(الجريمة قيد الاستعراض).. العلاقات الروسية الأمريكية من منظور آخر
كتاب أمريكي ينجح في كشف خبايا التواطؤ المزعوم بين الرئيس ترامب وموسكو.. وهو ما عجزت الصحافة الأمريكية عن كشفه.
لم يكن الأمر من قبيل المصادفة، وذلك عندما وجه ديفيد كرايمر، المساعد الأسبق للسيناتور الجمهوري جون ماكين، دعوته إلى الصحفي كين بنسينجر مراسل شركة BuzzFeed الإخبارية لاجتماع خاص أطلعه خلاله على وثائق سرية تكشف أبعاد العلاقة الغامضة بين الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وروسيا. ولم يتوقف عند ذلك، بل عمد أيضا إلى نقل تلك الخبايا إلى بعض المؤسسات الإعلامية الأخرى، فقد كان كريمر الذي شغل منصب مساعد وزير الخارجية في عهد الرئيس السابق جورج بوش من أكثر السياسيين معارضة لمسألة تولي ترامب فترة رئاسية جديدة.
وقد تسببت تسريبات كريمر في إثارة فضيحة كبرى من شأنها أن تؤثر على مستقبل واشنطن خلال المستقبل القريب، فلم يتوقف الأمر عند احتمالية إقصاء ترامب من السلطة، بل تم تسليط الضوء أيضا على أهم وأكثر الأسرار غموضا في سياسات القرن الحادي العشرين. فقد تساءلت بعض التقارير الصحفية عن سر التحفظ الواضح لدى ترامب عندما يتعلق الأمر بروسيا وفلاديمير بوتين! ولعل ذلك يرتبط على نحو واضح بما ذكره كريستوفر ستيل، الضابط الأسبق في الاستخبارت البريطانية، في مذكراته التي تحمل عنوان (The Foggy Bottom) حيث أشار إلى أن الكرملين قد عمد إلى مساندة ترامب على مدى خمس سنوات تقريبا، هذا في الوقت الذي حصلت فيه الاستخبارات الروسية على بعض الأسرار التي قد تدين ترامب فيما يعرف بـ “Trump kompromat” والتي يمكن استخدامها لابتزاز الرئيس الأمريكي في الوقت المناسب.
والجدير بالذكر أن ستيل كان على دراية واسعة بالمشهد السياسي داخل روسيا، فقد خدم في السفارة البريطانية قبيل انهيار الاتحاد السوفيتي، كما كان يمارس بعض الأعمال التجسسية في موسكو عام 2009 وفي الوقت ذاته فقد كان الشغل الشاغل له معرفة الحقيقة، ماذا يفعل ترامب في روسيا؟ وهنا تواصل ستيل مع شركة Fusion GPS الأمريكية للأبحاث بغرض المشاركة في إجراء التحقيقات والحصول على بعض التسريبات والأسرار الخفية.
وهنا يمكن القول بأن الجريمة التي باتت قيد الاستعراض تتمثل كلياً في الكشف عن جنبات العلاقة المظلمة بين ترامب وروسيا، والنتيجة المتوقعة بمجرد قيام Buzzfeed بالنشر- الأمر الذي سيغضب Fusion بالطبع – فإن ترامب سينكر ذلك كليا زاعما بأنه ضحية مؤامرة رخيصة، وربما يصف ستيل بأنه جاسوس فاشل وعميل ماركسي .
وقد شارك مؤلفا كتاب (( Crime in Progress أو (الجريمة قيد الاستعراض) جلين سيمبسون وبيتر فريتش في تأسيس Fusion قبل عقد من الزمن. فقد حظيا بتدريب واسع المدى في مجال السرد القصصي لدى وول ستريت جورنال . وقد بدأت Fusion في إجراء تحقيقاتها الخاصة حول ترامب في أغسطس 2015 بناء على طلب العميل الجمهوري، وقد حصلت على أدلة دامغة من بعض المصادر المفتوحة، كما توجهت نحو ستيل للحصول على بعض المعلومات الاستخباراتية من داخل روسيا، إلا أنه بحسب ما أشار إليه سمبسون في الكتاب:” فإن معلومات سيمبسون لم تكن دقيقة بالقدر الكافي”.
ووفقًا لـ Crime in Progress ، فقد أوضحت أول مذكرة لـ ستيل علاقة كل من بوتين وترامب، والتي تضمنت إدعاءا واضحا مفاده أن وكالة الأمن الفيدرالي الروسي التي يديرها بوتين بنفسه، قامت بالحصول على لقطات مصورة للرئيس الأمريكي خلال تواجده برفقة بعض العاهرات في فندق ريتز كارلتون في موسكو عام 2013، تلك الأدلة التي عكفت روسيا على الاحتفاظ بها بغرض استخدامها في مساومة ترامب لاحقا.
وقد أكد ستيل لكل من سيمبسون وفريتش أن المذكرات المكتوبة تتمتع بالمصداقية التامة، مع الاستشهاد بالمصادر التي يتم الاستعانة بها والتي شملت أحد المسئولين بوزارة الخارجية في موسكو وبعض العملاء لدى الاستخبارات الروسية فضلا عن شهود من داخل ريتز نفسه، ولكن الكتاب لم يقم بالإشارة إلى تلك المصادر للأسف.
وبمجرد أن تيقن ستيل من أن ترامب قد تورط في علاقات مشبوهة بالفعل، قام بإرسال تحذير لكل من مكتب التحقيقات الفيدرالي في أمريكا ومنزل رئيس وزراء المملكة المتحدة. وهنا يزعم الكتاب بأن ستيل قد حظي بلقاء هام مع السير ريتشارد ديرلوف، الرئيس الأسبق لجهاز الاستخبارات البريطانية، حيث ألمح ديرلوف إلى أن حكومة تيريزا ماي التي شغل فيها بوريس جونسون منصب وزير الخارجية كانت تشكك في علاقات ترامب مع موسكو. وأكد دير لوف على موقف ستيل السليم بـ “عدم تصعيد الأمور إلى أبعد من ذلك”. إلا أنه في حوار له مع الجارديان لاحقا، أنكر ما ذكره الكتاب عن تلك المقابلة تماما.
وقد تلخص الاستنتاج النهائي للكتاب في جملة مفاداها “لقد أخفقت وسائل الإعلام”. وبالرغم من أن رسائل البريد الالكتروني الخاصة بهيلاري كلينتون والتي تم اختراقها من قبل إحدى وكالات التجسس الروسية نشرت بالفعل عبر تسريبات ويكيليكس، إلا أن الملف الأكثر خطورة والمتعلق بخبايا العلاقة بين ترامب وروسيا لم ينشر بعد. وقد انتقد كل من سيمبسون وفيتش البيان الصادر عن مكتب التحقيقات الفيدرالية لصحيفة نيويورك تايمز والذي نفى وجود أي علاقة بين روسيا والرئيس ترامب. حيث وصفه الكاتبان بالبيان الكاذب المضلل.
وبمجرد تسريب الملف، شن الجمهوريون الغاضبون هجومهم المضاد حيث أنكر حلفاء ترامب الإدعاءات الصادرة عن فيوجين. أما عن المحامي روبرت مولر، فقد أشار الكتاب إلى أن التحقيق الخاص به لإثبات مدى التواطؤ بين ترامب وروسيا كان صادقا ولكنه منقوص. وقد صدق مولر على مذكرات ستيل مؤكدا على التدخل الروسي المباشر في الانتخابات الأمريكية 2016 إلا أنه أخفق في النهاية في العثور على أدلة كافية للبرهنة على وجود مؤامرة بالفعل، ولعل السبب في ذلك ،عرقلته من قبل الرئيس الأمريكي وحلفائه.
وقام مولر لاحقا بتقديم بعض الأدلة الجديدة إلى الكونجرس، وتزامن ذلك مع الاتصال الهاتفي بين ترامب ونظيره الأوكراني، حيث رأت جلسات الاستماع المنعقدة في Capitol Hill أن الدراما الأوكرانية ما هي إلا فصلا جديدا من المسرحية الروسية الأصلية، فهاهو الأمر يحدث مجددا، التماس بعض الحسنات من قوى أجنبية بغرض تشويه الخصم السياسي، إنها حقا جريمة أخرى مزعومة ولازالت قيد الاستعراض.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا