمل النقد للمجتمع ؟ | بقلم علي الهماشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لست ممن يضيق ذرعًا بالنقد وإبداء الملاحظات هنا وهناك، بل أعتبرها جزءً من عمليات التصحيح والاصلاح للمجتمعات، وعلى المستوى الفردي أيضًا.
وأعتبر أن التشخيص هو بداية الحل لكل المشاكل، فلا يمكن أن تعالج مشكلة ما أو مرضًا إجتماعيًا يتفشى في المجتمع دون أن تشخصه، وتبين أسبابه، وإن التحذير هو وقاية أيضا لخطرٍ أو مشكلة قادمة .
وهذا ديدن علماء الاجتماع والطبقة المثقفة بل هي مسؤوليتهم الاولى كما أعتقد، ولعلي أكون مخطئًا، لكن هذا ما فهمته من خبرتي في الحياة أن تمارس هذه الطبقة مسؤوليتها في رصد حركة المجتمع وتعزيز المسار الصحيح،والتنبيه والتحذير من المسار الخاطئ .
ولكن ما يجري هو تقريع وتسفيه لكل المجتمع وما يجعلني أتحسر أن ما يصدر بهذا الشأن أنه ليس من أصحاب التخصص أو ممن يمكننا أن ننسبه الى الطبقة المثقفة الواعية .
ولهذا لم أعد أحتمل التقريع لهذا المجتمع وجلده بأنواع السياط فهذا ليس بالعلاج بل هو ايغال بالأذى وزرع اليأس في النفوس.
وكما نرى حينما يذهب المريض الى طبيب ما،فيقوم الطبيب بتوبيخ المريض ورسم صورة سوداوية أمامه، فنرى المريض وقد انهارت معنوياته،والكل يعلم أن الثقة بالنفس أساس العلاج لكل مرض عضوي أو نفسي،لكي يتفاعل المريض مع الادوية ومع الطبيب المعالج (طبعا هناك حالات مستعصية لاتدخل في مثلنا هذا).
ما يقوم به بعض المطلعين على علم الاجتماع وعلم النفس أنهم يزيدون في زرع اليأس والأسى في المجتمع،فهده الفئة لاتكفي بنقد رأس الهرم أو الطبقة السياسية بل تريد نسف كل متبنيات المجتمع بحجة أن ما يبرز على السطح هو جراء هذه الاسس والمتبنيات .
ويعمد هؤلاء إلى هذا النوع من الطرح و يعتبره نقدًا موضوعيًا وشاهدًا على التاريخ والحقيقة أنَّ هذا النفر يُسَطُّرُ يأسه ونظرته القبيحة ليجعل منها صورةً للمجتمع العراقي .
وهنا لا أدع الى عدم طرح الافكار بحرية بل إنني ادع دائما الى التفكير بصوت عالي لكي تتلاقح الأفكار ونتعارف فيما بيننا كما أوصانا القران {لتعارفوا} لنصل الى أُطروحةٍ تمنحنا حلًا بعد دفعة معنوية من الطبقة المثقفة التي أتوسم فيها أنها هضمت تاريخ التجربة العراقية على الصعيد الاجتماعي والسياسي منذ تأسيس الدولة العراقية الحديثة قبل مئة عام تقريبا.
هذه الطبقة المثقفة التي وضحت أنها تتمثل بعلماء الاجتماع والنفس والسياسة والتاريخ والادب وعلماء الدين أيضا التي تستطيع تشخيص الامراض وتعطي العلاج أيضًا لا تلك المدعية الثقافة.
لكن المشكلة أننا في زمن الفوضى حيث يتلاشى صوت الحكمة ويعلو صوت التفاهة، يخبو صوت العقل الداعي الى الرشد، ليرتفع صوت الغريزة الداعية الى الثأر والانتقام من الاخر، والانتقام من الذات ويعلو صوتٌ يائسٌ من الحل مريضٌ لا يستطيعُ أنْ يفتح عيناه ليرى كل الصورة بل يكتفي بغلق واحدة وفتح جزء من الاخرى ليكتب أو يصرح بما يزيد من الطين بله .
والتائه ذو النزعة الفردية المتحامل على الواقع لايمكنه أن يرشد غيره في طريق معبد نحو أفق سليم .
لهذا لم أعد أحتمل هذا النوع من الطرح المرضي السمي القاتل دون شعور أصحابه أنه قاتل وتلك هي المصيبة الكبرى فهؤلاء لايعلمون أنهم لايعلمون و ماذا يفعلون أو ماذا سيؤثر طرحهم ونراهم ينتشون،وتأخذهم العزة، ويتفاخرون فيما بينهم لأنهم استطاعوا أن يسبوا فلانا وقومه، ويبينون مساوئ هذه الفئة وتلك وجعلها حالة عامة متأصلة في هذا المجتمع .
إنهم يعدون ذلك بطولة وانتصارًا وهي في الحقيقة هزيمة نفسية وكما قيل “اليائس يلجأ الى الشتائم ” وانصاف المثقفين لايملكون الا الوقاحة في غرس القيم البائسة لتحل محل الفضيلة والأصالة.
قد تكون هناك برمجة لمثل هذه الطروحات أو هناك من يشجع على نشرها لتزرع هذا النوع من الأفكار الهدامة في المجتمع وهي نوع من الحرب الخفية ضدنا لكني سأوجل النقاش بذلك،واكتفي بمناقشة أصحاب الدعوات فقط حيث لم أعد أحتمل هذه الدعوات المرضية وأول عمليات الاصلاح أن يظهر بديلا لهذه الاصوات وبديلا لهذه الافكار السوداوية التي ترسلنا لجهنم بعد حين ..
لا بد للاصوات العاقلة الراشدة التي لاتيأس من روح الله أن تعلوا، وتقول كلمتها مهما اشتدت المحنة، ومهما قست الحياة فإنها تجربة ولابد أن تنتهي لتصقل هذا المجتمع ليكون أكثر وعيًا وأكثر تماسكا للوصول إلى حالة من الرقي المنشود .