الملف العربي الصينيدوليقراءات معمقة

القوة الناعمة لطريق الحرير ودورها في اقتصاد ما بعد كورونا

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

كيف سيبدو المستقبل تحت مظلة المشاركة الاقتصادية الصينية
لقد أدى الهبوط الغير مسبوق في أسعار النفط إلى جانب ارتفاع معدلات البطالة في الولايات المتحدة بصورة تفوق ما كان عليه الحال في أعقاب الأزمة المالية العالمية في عام 2008 بالإضافة إلى سوء إدارة الأزمة الوبائية العالمية والنظام الصحي الذي يميل إلى تفضيل الأغنياء، إلى صدمة اقتصادية في السوق الأمريكية، ورغم ذلك استمرت بورصة الأسهم في الصعود. ولعل هذا ما يفسر الانفصال الواضح بين الواقع الاقتصادي وسوق المال في أمريكا، مما يستدعي ضرورة استفاقة السوق الأمريكية ومعاودة الاتصال مع الواقع الاقتصادي على خلفية الانهيار الشديد في أسعار النفط.
وستؤثر تلك الاستفاقة على كافة الأسواق العالمية وتدفقات الاستثمار وسلاسل التوريد بصورة تفوق ما حدث في أعقاب أزمة 2008 الكبرى، فالانكماش الاقتصادي لن يمكن تعويضه من خلال االقروض مثلما حدث في الماضي. فقرارات الإغلاق السائدة في جميع أنحاء العالم هي ضربة في مقتل لجميع الشركات العالمية والأنشطة الاقتصادية مما يفرض ضرورة إعادة الهيكلة والبدء من جديد لتعويض الخسائر الفادحة. وهنا سوف تنكشف الشركات التي اعتمدت في صميم عملها على الائتمان وتتهاوى لأن نقص التدفقات المالية يعني عجز تلك الشركات عن خدمة القروض، ومن ثم رقودها في سبات عميق إلى أجل غير مسمى.
وبالنسبة للاقتصاد الأمريكي، فقد اجتهد الفقراء وأصحاب الطبقة الوسطى أعوام طويلة لمحاولة تحقيق الرخاء وتحسين مستوياتهم المعيشية ولكنهم انزلقوا في هوة تراكم الديون، مما يجعل حدوث الانكماش الشديد في الأسواق أمرا وشيكا. ولا يمكن أن ننسى أن تأثير الولايات المتحدة على المسار الاقتصادي الصيني المتجه نحو التعافي سيبدو واضحا نظرا للسياسات الاقتصادية الأمريكية التي تميل إلى الانفصال عن الصين بل ومعاقبتها اقتصاديا أيضا تحت شعار “الولايات المتحدة تقاضي الصين”. الأمر الذي يبدو شديد الخطورة في المرحلة الراهنة.
بالطبع، فإن هذا ليس أكثر من حيلة دعائية، فالدول الكبرى ذات السيادة لا يمكن مقاضاتها، وإلا كانت الولايات المتحدة نفسها عرضة للمقاضاة على خلفية سوء الإدارة الاقتصادية والمراوغة الناجمة عن الهندسة المالية والذي أدى في الأخير إلى نشوب الأزمة المالية العالمية.
والجدير بالذكر أن السياسات الأمريكية التي تميل إلى عزل الصين ومعاقبتها اقتصاديا سوف تنعكس بالسلب على الصين نفسها وكافة الدول الاخرى التي ترغب في إقامة علاقات اقتصادية وتجارية معها، ولكن سوف يرتد الأمر أيضا بالسلب على الولايات المتحدة والاقتصاد الامريكي حيث سيتغير نهج تدفق الأموال والاستثمارات والعمليات التجارية التبادلية.
وسوف نستعرض فيما يلي التأثيرات المحتملة على الاستثمار والتجارة خلال المسارات الاقتصادية سالفة الذكر.
أولا، استخدام الدولار كسلاح سياسي في وجه خصوم أمريكا وكأحد أذرع سياساتها الخارجية، وذلك من خلال فرض عقوبات اقتصادية من جانب واحد إلى جانب التهديد بحرمان الدول الأخرى من نظام تسوية الدولار the SWIFT dollar settlement system حيث قام الرئيس ترامب بتهديد الشركات الأوروبية المتعاونة مع إيران، باستبعادها من نظام تسوية الدولار، ويشمل ذلك كافة أعمالها أي ليس الأمر قاصرا على الأنشطة الموجهة إلى طهران فحسب.
