هذا العام، تخلّى المشاركون في الاجتماع السنوي للمنتدى الاقتصادي العالمي بدافوس عن أحذيتهم المُخصّصة للجليد واستبدلوها بأحذية رياضية لتتلاءم مع فصل الربيع الذي عُقد فيه هذا الاجتماع للمرة الأولى. خلال الأشغال، تزامن هطول الأمطار مع وجبة وفيرة من التعهّدات تقدم بها ممثلو القطاعين العام والخاص من أجل معالجة بعض القضايا الشائكة في هذا الزمن: جائحة كوفيد، والصراع في أوكرانيا، وارتفاع نسَب التضخم وخطر الركود، وطبعاً، أزمة المناخ.
خلاصة المشهد في دافوس في برقيات سريعة: تزامناً مع كفاح العلماء والناشطين من أجل إيصال أصواتهم حول مختلف القضايا، تشكلت تحالفات جديدة بين القطاعين العام والخاص. لم يُخصّص الحيّز الكافي من أجل مناقشة وتقييم التقدم المحرز منذ الجولة الأخيرة لأعمال المنتدى، على صعيد الوعود والتعهدات. ممثلو ووسائل الاعلام كانوا يهرعون تارةً لالتقاط ما يجري من خلال المصادر المهمة للمنتدى أو يتباطئون تارةً أخرى لتسجيل مقتطفات من نقاش ذي مغزى، وتجميع أهم الاقتباسات والحقائق الأكثر أهمية لاعداد التقارير. ومن عالم الفن، سٌجّل حضور عازف التشيللو الشهير “يويو ما” وكذلك عازف البيانو العالمي إيمانويل أكس اللذان أمتعا الجمهور بحفل موسيقي بعنوان “إنسانيتنا المشتركة”. كما شارك اللاجئ والراقص السوري أحمد جودة في جزء من هذا العرض، لكن من خلال البث الافتراضي فقط. أما أوجه التنوع الذي سجّلها المنتدى فقد تضمنت قدوم وافدين جدد إلى المنتجع الفاخر يمثّلون دولاً مثل ناميبيا واليونان وأوكرانيا التي تُعاني من صدمة الحرب، إلى جانب فقاعات الهروب من سلسلة الكتل التي تعرّضت لنكسة، ومن “ميتا” ومن المخدرات الطبية.
ألقت الحرب الدائرة رحاها في أوكرانيا بظلالها القاتمة على أعمال المنتدى، وقد جذب الخطاب الافتراضي الذي ألقاه الرئيس فولوديمير زيلينسكي انتباه الحاضرين، كما فعل الوفد الأوكراني الضخم الذي مثّل البلاد. لكن وعلى صُعُد كثيرة، جرت أعمال المنتدى كالمعتاد في دافوس، على الرغم من تغيب وفد روسيا والحضور المحدود لممثلي الصين وعدم حضور وفد رئاسي من الولايات المتحدة. لكن المحادثات الأكثر جديّة وصراحة جرت على هامش أعمال المنتدى، عبر لقاءات جانبية أو دوائر صغيرة من المعنيين خلف أبواب مغلقة. وتوقّف إبرام الصفقات بين الجلسات، واستمرّت المحادثات خلال العشاء في مطاعم دافوس التي تقدم بيتزا متواضعة تزامناً مع ارتفاع أسعار القمح أو لحم الغزال واللاما والحمار الوحشي المشوي على الحجر الساخن.
خلال أعمال المنتدى، وجدنا الكثير من المسائل التي تستحق التفكير بشأنها مستقبلاً، وتقديم المزيد من التقارير عنها. في الوقت الحالي، نترككم مع عدد قليل من الأرقام المُذهلة التي حصلنا عليه خلال تغطيتنا على مدى أربعة أيام لأعمال الاجتماع السنوي للمنتدى في دافوس.
6%
منذ عام 2021، ارتفعت الانبعاثات العالمية بنسبة 6% بينما زاد استخدام الفحم بنسبة 9%. وكان المبعوث الرئاسي الخاص الذي يمثل الولايات المتحدة في مسألة المناخ، جون كيري، قد صرّح في دافوس، حيث شارك المنصة مع نظيره الصيني شي جينهوا: “بأن هذا الوضع غير مقبول”. وأضاف قائلاً: “على مدى السنوات الثماني المقبلة على أقل تقدير، علينا أن نغيّر آليات نظامنا الاقتصادي بشكل جذري ونحدّ من اعتمادنا على الوقود الأحفوري، إذا أردنا أن نظل متماشين مع أهداف اتفاقية باريس. هذه هي معركتنا الحقيقية في عصرنا هذا”.
وليس مستغرباً عدم مشاركة المعنيين، الذين يمثلون البلاد الأكثر تأثراً بتغيّر المناخ، في المحادثات التي جرت مع القادة السياسيين ورجال الأعمال العالميين. وفي هذا الصدد، تقول نينا غوالينغا إن مجتمعها الأصلي في منطقة الأمازون الأكوادورية، يرتعد خوفاً عندما تحاول الحكومة هناك والشركات الدولية الترويج لفكرة أن بناء الطرق سيساعد في تنمية المنطقة. لقد علّمت التجربة أولئك الذين يعيشون في منطقة الأمازون أن إنشاء الطرق يعتمد على الصناعات الاستخراجية، مما يؤدي إلى إزالة الغابات وحدوث التلوث وهو ما يهدد أسلوب حياتهم التقليدي. وحثت غوالينغا على “العمل بغية التخلص التدريجي من استخدام الوقود الأحفوري” الذي اتهمته قائلة: “هذا هو السبب في تغيّر المناخ”.
كانت غوالينغا واحدة من العديد من النشطاء الشبان المعنيين بمسائل المناخ الذين أعربوا عن أسفهم لأن المحادثات في دافوس لا تزال تركز بشدة على كيفية تعزيز الناتج المحلي الإجمالي العالمي، وبدرجة أقل على تطوير وتوسيع نطاق طرق حماية البيئة. وقالت خلال حدث جانبي في المنتدى الاقتصادي العالمي: “لقد قمنا بتطبيع انتهاك البيئة”، واستطردت موضحة: ” في الإكوادور، نسجل ما بين اثنين إلى خمسة حوادث تسرّب للنفط في الأسبوع. ولا أحد يتحدث عن مخاطر ذلك. يعنينا الأمر فقط عندما يحدث مثلاً أسوأ تسرّب نفطي منذ عقود”.
573
يمثّل هذا الرقم عدد الأشخاص الذين انضموا إلى نادي المليارديرات خلال جائحة كوفيد-19 وفقاً لتقرير منظمة “أوكسفام” غير الحكومية بعنوان “الربح من المُعاناة”، والذي تم إصداره ليتزامن مع اجتماع دافوس الذي يُعتبر بمثابة حدث متعلق بالنخبة. وفي الوقت نفسه، يمكن أن تدفع أزمات كوفيد -19 مجتمعة، وتفاقم عدم المساواة، وارتفاع أسعار المواد الغذائية ما يصل إلى 263 مليون شخص إلى الفقر المدقع في عام 2022، مما يُعيدنا إلى الوراء ويضرب عرض الحائط بعقود من التقدم.
وتقول غابرييلا بوشر، المديرة التنفيذية في منظمة أوكسفام الدولية، لـ SWI swissinfo.ch إنها تأمل أن “يعي الرؤساء التنفيذيون المليارديرات هشاشة كل شيء. لا جدوى من أن تكون مليارديراً في عالم ينهار تماماً من حولك”. وتدعو منظمة أوكسفام إلى فرض ضرائب تصاعدية وضريبة تُقتطع لمرة واحدة مما حققته الشركات من أرباح فائضة نتيجة الجائحة الصحية.
كيف يُمكن إيجاد حلّ لظاهرة التفاوت وعدم المساواة بين البشر؟
هل تعتقد أن بإمكان أصحاب المليارات حل معضلة التفاوت وعدم المساواة في المجتمعات البشرية؟ أم هل يجب أن يتم إقرار المزيد من اللوائح الخاصة بتوزيع الثروة؟
16.2%
في البلدان منخفضة الدخل، تلقى السكان، بنسبة تبلغ 16.2% فقط، جرعة واحدة على الأقل من لقاح كوفيد-19. وهذه النسبة هي أقل بكثير من نسبة 65.8% من سكان العالم الذين تم تلقيحهم بجرعة واحدة كحد أدنى. ولقد حضر إلى مركز دافوس للمؤتمرات الكثير من الأشخاص الذين لا يضعون أقنعة واقية من الفيروس، وهذه إشارة إلى أن هناك من يعيش مرحلة انتهاء الوباء ويتناسى بسهولة أن الجائحة لم تنته بعدُ في أجزاء كثيرة من العالم، بما في ذلك الصين، حيث لا تزال بعض المدن تواجه عمليات إغلاق.
