بعد مرور أكثر من مئة يومٍ على انتفاضة اللبنانيّين، وتشكيل الحكومة الجديدة برئاسة الدكتور حسان دياب، ينتقل المخاض اللبناني إلى معادلةٍ جديدة قوامها استمرار ربط النّزاع في بيروت بأدوات جديدة بين المجتمع الدّولي وما يُعرَف بقوى الثامن من آذار وحلفائها.
في بيروت حكومةٌ جديدةٌ وشراكةٌ جديدةٌ مع المجتمع الدّولي، عَصَبُها تجديد الشّراكة مع الولايات المتحدة برعاية فرنسية مع انسحاب قوى الرابع عشر من آذار إلى خارج الصورة من دون انسحاب الأميركيّين.
وزراءٌ جُدد، نسبةٌ كبيرة منهم تلقّت علومها في أرقى الجامعات الأميركية والغربيّة، وتبوّأت مراكز في مؤسَّساتٍ دوليّةٍ، وشركاتٍ عالميّة ومراكز ثقافية أميركية كبرى: هذه الخيارات ليست عشوائيّة ولا صنعتها المصادفات.
حكومةٌ غيرُ طموحةٍ بلسان وزرائها، رغم جرعات بث الأمل من رئيسها، فلماذا إذاً جاءت؟ وما هي وظيفتها؟
هل هي محاولة من قوى الثامن من آذار لخداع الغرب؟ هذا غير مُحتَمَل، لأنَّ مَن في بيروت عاجزون ومأزومون بلا شك، ولكن ليسوا أغبياء، بل هم يستحقون لقب الجهابذة. إنهم مُناوِرون في أمور كثيرة ولكن ليس في سقوطهم.
الشّراكة مع الغرب بسبب ذلك، هي أبعد من تشكيل الحكومة وتركيب أعضائها والتوازنات غير المُعلَنة ضمنها؛ الشراكة هي على الوظيفة.
لذلك ذهب الإعلام الغربي إلى القول أنها حكومة أخرى يُسيطر عليها “حزب الله” في الوقت الذي تريث وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، في إطلاق رصاصة الإعدام عليها (وكذا فعل الفرنسيون)، حيث قال أن من المُبكر تحديد ما اذا كانت إدارته ستدعمها أَم لا، والمعنى واضح.
ليس هناك مال لبيروت! خذوا أكثرية الحكومة وهاتوا برنامجها. براغماتيّة موصوفة، تُقابل براغماتية الثامن من آذار القائمة على شراء الوقت بأيِّ كلفة ممكنة.
تذهب الحكومة بعد الثقة إلى مشاريع القوانين حصراً وهي مُحاصَرة من الشارع والمجتمع الدولي. لا حلَّ لأيِّ مشكلة إقتصاديّة أو ماليّة لأن ذلك يحتاج إلى مالٍ كثير. في أيدي الحكومة فقط أن تُنتجَ وتُصدر قوانين تحت الضغط تحتار فيها بين ثقة الشارع وثقة المجتمع الدولي، فتختار الثانية مُكرَهة، بما يصعّد أزمتها مع الشارع ويُسارع في الضغوط الدوليّة مرةً أخرى.
حكومةٌ مأزومةٌ، رغم الجودة التقنيّة والأخلاقيّة لمعظم أعضائها، فذلك أمرٌ ثانوي. الأساس هو القدر من الشروط الدولية الذي ستستطيع تمريره، وهو كيفما نظرنا إليه سيرمي فئات طبقية متوسّعة باستمرار في آتون الإنحدار الإجتماعي العنيف.
حكومةٌ إنتحاريةٌ لأنّها، اذا ما نجحت في ما هو مطلوب منها، سقطت في الشارع، وإن فشلت ستسقط صريعة الحصار المالي..
إنتحاريّون بربطاتِ عُنقٍ، وانتحارياتٍ بكعوبٍ عالية. مَن ينتظر خلف الستارة؟
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
نشر في مجلة اسواق العرب بتاريخ ٢٦-١-٢٠٢٠
اقرأ ايضاً للكاتب
http://box5852.temp.domains/~iepcalmy/strategicfile/سياسة/لبنان-يفتتح-مسيرة-الأمل-والألم-الطويل/