هل أصبح العالم على مشارف حرب عالمية من نوع جديد!
يبدو أن تصرفات الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في طريقها إلى أن تقود العالم نحو حرب عالمية من نوع جديد، فها هو يستمر في تهديد إيران ولعل ذلك شأنه شأن حفنة الأكاذيب التي حاول الإعلام العالمي الترويج لها سابقا كهجوم المتمردين اليمنيين على حقول النفط السعودية باستخدام صواريخ كروز والطائرات المسيرة، وامتلاك صدام حسين لأسلحة الدمار الشامل، وأن حفنة من الرجال الذين يختبئون داخل الكهوف الأفغانية هم أشد خطرا من الجيوش الأكثر تسليحا حول العالم، على أية حال فإن المؤشرات الحالية المترتبة في الأساس على الخطابات الهوجاء لترامب قد تتسبب في نشوب حرب عالمية ثالثة وشيكة.
وبالعودة إلى الماضي، فإنه يمكن التساؤل عن أسباب اندلاع الحرب العالمية الثانية وانتشار الفاشية، فهل كان الشعب الألماني هو السبب في ذلك! الإجابة لا بالطبع، فالناس في ألمانيا يتمتعون بالأخلاق الطيبة، ولكن شئ ما جعل المواطن الألماني يتحول في نظر العالم إلى كائن وحشي وفاشي.
قد يبدو هذا الشئ الذي أدى إلى اشتعال شرارة الفاشية في منتصف القرن الماضي غامضا بالنسبة للكثيرين، ولكن هناك العديد من الدلائل التي تؤكد بأنه الفقر، وحده الفقر هو المسئول عن اختفاء الطبقة المتوسطة في المجتمعات المختلفة نظرا لعجز أصحابها عن توفير أبسط مقومات العيش الكريم، وبالرغم من أن ذلك يبدو أمرا جليا إلا أن أمريكا ترفض الاعتراف به على الإطلاق.
في ثلاثينات القرن الماضي، كان الاقتصاد العالمي يقوم في الأساس على سيطرة الدول الكبرى المدينة وهي بريطانيا وفرنسا، مما دفع الدول الخاسرة في الحرب العالمية الأولى إلى محاولة سداد ديونها بعد الحرب ودفع المزيد من التعويضات للدول المدينة، وكان ذلك هو سبب سقوطها في حالة من الركود التام، وكان الناخبون في الدول الخاسرة يسيئون إدارة الأحوال الاقتصادية مما جعلهم يقومون بتدمير ما تبقى من شروط العقد الاجتماعي في بلادهم من أجل سداد الديون، فكانوا يعمدون إلى طباعة المزيد من الأوراق النقدية ولكن هذا الإجراء لم يكن كافيا لحل أزمة البطالة والفقر، وبالتالي فقد كان من الصعب على ألمانيا تحقيق الموازنة الصعبة بين دفع التعويضات من جهة ومحاولة توفير الحياة الكريمة للمواطنين من جهة أخرى.
والسيناريو المتوقع دائما في حال عجز دولة ما عن سداد ديونها هو وقوف تلك الدولة بين خيارات ثلاثة : إما السقوط في بئر الفقر أو خضوعها لسيطرة دولة أخرى أو ظهور العنف، ولعل ذلك كان سبب اشتعال شرارة الفاشية، فألمانيا الآمنة باتت تواجه الفقر بصورة مفاجئة وأصبح مواطنوها في حالة فقدان ثقة تامة في المستقبل حيث باتوا عاجزين عن توفير قوت يومهم.
وفي ذلك الوقت انتشرت التصورات الديماغوغية للأمور والتي عادة ما تعمد إلى اختلاق ما يسمى بـ كبش الفداء، وهو العنصر الأضعف الذي يتم توجيه الاتهام إليه بشكل مباشر وجعله مسئولا عن كل شئ، وفي ألمانيا، فقد تم اتهام كل من اليهود والمثليين والغجر باعتبارهم المسئول الأول عن انتشار الفقر، مما دفع النازيين حينئذ إلى القول بأنه إذا نجح المجتمع في التخلص من تلك الفئات التي يمكن تصنيفها بأنها دون البشر، فسوف تتمكن ألمانيا من التغلب على مشكلة الفقر.
ومن هنا يمكن الوقوف على أسباب ظهور العنف في المجتمعات الحديثة بصورة أساسية، فإذا ما تأملنا الأحوال الراهنة؛ سنجد أن الدولة المدينة الأكبر حول العالم حاليا والتي تستدرج بعض الدول نحو العنف بطريقة أو بأخرى هي الولايات المتحدة الأمريكية، ويالها من حقيقة مخيفة حقا!
وبالنظر إلى الولايات المتحدة حاليا باعتبارها أكبر الدول المدينة حول العالم منذ ثلاثينات القرن المنصرم؛ فإنه يمكن القول بأنها الدولة الأولى عالميا أيضا من حيث امتلاك معسكرات الاعتقال وتفشي العنصرية وتصاعد الفاشية، ولكن كبش الفداء هنا هو كل من المكسيك ودول أمريكا اللاتينية وليس اليهود كما كان في الماضي، فهل يمكن اعتبار ذلك من أغرب المصادفات الكونية في التاريخ! أم أن التاريخ يعيد نفسه من جديد!
قد يتساءل البعض من هي الدولة التي غرقت حاليا في نوع جديد من الفقر؛ إنها امريكا بالطبع، ربما يبدو الأمر مدهشا ولكن يمكن القول حرفيا بأن نصف الشعب الأمريكي يكافح حاليا من أجل القدرة على توفير متطلبات المعيشة كالغذاء والسكن والرعاية الصحية. وهكذا تماما كان حال الألمان في الماضي؛ فقد وجدوا أنفسهم غارقين فجأة في الفقر، ليس الفقر المدقع كما هو الحال في الكونغو، ولكنه فقر من نوع جديد، فهم فقراء في بلد غني، مثقلون بالديون في بلد ثري، مما أدى إلى تصاعد موجات اليأس والغضب والعنف.
والجدير بالذكر أن الديون الأمريكية في معظمها ترجع إلى الصين والتي تعمد إلى إغراق الأسواق الأمريكية بالمنتجات الصينية الرخيصة وإقراض الأموال التي تجنيها من ذلك للأمريكيين مرارًا وتكرارًا، ولعل ذلك هو السر وراء تراكم الديون العالمية القذرة.
وبالنظر إلى كون الصين هي صاحبة الدين الأمريكي الأكبر، فماذا يمكن أن يحدث في حال عجزت الولايات المتحدة عن سداد ديونها مثلما حدث مع ألمانيا في الماضي عندما تعثرت أمام كل من الصين وفرنسا، ربما يكون السيناريو المتوقع إذن هو الحرب ولكن بطرق غير مباشرة، لذا قد يبدو من الحماقة اندفاع أمريكا نحو معاداة إيران والتي تعد حليفا أساسيا لكل من كوريا الشمالية والصين، حيث أن الحرب العالمية ستكون حينذ أمرا حتميا.
ويمكن القول بأن المؤشرات المستقبلية تسير في اتجاه أن المواطنين الأمريكين سوف يزداوا فقرا بمرور الوقت إذا لم تتمكن الدولة من التوصل إلى حل سريع وناجز لمشكلة الدين الخارجي، وإلا فإنه يمكن التنبؤ بانتشار المزيد من التطرف وظهور النزعات الفاشية والنازية من جديد. والغريب في الأمر هو عجز المفكرين والمثقفين في أمريكا عن استنباط تلك الحقائق الجلية والتنظير حولها وربما لابد من التصديق هنا على حقيقة كونهم عاجزين عن التفكير في المستقبل من الأساس.
رابط المقال اضغط هنا