انتفاضة ١٧ تشرين الشعبية، ما لها وما عليها بقلم العميد الدكتور عادل مشموشي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
إنه رأس السنة الثاني بعد الانتفاضة الشعبيَّة العارمة التي تفجرت في 17 تشرين الأول عام 2019، يخمد لهيبها حيناً ولكنه ما يلبث أن يعود لتوهُّجِه، تؤججه مُعاناة شعب ساكتٌ على ضيم، وصابر على صَلفِ حُكامه الجشعين المُتغطرسين المتعنصرين الفئويين الطائفيين المذهبيين، وممارساتهم اللامَسؤولة وما ينجم عنها من ويلات وكوارث وأزمات كان بالإمكان تجنبها وتلافي مخاطرها ومضارها. حكَّامً تتمحورُ أوليَّاتهم حولَ مَصالِحٍهِم الشَّخصيَّة ومراميهم الغرائزيَّةِ الطائفيَّة المَذهبيَّة المَقيتَة، أتَّقنوا فنَّ الإستئثار بكل مقومات الوطن، فصوَّرا أنفسهم كأشباه آلهة، يتحكَّمون بمصير الوَطن، وبقدَرِ شعبهِ المقهور.
هي انتفاضةٌ شعبيَّةٌ مباركة لم تمت، ولن تهدأ طالما بقي التَّخبُّطِ في الأداء السياسي نتيجة تعارضِ المصالح والتنازع على المُكتسبات السياسيَّة والماليَّة بين الأقطاب السياسيين الأساسيين الحاكمين والمتحكمين، مُستغلين الثغرات التَّشريعيَّة التي تعتري النُّصوص الدُّستوريَّة التي يستغلها السياسيون لابتزاز بعضهم البعض على حساب الوطن والمواطن.
انتفاضةُ السابع عشر من تشرين حقَّقت الكثير من النَّجاحات، وإن لم تنجح في تحقيق كلِّ مراميها والتَّطلعات الشَّعبيَّة، يكفيها فخرا أنها زلزلت الأرض تحت أقدام المُتغطرسين، وخلخلت ثقتهم بأنفُسِهم قبل زعزعة ثقة الناس بهم، وكشفت زيف الأحجيات التي كانوا يتسترون خلفها، والأعذار التي كانوا يُخدرون عامَّة الشَّعب بها، وأربكتهم فجعلتهم يتخبَّطون بمواقِفِهم، وأرغمتهم على حجر أنفُسِهم بعيداً عن الأماكِن العامَّةِ اتقاءً للإهانة وطردهم عنوة من الأماكن العامة كما حرَّمت عليهم ارتياد المطاعم والمقاهي …
الإنتفاضة الشَّعبيَّة المباركة فجَّرها ثوار مِقدامون، لم ترق بعد إلى مَصاف الثورات، وبالتالي لا ينطبق عليها مفهوم الثورة بكل ما للكلمة من معنى، لأنها لا تزال في طور التكوٍُن أي “مشروع ثورة”، ولا يمكنها بوضعها الحالي وبمنهجيتها أن تحقِّقَ الآمال المُعلَّقةِ عليها، إن لم يصر إلى تنظيمها على نحو محكم، وتبنيها لإيديولوجيَّة واضحة المعالم، توحِّدُ بين مُكوِّناتِها وتحفظُ تنوُّعِها.
إنها ثورةٌ شعبيَّة سِلميَّةٌ بعيدةٌ عن كل أشكال العنف الثوري مهما حاول البعض شيطنة المشاركين فيها، ولا يمكن لهذه الإنتفاضة وثورتها الجارفة المُرتقبة قريبا إلاَّ أن تكون سلميَّة، لأنها ليست بثورة مُسلَّحة، ولأن اللجوء إلى العنف يتيح المجال للحاكمين المُتحكمين المخضرمين في العمل الميليشاوي للقضاء على حراكها الشعبي وتقويض جُهوده وثني عامَّة الناس عن المشاركة في الاحتجاجات الشَّعبيَّةِ بمُختلف أشكالِها سواء تمثَّلت باعتصاصمات أو احتجاجات أو تَظاهرات…
إن الثوَّار مدعوون بعد مرور عام على انتفاضتهم الشَّعبيَّة المباركة لإجراء نقد ذاتي موضوعي لاستخلاص العبر وتصويب الأداء، وهذا يتطلب إجراء تقييم شامل لكُلِّ المراحِلِ الأساسيَّةِ التي مَرَّت بها الانتفاضةُ، والمُقاربات التي اعتَمدتها حيال المسائلِ المَطروحةِ أو التي واجهتها، وما هي النَّجاحاتُ التي حَققتها، وكذلك الأمر بالنسبة للإخفاقات التي مُنيت بها، وأسبابِ كُلِّ ذلك.
