اتفاقية عنتيبي وتسعير حرب المياه | بقلم د. محمد حسب الرسول
في الثالث عشر من شهر تشرين الأول/أكتوبر، أعلن رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، دخول اتفاقية “الإطار التعاوني”والمعروفة باتفاقية “عنتيبي” حيّز التنفيذ، وأشار إلى أن الخطوة تمثل تتويجاً لرحلة طويلة نحو الاستخدام العادل والمعقول لمياه النيل.
وبالتزامن مع إعلان رئيس الوزراء، هنّأت وزارة الخارجية الإثيوبية في بيان لها، شعوب دول حوض النيل بمناسبة دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ، مشيرةً إلى أن هذه الاتفاقية تمثل خطوة هامة نحو تصحيح الأخطاء التاريخية وضمان الاستخدام العادل للموارد المائية. وأكدت الوزارة أن دخول الاتفاقية حيّز التنفيذ في 13 تشرين الأول/أكتوبر 2024 يعدّ إنجازاً كبيراً بعد جهود استمرت لأكثر من عقد.
أوضحت الوزارة أن المبادئ التي تتضمنها الاتفاقية تعزز من التفاهم المتبادل والمسؤولية المشتركة بين الدول المعنية. وأشارت إلى أن التعاون والتفاني الذي أبدته الدول الأطراف خلال هذه العملية سيساهم في تعزيز التعاون المستقبلي، ويعزز من الإدارة الفعالة لموارد المياه المشتركة.
وأعربت الخارجية الإثيوبية عن تفاؤلها بدخول هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ، لأنها ستعود بالنفع الكبير على دول الحوض، ما يسهم في تحقيق مستقبل أكثر ازدهاراً واستدامة. وأكدت أن هذه الخطوة تمثل بداية جديدة للتعاون المثمر بين الدول المعنية في حوض النيل.
في مقابل هذا الإعلان الإثيوبي، أعلن السودان ومصر أن “الاتفاق الإطاري التعاوني” غير ملزم لأي منهما، وصدر هذا الإعلان عقب استضافة القاهرة دورة انعقاد الهيئة الفنية الدائمة المشتركة لمياه النيل بين البلدين برئاسة وزيري الري يومي 11 و 12 من تشرين الأول/أكتوبر الماضي.
جاء الإعلان غير المفاجئ عن دخول هذه الاتفاقية حيّز التنفيذ في ظرف إقليمي بالغ التعقيد، خرج فيه السودان بسبب الحرب وأسباب أخرى من دائرة التأثير في محيطه الأفريقي، كما جاء في وقت تشهد فيه علاقات إثيوبيا الخارجية توتراً حاداً مع مصر والصومال وأرتريا، لدواع تعود في جانب منها إلى حروب المياه التي يمثل سد النهضة الذي اكتمل تشييده أحد أبرز عناوينها. وفي جانب آخر، إلى السياسات التوسعية لإثيوبيا ولأطماعها القديمة المتجددة في أراضي وسواحل دول في القرن الأفريقي عامة، وفي الصومال وأرتريا والسودان بشكل خاص.
من جانب آخر، سبق إعلان رئيس الوزراء الإثيوبي انعقاد القمة الثلاثية التي جمعت الرئيس المصري بنظيريه الأرتري والصومالي في أسمرا، والذي عدّه بعض المراقبين إعلاناً عن تحالف ثلاثي جمع هذه الدول على مواقف مشتركة في مواجهة إثيوبيا بسبب سياساتها التي سبقت الإشارة إليها.
سيعمق التقدم الذي أحرزته إثيوبيا في ملف “اتفاقية عنتيبي” أزمتها مع مصر والسودان، خصوصاً في ظل الخطاب السياسي الإثيوبي الذي يحمل في طياته تجديداً لموقفها الثابت عبر الحقب التاريخية من اتفاقيات مياه نهر النيل الموقّعة بين السودان ومصر في 1902 و 1929 و 1959م، والتي استحوذت بموجبها على كامل المياه المتدفقة في وادي النيل، والتي نال السودان بموجبها 18.5 مليار م3 ، ونالت مصر 55.5 م3.
إن دخول اتفاقية عنتيبي حيّز التنفيذ يحمل الكثير من المخاطر على دولتَي السودان ومصر اللتين رفضتا المصادقة على الاتفاقية بسبب تحفظهما على بعض مضامينها، ولا سيما نص المادة” 14 ب”، واتخذتا المقاطعة سبيلاً للتعبير عن هذا الرفض، من دون التفكير في طرق أخرى تضمن لهما صون حقوقهما ومكتسباتهما التاريخية، وتضمن لهما مساهمة في صناعة القرار داخل مفوضية دول حوض النيل المزمع تشكيلها بموجب هذه الاتفاقية.
ثمة مخاطر كبيرة يرتبها غياب مصر والسودان عن منظومة دول حوض النيل والمفوضية التي ستتشكل بموجب اتفاقية عنتيبي، ومن هذه المخاطر ما يلي:
– يمكّن غياب دولتَي المصب إثيوبيا وبقية الدول الأعضاء من إدارة شؤون النيل وروافده بشكل منفرد،كما يمكّنها من صناعة التوجهات واتخاذ القرارات الخاصة بمياه النيل بصورة منفردة تعبّر فقط عن مصالح هذه الدول، حتى لو كانت على حساب دولتَي المصب.
– سيحصر المنافع التي يمكن أن تتوفر للمفوضية في الدول المنضمّة إلى الاتفاقية دون سواها، خصوصاً مشروعات التعاون الفني والاقتصادي والبيئي، والمنافع الأخرى التي ستنشأ من خلال التعاون الإقليمي والدولي.
– سيمكّن غياب الدولتين من دخول أطراف أخرى طامعة في مياه النيل من التأثير على المفوضية وقراراتها، ولا سيما “إسرائيل” الطامعة في مياه وأرض النيل.
– ستفاقم الإدارة المنفردة لمفوضية حوض النيل التوترات بين دول الحوض، وستحدث انقساماً بين دول المنبع والممر من جانب ودولتي المصب من الجانب الآخر، الأمر الذي يسهم في إحداث انقسام داخل القارة الأفريقية بين شمالها وجنوبها.
لهذا، على دولتَي وادي النيل مراجعة منهجية تعاملهما مع ملف اتفاقية عنتيبي، واتباع منهجية أخرى تمكنهما من تجنب تلك المخاطر من جهة، وضمان مساهمتهما في إدارة المفوضية والتأثير الإيجابي في سياساتها وقراراتها، والعمل على قيادة دول حوض النيل إلى مشروعات عمل مشترك تعود بالنفع على الجميع، والتأسيس لتكامل إقليمي جديد بين هذه الدول يدفع نحو تحقيق المصالح المشتركة ويسهم في تحقيق الأمن في الإقليم.