روسيا والصين على قلب رجل واحد.
موسكو وبكين في مواجهة واشنطن.. هل تتجه الموازين الدولية نحو التحالف الآسيوي الجديد؟
روسيا والصين .. شراكة استراتيجية جديدة في مواجهة قوى الغرب
لا يخفى على أحد التوطد الملحوظ في العلاقات الصينية الروسية خلال السنوات الأخيرة، حيث جمعتهما المصالح المشتركة التي تستهدف في المجمل مواجهة العدو الأخطر لكلا الطرفين، فالضغوط التي تفرضها الولايات المتحدة الأمريكية على كل من موسكو وبكين قد شكلت نقطة انطلاق لحدوث التقارب بين البلدين في مواجهة العملاق الغربي.
وقد ركزت بعض التقارير الصحفية مؤخرا على تصريحات الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال لقائه بنظيره الصيني في الجلسة العامة لمنتدى سان بطرسبرغ الاقتصادي الدولي، بأن العلاقة بين البلدين تشهد انتعاشا ورواجا غير مسبوقا، منبها إلى أن كل من الصين وروسيا حليفان استراتيجيان فقط تجمعهما شراكة اقتصادية قوية، ولا يخططان إلى إقامة أي نوع من التحالفات العسكرية.
ومن البديهي أن يثير التقارب الروسي الصيني المخاوف الأمريكية في إطار حرص واشنطن الدائم على تصدر المشهد الدولي والسعي الدؤوب نحو قيادة العالم، وبالتالي فإنه يبدو أن الولايات المتحدة رغم كونها القوة الأولى عالميا، إلا أنه لازال يسيطر عليها كابوس قيام الاتحاد بين كل من آسيا وأوروبا فيما يعرف بـ “أوراسيا” استنادا إلى نظرية هالفورد ماكيندر الشهيرة والتي أطلق عليها “قلب العالم”، الأمر الذي يفسر المساعي الأمريكية الجادة من أجل إفساد الصداقة الروسية الصينية.
ولعل إشارة الرئيس الصيني شي جين بينغ في تصريحاته خلال اللقاء إلى تكرار الزيارات المتبادلة بين الجانبين الروسي والصيني خلال السنوات الأخيرة، تحمل دلالة واضحة على نية التحالف الاستراتيجي الجديد على التصدي للضغوط التي تمارس عليه من قبل المعسكر الغربي، فقد قالها الرئيس الصيني صراحة:” لقد تقابلت مع الرئيس الروسي بوتين 30 مرة منذ عام 2013″، في إشارة منه إلى عمق أواصر الصداقة مؤخرا بين الجانبين.
ومن النقاط الهامة التي لفت إليها كل من الرئيس الروسي ونظيره الصيني خلال اللقاء، توسيع نطاق المعاملات التجارية بين الجانبين والتركيز على تحقيق الاستقرار للعملة المحلية لكل من روسيا والصين، الأمر الذي قد يراه بعض خبراء الاقتصاد تحديا سافرا لوجود العملات الأجنبية الأخرى في آسيا، وبخاصة الدولار الأمريكي.
تفسيرات منطقية لتوطد العلاقات الروسية الصينية
يبدو أن كل من الصين وروسيا قد وجد ضالته في الآخر، فقد شكل انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من معاهدة حظر انتشار الصواريخ القصيرة والمتوسطة المدى الموقعة مع روسيا تهديدا خطيرا للكيان الآسيوي برمته، إلى جانب إعلان واشنطن بعد ذلك الانسحاب من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية.
ومن ناحية أخرى، نجد أن العقوبات الاقتصادية التي فرضتها الولايات المتحدة مؤخرا على الصين بعد فشل المحادثات الاقتصادية بين الجانبين، بمثابة الشرارة الأولى لبحث الجانب الصيني عن صديق يشاركه الجهر بعداء القوة الأمريكية العظمى، وبالتالي فإن التقارب الصيني الروسي يعد أمرا منطقيا في ظل الهيمنة الأمريكية على الساحة الدولية، وإصرار واشنطن بقيادة دونالد ترامب على قلب موازين الأمورعلى صعيد العلاقات الدولية.
ويعتقد خبراء الاقتصاد أن الإطلاع على مناقشات منتدى سان بطرسبرغ باعتباره من أهم الفعاليات الاقتصادية التي تقام سنويا في روسيا، يعد ضرورة حتمية للوقوف على أبعاد التعاون القائم في منطقة أوراسيا في شتى المجالات، وفي ظل الحرب الاقتصادية بين كل من الصين وأمريكا، فإن زيارة الرئيس الصيني للأراضي الروسية خلال تلك الفترة الحرجة، تعد خطوة هامة في سبيل إتمام الشراكة الاستراتيجية بين البلدين.
وفي لقائهما مؤخرا بالعاصمة القرغزية بيشكيك، أكد الرئيس الروسي خلال قمة “منظمة شانغهاي للتعاون” على ضرورة تكثيف الجهود الدولية المشتركة من أجل مكافحة الإرهاب، مشيرا إلى الخطوات المرتقبة بشأن الملف النووي الإيراني، وبخاصة بعد إعلان إيران عدم الالتزام ببعض بنود الاتفاق النووي ردا على انسحاب الولايات المتحدة الأمريكية من الاتفاق قبل عام، الأمر الذي قد ينذر بمزيد من التوتر في الشرق الأوسط.
ومن الموضوعات الهامة التي وضعت على أجندة المباحثات المشتركة بين البلدين أيضا خلال قمة شانغهاي، استراتيجية رئيس وزراء الهند “ناريندرا مودي” التي تستهدف تحويل بلاده من فاعل إقليمي مؤثر داخل القارة الآسيوية إلى قوة عالمية كبرى، مما جعله يحرص مؤخرا على تعزيز التوازن في العلاقات الخارجية للهند وتوطيد العلاقات مع واشنطن من أجل وقف التمدد الصيني في المحيط الهندي وجنوب آسيا.
وقد خلصت المباحثات المشتركة بين البلدين في كل من بطرسبرغ وبيشكيك إلى ضرورة الترويج للأجندة الصينية الروسية على الساحة الدولية من أجل تشكيل مركز جديد للقوة الاقتصادية في الشرق، وتعزيز سبل التعاون التجاري من أجل تحقيق استقرار العملة المحلية لمحاولة القفزعلى حقيقة اعتبار الدولارالعملة الرسمية للاحتياطي النقدي العالمي.
وسوف تشهد مدينة أوساكا اليابانية لقاءا مرتقبا بين كل من الرئيس الصيني والروسي أيضا بحضور أعضاء مؤسسة البريكس، والمكونة من كل البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب أفريقيا وذلك في خلال قمة دول العشرين التي ستعقد في الثامن والعشرين من الشهر الجاري.
لقراءة المقال الأصلي : اضغط هنا