المشهد العام
إندلاع اعمال شغب في اكثر من 20 موقع في مختلف انحاء انجلترا وايرلندا الشمالية، يحركها الالاف من انصار اليمين المتطرف ضد المسلمين البريطانيين، المهاجرين وطالبي اللجوء في اعقاب حادثة الطعن المميت.
الاسباب العلنية للاحتجاجات
في 29 يوليو/ تموز في بلدة ساوثبورت الساحلية شمال إنجلترا، اقدم فتى يبلغ من العمر 17 عام بقتل ثلاث فتيات تتراوح أعمارهن بين 6 -9 سنوات، وأصاب ثمانية أطفال آخرين واثنين من البالغين، خلال هجوم على حفلة راقصة للأطفال. لاحقا نشر نشطاء من اليمين المتطرف ومناهضون للهجرة معلومات كاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي، مفادها أن المشتبه فيه “مهاجر مسلم”، أدى هذا الاعلان الى انتشار احتجاجات عنيفة مناهضة للمسلمين ومحاولات إحراق مساجد وسيارات للشرطة – ذكرت قناة الــ BBC ووسائل إعلام أخرى أن المشتبه به ولد في ويلز لأبوين روانديين ليسو مسلمين.
مثيري الاحداث
إتهم رئيس الوزراء البريطاني والشرطة البريطانية نشطاء اليمين المتطرف بنشر معلومات مضللة لتأجيج وإثارة اعمال الشغب في الشارع البريطاني.
الموقف الشعبي من الاحداث
افاد استطلاع للرأي أجرته مؤسسة “YouGov” ونشر بتاريخ 6 اب/ اغسطس، ان 75% من المشاركين في الاستطلاع افادو ان مثيري الشغب لا يمثلون آراء البريطانيين ككل، فيما قال 7% إنهم يؤيدون اعمال العنف والاحتجاجات.
الاهداف الخفية لاعمال الشغب
من غير المستبعد ان يكون انصار اسرائيل ولوبيات الضغط السياسي في بريطانيا، قد استغلوا هذه الحادثة الاليمة لخدمة اهدافهم السياسية، عبر تغذية المشاعر المعادية للمسلمين والمهاجرين، لإرسال اشارات سريعة لحكومة حزب العمال البريطاني بقيادة ستارمر، لثنيها عن سياساتها التي بدأت تأخذ طابع الابتعاد عن خطوط الدعم التقليدي والتاريخي المساند لاسرائيل منذ وعد بلفور المشؤوم عام 1917، والتي بدأت تتكشف لانصار اسرائيل عبر المسارات التالية
- سحب حكومة حزب العمال الجديدة الاعتراض الذي تقدمت به سلفها حكومة المحافظ ريشي سوناك، والمتعلقة بالاعتراض على توجهات محكمة الجنايات الدولية باصدار مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه جالانت وكل من يثبت تورطه بحرب الابادة الجماعية التي تركبها اسرائيل في قطاع غزة.
وفقا لنتائج الاستطلاع المشار اليه اعلاه، فإن 84% من البريطانيين المستطلعة اراؤهم يطالبون سلطات بلادهم توقيف كل من يصدر بحقه مذكرات اعتقال من قبل محكمة الجنايات الدولية، بمن فيهم رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو ووزير دفاعه في حال دخلوا الولاية القضائية البريطانية.
- تزايد الدعوات الرسمية والشعبية بعدم الاكتفاء بسحب الاعتراض، بل الذهاب الى ما هو ابعد من ذلك، بما يشمل دعم مساءلة اسرائيل في المحاكم الدولية والمساعدة ايضاً في اصدار مذكرات اعتقال لاظهار التزام الحكومة العمالية الجديدة بدعم النظام القانوني الدولي.
- تعليق تراخيص تصدير الأسلحة إلى إسرائيل من قبل الخدمة المدنية البريطانية، وجاءت اولى اشاراته بعد إعلان موظفي الخدمة المدنية تجميد (108) تراخيص تصدير مبيعات الأسلحة وغيرها من المعدات التي تستخدم في المجال العسكري إلى إسرائيل، كانت قد صدرت منذ احداث 7 اكتوبر 2023 حتى نهاية ايار/مايو 2024، في انتظار الانتهاء من مراجعات حكومية أوسع للقضية، بسبب رغبة الوزراء في ضرورة التمييز بين الأسلحة التي تُباع لإسرائيل لأغراض دفاعية وتلك التي تُباع لأغراض هجومية لاستخدامها ضد المدنيين في قطاع غزة، وفقا لتقرير صحيفة الجارديان البريطانية.
في هذا السياق، اظهرت بيانات التصدير الحكومي، وهي مجموعة ضغط مقرها المملكة المتحدة تسعى إلى إنهاء تجارة الأسلحة العالمية Campaign Against the Arms Trade. انه ومنذ عام 2008، رخصت المملكة المتحدة أسلحة تزيد قيمتها عن 576 مليون جنيه إسترليني لإسرائيل، وتشمل هذه التراخيص أجزاء لطائرات مقاتلة إسرائيلية من طراز F-15 و F-16 و F-35، وخلال العام 2023، باعت بريطانيا 18.2 مليون جنيه إسترليني من الأسلحة لاسرائيل.
- بالاضافة الى ذلك، تواجه الحكومة البريطانية ضغوطا متزايدة من قبل القاعدة الجماهيرية لحزب العمال بإعادة النظر في العلاقة مع اسرائيل فيما يتعلق بسياساتها الاستيطانية غير القانونية بموجب القوانين الدولية على اراضي دولة فلسطين، خاصة بعد صدور الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية. ضمن هذا التوجه، صرح وزير الخارجية لامي امام اعضاء البرلمان البريطاني من حزبه إنه طلب مشورة قانونية جديدة بشأن امتثال إسرائيل لمعايير القانون الدولي في أول يوم له في منصبه.
- ستصبح المهمة أكثر تعقيدًا على داعمي إسرائيل، إذا خلص محامو الحكومة البريطانية مع نهاية هذا الصيف إلى أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب في غزة، هذا يعني ببساطة انه سيتعين على الحكومة البريطانية تعليق تراخيص التصدير لتجنب انتهاك القانون الدولي، وترى حكومة الاحتلال الاسرائيلي ان مثل هذا الاجراء يضع بلادهم على نفس القائمة للدول المحظور بيعها للاسلحة ومنها كوريا الشمالية وايران وسوريا…
يبدو ان نقطة التحول في السياسة الخارجية لحكومة المملكة المتحدة وان بدت متواضعه حتى الان، لا تروق لانصار اسرائيل ولوبياتها، وبالتالي فهي تتعمد الاستثمار في تغذية الكراهية لاستخدامها كحزام ضغط على الحكومة العمالية للعودة عن سياساتها الجديدة تجاه اسرائيل. في المقابل، وعلى الرغم من جسامة حادثة القتل المروع للاطفال، الا ان هذه الاحداث يمكن توظيفها من قبل مجتمع انصار الحق الفلسطيني في المملكة المتحدة في سياق محاصرة الروايات الكاذبة لليمينيين والفاشيين وانصار اسرائيل، بما فيها من بين امور اخرى، رواية الحق الفلسطيني.
في هذا السياق، فإن استطلاعات الرأي واجتماع القادة المسلمون واليهود والمسيحيون في مسجد ساوثبورت، كان كافياً لارسال اشارات واضحة للمتطرفين، محورها انهم متحدون لهزيمة جميع أشكال العنصرية والكراهية والتطرف في بلادهم. هذه المواقف وغيرها، تشكل رافعة سياسية اضافية لانصار الحق الفلسطيني في المملكة المتحدة لاظهار مزيدا من اشكال الدعم والمساندة لحكومة حزب العمال لبلورة موقف يحترم تنفيذ القوانين الدولية وقرارات المحاكم العالمية، وترجمة الاقوال الى افعال للضغط على اسرائيل لوقف حرب الابادة الجماعية على قطاع غزة. الى جانب، ضرورة ان تتعلم حكومة حزب العمال من دروس التاريخ في إنهاء التفكير الاستعماري الموروث لحكومات المملكة المتعاقبة والاستجابة لرأي الاغلبية في المجتمع البريطاني.