الهيمنة الأمريكية الى أين: مواجهة مع روسيا أو الدفع بالحلفاء | كتب د. عوض سـليميـة
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
اعتادت الولايات المتحدة وعبر تاريخها الحافل بالحروب على خلق الازمات الداخلية والخارجية لاي دولة في العالم تفكر ان تشق طريقها نحو الاستقلال الكامل وتفكر في شق عصى الطاعة لاكبر إمبريالية عرفتها البشرية، وفي حال لم تجد أمريكا من يطيعها من داخل الدولة الهدف تبدأ بخلق ازمات لها مع جيرانها بهدف عزلها عن محيطها (ايران ، السلطة الفلسطينية)، وفي حال فشلت تقرر غزوها واحتلالها من جانب واحد (العراق).
الازمة الروسية الاوكرانية المفتعلة بمخطط أمريكا إحدى نماذج هذه السياسات، حين عجزت أمريكا عن تدمير الاتحاد الفدرالي الروسي عمدت الى بعض الدول التابعة وهنا اوكرانيا وبدأت بإغراءاتها بالجنة الموعودة حال انضمامها لحلف الناتو بشرط قبولها بأن تصبح حاملة طائرات للغرب لتهدد اصلها وجذورها السوفييتية.
وبتشجيع مباشر من إدارة بايدن تكررت مطالبات اوكرانيا بالانضمام لحلف الناتو الى جانب مطالبها بإسترجاع أراضي اقليم الدونباس والذي يشمل مقاطعتي لوهانسك ودونيتسك والتي يقطنها قرابة نصف مليون روسي (تم ضمها مع شبه جزيرة القرم الى روسيا الاتحادية عام 2014)، اججت امريكا وحلف الناتو نقطة توتر على الحدود الغربية لروسيا الاتحادية، كان هذا هو الهدف المعلن، غير أن الهدف الاساسي المخفي لتأجيج هذا الصراع هو عرقلة ضخ الغاز الروسي الى اوروبا وخاصة المانيا عبر انبوب الشمال 2 ” نورد ستريم2″، بهدف ابقاء اوروبا بحاجة ماسة الى الغاز الامريكي وبالاسعار التي تريدها وتفرضها الولايات المتحدة، وبالتالي تضر بشكل مباشر في الاقتصاد الروسي. أما الهدف الاستراتيجي الثاني الذي تحاول الادارة الامريكية تمريره يكمن في محاولاتها فك/ التأثير على التحالف الاستراتيجي الروسي الصيني المعلن في مواجهة الهيمنة الامريكية ضمن اجراءاتها عزل روسيا بعيداً عن الصين.
ضمن هذه الاستراتيجية، نشطت الحملات الاعلامية والخطاب العدواني الهستيري الذي دشنته وسائل الاعلام الامريكية وحلفائها بوجود هجوم روسي مرتقب على اوكرانيا يرقى الى مستوى احتلالها بالكامل وايجاد نظام موالي لموسكو، نقلت صحيفة واشنطن بوست Washington Post The بأن المخابرات الأميركية خلصت إلى أن موسكو تخطط لهجوم متعدد الجبهات على كييف مطلع العام المقبل 2022. وأن ما يصل إلى 175 ألف جندي روسي سيشاركون في الهجوم، وفق مسؤولين أميركيين ووثيقة استخباراتية.
بينما جدد بايدن التزامه بالدفاع عن سيادة اوكرانيا من خلال تزويدها بالسلاح (طائرات وبعض الصواريخ المحمولة على الكتف المضادة للدروع، ذخيره … وفرض مزيد من العقوبات الاقتصادية على موسكو بما فيها اخراجها من المنظومة النقدية العالمية في حال هاجمت الاخيرة اوكرانيا، الا انه اكد من جديد انه يفضل خيار المفاوضات لحل الازمة، ولن تلجأ إدارته لنشر قوات امريكية على الارض الاوكرانية، من جانبه، دعا احد اعضاء الكونجرس الامريكي من الجمهوريين باستخدام السلاح النووي ضد روسيا للتسريع بحل الازمة.
الرد الروسي على هذه الدعوات لم يتأخر، جاء على لسان نائب رئيس اكاديمية العلوم الصاروخية والمدفعية الروسي العقيد قسطنطين سيفكوف، وفقا لقناة RT الروسية، قال سيفكوف “هناك معلومات ان الولايات المتحدة سمحت للطيران الحربي الالماني باستخدام مخزون الجيش الامريكي الاستراتيجي من القنابل النووية الموجودة على الاراضي الالمانية، نحن نقول في حال اقدمت المانيا على استخدام هذا النوع من السلاح فاننا ببساطة سنحول دول حلف شمال الاطلسي واوروبا كاملة الى رماد نووي متطاير، ولن نتوقف عند هذا الحد بل سنحاسب الدولة التي منحت المانيا هذه القنابل، لدينا قرابة 3500 راس نووي ستكون جاهزة ومن السهل ان تصل الى كل الارض الامريكية، لدينا الان 10 غواصات نووية تحوي على 160 صاروخ نووي جاهزة ومعدة للاطلاق”. ضمن هذا المفهوم، ذكر رئيس هيئة الاركان العامة الروسي غيراسيموف أن أكثر من 95% من منصات روسيا النووية جاهزة وان الجيش الروسي بصدد التحضير والتجهيز لاستخدام الثالوث النووي الاستراتيجي (الغواصات النووية، القاذفات الاستراتيجية والصواريخ العابرة والمتوسطة) بما فيها الصواريخ فرط الصوتية التي دخلت الخدمة حديثاً.
