ما الذي قد تعنيه ولاية ثانية لترامب بالنسبة إلى الشرق الأوسط؟ بقلم غابريال طبراني
يبدو أن سعي الرئيس دونالد ترامب إلى ولاية ثانية في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل سيكون صعباً ومليئاً بالإشكالات، لكنه ليس أمراً مستحيلاً. لقد أودت جائحة “كوفيد-19″ بحياة 200 ألف أميركي حتى الآن، وهي حالياً العامل الرئيس الوحيد الذي يُهدّد عودته إلى البيت الأبيض. ولكن كما تُظهر استطلاعات الرأي الأخيرة، فإن الفجوة بينه وبين المرشح الديموقراطي، جو بايدن، تضيق مع دخول الولايات المتحدة أحد أكثر مواسم الإنتخابات غرابة في التاريخ.
من جهته، يُشكّك ترامب في نزاهة التصويت عبر البريد، الذي يُلائم ويخدم الديموقراطيين، ويُحذِّر من احتمال تزوير انتخابات 3 تشرين الثاني (نوفمبر). من هنا، يتوقّع المراقبون أن تستغرق عملية فرز الأصوات وبالتالي معرفة النتائج النهائية للإنتخابات أسابيع وربما شهوراً، وأن معركةً قانونية مُرهِقة ستكون بالإنتظار. إذا خسر ترامب فسوف يعترض على النتيجة في ظلِّ أجواءٍ شديدة الإستقطاب والإحتقان في أميركا. في كلتا الحالتين، تواجه الولايات المتحدة أشهراً مُقبلة صعبة.
لكن ماذا ستعني فترة ولاية ثانية لترامب بالنسبة إلى الشرق الأوسط؟ لقد حقّق ترامب إنتصارين مُهمّين في السياسة الخارجية قبل انتخابات تشرين الثاني (نوفمبر). قبل أسبوعين حذت البحرين حذو دولة الإمارات العربية المتحدة في إعلان نيّتها تطبيع العلاقات مع إسرائيل، وشهد البيت الأبيض الأسبوع الفائت توقيع اتفاقات تاريخية بين الدول الثلاث من شأنها تعزيز صورة ترامب كصانع سلام في منطقة تُعاني من الصراعات والإضطرابات. وهذا الأمر دفع بالنائب النروجي، كريستيان تيبرينغ-غيدي، إلى ترشيحه لنيل جائزة نوبل للسلام للعام 2021.
دولٌ عربية أخرى قد تتخذ خطوات مماثلة قبل الإنتخابات، ولكن إذا فاز ترامب بولاية ثانية، فيُمكننا أن نتوقّع رؤية طبيعية جديدة في المنطقة حيث ستظهر إسرائيل كعمود فقري لتحالف إقليمي جديد. سيستمر ترامب في تقليص الوجود الفعلي لأميركا في المنطقة مع دعم تحالف إسرائيلي-عربي بالوكالة يهدف إلى مواجهة التهديدات التي تُشكّلها إيران وتركيا، حيث ترى دول الخليج على وجه الخصوص أن هذين البلدين يوسّعان نفوذهما في المنطقة العربية بشكل متزايد ويُشكّلان تهديداً وجودياً. هذه هي عقيدة ترامب الأمنية الجديدة للمنطقة، ومن أهم نتائجها إنسحاب حلفاء إسرائيل الجُدد من، ما كان يُعتَبَر القضية العربية المركزية، القضية الفلسطينية.
بالنسبة إلى الأخيرة، ستظل رؤية ترامب للسلام بين إسرائيل والفلسطينيين واحدة من العديد من المبادرات لتسوية الصراع المستمر منذ عقود. ومن غير المرجح أن تدفع ولاية ثانية لترامب لمثل هذه التسوية. سيُركّز فريق ترامب للسلام جهوده على ترسيخ التحالف العربي-الإسرائيلي الجديد وستكون إيماءاته ومواقفه تجاه الفلسطينيين، إن وجدت، مُخادِعة.
سيدفع ترامب من أجل المزيد من انسحاب القوات الأميركية من العراق وأفغانستان، وفي وقت ما من سوريا. ستبقى استراتيجيته المُعادية لإيران و”حزب الله” (في لبنان) على حالها بما يتماشى مع التحالف العربي-الإسرائيلي الذي تم تشكيله حديثاً. ستكون الولاية الثانية لترامب كارثية على السيولة التي تُعاني منها إيران وبالتالي لبنان. إن احتواء الجمهورية الإسلامية سيزيد الضغط على النظام، لكنه سيدفع طهران أكثر نحو روسيا والصين. لن يكون انهيار النظام وشيكاً، ومن المرجح أن يُوسّع المُتشدّدون سيطرتهم على الدولة على حساب مَن يُسَمّون بالمعتدلين. سيستمر التدخل الإيراني في الشؤون العراقية والسورية واللبنانية. وبالنسبة إلى العراق، فإن انسحاب القوات الأميركية الإضافي سيجعل مهمة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي في مواجهة الميليشيات المارقة أكثر صعوبة. ستكون أولوية ترامب هي في إعادة القوات إلى الوطن بأي ثمن.
من ناحية أخرى، سوف يتعمّق الإستقطاب الإقليمي بشكل متزايد مع اعتماد الولايات المتحدة أكثر على وكلاءٍ إقليميين. ليست لدى ترامب استراتيجية واضحة في التعامل مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، الذي يبرز كعامل مُزعزِع للإستقرار في المنطقة. سواء كان في العراق أو سوريا أو ليبيا أو قطر أو شرق البحر الأبيض المتوسط أو حتى في لبنان، فقد أصبحت أنقرة لاعباً رئيساً بأجندة استعمارية طموحة. إن تحالفها مع روسيا، في تحدٍّ لحلف شمال الأطلسي الذي هي عضو فيه، ذهب من دون ردعٍ أو عقاب من قبل واشنطن. ومن غير المرجح أن تُغيّر فترة ولاية ثانية لترامب موقفه تجاه مغامرات أردوغان الإقليمية.
سيكون التحدّي الإقليمي الأكبر في ظل ولاية ترامب الثانية هو مسألة مَن سيملأ الفراغ الذي سيُخلّفه رحيل الولايات المتحدة. أصبح التدخل الروسي في سوريا في العام 2015 علامة فارقة في نفوذ موسكو الإقليمي المتزايد، والذي امتد الآن إلى ليبيا وتركيا وإيران وحتى العراق. من المرجح أن نرى نشاطاً ديبلوماسياً واقتصادياً وعسكرياً روسياً نشطاً في المنطقة تحت ولاية ترامب الثانية. كما أن خروج أميركا من المنطقة سيُعطي الصين فرصة لتوسيع نفوذها الإقتصادي وبناء شراكات جديدة، وسيمنح فرنسا دوراً جديداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كما ظهر أخيراً في لبنان والعراق وليبيا.
سيؤكد فوز ترامب الحقائق الجيوسياسية الجديدة مع احتلال التحالف العربي-الإسرائيلي مركز الصدارة. سيكون من المُثير للإهتمام معرفة المدة التي يُمكن أن يتحمّلها هذا التحالف وكيف سيتم اختباره. ستقوم الولايات المتحدة برعايته، لكنه سيتزامن مع انسحاب مُتعَمَّد من منطقةٍ يرى ترامب أنها أصبحت أقل أهمية من الناحية الاستراتيجية بالنسبة إلى أميركا. ويبقى أن نرى كيف سيؤدي فك الإرتباط الأميركي هذا من حيث تشكيل تحالفات جديدة وتطور الصراعات المحلية في دولٍ مثل العراق وسوريا واليمن وليبيا ولبنان.
رابط المقال اضغط هنا