كما تم فرض عقوبات مماثلة على فنزويلا في إطار خدمة أهداف السياسة الخارجية الأمريكية، إلا أنه من غير المحتمل أن نرى نموذجا مماثلا من العقوبات الأمريكية المفروضة على طهران موجهة ضد الصين، فقد يتم استهداف الشركات الفردية فقط، وبالفعل فقد استشعرت شركة هاواوي الصينية وعدد من الشركات الأوروبية تلك الضغوط الجلية.
ثانيا، الرد الصيني لمواجهة استخدام الدولار كسلاح في الحرب الاقتصادية، مما يسهم في طرح بعض الخيارات أمام الشركات والمستثمرين، وهذا هو نظام التسوية التجارية القائم على الرنمينبي كبديل لتسوية الدولار. ويقترن هذا التطور الصيني السريع بإصدار عملة رقمية وطنية ذات سيادة، بالفعل تم إجراء التجربة الأولى لهذه العملة الرقمية السيادية في شنتشن وسوتشو وتشنغدو وشيونغان. ويتم الآن اعتمادها بشكل رسمي في النظام النقدي مع دفع جزء من رواتب والأجور داخل القطاعات الحكومية في هذه المدن الأربع بالعملة الرقمية بدءًا من هذا الشهر.
وتوفر العملة الرقمية الصينية حلا عمليا وبديلا لنظلم تسوية الدولار، كما يسهم ذلك في الحد من التأثيرات المحتملة للعقوبات الاقتصادية الأمريكية، ويسهل عملية الاندماج في الأسواق المالية العالمية مع تجنب إمكانية وقوع نوع من الاضطرابات السياسية.
وقد كان اليوان الصيني الذي أثبت كفاءته وصموده خلال أزمة كوفيد 19 موضع اهتمام كثير من المستثمرين، مما يمكن معه القول بأن كل من نظام تسوية الدولار والعملة الصينية الرقمية سيعملان جنبا إلى جنب بالفعل، أو عند الضرورة، وذلك على أسس تبادلية حصرية.
ويتمثل التأثير الثالث في أن الانسحاب الأمريكي من التجارة الصينية التشاركية قد يسهم في تعزيز مبادرة الحزام والطريق Belt and Road Initiative (BRI) باعتبارها النجم المتألق والبطل الاوحد في سماء التجارة الحرة الخالية من السلوكيات التجارية المتنمرة من قبل بعض الدول الكبرى التي تؤثر مصالحها الشخصية فقط ولا تكترث لمصالح الآخرين.
إن الاقتصادات القائمة على فكرة ضروة انتشال الفقراء من فقرهم والنهوض بهم وتطوير فئة جديدة من المستهلكين تسهم في تنمية الأسواق. وبالفعل فقد تبنى الكثيرون مبادرة الحزام والطريق وقد يسعون بكل جدية للانسحاب من تسوية الدولار.
وفيما يبدو فإن الصين قد آثرت تقديم مساعداتها إلى دول الحزام والطريق رغم قيامها بتقديم يد العون لدول أخرى أيضا كالولايات المتحدة الأمريكية وغيرها. إلا أن الحكمة هنا هو الدرس المستفاد في استراتيجيات القوة الناعمة وكيفية توظيفها وقت الأزمات والعمل على تأمين الحدود بين الدول بدلا من العمل على توسيعها، وذلك من خلال تقوية العلاقات التجارية.
وبالرغم من استبعاد مبادرة الحزام والطريق من وسائل الإعلام الغربية، إلا أنها لاتزال تشكل الإطار الهيكلي للاقتصاد العالمي فيما بعد كوفيد 19
وتلعب بعض المنظمات الهامة كالغرفة التجارية الخاصة بمباردة طريق الحرير دورا بارزا في الحفاظ على البيئة التجارية التشاركية في مناخ يخلو من الحمائية والتأثيرات الانعزالية، ومن ثم فإن نمو الأسواق وتطورها في إطار مبادرة الحزام والطريق ، إلى جانب التحرر من تهديد تسليح الدولار في الانشطة التجارية ، يخلق بنية مختلفة للمشاركة الاقتصادية العالمية للصين.
رابط المقال اضغط هنا

للأشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى