1-مقدمة
شهدت سنة ٢٠١٨ نشر لثلاثة دراسات جديدة غيّرت كثيرًا من الوقائع التي كنا نعرفها عن اهمية تناول حبة الأسبرين للوقاية الأوّلية من أمراض القلب والشرايين أي للوقاية من حدوث الذبحات القلبية والجلطات الدّماغية والمشاكل في الشرايين الأخرى قبل حدوث المرض عند بعض المرضى الذين كان الأطباء يعتبرون أنهم مُعرّضون إلى الإصابة بهكذا أمراض نتيجة وجود عوامل خطورة مثل التدخين أو السُكّري او إرتفاع نسبة الدهون الضارّة او الضغط الشرياني لديهم. وكانت هذه العادة طريقة اتّبعها الأطباء منذ ثمانينيات القرن الماضي بحيث انهم كانوا ينصحون الأشخاص العاديين بتناول جرعات قليلة من الأسبرين يوميًا( بين 80 و100 ملغ) لمنع حدوث أي مشاكل في القلب والشرايين ولكن ظهرت معطيات علمية قوية جدًا في سنة ٢٠١٨ أنهت هذا العصر الذهبي للأسبرين وشكّلت ثورة كبيرة في هذا المجال وأظهرت أنّ هذا الدواء ليس كليًّا بريئًا وقد يتسبب ببعض المشاكل الخطيرة وأهمها حالات نزيف خطيرة في الجهاز الهضمي ممّا استدعى تغييرًا جذريًا في التوصيات العلمية الحالية وتوجيه بوصلة تناول هذا الدواء الى الطريق الصحيح.
ولذلك كان لا بدّ أيضًا من كتابة هذه المقالة لتسليط الضوء على ما كان يحدث في الماضي وما يجب أن تكون عليه الأمور مع هذه الدراسات الجديدة التي لم تثبت ان فؤائد تناول الأسبرين تتجاوز بشكل كبير المخاطر المترتبة على ذلك. وبالتالي كان علينا منذ ظهور نتائج هذه الدراسات التعامل بجدية ومهنية عالية مع المخاطر التي قد تترتب على تناول هذا الدواء وبات علينا اليوم واجب الحيطة والحذر مع هكذا دواء لجهة عدم تناوله بشكل عشوائي كما كان يحدث سابقًا.
وبدايةً نقول لتبسيط الأمور، قد يبدو للبعض أنّ الأسبرين هي مجرد حبة لا ضرر من تناولها وكان الكثير من المرضى يتناولونها حتى من دون وصفة طبية في معظم الأحيان لاعتقادهم ان لها فؤائد صحية كثيرة بخاصة لناحية القلب والشرايين. وكان كُثر يتناولونها لأبسط الأسباب وكُثر يصفونها لغيرهم لدواعٍ مختلفة من دون الارتكاز على أي أساس علمي او طبي، ومن دون التفكير في العواقب.
صحيح أنه قد يبدو للبعض أن تناول الأسبرين آمن وله فوائد أكثر مما له من أضرار، لكن في الواقع يبقى الأسبرين أحد الأدوية التي لها دواعي استعمال مُعيّنة والتي تحتاج إلى وصفة طبيب والذي هو وحده يحدّد ما إذا كانت الفوائد من تناوله أكثر من الأضرار التي قد تنتج عن ذلك.
في هذه المقالة سنتحدّث عن دواعي تناول الأسبرين وعن الآثار الجانبية التي قد تنتج عن تناوله وسنشدّد على أهمية اللّجوء إلى طبيب لوصفه وللمشورة في تناوله لأنه يبقى في النهاية دواء ولا يمكن تناوله عشوائيًا بل ثمة أسباب ومبررات تدعو إلى وصفه كعلاج لأشخاص معينين سوف نحددهم لاحقًا. وسوف نستعرض تباعًا ما كان سائدًا حتى ٢٠١٨ وما يجب ان تكون عليه الأمور حاليًا في مرحلة نهاية الحُلم مع هذه الحبة السحرية.
2-ما الحالات التي كان يمكن أن يصف فيها الطبيب الأسبرين؟
بحسب التوصيات الاميركية الأخيرة الصادرة في سنة 2011 في ما يتعلّق بدواعي اتباع العلاج بالأسبرين، إنّ الرجال بين سن 45 سنة و79 والنساء بين سن 55 سنة و79 ، وفي حال وجود عوامل خطر في ما يتعلّق بالإصابة بأمراض القلب والشرايين تتخطى في أهميتها أخطار حصول نزيف ناتج عن تناول الأسبرين، يحدد لهم الطبيب وانطلاقًا من هذه الأسس الحاجة إلى الأسبرين. وبالتالي لا يمكن أن يتناول أي كان الأسبرين عشوائيًا دون استشارة الطبيب. وحتى في هذه المراحل العمرية، وحده الطبيب يحدّد ما إذا كانت الحاجة من تناوله تفوق الأضرار التي قد تنتج عن ذلك وكان يجب الانتباه جيّدًا الى هذه النقطة الأساسية. أمّا قبل هذه السنة وبعدها فلم تكن تتوافر أي معطيات تشير إلى ضرورة تناول الأسبرين. لكن في تلك المراحل، كان وصف الأسبرين للرجال يهدف إلى حمايتهم من الذبحات القلبية وللنساء إلى حمايتهن من الجلطات الدماغية.
أما بعد سن 80 سنة، فنحن نعرف أنّ خطر الإصابة بأمراض القلب وجلطات الرأس يزداد بشكل كبير، لكننا نعرف أيضًا أنّ هناك زيادة قوية لخطر التّعرّض لنزيف جرّاء تناول الأسبرين.
عندها كنّا نقول أنّه من الأفضل أن يدرس الطبيب كل حالة على حدة. وفي كل الحالات، كان من الضروري أن يأخذ الطبيب بعين الاعتبار عند وصف الأسبرين ما قد يكون له من آثار جانبية على الشخص المعني ودراسة ملفه الطبي بشكل دقيق.
3- ما عوامل الخطر التي قد تستدعي وصف الأسبرين؟
يشار الى اننا نتكلم عن الوقاية الأولية من أمراض القلب والشرايين اي وصف الدواء قبل حدوث أحداث قلبية أو شريانية في أماكن متعددة وليس عن الوقاية الثانوية التي لا يمكن فيها سوى ان نقول بأن الأسبرين يشكل العامود الفقري لأي علاج وقائي من معاودة تجدّد الأعراض بعد ان يكون المريض قد تعرّض إلى ذبحة قلبية أو لعملية توسيع لأحد شرايين القلب أو لعملية قلب مفتوح او بعد جلطة دماغية او في اصابات الشرايين المحيطة اي شرايين الأطراف. ومن أهم عوامل الخطر التي يدرسها الطبيب حتى يصف الأسبرين هي:
أ-لدى الرجال: التقدّم بالسّن، الإصابة بمرض السكري،ارتفاع مستوى الكولسترول الضار، التدخين، إنخفاض مستوى الكوليسترول الجيد، ارتفاع ضغط الدم، مشكلات في الشرايين، خلل في دقات القلب ، تضخم في عضلة الأيسر في القلب.
ب- لدى النساء: تخطي سن 55 سنة، التدخين، الاصابة بمرض السكري، ارتفاع ضغط الدم.
4- هل من عوامل معينة يجب أخذها بعين الاعتبار عند وصف الأسبرين انطلاقاّ من كونها يمكن أن تزيد المضاعفات الناتجة عن تناوله؟
عندما يصف الطبيب الأسبرين لشخص معيّن، يأخذ في الاعتبار العوامل الآتية، التي في حال وجودها يزيد الخطر من تناول الأسبرين، وهي:
-حالة تناول مُضادات التهاب من أجل مُشكلات مُزمنة في المفاصل أو العظام. ففي حال تناولها يتضاعف الخطر من تناول الأسبرين 4 مرات أكثر.
-حالة وجود آلام في المعدة نتيجة التهابات في جدار المعدة.
-حالة الإصابة بقرحة في المعدة او الإثني عشر ، اذ يزداد الخطر من تناول الأسبرين مرتين أو ثلاث مرات.
كذلك، لا بد من الإشارة إلى أنه في حال ارتفاع ضغط الدم بشكل غير مُسيطر عليه، يرتفع خطر تعرض المريض إلى حالة نزيف حاد او حتى نزيف خطير جدًا في الرأس بشكل كبير. من هنا أهمية السيطرة على ضغط الدم قبل وصف الأسبرين.
في كل الحالات كان الطبيب وحده ولا يزال حتى اليوم يملك الوسائل الّلازمة لتحديد الحاجة إلى وصف الأسبرين أو عدمها بحساب الفوائد منها في مقابل الأضرار التي قد تنتج عن ذلك. فإذا كانت الفائدة من تناولها موازية للضرر الذي يمكن أن ينتج عن ذلك لا يعطى الأسبرين.
لذلك من الضروري أن يُناقش الطبيب مع المريض كل التفاصيل المرتبطة بهذا الموضوع.
كما يجب ان يعرف الطبيب الأعراض التي قد يلاحظها في حال التعرض لنزيف جراء تناول الأسبرين. هذا مع الإشارة إلى أن الرجل يواجه خطر النزيف اكثر من المرأة. هذا ويمكن أن يحصل النزيف في الرأس أو في المعدة أو في أي مكان آخر.
5- ثمة عقاقير أسبرين مُتوفّرة حاليًا في الأسواق وهي مُغلّفة بشكل يحد من اضرارها، ما مدى فائدة ذلك؟
حتى إذا كانت عقاقير الأسبرين مُغلّفة،او معدة بطريقة تجعل أن إمتصاصها يحصل في الامعاء بدل المعدة فإنه لم يثبت أنها تحمي بشكلٍ كامل من مشكلات النزيف في الجهاز الهضمي او الدماغ.
6- ما جرعة الأسبرين التي يصفها الطبيب كعلاج وقائي سواء لدى الرجال أو لدى النساء؟
تبيّن أن الجرعة الكافية التي تحمل القدر الأقل من الضرر والآثار الجانبية هي 75 ملغ يوميًا.
7- ما مؤشرات النزيف التي يجب أن يتنبه لها المريض ويلجأ إلى الطبيب عند ملاحظتها؟
لا يكون النزيف واضحًا دائمًا كما يعتقد البعض . بشكل عام، يمكن أن يلاحظ المريض الأعراض الآتية وهي في مجملها علامات خارجية للنزيف او ناتجة عن هبوط نسبة قوة الدم :
دم عند التقيؤ، دم في الغائط، الم شديد في المعدة، التعرض لهبوط الضغط الشرياني او للسقوط او للغيبوبة، التعرض للدوار وغيرها من الاعراض.
كل هذه الأعراض قد تكون من مؤشرات النزيف في المعدة او الأمعاء وهي جميعها من الأعراض او العلامات التي لا بدّ من التنبه لها عند تناول الأسبرين.
8-الواقع من نهاية عام 2018 وبداية عام 2019:
بينما كان أطباء القلب والأطباء المهتمين بعلاج مرضى القلب والسكري والجلطات الدّماغية يعتقدون أنّ منذ فترة طويلة أنّ تناول كميات قليلة من الأسبرين قد تفيد عند بعض المرضى في الوقاية الأوّلية عند المرضى الذين نخشى أن يتعرّضوا لحوادث قلبية أو شريانية كما هو مؤكّد في الوقاية الثانوية أي بعد حدوث الحادث القلبي أو الشرياني ظهرت في نهاية عام 2018 ثلاثة دراسات جديدة مهمّة جدًا قلبت الموازين وغيّرت كليًا المعادلة.
الدراسة الأولى شملت نحو 12546 مريض يعيشون في بريطانيا وبولندا وألمانيا وإيطاليا وإيرلندا وإسبانيا والولايات المتحدة الأميركية وتمّت فيها متابعة المرضى لمدة 5 سنوات، وشملت الدراسة مرضى يُعتبرون من المرضى المعرّضين بشكل متوسط لخطر الإصابة بأمراض القلب.
وقد أظهرت هذه الدراسة أنّ الاسبرين يحمي نسبيًا مقارنةً مع تناول الدواء الكاذب لكنّ نسبة الإصابات بحالات النزيف في الجهاز الهضمي (في المعدة والأمعاء خاصة) كانت مرتفعة نسبيًا ممّا دفع القيّمون على هذه الدراسة للإستنتاج بأنّ الأسبرين لا يمكن أن يوصف بهذه الطريقة عند المرضى الذين لديهم خطر إصابة متوسط أو ضئيل بأمراض القلب والشرايين لأنّه قذ يعرّضهم في المستقبل لحالات نزيف شديدة،غالبًا ما تكون تحت السيطرة لكنّها قد تكون خطيرة في بعض الأحيان.
أمّا الدراسة الثانية الكبرى التي ظهرت أيضًا في نهاية ال 2018 وهي دراسة للوقاية الأولية عند المرضى المصابين بمرض السكري وهي شملت حوالي 15480 مريض يعانون من مرض السكري من النوع الثاني ممّن يمكن إعتبارهم في عداد المرضى المعرّضين بشكل قوي للإصابة بأمراض القلب والشرايين.
وهذه الدراسة التي امتدّت أيضًا لمدة سبع سنوات تناول فيها أيضًا قسم من المرضى 100 ملغ يوميًا من مادة الأسبرين مقارنةً مع مرضى لم يتناولوا الدواء الفعّال، عند المرضى المصابين وأظهرت أيضًا أنّ تناول الأسبرين ليس بالضرورة ذو قيمة قوية عند هؤلاء المرضى نتيجة زيادة مهمة لعدد حالات النزيف عندهم خاصة في الجهاز الهضمي. حيث أنّ الدراسة أظهرت تحديدا تقلّص خفيف في نسبة الأحداث القلبية والشريانية عند هؤلاء المرضى مقابل ارتفاع مهم جدًا في حالات النزيف وهو ما دفع القيمون على هذه الدراسة للاستنتاج بأن الأسبرين ليس مفيدًا للوقاية الأوليّة عند المرضى المصابين بمرض السكري لأنّه يعرّضهم اكثر مما يفيدهم لمخاطر النزيف.
أمّا الدراسة الثالثة التي نُشرت أيضًا” في أواخر العام 2018 وكانت دراسة للوقاية الأولية عند المرضى البالغين من العمر ٧٠ سنة وما فوق وهي دراسة شملت 19114مريض من أستراليا وأميركا ليس لديهم مشاكل في القلب أو الشرايين وتمّ علاجهم بتناول 100 ملغ من الأسبرين المغلّف مقارنة مع الدواء الكاذب الغير فعّال.
وامتدّت هذه الدراسة لمدة 5 سنوات، وكانت نتائج هذه الدراسة سلبية أيضًا، بحيث ظهر بأن تناول الأسبرين خفّف بشكل بسيط من نسبة الوفيات أو من نسبة الإصابة بالخرف او بحالات الاعاقة الجسدية وعدم القدرة على الحركة . وفي المقابل كان هناك زيادة قوية بنسبة حالات النزيف التي تعرّض لها هؤلاء المرضى في الجهاز الهضمي (المعدة والأمعاء).
وفي دراسة شاملة جمعت أكثر من 13 دراسة سابقة منها الدراسات الثلاثة التي نُشرت سنة 2018 والتي نُشرت بدورها مؤخرًا في شهر كانون الثاني والتي شملت نحو 164225 مريض تتراوح أعمارهم بين 53 و 74 سنة . ودرست فيها امكانية فعالية الاسبرين في الوقاية الأولية من أمراض القلب والشرايين ظهر ان الاسبرين يخفّف قليلًا من نسبة الإصابات بالذبحات القلبية الغير قاتلة وبالجلطات الدماغية ولكنه في المقابل هناك خطر متزايد بنسبة حالات النزيف الخطيرة.
كل هذه المعطيات العلمية الجديدة دفعت السلطات الصحيّة الأوروبية لتغيير قواعد اللّعبة التيي كانت معتمدة حتى تاريخ اليوم في الوقاية الأولية ، بمعنى أنّ الوصف السابق قبل وجود المرض لمادة الأسبرين لم يعد له مبرّرات علمية دامغة . ونبّهت هذه السلطات الى أنّه عند وصف هكذا دواء يجب على الطبيب القيام بحالة تدقيق عميق لحالة المريض والقياس بميزان من ذهب بين فوائد الحماية من أمراض القلب والشرايين ومخاطر الإصابة بحالات نزيف قد تكون خطيرة وقاتلة في بعض الأحيان.
وهكذا اصبح وصف الأسبرين محظورًا في معظم الدول الأوروبية في حال كان المريض معرّض لحالة نزيف أو يوجد عنده عوامل خطورة تجعله معرّضًا للاصابة بحالات نزيف كما شرحنا سابقًا”. وقد اعتمدت السلطات الصحية الأميركية ذات القواعد العلمية في وصف الأسبرين منبهةً الى مخاطر الإصابة بحالات نزيف شديد من جرّاء تناول هكذا أدوية. لكن الاوروبيون والاميركيون يشدّدون في المقابل ان وصف دواء الأسبرين يجب ان يبقى في الخط الدفاعي الأوّل في الوقاية الثانوية وهو أمر مفروغ منه وليس هناك أي لبس في اعتماده ويجب ان يكون هذا الدواء في رأس اللائحة عندما يكون المريض قد تعرّض لأزمة قلبية او لجلطة دماغية او خضع كما قلنا لعمليات توسّع لأحد شرايين القلب او الدماغ او الأطراف او لعملية قلب مفتوح او يعاني من جميع انواع الاصابات الشريانية .