الاحدثدولي

٢٠٢٥ العام الذي يَشمُلُ كُلَّ شَيء | بقلم د. بيار الخوري

على أعتابِ العام 2025، تَقِفُ البشريةُ في مواجهةِ لحظةٍ تاريخيةٍ تتداخَلُ فيها التحوّلاتُ السياسية والاقتصادية والاجتماعية، مُشَكِّلةً لوحةً مُعقّدة من التحدّياتِ والآمال. فمن تداعياتِ جائحة “كوفيد 19” التي اجتاحت العالم منذ سنواتٍ قليلة، إلى صراعاتٍ لا تزالُ تُلقي بظلالها الثقيلة على العالم، كالحرب في أوكرانيا ومأساة الشعب الفلسطيني، يبدو هذا العام وكأنّهُ مرآةٌ عاكسةٌ لصراعاتِ الإنسان مع نفسه ومع بيئته.

لقد أثقلت السنواتُ الأخيرة كاهلَ الأنظمة السياسية، التي وَجَدَت نفسها مُطالَبةً بمواجهةِ ضغوطٍ غير مسبوقة، وإيجادِ حلولٍ لأزماتٍ تراكمت وتعقّدت. وفي الوقتِ الذي تبذلُ الجهودُ الدولية محاولاتٍ لرأبِ الصدع الذي أحدثته الحرب في أوكرانيا، تتوالى الدعوات لإنهاء مُعاناة الشعب الفلسطيني، ذلك الجرح المفتوح الذي يختبر عدالة العالم وضميره.

وعلى الجانبِ الاقتصادي، يتأهّبُ العالمُ لدخولِ مرحلةٍ جديدةٍ تَتَّسِمُ بإعادةِ صياغةِ قواعد اللعبة. العملات الرقمية لم تَعُد مجرّدَ خيالٍ بل أصبحت واقعًا يُعيدُ تشكيل مسارات المال والأعمال. التحالفات التجارية تتّخذُ منحًى جديدًا، حيثُ تُركّز على الاستدامة والمرونة، متجاوزةً الهيمنة المُطلقة. أما الطاقة المُتجدّدة، فقد باتت النجمَ الصاعد في سماء الاقتصاد العالمي، حاملًة معها وعودًا بمستقبلٍ أكثر عدالةً بيئية واقتصادية.

لذلك، 2025 لا يُختَزَلُ فقط في صراعاته وأزماته، بل يتجلّى أيضًا كفضاءٍ لفُرَصٍ فريدة. التكنولوجيا، وبخاصة تقنيات الواقع الافتراضي والمعزّز، وهي ليست مجرّد أدواتٍ للتعليم أو الفن، بل أضحت جسرًا يَعبُرُ عبره الاقتصاد إلى آفاقٍ جديدة. من تجربةِ التسوُّقِ الافتراضي إلى تحسينِ إدارةِ سلاسل التوريد، باتت هذه التقنيات نبضًا جديدًا يُعيدُ الحياةَ إلى التجارةِ العالمية.

وفي قلبِ هذه التحوّلات، تَبرُزُ البيئة كحقلٍ للصراعِ والتعاوُنِ على حدٍّ سواء. الجهودُ الدولية، التي طالما وُصِفَت بالخجولة، أصبحت أكثر جرأةً مع مبادراتٍ طموحة مثل “الطاقة النظيفة للجميع”. لكن هذه المُبادرات، رُغمَ أهمّيتها، لا تزالُ تُواجِهُ تحدّياتٍ كبيرة. فهل يكفي هذا التعاوُنُ لإنقاذِ كوكبٍ يئنُّ تحتَ وطأةِ التغيُّرات المناخية؟

مع ذلك، فإنَّ العام 2025 لا يُمكِنُ النظرُ إليه بعينٍ واحدة. إذا ما غلبت التوتّرات السياسية والصراعات المستمرّة، وإذا ما استمرَّ العالمُ في تجاهُلِ الحلولِ الجذرية للقضايا البيئية والإنسانية، فإنَّ هذا العام قد يتحوَّلُ إلى نقطةِ انحدارٍ بدلًا من كونه قفزةً إلى الأمام. التحدّياتُ الكبرى التي تقف أمامنا اليوم تحملُ في طيّاتها تهديدات جدّية قد تذهب بنا إلى فوضى عالمية مديدة.

لكنَّ الفُرصةَ ما زالت قائمة. فإذا استطاعَ العالمُ أن يستثمرَ نقاطَ القوّة مثل التقدُّم التكنولوجي والتحالفات البيئية، وإذا ما وُجِّهَت الجهودُ بشكلٍ حازمٍ نحو مُعالجةِ نقاطِ الضعف والتهديدات، يُمكنُ أن يُصبحَ العام 2025 لحظةَ انطلاقٍ لعصرٍ جديدٍ أكثر استدامةً وعدالة. إنّهُ نداءُ الارضِ الصامتة إلّا في زلازلها واعاصيرها واصوات مُفرقعات القتل، للعملِ بروحٍ من المسؤولية والجرأة، لضمانِ مستقبلٍ يحملُ الاستقرارَ والازدهارَ للجميع، مُستَقبلٌ لا يتجاوزُ فقط أزمات الحاضر، بل يُعيدُ صياغة مقاربتنا للإنسانية ذاتها.

د. بيار بولس الخوري ناشر الموقع

الدكتور بيار بولس الخوري أكاديمي وباحث ومتحدث بارز يتمتع بامكانات واسعة في مجالات الاقتصاد والاقتصاد السياسي، مع تركيز خاص على سياسات الاقتصاد الكلي وإدارة التعليم العالي. يشغل حاليًا منصب عميد كلية إدارة الأعمال في الجامعة الأميركية للتكنولوجيا وأمين سر الجمعية الاقتصادية اللبنانية. عمل خبيرًا اقتصاديًا في عدد من البنوك المركزية العربية. تخصص في صناعة السياسات الاقتصادية والمالية في معهد صندوق النقد الدولي بواشنطن العاصمة، في برامج لصانعي السياسات في الدول الاعضاء. يشغل ايضا" مركز أستاذ زائر في تكنولوجيا البلوك تشين بجامعة داياناندا ساغار في الهند ومستشار أكاديمي في الأكاديمية البحرية الدولية. ألّف أربعة كتب نُشرت في الولايات المتحدة وألمانيا ولبنان، تناولت تحولات اقتصاد التعليم العالي وتحديات إدارته، منها كتاب "التعليم الإلكتروني في العالم العربي" و"التعليم الجامعي بموذج الشركنة". نشر أكثر من 40 بحثًا علميًا في دوريات محكمة دوليًا،. يُعد مرجعًا في قضايا مبادرة الحزام والطريق والشؤون الآسيوية، مع تركيز على تداعياتها الجيوسياسية والاقتصادية في منطقة الشرق الأوسط. أسس موقع الملف الاستراتيجي المهتم بالتحليل الاقتصادي والسياسي وموقع بيروت يا بيروت المخصص للأدب والثقافة. أطلق بودكاست "حقيقة بكم دقيقة" على منصة "بوديو"، ليناقش قضايا اجتماعية واقتصادية بطريقة مبسطة. شارك في تأليف سلسلتين بارزتين: "الأزرق الملتهب: الصراع على حوض المتوسط"، الذي يحلل التنافسات الجيوسياسية حول موارد البحر المتوسط، و"17 تشرين: اللحظة التي أنهت الصفقة مع الشيطان"، وهي مجموعة دراسات ومقالات عميقة حول انتفاضة لبنان عام 2019، والمتوفرتان على منصة أمازون كيندل. لديه مئات المقابلات في وسائل إعلام محلية عربية وعالمية مقروءة ومتلفزة، حيث يناقش قضايا الاقتصاد اللبناني والأزمات الإقليمية والشؤون الدولية. يكتب مقالات رأي في منصات إلكترونية رائدة مثل اسواق العرب اللندنية كما في صحف النهار والجمهورية ونداء الوطن في لبنان. يُعتبر الخوري صوتًا مؤثرًا في النقاشات حول مسيرة اصلاح السياسات الكلية وسياسات محاربة الفساد والجريمة المنظمة في لبنان كما مسيرة النهوض بالتعليم والتعليم العالي وربطه باحتياجات سوق العمل. لديه خبرة واسعة في دمج تطبيقات تكنولوجيا البلوكتشين في عالم الاعمال ومن اوائل المدافعين عن الصلاحية الاخلاقية والاقتصادية لمفهوم العملات المشفرة ومستقبلها، حيث قدم سلسلة من ورش العمل والتدريبات في هذا المجال، بما في ذلك تدريب لوزارة الخارجية النيجيرية حول استخدام البلوك تشين في المساعدات الإنسانية وتدريب الشركات الرائدة في بانغالور عبر جامعة ساغار. كما يمتلك أكثر من 30 عامًا من الخبرة في التدريب وإدارة البرامج التدريبية لشركات ومؤسسات مرموقة مثل شركة نفط الكويت والمنظمة العربية لانتاج وتصدير النفط OAPEC. يجمع الخوري بين العمق الأكاديمي، فهم البنى الاجتماعية-الاقتصادية والاستشراف العملي، مما يجعله خبيرا" اقتصاديا" موثوقا" في العالم العربي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى