دولي

الدول العظمى اصبحت مكتوفة الايدي

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

هل سيتمكن كبار صناع السياسات الاقتصادية في العالم من التصدي للأزمة الصحية العالمية! وهل من خيارات أمام البنوك المركزية العالمية أم أن الدول العظمى أصبحت مكتوفة الأيدى أمام ذلك الفيروس الهزيل!
يبدو أن التفاؤل الذي عبرت عنه أقوى اقتصادات العالم من حيث قدرتها على السيطرة على وباء الكورونا الذي اجتاح العديد من الدول في غضون أشهر قليلة، لم يعد له محل من الإعراب، فالخيارات أصبحت محدودة والوضع خارج السيطرة. حيث أسفر اللقاء الأخير بين قادة مجموعة الدول السبع عن لا شئ سوى التعبير عن التضامن والتكاتف سويا في مواجهة الأزمة الراهنة. فلم يتحدث أحد عن أية نوع من الإجراءات الاقتصادية الملموسة، فلا تعهد مثلا بخفض أسعار الفائدة، ولا إشارة إلى إنفاق حكومي معتدل. كل ما أثير كان يدور في فلك المخاوف الكبرى من الفيروس القاتل، ولعل الأمر يوحي بأن واضعي السياسات المكلفين باتخاذ التدابير اللازمة للحد من الأضرار الاقتصادية الجمة يعملون حاليا بلا خطة وبلا رؤية.
وفي واشنطن، أعلن مجلس الاحتياطي الفيدرالي عن تخفيض الفوائد قصيرة الأجل بمقدار النصف مما يعد خبرا سارا بالنسبة لأسواق الأسهم، ولكن المستثمرون استمروا في استئناف عمليات البيع وسط حالة من انعدام الثقة بسبب انتشار الفيروس. فالقروض الميسرة لن تجدي نفعا في خضم تلك الأزمة ولن تدفع عجلات الإنتاج داخل مصانع خالية من العمال الذين يلزموم منازلهم خشية الإصابة بالوباء القاتل.
وقال الاقتصاديون خلال اللقاء إن “الحكومات لديها أدوات يمكن أن تحد من الخسارة الكبرى ، لكنها كانت مترددة في استخدامها. يمكنهم تقديم الأموال للموظفين الذين تم إغلاق مقار أعمالهم ، وتقديم القروض للشركات الصغيرة و حزم المساعدات المختلفة للصناعات الأكثر تضرراً ، مثل شركات الطيران وغيرها من المرافق المتعلقة بالسياحة. ولكن فيما يبدو أن تردد الحكومات في اتخاذ مثل تلك التدابير يعكس حالة من الرفض التام لتراكم وتضخم الدين العام.
ومنذ قرابة العامين، قامت إدارة الرئيس ترامب بتقديم تخفيضات ضريبية عادت بالفائدة في الأساس على كبرى الشركات وكبار حاملي الأسهم، إلا أنها بعد فترة وجيزة بدأت التحذيرات الاقتصادية من احتمال التعرض لعجز الموازنة وذلك خلال قيام الحكومة بالسعي نحو تخفيض التمويل الموجه نحو برامج الرعاية الصحة وإسكان الفقراء. وفي أوروبا حيث اجتاح الوباء العديد من الدول، فقد أعربت الدول التسعة عشر المتشاركة في اليورو عن مخاوف بشأة وقوع الركود على إثر تراكم الدين العام كنتيجة للأزمة الاقتصادية الناجمة عن الفيروس.
لقد برهنت الأزمة على وجود حقيقة ثابتة في أكبر الاقتصادات في العالم، ألا وهي أنه يكن توفير المال العام بسهولة من أجل القيام بالتخفيضات الضريبية ، ولكن عن الحديث عن أوجه الإنفاق الأخرى التي تبدو أكثر إلحاحا، تثار المخاوف من مخاطر وقوع عجز الموازنة وتنهال التحذيرات من تراكم الديون. فالممارسات الاقتصادية الدولية تذهب في اتجاه الإنفاق ببزخ شديد في مجال المال والأعمال، والذي لا يضاهي أبدا حجم الإنفاق من أجل مساعدة العمال الذين فقدوا عملهم دون ذنب.
إن استمرار تفشي الفيروس قد وجه ضربة قاصمة للاقتصاد العالمي، ففي بادئ الأمر أغلقت المصانع الصينية وتأثرت سلاسل التوريد العالمية، ثم مالبث الوباء وأن أصبح عالميا فقد انتقل من كوريا الجنوبية إلى ايطاليا وفرنسا وألمانيا.
ونظرا لعجز الحكومات عن السيطرة على الفيروس، فقد فرض الحجر الصحي وطالب المسؤولون المواطنين بملازمة منازلهم وسط تحذيرات مشددة من السفر وتجنب الأماكن العامة التي تشهد الاختلاط والتجمعات البشرية بوجه عام كالمطاعم والمراكز التجارية وغيرها مما يهدد بحلول شبح الركود العالمي.
وفي سبيل الحد من الأضرار الاقتصادية، فقد لجأت الحكومات إلى تطبيق بعض الإجراءات التي أضرت بالاقتصاد العالمي فعليا، فالبنوك المركزية لا تمتلك أداة سحرية للتغلب على الوضع القائم، فالإجراء التقليدي المتبع في تلك الأحوال هو التأثير على أسعار الفائدة على القروض قصيرة الأجل.
عندما تصبح الاقتصادات في حالة عدم استقراروالعمال مهددين بالبطالة ، تذهب البنوك المركزية في اتجاه تخفيض أسعار الفائدة ، مما يجعل الائتمان أمرا يسيرا ، ويشجع الشركات والأفراد على الاقتراض والإنفاق والاستثمار. يعد هذا نهجًا مثبتًا عندما تؤثر المشكلات سلبا على ما يعرف بعنصر (الطلب) في الاقتصاد ، أي عندما يفقد الناس والشركات شهيتهم للاستهلاك خوفًا من بعض المخاطر التي تلوح في الأفق ، أو عندما تنخفض الأجور وتزداد البطالة ، مما يقلل من قوة الإنفاق.
ولكن عندما تتعلق المشكلة بعنصر (العرض)، أي عندما تواجه الشركات صعوبة في تصنيع سلعها لأنها لا تستطيع تأمين المواد الخام ، أو لا يمكنها توصيل منتجاتها إلى الأسواق أو مواجهة بعض العوائق الأخرى ، فإن خفض أسعار الفائدة يميل إلى أن يكون عديم الجدوى. إن الأمر في تلك الحالة يشبه تقديم القسائم الشرائية للمتسوقين وتوجيههم نحو أحد المتاجر المغلقة.
وعليه فإن انتشار فيروس الكورونا يمثل ضربة اقتصادية مزدوجة لكلا من العرض والطلب معا، فإنه يحد من الإنتاج الصناعي ويؤثر سلبا على عمل سلاسل التوريد ومن ثم يحد من إنفاق المستهلكين والذي يعد ذهابهم إلى مراكز التسوق بمثابة مغامرة محفوفة بالمخاطر.
وفي الوقت نفسه ، تعمل البنوك المركزية بخيارات محدودة بالنظر إلى أنها لا تزال في وضع لا يمكنها من محاربة التهديد الأخير ، ففي خلال الأزمة المالية العالمية لعام 2008 ، قامت البنوك المركزية من أمريكا الشمالية إلى أوروبا إلى آسيا بخفض أسعار الفائدة إلى الصفر وحتى أقل من ذلك في محاولة لتحفيز التجارة.
وقد اعتبر بعض الخبراء إجراء خفض أسعار الفائدة بمثابة خطوة تنذر بالخطر للوهلة الأولى ولكنها قد تكون ضرورية في تلك المرحلة الراهنة، وبخاصة في ظل الإشارة المستمرة إلى عجز دول العالم عن مواجهة الوباء العالمي.
ومن ناحية أخرى، يعتقد البعض أن رفع أسعار الأسهم ليس من المفترض أن يكون مصدر قلق للبنك المركزي (على الرغم من أن ذلك يحبط الرئيس ترامب ، الذي يشجع ارتفاعات سوق الأسهم بينما يطالب بأسعار فائدة أقل). وبدلاً من ذلك ، فإن بنك الاحتياطي الفيدرالي يتطلع نحو البحث عن أسعار فائدة مستقرة.
وقد حذر خبراء اقتصاديون بارزون سابقا من أن العالم أصبح معتمدا بصورة أساسية على السياسات النقدية حينما تتفاقم الأزمات ، واستخدام أسعار الفائدة المنخفضة ، كرد مناسب لكل المشكلات الاقتصادية تقريبا. ومن هذا المنظور ، يجب على الحكومات أن تطلق العنان لقوة ميزانياتها. يجب عليهم الدفع بقوة في اتجاه إنفاق الأموال وزيادة الضرائب على الأثرياء لتأمين الإيرادات من أجل تطويرالبنية التحتية ودعم البرامج الحكومية.
ولطالما سعت إيطاليا- بؤرة التفشي الرئيسي للمرض في اوروبا- نحو التخفيف من حدة القيود المرتبطة باستخدام اليورو، ولكن ذلك اصطدم بسياسات ألمانيا- الاقتصاد الأول والأكبر نفوذا في أوروبا- مما دفع الحكومة بسبب الرفض العميق لمبدأ الدين إلى فرض سياسات تقشفية على الميزانيات العمومية عبر القارة البيضاء.
وقد اختتم أعضاء مجموعة السبعة لقاءهم بوعود وتعهدات توصي بضرورة التكاتف لمواجهة الأزمة الراهنة، وذلك وسط الطرح الوحيد المقدم من بنك الاحتياطي الفيدرالي للحد من الأضرار الاقتصادية للأزمة، ولكن وسط كل هذا الزخم الدولي لازال الحديث عن الإنفاق العام أمرا غائبا.
رابط المقال: اضغط هنا

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى