اقرأ في الملف ذاته
إتفاقية إيران مع الصين تُبشّر بتحوّلٍ جيوسياسيٍّ كبير كتب غابريال طبراني
الإتفاق الصيني الإيراني: “التحالف الذي لا يهزم”! كتب أكرم بزي
الحراك الصيني الأخير: فرصة متجددة للعرب ومصدر قلق للغرب! كتب قاسم طفيلي
إستطاعت ايران أن تخرج من الحرب العراقية الايرانية في القرن الماضي محافظة على نظامها، وتكيفت مع الاوضاع بعدها، وانتهجت برغماتية أو تعايشت مع الواقعية السياسية، ومارست مفهوم التدافع، واحتوت عدوها الأول صدام الذي عوضها من الاموال والنفط والطائرات لا مقابل ما قام به خلال الثمان سنوات من حرب تدميرية ضدهم، بل من أجل ضمان جانبها، وقد أجادت لعب دور الصديق الرسمي والعدو الخفي، وهو ما كان مرضياً من جانب صدام حتى تأريخ سقوطه، لكنه كان مؤلماً للمعارضة العراقية.
واستمرت إيران بهذه الطريقة في ما تفعله خارج ايران ونجحت في سوريا ليكون التدافع بين الروس والامريكان حاجزاً وحامياً لنظام بشار حليفها حتى هذه اللحظة. وحاولت أن تستخدم الاسلوب ذاته في العراق وأجادت في بعض تفاصيله للدفع ببريطانيا وفرنسا مقابل الولايات المتحدة في تشكيل حكومة عبدالمهدي .
وانطلقت قبل أيام في اتفاقية شاملة مع الصين التي لم أجد تفسيراً لها إلا من خلال نظرية التدافع التي تعمل بها .
لماذ الاصرار على تسميتها بنظرية التدافع؟
كما هو معلوم إن إيران يحكمها نظام إسلامي وهي تَتَخِذُ أحدَ اشكاله بولاية الفقيه الجامع للشرائط القادر على استنباط الاحكام الشرعية والحياتية ومنها إمضاء الامور السياسية لتتوافق مع متبنياتها الاسلامية .
ونظرية التدافع أو مفهوم التدافع تنطلق من الاية الكريمة {وَلَوْلَا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُم بِبَعْضٍ لَّهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيرًا ۗ وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} حيث يمكن دفع عدو بآخر .
هل يمكن لايران أن تنجح بهذا النهج أم أنَّ الأمرَ مختلفٌ هذه المرة ؟
كما أشرت أن ايران استطاعت أن تمارس ذلك في العراق وسوريا واليمن ولبنان وكلها كانت ممارسات خارج أراضيها وكانت تكتيكات حروب ونجحت الى حدٍ بعيد.
أما مع هذه الاتفاقية فالأمر يتعلق ب(نفوذ) داخل الجمهورية الايرانية، فإنها كانت سابقا تدفع بعدوها الرئيس الولايات المتحدة أو داعش خارج حدودها للحفاظ على ((أُم القرى))*.
هذا النفوذ يشمل استثمارات قيل انها تصل الى أربع مئة مليار دولار وهو مبلغ خيالي يُبنى به دول.
وكما نعلم فإن الصين كغيرها ليست جمعية خيرية وعندما تستثمر، وتضع أموالها فإنها لاتنتظر العوائد المالية فقط .
وقد سبقت هذه الاتفاقية تعاوناً عسكرياً لم يفصح عنه وقيل أن مسرحه كان الخليج العربي، وهي سابقة فيما يخص الصين .
أما لماذا اتجهت إيران إلى الصين ؟
لقد حاولت إيران مع دول أُخرى من أُوربا إلا أنَّ هذه الدول كانت تقدم قدماً نحو إيران، وتؤخر أُخرى بسب الحصار الأمريكي والقوانين الامريكية، وهذا لاينفع إيران التي تبحث عن مخرجٍ يبعدها عن التنازل لأمريكا بما يحفظ كبرياءها.
أما الصين المرنة التي تغلف سياستها الخارجية بالحرير -إن جاز التعبير-فكانت البلد الاكثر قُرباً لإيران، كما أن إيران تجد في الصين بلداً شبيها في إرثها الحضاري، وفي تجربة الحصار المفروض عليها.
