منذ أكثر من عقدين وأنا أبحث عن مكامن القوة في هذه القوة التي اسمها أميركا، وهي للحقيقة جعلت الجميع يفتتن بها كما جعلتهم يكرهونها.
فأميركا تحذّرك من المساس بأي مواطن أميركي يتواجد على أي بقعة في العالم، لكنها بالمقابل تسمح لنفسها باستهداف أي شعب أو شخص، وفي أي بقعة بالعالم.
أميركا مستعدة أن ترسل كل فرقها لإنقاذ كلب، داخل الحدود الأميركية، وبالمقابل مستعدة أن ترسل كل جيوشها وتستخدم كل أسلحتها ونفوذها لتجعل أي شعب بالعالم يعيش حياة الكلاب.
لو عدنا فقط للأفلام التي أنتجتها أميركا في منتصف تسعينات القرن الماضي، لشاهدنا افظع وابشع الجرائم التي ارتكبت بحق السكان الاصليين لأميركا، الهنود الحمر، لكن اليوم من يتكلم عن الهنود الحمر، حتى الباحث والمهتم، يشعر بقرارة نفسه أن أميركا قتلتهم بحب، لقد غسلوا أدمغتنا.
أميركا استعبدت المهاجرين السود ونكلت بهم طيلة قرنين، وحرمتهم أقل حقوقهم، وبين ليلة وضحاها حولتهم الى مواطنين، يموتون في سبيل أميركا، وإنزال النورماندي عام 1944 كان مشهدًا لا يتوقعه أحد، بينما نحن نعيش مع بعضنا وبيننا قرابة دم ومصاهرة، منذ ألف عام ولم نعرف أن نحب بعضنا ولا حتى أن نصبح مواطنين.
ما هذا السر والسحر “الأبراكادابرا”، لقد بحثت في كتب التاريخ والآثار والإشارات، بين النصوص والخرافات، بين الطلاسم والرقوقات، في الأديان والميثولوجيا وتعدد الأيدولوجيات، بين الساسة والسياسة والمنظمات السرية من الماسونية حتى بين فلسفة الفلسفات، وما كتب عن أسرار الصحون الطائرة، وغزو الفضاء، وسر منطقة 51، ولغز مثلث برمودا، حتى حضارة أتلانتس، وكنت ما أن أخرج من لغز حتى أجد نفسي في سر أكبر، وما يفتح باب حتى أجد متاهة أكبر والآلاف من الأبواب الموصدة، لا أحد يستطيع أن يصدق شيء، ولا يمكن لأحد أن يكذب شيء، لكن الجميع سيجد في أميركا، وأميركا في كل شيء.
أطفالنا متسمرين أمام إنتاجها من الرسوم المتحركة، وعندما يتعلمون القراءة سيكونون أسيرين قصصها المصورة، وما إن يكتمل نموهم، حتى تجدهم في خيالهم يعيشون كما يعيش المرهقين فيها، ويلعبون العاب الفيديو لشخصيات وأشكال لا تشبهنا، لكنهم مندمجين بها، يحفظون اسماء شوارع أميركا أكثر من زواريب الشوارع في أوطاننا، وعندما يكتمل نضوجهم يحلمون بالهجرة إليها، ويتمنوا لو أنهم يحملون جنسيتها.
عليك فقط ان تسمع عن رواتب والمناصب التي يحظى بها خريجي جامعات ومعاهد أميركا في كل العالم، وكيف يحكمون ويتحكمون، كيف يصنعون يستثمرون، يبنون يخترعون، لماذا دائما هم السباقون، ويصبح كل حلمك أن تبيع كل شيء تملكه بوطنك لتعليم أولادك فيها…
حتى أوراقها النقدية بالرغم أنها ذات الأوراق التي نطبع عليها عملتنا الوطنية، إلا أنها تفوقها أضعافا مضاعفة، وعندما تتأملها كثيرًا تسأل ما هو السر، ولماذا هذا الفرق.
أميركا، جعلتك تخشى حتى معجون الأسنان، وأنهم يستطيعون أن يتحكموا بتفكيرك من خلاله “نظرية الفلورايد”، ما من مصيبة تحدث في العالم إلا ويقال ان أميركا خلفها، “كورونا” قالوا عنه صناعة أميركية، وعلاجه أيضا أميركيا، حتى التصحّر والأعاصير التي تصيب العالم يقولون صنعتها أميركا، الرأسمالية أميركا، الأمم المتحدة هي أميركية، الخديعة أميركية، الديمقراطية والعنصرية صنعتها أميركا، أميركا تمارس الاستعباد عالميًا وعندما تسأل العالم عن محرر العبيد يقولون لك إبراهام لينكولن، أميركا تسرق ثروات العالم، وعندما تسال عن شرطي العالم يشيرون إليك أنها أميركا.
السلام وإن كان مزيفًا يشكرون أميركا عليه، والحرب ايضا يشكرون أميركا عليها.
كل شيء أميركا، بل أصبح لأميركا آلهتها وأخيارها وأشرارها، فاليوم أميركا لديها الإله سوبرمان القادر على الطيران وإنقاذ العالم وهو لا يموت، وأيضا أنبيائها أمثال باتمان الذي يحارب الجريمة ليقيم العدالة، والجوكر الذي حل مكان الشيطان، وبالرغم من أعمار هذه الديانة القصير، لا تتجاوز السبعين عامًا، إلا أن غالبية الكرة الأرضية تعرف عنهم اكثر مما تعرف عن الأنبياء والرسل والقديسين الذين أرسلهم الله منذ آلاف الأعوام، غالبية المسلمين إسألهم عن اسماء القديسين لا يعرفون، وأيضا المسيحيين إسألهم عن آل البيت وغالبية الصحابة أيضًالا يعرفون، انما إسأل أي طفل مسيحيًا كان أو مسلمًا، وحتى لو كان بوذيًا، عن إسم باتمان السري وحياته وسيخبرك كل شيء، او الجوكر وسيضحك مثله.
لقد غيرت أميركا العالم وقلبت المفاهيم.
يمكن ان يكتب يوميًا عن أميركا عشرات الكتب، بالدين والسياسة والاقتصاد والفلسفة والصناعة والتكنولوجيا والاكتشافات، وهي لم يتجاوز عمرها الـ 250 عامًا، بينما كل هذه الأمم منذ نبي الله ابراهيم حتى يومنا هذا لا يمكنها كتابة كتاب واحد عن أي ديانة، بل ستجد ذات التكرار والنصوص ونفس الأسماء، حتى الذين يدعون الحداثة بالدين أمثال زغلول النجار، فكل همهم ان يثبتوا ان هذا الدين اكتشف هذا الاختراع قبل ان تكتشفه أميركا، وكأنهم يضعون الله بسباق مع أميركا.
لقد بحثت طويلا في سر أميركا التي لم تكن قبل قرنين من الزمن، إلا عبارة عن مليونا شخص، بينما كانت الأمة الإسلامية والعربية 120 مليون شخص وأكثر، وأين كانت وأين أصبحت أميركا اليوم، وأين اصبح العرب والمسلمون اليوم.
ولم أجد إلا أمرًا واحدًا، وهو سبب تفوق أميركا، انها تركت الناس تتكلم، وخلاصة حكمة الكلام خطته الأقلام، والأقلام أيقظت الأحلام ودعمت أميركا كل مبدع ومنتج ومخترع، كي يحول هذه الأحلام إلى أفلام، والأفلام الى حقيقة، فمن يصدق أن رواية الخيال العلمي ستار تريك عام 1966 للكاتب جين رودينبيري التي لم يكن يتقبلها عقل عن الهاتف بكاميرا والتحدث مباشرة، بوقت كان 90 % من العالم لا يملك التلفاز الأبيض والأسود، ان تصبح حقيقة عام 2000.. ونحن منذ ألف عام لم نعرف حتى هذه اللحظة أن ننتج فيلم عنتر وعبلة، مع انه عبارة عن بيتين شعر.
لذلك لن ننتصر على أميركا حتى نطبق ما قاله العالم المصري الشهير، أحمد زويل “الغرب ليسوا عباقرة ونحن لسنا أغبياء؛ هم فقط يدعمون الفاشل حتى ينجح، ونحن نحارب الناجح حتى يفشل…”.