الموقف العام من قِبَل الجميع هو أن الجائحة قد انتهت، كما يشير بيتر ساندز، المدير التنفيذي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا خلال حلقة نقاش حول الاستعداد للوباء القادم. ويقول ساندز إنه لا يتوجّب علينا الاستثمار في النظم الصحية في كل مكان بغية القضاء على الأمراض فحسب، بل ولمنع ظهور مسببات الأمراض الجديدة، وبالتالي الحفاظ على العالم بأسره وجعله أكثر أماناً.
الموقف العام من قِبَل الجميع هو أن الوباء قد انتهى، كما يشير بيتر ساندز، المدير التنفيذي للصندوق العالمي لمكافحة الإيدز والسل والملاريا خلال حلقة نقاش حول الاستعداد للوباء القادم. ويقول ساندز إنه لا يتوجّب علينا الاستثمار في النظم الصحية في كل مكان، بغية القضاء على الأمراض فحسب، بل ولمنع ظهور مسببات الأمراض الجديدة، وبالتالي الحفاظ على العالم بأسره وجعله أكثر أماناً.
وكانت أوجه عدم المساواة في توفير اللقاحات والعلاجات نقطة محورية للمناقشات في المنتدى الاقتصادي العالمي. يقول ساندز: “هناك أيضاً إجحاف يحظى باهتمام أقل، هذا الاجحاف يتعلق بمن يقرر متى يمكن تصنيف الوضع على أساس وجود جائحة ومتى يمكن تصنيفه على أساس انتهائها”. ويضيف قائلاً: “كان فيروس نقص المناعة البشرية هو الوباء الأخير الذي شهدناه قِبَل جائحة كوفيد، ولم نعد نتحدث عنه باعتباره وباءً. كذلك الأمر بالنسبة للسل الذي يعتبر ثاني أكبر قاتل من الأمراض المعدية. السبب في أننا لم نعد نشير إلى هذه الأوبئة يكمن في أنها لا تشكل تهديداً للسكان في البلدان الغنية”.
15 %
هناك نسبة 15 % فقط من قادة الأعمال الذين يعتبرون الاستدامة أولوية قصوى لشركاتهم. ويوم 23 مايو الجاري، تعهّد الرؤساء والمُدراء التنفيذيون، الذين يمثلون 22 شركة من مجموعة واسعة من القطاعات، بجعل الاستدامة أولوية مثلها مثل الربحية سواء. وتم تحديد الهدف الشامل من قبل “مختبر B” غير الربحي الذي يتخذ من جنيف مقرّاً له، والذي يرمي إلى مساعدة سويسرا على تحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
وتقول بيث كراسنا، رئيسة مؤسسة “إيثوس”رابط خارجي، التي تضم أكثر من 120 صندوقاً للمعاشات التقاعدية ومؤسسة ذات منفعة عامة: “إنه أمر مهم للغاية لأنه من الطبيعي أن تأخذ مجالس ادارة الشركات السويسرية بعين الاعتبار النتائج على المدى الطويل، ولكن عليها أيضاً التفكير بما يترتب عن هذه النتائج على المدى القصير”. وتضيف: “إن المعنيين في هذه المجالس بحاجة للتأكد من إمكانية ازدهار الشركات على المدى الطويل. لقد وضعوا السقف عالياً، ولا شك أن ذلك يعزّز طموح الإدارة التنفيذية. ولكن بإمكانهم تحريك البوصلة.. تغيير الثقافة … في الاتجاه الصحيح”.
ويقول ستيفان بوخسر، الرئيس التنفيذي لشركة “فيلار” Villars للشوكولاتة، لـ SWI swissinfo.ch :” إن القدرة أخيراً على مقارنة المبادرات وأفكار جدول الأعمال بين الشركات أمر تكويني للغاية ويُساعد على تعزيز القضية. ولهذا قمت بالانضمام إلى المبادرة” ويضيف: “قبل أربع سنوات، كان لدينا بالكاد ما نسبته 10% من الكاكاو المستدام في فيلار، أما اليوم، وبفضل كل الجهود التي بذلناها، وصلنا إلى نسبة تُقدّر بحوالي 60% من الكاكاو المستدام… لدينا منافسون وصلوا إلى بنسبة 100% وآخرون لم يبدأوا هذه العملية بعدُ”.
22
حذرت الأمينة العامة لمنظمة التجارة العالمية نغوزي أوكونجو إيويالا من السياسات الحمائية واعتبرت أن التجارة تشكل جزءاً من الحلول للأزمات المتعدّدة التي يُواجهها العالم. وأشارت إلى أن “لدينا الآن حوالي 22 دولة فرضت 41 قيداً على الصادرات أو حظراً على مواد غذائية”، مضيفة “لدينا 164 عضواً (في منظمة التجارة العالمية)، لذا لم يحن وقت دق ناقوس الخطر بعدُ، لكننا نحاول قدر الإمكان خفض وتيرته”، على حد قولها.
إن الأولوية القصوى تكمن في إيجاد طريقة لنقل خمسة وعشرين مليون طن من الحبوب العالقة في أوكرانيا، بسبب تدمير البنية التحتية والحصار الذي تفرضه السفن الحربية الروسية على الموانئ الأوكرانية المطلة على البحر الأسود. ويقول مدير برنامج الغذاء العالمي ديفيد بيسلي، إن فشل المحادثات في إعادة فتح موانئ أوكرانيا هو بمثابة “إعلان حرب على الأمن الغذائي العالمي”. وخلال العامين المُنصرميْن، تضاعف عدد الأشخاص الذين يواجهون انعداماً حادّاً وشديداً للأمن الغذائي. وقبل انتشار جائحة كوفيد – 19، كان هناك 135 مليون شخص يُعانون من الجوع، أما اليوم فقد وصل هذا الرقم إلى ما لا يقل عن 276 مليون شخص، مسجّلاً زيادة كبيرة. كما أن هناك ما لا يقل عن ثلاثة وأربعين دولة على قاب قوسين أو أدنى من حدوث مجاعة فيها.
وزير الخارجية الأوكراني دميترو كوليبا قال إن بلاده مستعدة للمساعدة في إنشاء ممرات آمنة في ميناء أوديسا الاستراتيجي، حتى تتمكن السفن من نقل الحبوب إلى السوق العالمية، إذا تمت معالجة المخاطر الأمنية. وقال إنه يتوجّب العمل أولاً على إزالة الألغام من الميناء، لكن أوكرانيا تخشى من احتمال استخدام روسيا للممرات الآمنة للتسلل إلى السفن العسكرية وشن هجوم عليها.
وكان كوليبا قد صرّح للصحفيين في دافوس: “إن المخاطر الأمنية ليست مصدر قلق بالنسبة لأوكرانيا فقط، ولكن أيضاً بالنسبة لباقي الدول […] ولشركات الشحن التي ستُرسل سفنها، فلا أحد يرغب في أن تكون سفنه رهينة للهجوم الروسي على أوديسا من جهة البحر”، على حد قوله.
50000 دولار
ويقول ستيفان بول، الرئيس التنفيذي المُعيّن لشركة النقل والخدمات اللوجستية “كون وناغل” الدولية خلال حدث جانبي أقيم في “البيت السويسري”، إن الاضطرابات التي شهدتها سلاسل التوريد موجودة وستبقى قائمة حتى منتصف عام 2023 كحد أدنى. وبحسب قوله، هناك نسبة من البضائع تشكّل حوالي 30% فقط تصل في الموعد المحدد لها هذه الأيام، بينما النسبة المتبقية من البضائع أي ما يعادل 70% تصل إما متأخرة أو لا تصل إطلاقاً.
وتُعتبر هذه الأخبار سيئة بشكل خاص بالنسبة للشركات الصغيرة، حيث ارتفعت أسعار الشحن بشكل كبير. ولإعطاء فكرة عن مدى زيادة هذه الأسعار قدّم بول مثالاً مُذهلاً: قبل الجائحة كانت تكلفة إرسال حاوية واحدة بطول 20 قدماً من آسيا إلى سويسرا تتراوح بين 2000 و4000 دولار. أما اليوم، فإن هذه الحاوية نفسها تُكلّف حوالي 50000 دولار.
أما الرابح الأكبر نتيجة كل ذلك فهو مجال صناعة الخدمات اللوجستية. ويقول بول، الذي لا يرى إمكانية عودة الأسعار إلى المستويات التي كانت عليها ما قبل الجائحة: “نظراً لارتفاع الأسعار، فإن عائداتنا قد تجاوزت الحد الأقصى”. ومن المتوقّع ألا تخف اضطرابات سلسلة التوريد إلا عند انتهاء عمليات الإغلاق في الصين، وإلغاء حظر الموانئ على الساحل الغربي الأمريكي، وعودة سائقي الشاحنات إلى العمل.
مصدر المقال: اضغط هنا