أولاً: تقييم الوضع الراهن:
نحن في معرضِ انتفاضة شَعبيَّة بدأت بعفويَّة نتيجة تأزم الأوضاعِ السياسيَّةِ والتَّخبُّط السياسي وتعطيلِ المؤسَّساتِ الدُستوريَّةِ نتيجةَ كثرة المُماحكاتِ السِّياسِيَّةِ والتَّنازعِ على المكاسبِ، وتبني منهجيَّة التَّغطرُسِ والإبتزاز السِّياسي، ما أدى إلى انعكاساتٍ اقتصاديَّةٍ وماليَّةٍ واجتماعيَّةٍ وأمنيَّةٍ خَطيرة. كُلُّ ذلك ولَّدَ نقًمةً شعبيَّةً عارمة لدى الأفراد اتجاه الحكام، ما دفع بالعديد من الأفراد إلى النُّزول إلى السَّاحاتِ العامة والمُشاركةِ باحتجاجاتٍ ومسيراتٍ وتظاهراتٍ عارمة، تخللها في بعض الأحيان أعمالُ شَغب وتَعدٍ على الأملاكِ العامَّةِ والخاصَّة، قام بها مندسون أو مشاركون مفرطون في ردات فعلهم، وبخاصَّة في تطاولهم على القوى العسكريَّة والأمنيَّة المولجة بالحِفاظِ على الأمن وحمايَةِ الأملاكِ والأفراد بمن فيهم المُشاركين في نشاطاتِ الحِراك الشَّعبي المُنتفض، والتي أفرطت بعض الأحيان في اللجوء إلى القوة على نحو لا يتناسب مع طبيعة الحِراك السِّلمي.
ثانيا: النجاحات التي حققها الحراك:
– أدى الحراك الشَّعبي إلى لفت انتباه الطَّبقة السِّياسِيَّة الحاكمةِ إلى مَغبَّة الاستمرارِ في تجاهلِ المَطالبِ الشَّعبيَّةِ والتَّعامي عن المَشاكلِ الماليَّةِ المُتأتيةِ عن هبوطِ الاحتياطِ المالي من العُملات الصَّعبةِ لدى كل من المصرف المركزي والمصارف اللبنانيَّة الخاصَّة، وانهيار قيمة العملة الوطنيَّة وضعف قدرتها الشِّرائيَّة، وانعِدام الثقةِ في القِطاعِ المصرفين نتيجة امتناعِ المَصارفِ عن تسليمِ المودعين لإيداعاتهِم من العُملاتِ الأجنبيَّة، وبخاصَّة من الدولار الأميركي، وانعكاساتِ كل ذلك على المُتطلباتِ الحَياتيَّة للمواطنين.
نجح الحراك إلى حدٍّ كبيرٍ في — تعرية السِّياسيين كُل السِّياسيين وكشفهم على حقيقتهم ولو بدرجات مُتفاوتة، إلاَّ أنه لم ينجح في إقصائهم عن مواقِعِهم أو كفِّ يدهِم ومعهم من العبث بمُقدِّراتِ البلدِ.
نجح الحراك في إسقاط حكومتين خلال فترة قصيرة، وبقي البعض الآخر من السياسيين ممسكاً بموقعه، رافض التخلي عنه، رغم كل التَّجاوزات والارتكابات التي اقترفوها.
ثالثا: اسباب الاخفاق في تحقيق المطالب المنادى بها:
يُعزى عدم تحقُّقِ الحراك لمطالبه إلى جملة من الأسباب نكتفي بالإشارة إلى أهمِّها:
أ ـ تجذُّر الطَّبقةِ السِّياسِيَّةِ الحاكِمَةِ في العملِ السِّياسي، وإمساكها بمفاصلِ الدَّولة وتخضرُمها في تطويعِ الشَّعب، وإحكامِ سيطرتها على مفاصلِ الدَّولةِ، بشراء ذِمَمِ بعض الصُّحفيين، وإحاطة كل من المَسؤولين لأنفسهم بحاشيةٍ كبيرة من المُنتفعين والمُستزلمين والوصوليين وإمساكُهُم بالعديد من إداراتِ الدَّولةِ وتجييرِها لخدمَةِ مصالِحِهِم ومن يدور في فلكِهم.