الموقف الروسي
أكد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال مقابلته الافتراضية مع الرئيس بايدن 7Dec أن تحركات الجيش الروسي هي على الارض الروسية ولا تهدف لتهديد أحد ولا تتعارض بالمطلق مع القوانين الدولية، وان نزع فتيل التوتر يكون فقط من خلال تقديم أمريكا – بصفتها زعيم حلف الناتو، تعهدات بعدم ضم اوكرانيا الى الحلف وتحويلها الى قاعدة عدوانية متقدمة، لان من شأن ذلك أن يشكل خطر على الامن القومي الروسي الامر الذي لن تقبله موسكو، الا أن الرئيس بايدن لم يلتزم بهذا المطلب، بحجة أن اوكرانيا دولة مستقلة ولها الحق في تقرير ما تراه مناسب متجاهلا بذلك أمن روسيا الاتحادية على حساب توسع حلف الناتو شرقاً.
بينما يرى الروس ان أوكرانيا تُعمِّق من شراكاتها مع الولايات المتحدة وبريطانيا وبقية دول الناتو، استدعى ذلك الامر تطوير موقفها من اعتبار عضوية أوكرانيا في الناتو خطاً أحمر إلى رفض التعاون الدفاعي البنيوي المتنامي بين أوكرانيا والغرب جملة وتفصيلا. وقد صرَّحت القيادة الروسية بموقفها ونبَّهت إلى خطوطها الحمراء في أوكرانيا، دون أن ترى من الولايات المتحدة تجاوبا جديا مع خطابها. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2021، أشار بوتين إلى أن أوكرانيا، وإن لم تحصل على العضوية الرسمية في حلف الناتو، “فإن تطوُّرها العسكري على الأرض جارٍ بالفعل، ويُشكِّل خطرا على روسيا.
يبدو ان القيادة الروسية لا ترى أُفقاً لحل دبلوماسي للازمة، وتظنُّ أن أوكرانيا تنجذب رويدا نحو المدار الأمني الأميركي، ولعلها تعتقد لهذا السبب أنه لا مفر من الحرب. مع قناعة القادة الروس بأن استخدام القوة لن يكون سهلا أو يمر دون عواقب، لكنهم يرون أوكرانيا في مسار غير مقبول، ومن ثمَّ فإن خياراتهم محدودة لحفظ امنهم القومي، بل ولربما اقتنع القادة الروس أن اللجوء إلى الخيار العسكري اليوم لحسم الموقف بضربة واحدة سيكون أقل كُلفة من الغد وسيجنب موسكو ما هو اخطر في السنوات القادمة.
من ناحية اخرى، يرى محللون أن السياسة الامريكية تجاه إطالة إدارة الازمة مع روسيا والتي يمكن قراءته من تصريحات الرئيس بايدن وكبار مستشاريه، توحي الى أن أمريكا لن تدخل في مواجهة مع الروس مباشرة، لانها تعلم أن العواقب ستكون وخيمة خاصة إذا اإذا ما تطورت الحرب الى حرب نووية واستدعى ذلك دخول الصين على خط المواجهة لدعم حليفها الروسي، في ظل ضعف أداء إدارة الرئيس بايدن وانخفاض شعبيته داخل المجتمع الامريكي (وفقًا اخر استطلاع أجرتهUSA TODAY / جامعة سوفولك. ونيويورك تايمزر قال ما يقرب من ثلثي المستطلعين، أي 64 %، بما في ذلك 28%من الديمقراطيين، إنهم لا يريدون أن يخوض بايدن انتخابات التجديد النصفي للرئاسة لعام 2024 . وقال 53% انهم غير راضين عن اداء بايدن في وظيفته كرئيس)، وانما ستعمل إدارة بايدن على إدخال موسكو في حرب استنزاف مع اوكرانيا و/أو اسناد حلف الناتو – في حال تجرأ الحلف على التدخل العسكري، على أن يقتصر دورها على إتخاذ اجراءات اقتصادية من قبيل تشديد العقوبات على روسيا، مع علمها المسبق أن هذا النوع من العقوبات المفروضة على روسيا منذ العام 2014 لم تجدِ نفعا في احتواء روسيا.
إذا لم تتراجع اوكرانيا عن سياستها العدوانية تجاه الانفصاليين الروس في اقليم الدونباس الموالي لروسيا، ولم تتوقف عن محاولاتها الانضمام الى حلف الناتو او استضافة قواعد لحلف الناتو على اراضيها، فان هذه السياسات والاجراءات ستكون بمثابة بداية النهاية لاوكرانيا وستكون الطلقة الروسيه على الوجه هذه المرَة وليس على الساق. على غرار ما فعلت مع جورجيا (اعترفت روسيا بجمهوريتي ابخازيا واوسيتا الجنوبيين اللتان تشكلان 24% من اراضي جورجيا كجمهوريتان مستقلتان تتبعان النفوذ الروسي كان ذلك عام 2008 بعد حرب خطافة لمدة اسبوع هاجمت فيها روسيا جورجيا)، ولم يستطِع الغرب و امريكا أن تفعل شيئاً. وستكون اوكرانيا هي الخاسر الوحيد في المواجهة.