نحو سلم اجتماعي عراقي (2) نحو استعادة ثقة المواطن | السيد علي الهماشي
(اعادة ثقة الفرد بالمجتمع )..
تقول بعض الدراسات “إن فقدان الافراد ثقتهم الاجتماعية يؤدي الى تدهور منظومتهم القيمية وخياراتهم الأخلاقية ويتخفف مستوى التزامهم بالفضائل الأخلاقية وتنكسر روابطهم الاجتماعية مما يجعلهم يتسمون بالعنف والتنافس والكذب”1.
وعلى مدى العقود التي وعيت فيها وجودي في المجتمع العراقي وجدت أن الفرد العراقي لم يشعر بجو من الثقة في المحيط الذي يعيش فيه
وكان الفرد دائما بحاجة إلى حماية يؤمن فيها وضعه ،ورغم ذلك بقى قلقا من القادم وكلما ظن أنه استطاع تأمين وضعه يتفاجئ بأُمورٍ تهدم كل ماظن أنها جُدر قد سوّرَ بها نفسه وحمى وضعه !
وساتجه الى فترة نظام البعث لاني أحسب أني كنت شاهدا ومعاصرا لحكمه وطريقة تعامله مع المجتمع ولست هنا في معرض إدانة لهذا النظام المدان فعلاً ،ولكني اُريد استعراض وضع الفرد والمجتمع وما أفرزه من ظواهر وعادات وثقافات وكان نتيجتها أمراض اجتماعية ونفسية أصابتنا وأهمها جاءت نتيجة الخوف وعدم ثقة الفرد بالمجتمع المحيط به .
حاول نظام حزب البعث جعل العراقيين كلهم بعثيين بطريقة الترهيب والترغيب فقد كانت قساوته مع معارضيه فريدة من نرعهاولم يكن لها نظير في عالمنا المعاصر ،وقد اختزن النظام كل تجارب الانظمة على مدى التاريخ ويستنسخها في تجربته وتفنن في ابتكار وسائل اخرى ،
ورغّب في الانتماء اليه من خلال الامتيازات التي تتوفر في المنتمي للحزب الحاكم ،وكانت استمارة المعلومات التي توزع على طلبة المتوسطة والاعدادية والجامعات والموظفين والمتقدمين للكليات العسكرية بانواعها وكليات الشرطة وغيرها تحتوي على الفقرة الاهم هل تنتمي لحزب البعث وماهي درجتك الحزبية ؟
وهل تنتمي لاحزاب المعارضة واي من اقاربك ينتمي لها وكانت النتيجة معروفة حسب الاستمارة التي يتم تعبئتها ،وقد لاحظنا وعاش الكثيرون نوع المضايقات لمن كانت استمارته تحتوي على معلومات تبين ان أقاربه ايا كانت درجة القرابة منتم لاحزاب المعارضة ..
ولهذا كان الفرد المتقدم يحاول أن يحمي وضعه ومستقبله فيكون أحد أعضاء هذا الحزب (ربما كانت هناك استثناءات) لكن هذه الظاهرة كانت الواضحة وكان لسان الحال (سجل والله كريم) .
وكانت هذه من أخطاء االبعث ونظامه الكبرى حيث فكر بالكمية لا النوعية ،ولهذا كان سقوطه مدوياً لعدم إيمان أفراده به ،و لم يطبق اي شعار من شعاراته ولم تتجسد القيم التي دعت اليها أدبياته في قياداته فكيف بالافراد الذين سجلوا كاعضاء فيه رغما عنهم أو لتأمين وضعهم ومكانتهم في عالم لايمكن أن تؤمنه الا بانتمائك الى هذا الحزب على الاقل كمرحلة اولى لضمان عدم الملاحقة والمساءلة.
وكانت هذه احد اسباب التي أدت الى جعل الفرد يعيش حالة اللاطمأنينة مع المجتمع واللاسلام مع واقعه المحيط به !.
وكان “الاضطراب الاجتماعي “2هو العنوان الغير مرئي في نظام قمعي بوليسي وقد تحدثت عن ذلك في الجزء الاول من هذا الموضوع ولكنه تكرس في عهد حزب البعث بعد انقلابهم في سنة 1968 وتكرس اكثر بانقلاب صدام على رفاقه واستيلائه على الحكم في سنة 1979 .
لقد اضطربت الاجواء السياسية والقت بظلالها على الفرد والمجتمع بعد اندلاع الحرب في 1980 لنجد مزيدا من الخوف فالفرد كان يعيش خوف الموت في جبهات القتال ،ويواجه الموت فيما لو ارتكب خطأً ما عند عودته من جبهات القتال أنذاك.
وكان لفقدان الثقة بالمجتمع هو العامل الاكثر خطورة على النسيج الاجتماعي والروابط الاجتماعية وهو ما جعلنا اكثر تعاسةً وربما نعمل على تجاوز حقوق الاخرين
وكل ذلك كان الفرد يكبت في نفسه مالم يستطع أن يعبر عنه مع أقرب المقربين له ،ناهيك عن من هو أبعد منه .
كل ذلك كان نتيجته عدم التسالم والتصالح بين الفرد ونفسه وبين الفرد ومجتمعه وبالتالي تكون النتيجة معروفة .
ومع سقوط النظام تجلت الافرازات المكبوتة لدى الفرد العراقي فحاول الانتقام من كل ماهو مرتبط بذلك النظام .!
ومع سقوطه في 2003 لم يكن الحال بأفضل مما سبق وكان وعي المجتمع ينطر الى الانتماء الحزبي للاحزاب التي ظهرت بعد 2003وتبعده عن الارتباط بحزب البعث نوعا من التأمين لوضعه في النظام الجديد !!.
وربما كان ذلك نتيجة سلوك بعض الاحزاب التي لم تكن تملك قواعد جماهيرية معتبرة فلجأت الى سلوك حزب البعث لتجميع اكبر عدد من الانصار والمؤيدين .
ولم يستطع إلا القليل منا أن ينتقل من مرحلة النظام الشمولي الى النظام الديمقراطي فمازلنا معبأيين بالعنف ونملك خزينا متراكما من الاضطهاد ومن عدم الثقة بالاخر وبالمجتمع ووصل هذا الانطباع حد (الدوغماتيا) 3.
و الحقيقة الواضحة إنه لم يستطع معظم أفراد الاحزاب أو التيارات أن يشكلوا نموذجا للمواطنة الصالحة ونموذجا يُحتذى به ،وفي ظل الصراع الغير أخلاقي وجد المواطن نفسه بعيدا عن الكل ،ولايرتبط مع هذه الاحزاب والحركات إلا بما يؤمن وضعه الاجتماعي وكأن الاوضاع هي ذاتها قبل 2003.
ولهذا لم تغادر الفرد العراقي حالة الخوف والقلق نتيجة الفوضى الامنية وحالة الانهيار الكامل بسبب سقوط النظام ولم يكترث المحتل الامريكي لما آلت اليه الأُمور الأمنية فهو مع الفوضى التي تعتبر احدى ستراتيجياته .
وهنا حاول الفرد العراقي تأمين وضعه الجديد في ظل (ديمقراطية الاحزاب )و(ديمقراطية المكونات) وما تخللها من صراعات لم يأمن من خلالها العيش في ظل مجتمع متصالح مع نفسه ، وأضحى الفرد منا يعيش في مجموعات صغيرة تجمعها مصالح مؤقتة شبيهة بمجتمع العمل او المدرسة فالروابط مؤقتة لا تنسجم لتشكل ما يُطلق عليه مجتمعا بحسب مفهوم المجتمع وتعريفاته .
وهذا الامر مازال مستمراً ولم نجد بوادر تجعلنا نغادر هذه الحالة وأحيانا نصل الى حالة الكسل (النفسي المجتمعي )!.4
وفي بعض الاحيان نرى تفاعل أفراد المجتمع مع أي إعتراض او تظاهرات وإن كانت مطلبية في بداياتها لتتحول الى مظاهرات سياسية تريد تغيير كل الوضع الموجود أو تغيير النظام وإسقاطه بما يشبه حالة الانفجار أو حالة الانتحار الجماعي للخلاص من حالة الكسل النفسي المجتمعي
إذن نحن بحاجة إلى إعادة صياغة لعلاقة الفرد بمجتمعه لنعيد للفرد إنتمائه للمجتمع ويشعر بالثقة والامان فيه .
ويجعل منه فرد مستقرا يبحث عن أهداف اخرى تطوره في مجالات الحياة ،لان قلق المعيشة والامن تطوق الانسان وتدخله في متاهات قد تنتج سلوكا عدوانيا ويتطور هذا الامر ليشمل الجماعات التي تشعر وتصل الى مستوى من القلق لايمكن لها إلا أن تفجر خزينها المكبوت بأعمال عنف وأعمال عدوانية ..
وهو ما يُهدد السلم الاجتماعي وأحد عوامل انعدام الامن على مستوى الفرد والمجتمع .
علي الهماشي
———-
1-دراسة جامعية للباحثين لوندسن وترغادة سنة 2013.
2-الاضطراب الاجتماعي هو مصطلح أُستخدِمَ لأول مرة من قبل عالم الاجتماع الفرنسي اميل دوركايم ،وكان يعني به :أنماط العلاقات الاجتماعية التي لاتتوافر فيها العرامل والظروف والشروط التي تحقق السعادة والرضا والطمأنينة للانسان.
3-الدوغماتية :هي حالة الجمودالفكري .
وهناك انواع من الدوغماتية يمكن لنا ان نتاولها وكيف اصيب بها افراد من المجتمع او مجاميع منه ..
4-الكسل النفسي المجتمعي : يأتي ذلك نتيجة اليأس وفقدان الامل وهو من أسباب الكسل والخمول وعدم الرغبة ..