لسنوات، كان الاحتلال الإسرائيلي يسعى لحلّ وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين. حيث تعتبر إنه إذا لم تعد الوكالة موجودة، فلا بد أن قضية اللاجئين لن تكون موجودة، ولن يكون الحق المشروع للاجئين الفلسطينيين في العودة إلى أراضيهم لازمًا. وقد أنكرت إسرائيل حق العودة هذا منذ أواخر الأربعينيات، على الرغم من أن عضويتها في الأمم المتحدة كانت مشروطة بالسماح للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وأراضيهم.
في تحذير شديد اللهجة صدر في 24 نيسان/ أبريل، قال رئيس اللجنة السياسية في المجلس الوطني الفلسطيني، صالح ناصر، إن تفويض الأونروا قد يقترب من نهايته. دالًا بذلك على تصريح حديث للمفوض العام للأمم المتحدة، فيليب لازاريني، حول مستقبل المنظمة: (يمكننا أن نعترف بأن الوضع الحالي لا يمكن تحمله وسيؤدي حتماً إلى تآكل جودة خدمات الأونروا ، أو الأسوأ من ذلك ، توقفها).
تأسست وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى، الأونروا (اختصارًا باللغة الإنجليزية/ UNRWA) في عام 1949، بعد عام واحد من إنشاء دولة الاحتلال الإسرائيلي. وعليه، كُرست الأونروا كأولوية في الخطاب السياسي الفلسطيني، كما في الخطاب العربي، على الرغم من أن الأونروا لم يتم إنشاؤها كمنصة سياسية أو قانونية في حد ذاتها، إلا أن سياق عملها كان سياسيًا على نطاق واسع يعنى بشؤون الفلسطينيين الذي أصبحوا لاجئين نتيجة الاحتلال “التطهير العرقي للشعب الفلسطيني، ورفض حق العودة للفلسطينيين المنصوص عليه في قرار الأمم المتحدة رقم 194 (III) الصادر في 11 كانون الأول/ ديسمبر 1948”.
بعد عام من ذلك، جاء في قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة رقم 302 (IV) بتاريخ 8 كانون الأول/ ديسمبر 1949 أن “الأونروا لديها تفويض إنساني وتنموي لتقديم المساعدة والحماية للاجئي فلسطين “حتى يتم إيجاد حل عادل ودائم لوضعهم”.
في يونيو 2018، زار جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب، عمان- الأردن، حيث حاول، وفقًا لمجلة فورين بوليسي الأمريكية، إقناع العاهل الأردني الملك عبد الله بسحب صفة اللاجئ من مليوني شخص فلسطيني يعيشون في البلاد.
في سبتمبر 2018، قررت واشنطن، في ظل إدارة ترامب، وقف دعمها المالي للأونروا بصفتها الممول الرئيسي للمنظمة. كان القرار الأمريكي مدمرًا، حيث أن حوالي 30٪ من أموال الأونروا تأتي من الولايات المتحدة وحدها. ومع ذلك، استمرت الأونروا في دعم اللاجئين بالاعتماد على التبرعات الفردية والخاصة.
في 7 أبريل 2021 صدر قرار إدارة بايدن باستئناف تمويل الأونروا، إلا أن واشنطن وافقت على تمويل الأونروا بالتوقيع على خطة، تُعرف بإطار التعاون، لمدة عامين فقط. لكن، من حيث الجوهر، حولت الخطة فعليًا الأونروا إلى منصة للسياسات الأمريكية والإسرائيلية في فلسطين، حيث أذعنت هيئة الأمم المتحدة لمطالب الولايات المتحدة – ومن ثم إسرائيل- بضمان عدم وصول أي مساعدة إلى أي لاجئ فلسطيني تلقى تدريبات عسكرية.
ضمن هذا الإطار، تحولت الأونروا من كونها وكالة إنسانية تقدم المساعدات للاجئين الفلسطينيين إلى وكالة أمنية تروج للأجندة السياسية والأمنية للولايات المتحدة وفي نهاية المطاف، لإسرائيل.
بالمقابل، لم تغير الاحتجاجات الفلسطينية الواقع الجديد، الذي غير منوال الولاية الكاملة التي منحها المجتمع الدولي للأونروا قبل 73 عامًا. والأسوأ من ذلك، حذت الدول الأوروبية حذوها عندما قدم البرلمان الأوروبي، في سبتمبر/ أيلول 2021، تعديلاً يجعل دعم الاتحاد الأوروبي للأونروا مشروطًا بتحرير وإعادة كتابة الكتب المدرسية الفلسطينية التي يُزعم أنها “تحرض على العنف” ضد إسرائيل.
بالخلاصة، بدلاً من التركيز على الإغلاق الفوري للأونروا، عملت الولايات المتحدة وإسرائيل وحلفاؤهم على تغيير طبيعة مهمة المنظمة وإعادة كتابة تفويضها الأصلي بالكامل، ومن المتوقع الآن أن تقوم الوكالة التي تم إنشاؤها لحماية حقوق اللاجئين بحماية المصالح الإسرائيلية والأمريكية والغربية في فلسطين.
أثار اقتراح وكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين بتفويض جزء من خدماتها إلى هيئات أخرى تابعة للأمم المتحدة غضب السلطات الفلسطينية التي تحذر من خطة لتفكيك الوكالة. على الرغم من احتجاج السلطة الفلسطينية والفصائل السياسية المختلفة والحكومات العربية وغيرها على المخططات الأمريكية الإسرائيلية بشأن الأونروا، فمن غير المرجح أن تغير مثل هذه الاحتجاجات شيئًا، نظرًا لأن الأونروا نفسها تخضع لضغوط خارجية. ما يحتم على الفلسطينيين والعرب وحلفائهم استئناف مهمة الأونروا، ناحية أن التطوير العاجل لخطط ومنصات بديلة تحمي اللاجئين الفلسطينيين وحقهم في العودة.
في هذا المنحى، دعت اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية، المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة “لازاريني” إلى التراجع عن مواقفه الأخيرة فيما يتعلق بإمكانية تحويل خدمات الوكالة إلى المؤسسات الدولية الأخرى.
وقالت اللجنة التنفيذية، في بيان، إنها ترفض الجهود المبذولة لإيجاد حلول لقضية فلسطين بحجة الصعوبات المالية ووقف التمويل، بهدف إحداث تغيير في الوضع السياسي والقانوني للاجئين الفلسطينيين الذي تجسده الأونروا.
الأونروا هي الكيان الوحيد في الأمم المتحدة المكرس لصراع واحد وشعب واحد، ولها دور رمزي يقول الخبراء إنه يعكس أهميتها في رعاية اللاجئين الفلسطينيين، وإنهم بإلغاء المنظمة سيفقدون “هويتهم”، التي تعتبر “حمايتهم”. بالمقابل أشار المفوض العام لوكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين في الشرق الأدنى (الأونروا)، فيليب لازاريني إلى أنه سيؤمن كفاءة منظمته من خلال الاستعانة بمصادر خارجية للخدمات لأطراف ثالثة، وإن هذا الاحتمال في ظل ضعف التمويل يمثل خطوة إلى الأمام بالنسبة إلى لاجئي فلسطين.