الخوارزميات المتفلتة للنظام ” الايكو- دستوري” في لبنان بقلم د. محي الدين الشحيمي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
لدينا مشكلة حقيقية في لبنان بشأن الصلاحيات بانه لا يمكننا تفسيرها من خلال الوثيقة الدستورية فقط, والسبب من ذلك في ان الدستور لا يطبق بشكل جامد وبالاضافة الى تناوب المؤتمنين عليه في التطبيق الانتقائي والتفنن في التحلل منه حتى الخروج عليه في احيان كثيرة , لذلك تجلت لنا ظاهرة الاختلاف ما بين النظام السياسي العملي والواقعي وبين النص الدستوري الورقي . فالنظام السياسي اللبناني ليس كغيره من الانظمة الكلاسيكية انه خليط هجين لنموذج مركب , يراه البعض نظاماً برلمانياً والبعض الآخر يراه توافقياً , لكن الحقيقة تقول بأنه نظام “ايكو-دستوري” خاضع لخوارزميات السياسة والاستراتيجية والجيوبوليتيك والديموغرافيا على مقاييس ومحسسات بغاية من الدقة.
اذا لنحترم دستورنا والذي حدد طبيعة النظام بمطالعتنا للفقرة (ج) من مقدمة الدستور “لبنان جمهورية ديمقراطية برلمانية” وعلينا التوخي والحذر بفهمنا للديمقراطية البرلمانية لها معنى أبعد وأعمق وبالتالي ان لا نضيع وننجر وراء الاهواء ، وان كانت قراءتها الاولية بنية بريئة تذكرنا بالنموذج البرلماني البريطاني والممارسة السياسية تذكرنا بالنظام المجلسي التوافقي السويسري, فأين نظامنا من بين هذين النموذجين ؟ نظامنا برلماني ديمقراطي ليبرالي عماده التوازن بين المؤسسات الرئاسية , محوره الفصل التام بين السلطات بتعاون مرن وشفاف ومنتج لتحصين الاستمرارية وتطور الدولة.
فالميثاقية ليست بالاعداد والروحية والمشاركة ليست ببدعة المثالثات والمرابعات وتصنيفات الامر الواقع فالقرار في الحكومة اساسه الاجماع والمجلس الوزاري جسم واحد ركيزته الاساس البيان الوزاري بحكم المادة (64) من الدستور ومشروعه تحقيق الصالح العام والوزراء لهم مسؤولية تضامنية بحسب المادة (66) فالقرارات وجميعها سواء في الحكومة تتم بأولوية الاجماع فبالتصويت ومن ثم تصبح ملزمة لجميع اعضاء الحكومة بحسب المادة( 28 ) من المرسوم رقم 2552 الصادر في 1992 في تنظيم اعمال مجلس الوزراء تقول ” ان قرارات مجلس الوزراء ملزمة لجميع اعضاء الحكومة وفقا لمبدأ التضامن الوزاري، وعلى الوزير المختص تبعا لذلك الالتزام بتوقيع مشاريع المراسيم تنفيذا لهذه القرارات” , فما يحصل اليوم هو تطويع للنص لصالح قوى الامر الواقع والمتفلتة من الضوابط الدستورية .
حيث يعيش لبنان حالة من الانفصام الدستوري والتحايل المطلق على النصوص والانقضاض عليها , الى ان خيل للبعض ان بأن مقام الوزير هو مركز الكون وبأنه اهم من المقامات الرئاسية الثلاث , كل ذلك طبعا بسبب الانحراف السلبي في تصنيف الدستور والقوانين واشراكنا لبدع لا تمت بأي صلة للاعراف بحجة الميثاقية والتوازن والمشاركة .
فصفة الوزير في الدستور اللبناني واضحة حيث نصت المادة ( 66) من الدستور في الفقرة الثانية منها على ان :” يتولى الوزراء ادارة مصالح الدولة ويناط بهم تطبيق الانظمة والقوانين كل بما يتعلق بالامور العائدة الى ادارته وما خص به, فالوزير وبالاضافة الى صفته السياسية يتولى صفة ادارية عبر ادارة وزارته فيمارس ككل مدير لادارة صلاحيات ادارية يومية والسهر على تطبيق النظام والقوانين فيها, ويطبق الوزير ايضا الانظمة والقوانين اي انه يمشي في تنفيذ القوانين والنصوص النظامية التي تصدر عن السلطات الدستورية سواء التشريعية او التنفيذية والتي تعبر عن سياسات السلطات وهو جزء من السلطة التنفيذية وبالتالي ليس له بموجب النص الحالي اي سلطة استنسابية في ان يقرر تطبيق او عدم تطبيق ما يقرره قانون او مرسوم اشتراعي او مرسوم او قرار في مجلس الوزراء (الذي هو السلطة الاجرائية مجتمعا).
يقول العلامة الدستوري الفرنسي جورج بوردو ” ان الوزراء على الصعيد الفردي ليست لهم سوى صلاحيات ادارية فهم رؤساء مصالحهم الوزارية ويسهرون بهذه الصفة على تطبيق التوجيهات الحكومية في مصالحهم ” فلكون الوزير رأس ادارته الوزارية التي يتولاها فتدخل ضمن صلاحياتها القرارات الوزارية لتطبيق الانظمة والقوانين وفقا وتلازما للمادة (66) من الدستور, ما يعني ان الوزير ليست له سلطة مطلقة في وزارته بما يخالف توجه السلطات التشريعية والتنفيذية (اي الحكومة مجتمعة وفقا للدستور ) بل هو الذراع التنفيذية لوزارته لما تقرره السلطات الدستورية , وان التبعة الدستورية هي فقط جماعية اي لمجلس الوزراء مجتمعا وبالتالي عدم سيادية صلاحيات الوزير السياسية الفردية .
فالوزير مكلف بقوة القانون من قبل الدستور ومجلس الوزراء مجتمعا في تنفيذ ما تقرره الحكومة في سياساتها لا ما يقرره هو في وزارته فهو بحسب نص المادة 65 من الدستور جزء من مجلس وزراء يتحمل تبعة سياسته لانه من واضعي سياسة هذا المجلس الذي انيطت به السلطة الاجرائية , لذا على الوزير اتخاذ القرارات المناسبة على مستوى وزارته , لكن والاهم بان لا يخالف السياسة العامة للوزارة كما يجب عليه ان لا يحرج الحكومة امام البرلمان , والا سوف يكون هذا الوزير معرض للاقالة والتي تتم اذا تعمد المخالفة والتعند بصدور مرسوم عن مجلس الوزراء بأكثرية الثلثين من عدد اعضاء الحكومة المحدد في مرسوم تشكيلها بحسب المادة (69) من الدستور والثاني هو في توقيع رئيس الدولة لمرسوم الاقالة الجماعية بحسب المادة 53 من الدستور , وحتى بطرح الثقة به في البرلمان بحسب المادة (40) للنظام الداخلي لمجلس النواب.
لم ينص الطائف على التخصيص للحقائب الوزارية او في تثبيت اي وزارة لفئة معينة من اللبنانيين ولم يتطرق الى البدع والتي قسمت الوزارات بين سيادية وغير سيادية , فهنالك تعادل بين الوزارات فلكل وزارة صوت واحد للتصويت على القرارات الحكومية وهي كذلك جزء اساسي من الحضور لاحتساب النصاب , وحتى ان تم التداول به على سبيل المفاوضات والتبادل في وجهات النظر بما انه لم يقر ولم يوقع ولم يتفق عليه فهو غير ملزم قانونا .
فماذا يقولوا لنا اصحاب الميثاقية الباطنية والحقائب الوزارية المنتفخة مركز الكون عن تلك المراسيم والقوانين والتي تصبح نافذة بغير تواقيع رئيس الجمهورية ومن دون ختم رئيس المجلس النيابي , فبالعودة للدستور وللفقرة الاخيرة من المادة(56) حول القرارات والتي تتّخذها الحكومة، وفي حال عدم طلب رئيس الجمهورية إعادة النظر فيها، وإنقضاء مهلة خمسة عشر يومًا من تاريخ إيداعها رئاسة الجمهورية تصدر مراسيمها حُكمًا، ويُعتبر نافذًا ووجب نشره وجوبا دون توقيع رئيس الجمهورية , والامر نفسه بالنسبة للقوانين حيث نصّت المادة (57) من الدستور اللبناني، أنّه وفي حال عدم طعن رئيس الجمهورية بالقانون وعدم نشره ضمن المهلة الدستورية يُعتبر القانون نافذًا حُكمًا ووَجَبَ نشره، فهل يؤدي إفتقاد توقيع رئيس الدولة على هذه المراسيم الى فقدانها للميثاقية؟
اضافة لذلك , الامر المتعلق بإصدار مرسوم القانون بحسب الفقرة الاخيرة من المادة (54 ) من الدستور والتي تفتقد للتوقيع الشيعي (والتي يُصدرها مجلس النوّاب) من قِبل رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة حصرًا , في هل تعتبر كذلك ميثاقية او لا ؟ وهذا بالاضافة الى الاختلال في مفهوم الاعراف .
لذلك اختم فقط بما قاله الفقيه والعلامة الفرنسي “دوجي” وكم هو محق فيما تناوله في انه ” ليس للقانون الدستوري اي ضامن سوى حسن النية وصدق الرجال الذين يطبقونه “.