ب ـ ضعف مستوى الوعي لدى عموم الشَّعب اللبناني لحقوقه السياسيَّة وأهميَّةِ مُمارستها، في ظل سَيطرَةِ أو تملُّكِ الأقطابِ السِّياسيين لوسائل إعلاميَّة مُتنوعة مرئيَّة ومَسموعة أو مَكتوبة، وتكريسِها لتَسويقِ رَغباتِهِ والتَّعرُّضِ لخُصومِه، والتَّرويج لحَملاِتِه الانتخابيَّةِ التي لطالما أجريت وفق قوانين انتخابيَّة فصِّلت على قياس المسؤولين السياسيين الذين برعوا في ما عرف بالتوريث السياسي. علماً أن بعضاً من المحطات الإعلاميَّة وقفت إلى جانبِ الإنتفاضةِ الشَّعبيَّة مبديةً تعاطفاً مع المطالب المُحقَّةِ المنادى بها، وساهمت بتغطيةِ مُعظم نشاطات الحراك، وإن يكن بمُقارباتٍ ومن مِنظارٍ خاص بكُل منها.
ج ـ عدم انضواء مكونات الحِراك الشَّعبي في إطار كيان سياسي موحَّد، لعدم بلورة الرياديين فيه لرؤية شاملةٍ مُتكامِلَةٍ تجمع مُعظم مُكوِّناته، وبالتالي بقي الحراك أشبه بجماعاتٍ شعبيَّةٍ مُفكَّكة، جُهودها غير مُتكاملة، ونَشاطاتُها غير مُنسَّقة، وتحرُّكاتُها فوضَويَّة، وأهدافها غير مُحدَّدة، ومطالبها عَشوائيَّة وربما غير واقعيَّة، وتتخذُ قراراتها بارتجاليَّةٍ بعيداً عن أيٍّ تخطيطٍ وتنسيق مُسبَقين.
د ـ الحالة الانهزاميَّة التي يعاني منها عامَّة الشَّعب نتيجة حالة الإحباط التي تسببت بها الإخفاقات المُتعددة، والروح الانهزاميَّة والخنوع والتَّسليم لمشيئة الطَّبقة الحاكمة وإملاءاتها كأنها قدراً محتوماً ينبغي تقبُّله والعيش في ظلِّه، كما جرَّاء تسمُّمِ عُقولِ معظمِ اللبنانيين بالتَّعنصرِ الفئوي جرَّاء تكريس الإنتماءاتِ الطائفيَّة والمَذهبيَّة وربما المناطقيَّة.
ه ـ نقلُ المواجهة ما بين الحِراك الشَّعبي والمَسؤولين المتحكمين بالسلطة إلى مواجهةٍ سَخيفَةٍ ما بين بعض من المُنضوين في الحِراكِ وأخرين مُندسين فيه والقوى العسكريَّة والأمنيَّة المولجة بمواكبة التحركات الشعبية والقيام بمهام حفظ النظام وتوطيد الأمن كما بالحفاظ على المشاركين في نشاطات الحراك، والإنجرافِ في لعبةِ كرٍّ وفرٍّ نتيةَ أعمال الشَّغب التي كثرت في الآونة الأخيرة. الأمرُ الذي كان له انعِكاساتٍ سَلبيَّةٍ على الانتِفاضة الشَّعبيَّة ومَسارِها، من حيث الانحرافِ عن التَّوجُّهاتِ الأساسِيَّة، بالإضافَةِ إلى تشويهِ صورةِ الثوارِ لدى المواطنين، ما دفع بمُعظمِهِم للعزوف عن المُشاركة بأنشِطَةِ الحِراك، ورُبما تسبَّب في تقويضِ التَّحرُّكاتِ الشَّعبيَّةِ او شلُّها نِسبيَّا. كما سعى بعضُ المسؤولين لتَحميلِ الحراكِ تبعاتِ كُلِّ ما حَصل من تعدِّيات، وانعكاساتِ كُلِّ ذلك ماليَّاً واقتِصادِيَّاً ومَعيشيَّاً.
و- النزعة الى التفرد والوصولية لدى البعض ممن حاولوا امتطاء الثورة للوصل الى مآرب خاصة بهم.
رابعا: ما ينبغي القيام به لتقويم الأداء:
إن المُقاربةَ المُتجرِّدةِ الهادفةِ إلى تصويبِ أداءِ الحراك، تخلُصُ إلى ضرورة العمل وفق التَّوجُّهاتِ التاليَة:
أ ـ العمل على بلورة رؤية وطنيَّة جامعة تلتقي عليها غالبيَّةُ مُكوناتِ الحِراك، في حال تعذُّرِ توفُّرِ الإجماع عليها، رؤيةٌ تُحاكي مرامي وطُموحاتِ الشَّعبِ اللُّبناني، وتبنى على القواسِمِ المُشتركَةِ التي تجمَعُ بين مختلِفِ أطيافِه وفئاته، تستظلُّ بسَقفٍ لبناني، ولكنها تأخذ بعين الاعتبارِ المُعطياتِ الدَّوليَّةِ والإقليميَّة، مع أرجحِيَّةِ تغليبِ مُقتضياتِ الانتِماء الوطني على أيَّةِ اعتباراتٍ ومصالِحَ خارجيَّةٍ أو داخليَّةٍ فئويَّةٍ أو شَخصِيَّة.
ب ـ ترجمة مرامي وطموحات الشَّعب اللبناني في إطار مُسلَّماتٍ وطنيَّةٍ، ذات أبعادٍ إنسانيَّةٍ ووطنيَّةٍ جامِعَة، ترسِّخُ مفاهيمَ الانتماء الوطني بعيداً عن الإصطفافاتِ الدَّوليَّةِ والإقليميَّة، كما عن المصالحِ الفئويَّةِ والشخصيَّة.
ب ـ تبني إيديولوجيَّةٍ واضِحَةِ المَعالِم، تترجِمُ روحيَّةَ الإنتماء الوطني، وترعى أسس تحقيقِ وضمانِ المصالحِ الوطنيَّةِ السَّاميَة؛ تلحظُ كيفيَّةَ العمل لضمان الوصول إلى الغاية النهائيَّة، وتحدِّدُ الأهدافَ المرحليَّةَ وفق مُقتضياتِ ومُتطلباتِ تحقيقِ كُلٍّ منها.
ج ـ وضعُ قائمةٍ بالأهدافِ التي ينبغي العملُ على تحقيقها، وفقَ الأولويَّاتِ الوطنيَّة، والظروفِ الموضوعيَّة والإمكانات المُتاحةِ زمانيَّاً ومكانيَّاً ولوجستيَّاً وتقنيَّا…
د ـ صياغةُ خِطَّةِ عملٍ مرنة ومًتكامِلَةٍ قابلة للتنفيذن وقادرة على تَحقيقِ الأهدافِ المَرحلِيَّة، ومواكبَةِ المُستجداتِ والتَّصرُّفِ حيالَها، وصولاً إلى تحقيقِ الغايَةِ النِّهائيَّةِ التي تصُبُّ في إطارِ تحقيقِ المرامي والطموحاتِ الشَّعبيَّة واستثمارِ المُنجزاتِ التي حققها الحراك والحِفاظِ على المُكتَسبات، بحيث تلحظُ عدَّة سيناريواتٍ يُختارُ منها الأفضلُ بما يتناسَبُ مع المعطياتِ والظُّروفِ القائمَةِ والإمكانيَّاتِ المُتوفِّرة.
ه ـ السَّعي إلى تشكيل قوةِ ضَغطٍ شعبيَّةٍ فاعلةٍ من شأنِها التأثيرُ على القراراتِ المُتَّخذة على المُستوى الَوطني، سعياً لتقويمِ أداء المؤسَّساتِ الدُّستوريَّةِ والإداريَّةِ الوطنيَّةِ في مختلفِ الجوانبِ السِّياسيَّةِ والاقتصاديَّةِ والماليَّةِ والاجتماعِيَّة، بحيثُ توفِّرُ الدَّعمَ اللَّازم لتَحقيقِ تَطلُّعاتِ الحِراكِ الشَّعبي في مُختلفِ المَجالات، على أن تكون المُقارباتُ مُتكاملةً نظريَّاً وعَمليَّا.
و ـ السَّعي إلى شَحذِ الهِممِ واستِقطابِ الرَّأي العام الشَّعبي، من خِلالِ نشرِ التوعيَةِ لدى عُمومِ المواطنين، بعيداً عن أية انتماءاتٍ فئويَّة (طائفية، مذهبية، مناطقية)، مع التركيز على أهميَّة قيام كل مواطن بدوره، والمبادرةُ إلى الاحتِكامِ لعمليَّةِ نقد ذاتي، والانتفاضِ على الذَّات، والتَّخلُّصِ من حالةِ الخُنوعِ والاستِسلام والتَّسليمِ بالأمرِ الواقِع، وبذلِ الجُهدِ اللَّازمِ في سبيلِ تَحقيقِ تغييرٍ جَذري حقيقيٍّ في الاداء على المُستوى الوَطني، ودعمِ الحِراك فِكرياً ومَعنوياً وماديَّاً، والانخِراطِ به في إطارٍ مُنظَّمٍ ومنسَّق.
ز ـ تصويبُ الجُهودِ وترشيدُ الإمكانيَّاتِ المُتاحةِ (بشريَّة وفكريَّة وماديَّة ولوجستيَّة)، بحيث تُحقِّقُ أفضَلَ الَّنتائجِ المَرجوَّةِ وبما يَخدُمُ تطلعاتِ الحِراكَ والأهدافَ المَرحليَّةِ التي يسعى الى تحقيقِها.
ح ـ تسليطُ الضَّوء على مرامي وتطلُّعاتِ الحِراكِ النَّبيلة، كما على النَّشاطاتِ التي يقومُ بها، وتجييشُ مختلفِ وسائلِ الإعلامِ ووسائطِ التَّواصلِ الإجتماعي لنَشرِها واستقطابِ الآراءِ الشَّعبيَّةِ المؤيِّدَةِ لها. وتهيئةُ الأجواء المناسبةِ للخطواتِ المنوي اتخاذُها. وبموازاة ذلك الاستمرارُ في كشفِ مخاطرِ المُمارسات والسِّياساتِ والمُقاربات السابقة الخاطئةِ التي أوصلت البلدَ إلى ما هو عليه.
ط ـ الحرصُ على بقاء تحرُّكاتِ الحِراك الشَّعبي سِلميَّةً وحَضاريته، حرصاً على عدم تنفيرِ المواطنين المُسالِمين، وتفويتِ الفُرصِ على المناوئين للحِراك والمُتضرِّرين من نشاطاتِهِ كي لا ينجحوا في مُحاولاتهم لتشويه التَّحرُّكاتِ أو التَّطاولِ والتَّعدي على المُشاركين فيها أو الزج بهم في السُّجون وأماكنِ التَّوقيف. ويكون ذلك بتنقية جِسمِ الحِراكِ ومكوناته الشَّعبيَّةِ من العناصِرِ المُشاغِبَة، وتوعيَةِ المُشاركين على أهميَّةِ التَّحكُّمِ بردات فِعلهِم اتِّجاه أية تصرُّفاتٍ إستفزازيَّة، حفاظاً على سمعةِ الحِراكِ وتماشياً مع سمو تَطلعاتِه، كما باعتماد جهازيَّةِ انضباطٍ تحرصُ على ضبطِ السُّلوكياتِ المُنحرفة، وبالوقت عينه تحول دون تسرُّب جماعات مندسة إلى داخل العناصر المُشاركة بالنَّشاطات المَيدانِيَّة، ولو تطلب الأمر إنشاء لجان تنسيقٍ مع القِوى الأمنِيَّة.
ي ـ تبني الحِراك الشَّعبي بكُلِّ نشاطاته وقراراتِهِ مبدأ النَّقدِ الموضوعي المُتجرِّد والبَناء، والتَّركزُ على كشفِ مواضِعِ الخَللِ والمُمارساتِ الخاطِئةِ واقتراحِ بدائلَ مُحكمةُ الدَّرسِ مبنيَّةً على أُسُسٍ عِلميَّةٍ ومنطقِيَّة غير مرتجلة، والابتعادُ عن أيَّةِ مُمارساتٍ ومواقفَ تنطوي على تطاولٍ أو تجريحٍ أو تعرُّضٍ للمَسؤولين الوَضعيين والرُّوحيين بالشَّخصي، كما عدمُ التَّعُّرضِ لأي من المفاهيم الدينيَّةِ وما تنطوي عليه من أدبيَّاتٍ وقِيَم.
ك ـ الحِرصُ على تبني مُقارباتٍ إصلاحيَّةٍ ديمقراطيَّة، انطلاقاً بمواكبَةٍ تشريعيَّةٍ لكل المُستجدات ومختلف المسائل المطروحة، كما في إطار تحقيقِ الأهدافِ المرجوَّة، وذلك من خلالِ العملِ على اقتراحِ بدائلَ مدروسةٍ وقابلةٍ للتَّطبيق، بدءاً بإصلاحاتٍ دُستوريَّةٍ لتلافي ما يَعتري الدُّستورِ من ثَغراتٍ ساهمت في تعطيلِ عملِ المؤسَّساتِ الدُّستوريَّة، تكون كافيةً وكفيلةً بقيام المؤسساتِ بواجباتِها الدستوريَّة، وبتجنُّبِ إساءَةِ أو استِغلالِ المناصِبِ السِّياسيَّةِ أو الوَظيفِيَّة.
ل ـ المبادرةُ إلى إعدادِ منصَّةٍ تشريعيَّةٍ تُخصصُ لنَشرِ البدائلِ القانونيَّةِ التي يطرحُها الحراكُ كإطارٍ تَشريعي لحلِّ ومقاربةِ الإشكاليّاتِ المُثارة على المستوى الوطني، وذلك بدءاً بإعداد مسودَّة قانون انتخابي نسبي كفيل بتشكيل مجالسَ انتخابيَّةٍ تُحاكي التَّمثيلِ الحقيقي والصحيح لمُكوِّناتِ المُجتمعِ اللبناني، مُروراً بقانون مُتكاملٍ جامعٍ مانعٍ لكُلِّ ما له علاقة بمكافحة الفساد وإساءة استغلال السلطة التي تخولها الوظيفة أو الموقع السياسي لشاغله، وقانون أحزاب يمنع إقامة أي حزب وفق مرتكزات طائفية أو مذهبيَّة أو مناطقية، وقانون جمعيات يضمن عدم استغلال الجمعيات لتحقيق مآرب شخصيَّة، أو للتطلي خالفها لجمع الثَّرواتِ أو تبديد المال العام، أو الإضرار بمقوماتِ الأمن القومي تنفيذا لأجندات مشبوهَة، وصولاً إلى تكريس آليٍة عمل تشريعية تكفل استمرار عمليَّة تحديث النُّصوصِ التشريعيَّة.
م ـ قانون يُعنى بتكريسِ اللامركزية الإداريَّةِ ويشجع سكان المناطِقِ على اختيارِ مُمثيلهم في المجالسِ المَحليَّةِ، ويما يضمنُ مُساهمةَ تلكَ المَجالسِ وهيئاتِها التَّنفيذيَّةِ في تنميَةِ مناطِقِها، في إطارِ خِطَّةِ تنميَةٍ وَطنيَّةٍ مُتكامِلَة.
ن ـ إعدادُ وتبني خِطَّةِ نهوضٍ وَطني مُتكاملة، تتناولُ مُختلفَ الجوانبِ الإقتصاديَّةِ، الماليَّةِ، الاجتماعيَّةِ، البيئيَّةِ والتَّربويَّة، تكون بمثابةِ خِطَّةٍ استراتيجيَّةٍ مُتكاملة، تُنفَّذُ على مراحلَ زمنيَّةٍ مُتفاوتة، وفق الإمكاناتِ المُتاحة.
ص ـ متابعةُ الضَّغط والسَّعي بشتى الأساليب والوسائلِ المَشروعَةِ والمتاحَةِ لمُلاحقةِ جَميعِ من ساهَمَ بشكلٍ أو بأخَرَ في تبديدِ الأَموالِ العامَّة، أو اختِلاسِها أو وضعِ اليد عليها بما في ذلك التَّعدي على الأملاكِ العامَّة، والتَّلاعُبِ بالثرواتِ الوَطنيَّة كافة، وكلِّ ما من شأنِهِ أن ينطوي على إضرارٍ بالأمنِ القَومي بمعناه الواسِعِ سياسِيَّاً واقتصاديَّاً وماليَّاً واجتماعيَّاً وأمنيَّاً…وإعارةُ الإهتمامِ الخاصِّ لاستِعادَةِ الأموالِ المنهوبة، والمُهرَّبةِ للخارجِ خِلالَ المرحلةِ التي تمَّ تقييدُ حَركاتِ الأموالِ خِلالَها.
ع ـ البقاء على جُهوزيَّةٍ لمُواكبَةِ التَّطوُّراتِ، وإعدادِ الكادِراتِ المُتخَصِّصَةِ والكفوءَةِ القادِرَةِ على الدِّفاعِ عن الطروحات البديلة، والقادرةِ على تحمُّلِ المَسؤوليَّاتِ عند اللزوم.