كنا قد عرضنا في الجزء الأول (“السكري” : ثورة علاجية وخيبة من إستمرار تمدّد وإنتشار المرض!؟) من هذه المقالات المُخصصة للكلام عن واقع وانتشار مرض السكري في نهاية العام ٢٠٢١ ومطلع العام ٢٠٢٢ بعض المعطيات المهمة التي اكدّت ان هذا المرض خاصة بنوعه “الثاني” لا يزال من اخطر الأمراض واكثرها إنتشارًا في العالم. وهو وبرغم “الثورة الكبيرة” التي حصلت خاصةً في مجالات علاجه لا يزال يتمدّد خاصة في الدول الفقيرة والنامية واشرنا الى ظهور عشرات الأدوية الجديدة التي تحمي خاصّة من الإختلاطات والمضاعفات القلبية والشريانية والكلوية لهذا المرض.
كذلك تطرّقنا لبعض الإحصاءات والأرقامِ المُخيفة عالميًا التي تجعل من مرضَ السكري حاليًا والبدانة احد اهم واخطر أمراض العصر بلا اي مُنازع و“مُشكلة صُحيّة عالميه، خطيرة وشائعة” تسعى جميع الحكومات في العالم ِللحدّ منها. كذلك واشرنا الى انه حدث مؤخرًا تغيير جذري في مُقاربة طُرق العلاج ادى الى تبديل تدريجي في الإستراتيجيات المعتمدة في علاجه والتي كانت مُرتكزة لفترات طويلة في الماضي على قياس ومراقبة نسبة السكر التراكمي (HbA1C) وعلى إستعمال دواء الـ (Metformin) القديم جدًا وشرحنا كيف تتحدّد حاليًا خطة علاج مرض السكري من النوع الثاني واشرنا الى طُرق جديدة ستحلّ مكان هذه الإستراتجيات القديمة التي كانت سائدة حتى وقت قريب. وهي تأخذ بعين الإعتبار حالة كل مريض على حدة وتدرس عوامل الخطورة الأخرى الموجودة عنده مثل مرض إرتفاع الضغط الشرياني وارتفاع الدهنيات والتدخين وغيرها.
وتأخذ في الحسبان ايضًا وجود مرض تصلّب في الشرايين التاجية للقلب او قصور القلب ومرض قصور الكلى او الفشل الكلوي كعوامل اساسية عنده او لا، لأن معظم الأدوية الجديدة التي ظهرت مؤخرًا لها فؤائد هائلة للحماية من امراض القلب والشرايين والكلى عند هؤلاء المرضى كما سنرى وقد بدأ إستعمالها لهكذا اهداف اضافية في معظم الدول المتقدمة بسبب كلفتها المرتفعة. وسوف يكون لها بكل تأكيد دور في السنوات القادمة دور اوسع واشمل واكبر ضمن الترسانة المتوفرة حاليًا لعلاج مرضى السكري بسبب هذه الفوائد الهائلة كما سنرى في الأقسام اللاحقة من هذه المقالات.
هذه المقالة ستحاول إستعراض قائمة الأدوية المتوفرة حتى اليوم لعلاج مرض السكري من النوع الثاني بشكلٍ تفصيلي. وسنعرض مختصر سريع عن طريقة عملها وتأثيراتها على “عمليات الأيض” او “إستقلاب السكر” وتعريف مُبسط لبعض الأعراض الجانبية التي تتسبب بها. وسوف نتكلم ايضًا عن امان إستعمالها عند مرضى القلب والشرايين ومدى الحماية او الضرر الذي قد تؤدي اليه عندهم. وكذلك سنورد بعض المعلومات حول كلفتها وما إذا كانت متوفرة بشكل ادوية “جُنيسية او جنريك” ام لا في لبنان وباقي دول العالم وهي تتوزّع على الشكل التالي:
أ- عائلة الـ “بايجوانايد” Biguanide :
ومن اهم ادويتها ال “ميتفورمين” (غليكوفاج، سيدوفاج , جلوميتزا, وغيرهم) (Biguanide: Metformin Glucophage, Glumetza, others)
وغالبًا ما يبدأ علاج مرض السكري بهذه العقاقير، وهي لا تزيد من إفراز الإنسولين لكنها تُحسّن عمله وتعمل على زيادة فعاليته وتزيد من إستجابة انسجة الجسم المُختلفة له وتُقلّل من كمية السكر في الجسم وتخفف تكوين السكر الداخلي في الجسم عن طريق العمل على انزيمات معينة في الكبد.
كذلك لها فوائد على إستقلاب الدهنيات ودور في عمليات الأيض التي تحصل في الأمعاء. ومن المعروف ان هذه المادة لا تتسبّب بإنخفاض مفاجئ لمستويات السكر في الدم وهي لها دور اما محايد تجاه زيادة الوزن او تساعد عند البعض بتخفيض الوزن ولذلك يتناولها البعض لتخفيض الوزن. ولناحية تخفيص مستوى السكر التراكمي فهي ذات فعالية مهمة إذ انها تؤدّي الى انخفاض مستواه لنسبة 1% عند تناول 2000 الى 2500 ميلغرام من الدواء.
ومن لممكن تناول هذا الدواء لوحده او مع ادوية من العائلات الأخرى او مع الأنسولين. هذه العائلة من الأدوية لها فوائد قلبية كبيرة خاصة اذا ما تمّ تناولها عند البدينين ومقارنة مع الأدوية الأخرى التي تتسبّب بهبوط مفاجئ في مستوى السكر في الدم من العائلة التالية. وبالنسبة للأعراض الجانبية لهذه الأدوية فهي تتمثّل ببعض الم البطن او عسر الهضم او لعيان النفس او الإستفراغ او الإسهال. وقد تُحدث هذه الأدوية بعض حالات فقر الدم ونقص إمتصاص مادة ڤيتامين B12. اخيرًا لا تتسبّب هذه المادة بحصول حالات كثيرة من ما نسميه “الحُماض اللبني” في حال تمّ إحترام شروط وصف هذا الدولء خاصة في حالات قصور الكلى المتقدّمة من المرحلة الرابعة. كذلك يجب ايقاف هذا الدواء لمدة 48 ساعة في حال إستعمال المواد الملوّنة المكونة من اليود والتي تُستعمل في الأشعة. ولم نعد نشترط ايقافها 48 ساعة قبل حقن هكذا مواد وعلى ان نعاود إستعمالها بعد مراقبة وظيفة الكلى والتأكد انه لم يحصل قصور كلوي حادّ بعد التصوير.
لكل ما تقدّم تعتبر هذه العائلة من الأدوية الأساسية في علاج مرض السكري حيث تُعتبر الركيزة الأساسية للعلاج وهي مفيدة جدًا عند المرضى الذين يعانون من مرض تصلّب الشرايين التاجية للقلب او من مرض قصور القلب المستقرّ.
ب-عائلة ال “سلفونايل يوريا” sulphonylurea:
جلاينكلامايد(دوانيل ) جليميبيرايد (أماريل) جلايكلازايد (دايامكرون) جلايبورايد (دايابيتا-جلاينيز) جلايبيزايد (جلوكوترول).
sulphonylurea glibenclamide (Daonil) glimepiride (Amaryl) gliclazide (diamicron) glyburide (DiaBeta, Glynase) glipizide Glucotrol)
وهي عقاقير تزيد من إفراز الإنسولين في خلايا البنكرياس بغضّ النظر عن مستوى السكر في الدم. وهي ادوية قديمة جدًا ورخيصة الثمن ولها فعالية مهمة في تخفيض مستوى السكر التراكمي لكن الجسم قد يتأقلم معها وقد تنخفض فعاليتها على المدى البعيد. ومن مشكلاتها الأساسية هي انها تؤدّي الى زيادة وزن الجسم عند المرضى الذين يتناولونها. والمشكلة الأكبر هي ايضًا في إرتباط إستعمال هذه العقاقير بنوبات نقص السكر الحادّ في الدم التي قد تتسبّب بحالات إغماء سريع وغياب عن الوعي عند بعض المرضى. لذا يجب الحذر الكبير عند البدء في إستخدام هذا النوع من العقاقير أو زيادة جرعته خاصة عند المرضى الذين يعانون من فشل كلوي متوسط او عند المتقدمين بالسنّ.
ويُمنع إستعمالها في حالة الفشل الكلوي المتقدّم. اخيرًا من غير المعروف بشكلٍ جيد مدى تأثير هذه الأدوية على تطوّر امراض القلب والشرايين وهناك نتائج متعارضة للدراسات التي أُجريت على هذه الأدوية في هذا المجال.
ج-عائلة مثبطات الـ alpha glucosidases (Acarbose(Glucor,Glucobay, (Miglitol (Diastabol,Misobit
وهي ادوية تخفف سرعة هضم وامتصاص السكريات في الأمعاء ولذلك فهي لها دور كبير في تخفيض مستوى السكر في الدم بعد الوجبات. لكن فعالية عذه الأدوية على المدى البعد اقل من سابقاتها من فصائل الأدوية بحيث انها تؤدي لخفض السكر التراكمي لنسب تتراوح بين 0,5-0,8% فقط وهي لا تتسبّب بخفض حاد لمستوى السكر في الدم وليس لها تأثير سلبي او ايجابي على وزن المريض. وبسبب طريقة عملها فهي تؤدي لخصول بعض الأعراض الجانبية الهضمية مثل النفخة والغازات والإسهال مما قد يؤدي لإيقافها عند بعض المرضى. سعر هذه الأدوية منخفض ويوحد منها الكثير من الجنريك.اخيرًا ان دوره للحماية من امراض القلب والشرايين غير مُؤكد.
د-عائلة ال “جليبتنز” glibtines- او “مُثبطات DPP4”:
سيتاجليبتين (جليبتين-جانوفيا) سكساجليبتن (اونيجلايزا) ليناجليبتين (ترادجينتا)
(DPP-4i (gliptins): sitagliptin (gliptin-Januvia) saxagliptin Onglyza) linagliptin (Tradjenta)
وهذه العقاقير تُحافظ على هرمونات تسمّى ال “انكريتين” وهي هرمونات صغيرة يقضمها انزيم اسمه DPP4 وهذا ما يُساعد على زيادة إفرازات الإنسولين وتخفيف إفرازات الغليكاغون وذلك بحسب مستوى السكر في الدم ولذك فهذه الأدوية تخفض السكر بعد الوجبات وعلى الريق. ويتمّ تخليص الجسم من هذه المواد بواسطة الكلى ولذلك يجب ملائمة جرعاتها بحسب وظيفة الكلى.
ومن مزاياهم عدم التأثير على وزن الجسم، بالإضافة الى أن خطر التعرّض لنوبات نقص السكر الحد عند إستعمالها هي أقلّ بكثير مع تناول هذه العقاقير مقارنة مع الأدوية من الفصيلة السابقة. وهي قد تتسبب ببعض الأعراض الجانبية مثل الحساسية الجلدية وبعض التورم في الأطراف الناتج عن تحسس عليها. لها تأثير جانبي غير شائع الحدوث وهو التسبّب في إلتهاب حاد في البنكرياس ومن أعراضه: سوء الهضم و ألم في منتصف البطن وقيء.
فإن حدثت تلك الأعراض يُنصح بإستشارة الطبيب مُباشرة و إيقاف العلاج وبسبب كل ذلك يجب تجنّب إستعمالها عند المرضى الذين كانوا قد تعرضوا لإلتهابات سابقة في البنكرياس. اما من ناحية امان إستعمال هذه الأدوية عند المرضى المصابين بأمراض القلب والشرايين فإنها إيجابية مع معظم هذه الادوية خاصة بعد التعرض لجلطة دماغية او لذبحة قلبية حادة وان كانت بعض الدراسات اشارت الى امكانية تدهور حالة المرضى المصابين بقصور القلب مع دواء الـ saxagliptin.