ماذا يحدث في تايوان؟ هل تقود أمريكا حربا جديدة بالوكالة ضد الصين؟ وهل يعد ذلك حلقة جديدة في مسلسل الحرب الاقتصادية المشتعلة بين الجانبين؟
يبدو أن الجهود المبذولة مؤخرا من قبل واشنطن لإنقاذ العلاقات بين كل من تايوان وجزر سليمان قد هددت بإشتعال فتيل حرب بالوكالة مع الصين.
ففي نفس الأسبوع من منتصف سبتمبر الجاري، قامت دولتان من الدول الواقعة في المحيط الهادئ وهما جزر سليمان وكيريباتي بقطع علاقاتهما مع تايوان، ليتراجع بذلك عدد الدول المعترفة بدولة تايوان إلى 15 دولة فقط وهو أقل معدل للاعتراف الرسمي بالدول منذ عام 1949 .
ولعل السيناريو الأسوأ من ذلك هو احتمال فقدان تايوان للمزيد من حلفائها في حال فوز الرئيس التايواني الحالي تساي إنغ ون بفترة رئاسية جديدة خلال الانتخابات المقررة في يناير القادم. فمنذ تولي تساي لمنصب الرئاسة في عام 2016 فقدت تايوان سبعة من الدول المعترفة بها رسميا أمام العالم، كما تسبب ذلك أيضا فى سحب عضويتها من اثنتين من المنظمات الدولية الكبرى.
فقد قامت ثلاث دول من أمريكا الوسطى بقطع علاقاتها مع تايوان وهم؛ بنما والسلفادور وجمهورية الدومينيكان، إلى جانب ثلاث دول أفريقية أخرى وهم بوركينا فاسو وسان تومي وبرينسيبي. وخلال الشهر الحالي، فقدت تايوان اثنان من حلفائها من دول المحيط الهادئ أيضا. وما زاد الأمر سوءا هو أن الدولة الصغيرة المعزولة نسبيا لم تتلق دعوات من جمعية الصحة العالمية أومنظمة الطيران المدني الدولي على مدار الثلاث سنوات الأخيرة. وربما يبرهن ذلك على ازدياد وتفاقم النفوذ الصيني في تضييق الخناق الدولي على تايوان.
ولعل الأمر يختلف نسبيا بالنسبة لدولة جزر سليمان، فلم تكن مسألة قطع العلاقات بمثابة قرارا فرديا من قبل الإدارة السياسية للدولة فحسب بل كان قرارا جماعيا بتصديق من مجلس الوزراء بعد عملية تقييم شاملة استمرت قرابة ثلاثة أشهر، ويرى البعض أن تلك الفترة كانت كافية جدا لحدوث نوع من التدخل الأجنبي.
وقد التقى السفير الأمريكي في جزر سليمان كاثرين ابيرت جراي برئيس وزراء الدولة منسى سوجافاري من أجل إقناعه بعدم قطع العلاقات مع تايوان. وكان من المقرر أيضا أن يلتقي نائب الرئيس الأمريكي مايك بينس مع سوجافاري خلال اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة من أجل مناقشة الأمر نفسه. ومن جانبها تعهدت استراليا بتقديم برنامج مساعدة بقيمة 250 مليون دولار من أجل تطوير البنية التحتية في جزر سليمان، وذلك بهدف إعادة موازنة القوى والحد من النفوذ الصيني المتزايد داخل المنطقة.
ويمكن القول بأن جميع الجهود الأمريكية والاسترالية قد باءت بالفشل في الوقت الذي أصدرت فيه جزر سليمان قرارا صارما بقطع علاقاتها مع تايوان مما ينذر باشتعال نوع جديد من الحرب بالوكالة داخل المنطقة بين الصين وأمريكا، حيث أصبح يتعين على الدول الـ 15 الباقين والمعترفين بتايوان المشاركة في أحداث تلك الحرب من أجل محاولة إعادة موازنة القوى لصالح الولايات المتحدة الأمريكية.
وبالنظر إلى تايوان، فإن هذه الحرب بالوكالة قد تحمل جوانب إيجابية وأخرى سلبية. فقد تستفيد تايوان من تلك الحرب من خلال الاعتماد على الولايات المتحدة في مهمة تأمين علاقاتها الدبلوماسية. ولكن في الوقت نفسه فإن تلك الحرب من شأنها أن تكبد تايوان خسارة فادحة متمثلة في خسارة عدد كبير من حلفائها في المعركة الدائرة بين الصين وأمريكا.
ولعل التساؤل الهام الذي يدور في أذهان الكثيرين حاليا؛ من ستكون الدولة التالية صاحبة قطع العلاقات مع تايوان؟ هل ستكون نيكارجوا أم هندوراس في أمريكا الوسطى؟ أم هايتي في البحر الكاريبي؟ أم توفالو في جنوب المحيط الهادئ؟ فمن المتوقع أن تصبح تلك الدول عما قريب هدفا لبكين. وقد يكون قادة تلك الدول على استعداد تام لإرسال مبعوثيين سريين إلى بكين من أجل التفاوض حول صفقة جديدة.
ويمكن القول بأنه في حال تمسك حلفاء تايوان بالاستمالة نحو المارد الصيني على حساب واشنطن، فإن أمريكا سوف تضطر إلى تكثيف جهودها من أجل التدخل بصورة استباقية لمنع أي حدث جديد من شأنه أن يخل بمنظومة القوى في المنطقة. ولعل تلك الاستراتيجية قد تؤدي إلى تغيير الإطار العام للسياسة الخارجية لتايوان بشكل كامل، فسوف تندمج تلك الدولة الصغيرة في الأجندة العالمية الخاصة بواشنطن مما قد يزيد من حدة النزاع مع بكين. وبالتالي سوف يتعين على واشنطن أن تدرس جيدا قرار دخولها في تلك الحرب بالوكالة والتي قد تتحول في أية لحظة إلى حرب شاملة في مواجهة الصين.
وإذا ما قررت الولايات المتحدة تحمل الضغوط التي تمارسها الصين من أجل استمالة حلفاء تايوان، فإنه يجب على واشنطن في تلك الحالة الانتظار ومراقبة ما سوف يحدث. ولعل المشكلة الكبرى تكمن هنا في أن تايوان قد تفقد جميع حلفائها إذا لم تحظى بالدعم الكافي من قبل الولايات المتحدة الأمريكية.
ويكاد يتفق الخبراء على أن كلا النهجين قد لا يخدم المصلحة الأمريكية العاليا في المنطقة، لذا فمن الأرجح أن تعمد واشنطن إلى إبعاد تايوان عن دائرة الحرب مع الصين ومساعدتها على أن تلتمس لنفسها مسلكا خاصا لتعزيز علاقاتها مع حلفائها، فمن شأن ذلك أن يساعد في تخفيف الآثار المترتبة على تلك المعضلة السياسية.
وبالنسبة لتايوان والتي يبدو بأنها قد أقحمت نفسها في سياق عالمي كبير، فإنه يتعين عليها اتباع سياسات أكثر حيادية مع كل من الصين وأمريكا كي تتمكن من أن تنأى بنفسها عن ساحة الصراع العالمي .
رابط المقال الأصلي اضغط هنا