شكّل استلام الحكومة الإسرائيلية الجديدة للحكم في الكيان الصهيوني مؤشرًا خطيرًا للذهاب إلى مرحلة جديدة من التصعيد والمواجهة على كافة جبهات الصراع مع العدو الصهيوني، فنحن اليوم أمام حكومة تضم أقصى اليمين الديني والسياسي المتطرف المستعد للذهاب إلى أقصى المواجهات سواءً داخل فلسطين المحتلة أو خارجها، وكل ذلك يستلزم الكثير الكثير من الحذر والاستعداد لكل الخيارات والاحتمالات خلال المرحلة المقبلة وعدم الركون لسياسة الهدوء أو الانتظار أو اعتماد ردود الفعل.
فما هي خيارات الحكومة الإسرائيلية الجديدة في داخل فلسطين وخارجها؟، وما هي احتمالات المواجهة؟ وماذا عن استعدادات قوى المقاومة للمرحلة المقبلة؟.
أولا، على الصعيد الفلسطيني:
ليس من شكٍّ أنّ هذه الحكومة بالإضافة إلى تشكّلها من جانب المتشددين على الصعيد الإسرائيلي الداخلي، فإنّها تُعدّ الأكثر دموية وتطرفًا وفاشية تجاه الفلسطينيين، حتى أنّ عددًا من اتفاقاتها الائتلافية تضمنت بالتفصيل جملة من الإجراءات والسياسات العدوانية تجاه الأراضي المحتلة، مما يزيد من توقعات أن تكون الفترة القادمة زاخرة بالتطورات المتسارعة، بفعل شعور وزرائها أنّهم في سباق مع الزمن لفرض مزيد من الوقائع التي لا تفسح المجال مستقبلًا لأي حلّ سياسي قد يُطرح.
يمكن الحديث عن الملف الفلسطيني وموقعه في الحكومة الجديدة من خلال المحاور التالية:
1. الضفة الغربية: ساحة الصراع الأشد مع الاحتلال، وقد زاد جرعة إضافية باندلاع موجة عمليات المقاومة منذ آذار/ مارس 2022، ولا يتوقع الإسرائيليون أن تتوقف، بل قد تتصاعد وفق تناسب طردي مع تنصيب الحكومة، التي لم تتوانَ في إصدار التهديد والوعيد للفلسطينيين، واتفاق أقطابها على سنّ قانون الإعدام لمنفّذي العمليات، واعتباره شرطًا لتمرير موازنة 2023، واقتراح ليكوديين استئناف سياسة الإبعاد لعائلات المقاومين ونزع الجنسية الإسرائيلية عن عائلات مقاومين من فلسطينيي 48، وترحيلهم إلى لبنان وغزة.
بالإضافة إلى هذه المطالبات الكفيلة بتفجير الأوضاع الميدانية، فإنّ تعيين بتسلئيل سموتريتش وزيرًا في وزارة الحرب، والإشراف على الإدارة المدنية في الضفة الغربية، وتسيير شؤون الاستيطان، نذير شؤم بتوسيعه في المستوطنات القائمة، وإنشاء أخرى جديدة، وشرعنة البؤر غير القانونية، وإمدادها بمشاريع البنى التحتية، لا سيّما في المنطقة (ج)، التي تشكّل 60% من مساحة الضفة الغربية، وتخضع لسيطرة الاحتلال: المدنية والأمنية معا.
2. اقتحامات المسجد الأقصى: جاء تعيين إيتمار بن غفير وزيرًا للأمن الوطني، وهي وزارة موسَّعة عن الأمن الداخلي، ليصبّ مزيدًا من الزيت على نار التوتر القائم أصلا، فهو الذي قاد مسيرات الأعلام الاستيطانية، وتوسيع اقتحامات المستوطنين في الأقصى، وتسبب باندلاع أحداث حي الشيخ جرّاح عام 2021، وأشهر سلاحه الشخصي تجاه أعضاء كنيست عرب، والمحرّض على إقامة الصلوات الدينية، والطقوس التلمودية، بما فيها قراءة التوراة، وذبح القرابين، والسجود الملحمي.
إنّ خيار التصعيد على الصعيد الفلسطيني هو الأقوى، وقد بدأنا نشهد ذلك من خلال اقتحامات المسجد الأقصى والسياسات الجديدة في قتل الفلسطينيين وزيادة الاستيطان وتصاعد المواجهات
الخطورة هذه المرة أنّ هذه الإجراءات الاستفزازية ستأتي بموافقة حكومية رسمية، مع أنّ هذا قد يحمل خطورة سياسية تتعلق بتهديد الوصاية الأردنية على المقدسات الإسلامية في القدس، وهذا يعني عودة التوتر من جديد بين “تل أبيب” وعمّان، مما يُنذر باشتعال الأوضاع الميدانية حول الأقصى، الكفيلة بإمكانية نشوب حرب جديدة مع غزة على غرار سيف القدس، أو مواجهات شعبية واسعة مع المرابطين والمقدسيين.
وفي الخلاصة، إنّ خيار التصعيد على الصعيد الفلسطيني هو الأقوى، وقد بدأنا نشهد ذلك من خلال اقتحامات المسجد الأقصى والسياسات الجديدة في قتل الفلسطينيين وزيادة الاستيطان وتصاعد المواجهات مما يفرض على قوى المقاومة المزيد من المواجهات واعتماد كافة أشكال المقاومة.
ثانيا، خارج فلسطين المحتلة:
لوحظ أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، ولذلك بدأت ترسل رسائل واضحة للعدو الصهيوني بأنّها مستعدة لأية مواجهة وقد تنقل المواجهة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة
من خلال تتبّع مواقف الحكومة الإسرائيلية الجديدة وأدائها تجاه الأوضاع خارج فلسطين، أي في سوريا وتجاه إيران والمقاومة في لبنان، فمن الواضح أنّنا نشهد تصعيدًا ميدانيًا وسياسيًا كبيرا، ففي سوريا زادت عمليات القصف على مواقع متعددة وخصوصًا مطار دمشق، وكذلك تصعيد التهديدات ضد إيران وحزب الله، ورغم انّ رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو أعلن التزامه باتفاق الترسيم البحري مع لبنان، فإنّ ذلك لا يعني عدم وجود مخاطر حصول مواجهات على صعيد الجبهة اللبنانية،، أو امتداد المواجهة ضد سوريا وإيران إلى لبنان.
وقد لوحظ أنّ المقاومة الإسلامية في لبنان تأخذ هذا الجانب بعين الاعتبار، ولذلك بدأت ترسل رسائل واضحة للعدو الصهيوني بأنّها مستعدة لأية مواجهة وقد تنقل المواجهة إلى داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة، وذلك من خلال بثّ فيديو مصور عن استعداد مقاتلي المقاومة لاقتحام أراضي الجليل والتدريبات الميدانية في هذا المجال، ومن ثم إعلان أمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله خلال احتفال انضمام آلاف عناصر التعبئة للحزب، بأنّه لا بد من التحضير للمواجهة الكبرى في المنطقة في ظل تزايد المخاطر.
بعد قرار عودة حركة حماس إلى سوريا والعمل لترتيب مصالحة سورية – تركية، فستكون سوريا العمق الاستراتيجي لأية مواجهة مع العدو الصهيوني
وأما على الصعيد الإيراني فقد صدرت مواقف متعددة من المسؤولين الإيرانيين تؤكد الاستعداد لمواجهة اي تصعيد ميداني ضدها.
وتبقى الساحة السورية والتي قد تشكّل إحدى ساحات المواجهة مستقبلا، فبعد قرار عودة حركة حماس إلى سوريا والعمل لترتيب مصالحة سورية – تركية، فستكون سوريا العمق الاستراتيجي لأية مواجهة مع العدو الصهيوني.
وفي الخلاصة، نحن أمام مرحلة صعبة ودقيقة تتطلب الاستعداد لكل الخيارات والاحتمالات، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة الذهاب إلى حرب شاملة فإنّ هذا الاحتمال سيكون من الاحتمالات القائمة، ولذا على قوى المقاومة في فلسطين وداخلها أن تكون مستعدة لذلك.