وكذلك في تجربة الصين السياسية الغنية تُلهِمُ دولاً مثل إيران للحذو حذوها، فهذا البلد واجه أنواع الحصار والحروب ولكنه خرج منها بقوة . وكما تعتز الصين بإرثها وتاريخها الحضاري كذلك الحال بالنسبة لايران . والبلدان يحاولان قولبة تنوعات الشعوب لديها بتوليفة لاتؤثر على شكل النظام السياسي.
إذًا البلدان يقتربان بتشابه التجربة التي مروا ويمرون بها. وكلاهما يضعان الامبريالية الامريكية عدوا لهما في أدبياتهما التعبوية.
ولعل المفيد لايران أن شعوبها وشعوب المنطقة لايملكون ذاكرةً سيئةً اتجاه الصين فهي ليست دولةً استعمارية وبهذا تجد الصين قبولاً في الشرق الاوسط وفي إيران، وقد تجد ايران في الصين جدارا لحمايتها بشكل أو بآخر. وهذا ما يتحدث به المتفائلون والمؤيدون أما المنتقدون فقد لايجدون في الصين ذلك الدور الراعي تجاه بلدان الشرق الاوسط، ولم تجرب الصين أن يكون لها نشاط عسكري مسلح لحماية أي بلد من بلدان الشرق الاوسط، ولكن صين القرن الحادي والعشرين وفي عقده الثاني ليست صين القرن العشرين .
لقد انتقلت الصين إلى مرحلة نوعية وإن كان قفازها الحريري لا يدمي في لكمته للوهلة الاولى إلا أنه مؤلم كثيرا.
ماذا عن الصين :-؟
بعد أن وضعت الصين قدماً في الدولة العبرية بعقود لتجديد موانئها البحرية هاهي تضع قدماً في الجمهورية الاسلامية، ومقبلة على عقود اخرى في دول الخليج .
وتكاد الصين أن تكون رائدة العالم الذي يتحول من الصراع المسلح الى صناعة الاقتصاد وصناعة المال، وخلق فرص للإستثمار ومن يتخلف عن الركب يجد نفسه محاطا بالاغنياء وهو لايملك رغيفاً للخبز.
ويُراد للشرق الاوسط أن يدخل مرحلة جديدة مرحلة التنافس الاقتصادي لا التنافس العسكري، وبدأ التطبيع الاقتصادي والشعبي قبل التطبيع السياسي، والصين كبلد يملك سياسة مرنة يستطيع الدخول لكل بلدان الشرق بنفس القوة، ويملك أموالا كافية لضخها ومن ثم مضاعفتها، فله عقود مع اسرائيل ولم تتحسس إيران منها او اي بلد عربي اخر.
والصين شركاتها ليست ملكاً صرفاً للدولة فتتنوع ملكيتها بين اتجاهات متعددة .
الصين البلد الذي يملك معظم أسهم بنوكه يوفر سياسية مالية للشركات العاملة خارج البلد، وشروطه تسهلها الحكومة و تبدد العوائق تجاهها، على خلاف البنوك الامريكية والاوربية التي تتحفظ كثيراً في تمويل الشركات في المناطق الغير آمنة .
وبذلك تكون الصين متقدمة خطوة عن بقية البلدان الغربية .
والصين باتفاقياتها مع ايران قد ضمنت حليفا قويا يمنحها اولوية في بلدان اخرى كالعراق وسوريا واليمن وكل من هذه البلدان اسواقا مهمة اذا ما استقرت الاوضاع فيها، وبهذا تكون الاتفاقية الايرانية الصينية نقلت المنطقة الى وضع جيو سياسي جديد.
وضع يسمح للصين بلعب دور عالمي جديد وهذا الدور له استحقاقاته، وهو ما سنراه في التحديات القادمة اذا ما أقدمت الولايات المتحدة على خطوات تصعيدية لحماية مصالحها في الشرق الاوسط، وهذا ما سنترك اجابته لاننا لانريد أن ندخل في التكهنات في عالم متقلب ومنفتح لجميع الاحتمالات .
