
إعداد :د. عوض سليمية و د.أماني القرم لمركز السياسات والاستشراف المعرفي
المقدمة
تمكن الرئيس دونالد ترامب من الفوز بكرسي الحكم في الولايات المتحدة لولاية ثانية بعد حملة انتخابية شرسة استطاع فيها هزيمة منافسته الديمقراطية “كامالا هاريس” هزيمة ساحقة ليصبح الرئيس السابع والاربعون للولايات المتحدة. من جديد عاد ترامب ليثير الجدل والقلق في حقل السياسات العالمية . تقليدياً اصبح ترامب مصدر إثارة للجدل والقلق محليَّا وعالميًّا بشخصيته المتفردة وأسلوبه الذي يبتعد كليا عما هو تقليدي أمريكي سياسياً وفكرياً من حيث سيل التصريحات الغير منضبطة والقرارات المفاجئة والمربكة، خاصة أن هذه العودة جاءت بعد اربع سنوات من حكم بايدن الذي يعد عنوان للسياسة التقليدية الأمريكية القديمة.
الضجيج لم يقتصر على الولايات المتحدة، بل إنعكس على مجريات الاحداث التي يمر بها الشرق الاوسط المضطرب بعد أحداث 7 اكتوبر 2023، والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وتداعياتها وامتداداتها الاقليمية والعالمية. في المقابل أوجدت عودة ترامب إلى الحكم حالة من الارتياح الكبير لدى رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة للعلاقات الوطيدة التي جمعت نتنياهو وترامب خلال الفترة الرئاسية الاولى والتي اقترنت بقرارات حاسمة وهدايا مجانية للحليف الإسرائيلي بدأت بصفقة القرن وبمسار التطبيع العربي-الاسرائيلي، والتي أطاحت بمسار السياسة الأمريكية التقليدية منذ عقود تجاه الصراع الفلسطيني الإسرائيلي وأسست لمرحلة جديدة يتنكر فيها ترامب بالحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني.
في هذا المقال يحاول الباحثان ومن خلال نظرية “الرجل المجنون/ Madman Theory” قراءة وتحليل أبرز القرارات الصادمة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب في ولايته الثانية من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة 2023، وموقفه من مسألة تبادل الاسرى، وهل حققت سياسته أية نجاحات على صعيد النظرية والواقع؟
أولاً: نظرية الرجل المجنون Madman Theory
هي إحدى النظريات التي تتعلق بالسياسة الخارجية الأمريكية وتندرج تحت إطار نظريات اللعبة، صاغها اثنان من استراتيجيي حقبة الحرب الباردة دانييل إلسبيرج، وتوماس شيلينج. تقوم النظرية على فرضية مفادها: “أن النظر إلى المرء على أنه غير عقلاني، يمنحه ميزة في المساومة القسرية الدولية والمفاوضات”، بمعنى، اضطرار خصوم الولايات المتّحدة إلى الرضوخ للمطالب الأمريكية عند التعامل حول قضية ما لاعتقادهم بأنّ الرئيس الأمريكي شخص متهور وخطير ولا يمكن توقّع تصرفاته”[1]. ارتبطت هذه النظرية بفترة ولاية الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون (1969- 1974) ووزير خارجيته كيسنجر إبان تعثر المفاوضات حول حرب فيتنام (1955-1975). خلال المفاوضات مع الوفد الفيتنامي سعى نيكسون من خلال “استراتيجية المجنون” إلى إقناع القادة السوفييت والفيتناميين الشماليين بأن رئيسه إذا غضب فقد يصل إلى النقطة التي من الممكن أن يتخذ فيها أي إجراء لوقف الحرب بما فيه الإجراء النووي. وبالفعل وفي محاولة منه لاقناع الخصوم بمدى جديته في التحذير، أعلنت واشنطن عن عملية “الرمح العملاق” في العاشر من اكتوبر 1969 عبر إرسال 18 قاذفة قنابل استراتيجية من نوع ( B52 ) مجهزة بقنابل نووية في رحلة نحو الأراضي السوفيتية، لاحقاً حلقت الطائرات الأمريكية في رحلة مدتها 18 ساعة فوق مناطق القمم الجليدية القطبية على مقربة من الأراضي السوفيتية، الامر الذي دفع السوفييت الى رفع درجة الإنذار النووي[2] . ومع ذلك، فشل نيكسون في إقتاع السوفييت أنه رئيسه مجنون حقًّا ومن الممكن أن يبدأ هجوم بقنابل نووية على اهداف سوفييتية، ولهذا لم يستطع الضغط على الروس وايقاف الحرب وفق الشروط الامريكية. مخاطر هذا التصرف ودفع الامور الى حافة الهاوية كان من الممكن ان يتسبب بحرب نووية تدميرية بين الروس والامريكان فيما لو تعامل الروس بجدية مع مغامرات نيكسون ورئيسه غير المحسوبة؟ أو قاموا بالرد تلقائياً على تحدي نيكسون مع إنطلاق الانذار النووي؟
بناءً عليه، تثير النظرية العديد من الجدال والنقاش بين علماء السياسة الأمريكيين في مدى ملائمتها لواقعية العلاقات الدولية، فمنهم من يؤيّدها ويرى أنّها ناجعة، ومنهم من يرى أنّها محدودة التأثير ولا يمكن استخدامها في كل ظرف. ضمن هذا السياق، ترى أستاذة العلوم السياسية والشؤون الدولية ـــــ جامعة بنسلفانيا روزان ماكمينوس أنه يمكن تقسيم النظرية إلى بعدين رئيسيين، وكل بعد فيهما يقسم الى قسمين للتمييز بين انواع الجنون المتصور للقائد والمرتبط بالمساومة القسرية:
البعد الأول: ما إذا كان ينظر إلى القائد على أنه يقوم بحسابات عقلانية، ولكنه يعتمد على تفضيلات متطرفة، أو يُنظر إليه على أنه ينحرف فعلياً عن صنع القرار العقلاني القائم على العواقب.
البعد الثاني: ما إذا كان يُنظر إلى جنون القائد على أنّه ظرفي: بمعنى، يقتصر على ظروف معينة، أو طبيعة تصرف تنطبق على جميع الظروف والقضايا[3]. في هذا السياق، وجدت ماكمينوس أن ترامب نجح في إثارة موجة من التكهنات حول ما إذا كان قادرا على استخدام تصوره بأنه “غير عقلاني” لكسب النفوذ في المواجهات مع خصوم الولايات المتحدة. لكنها ترى أن على الرئيس الإيحاء بأن جنونه “له حدود” أمام الدول المستعدة لتقديم تنازلات لأن استخدامات “استراتيجية المجنون” محددة بمعايير ظرفية حيث لا يمكن تطبيقها في جميع الحالات.
من ناحيته، يعتقد مايكل رينولدز أنّ ترامب تبنى نظرية الرجل المجنون فعلياً، وأن مؤيديه مقتنعين بأنّ طبيعته غير المتوقعة والمحفوفة بالمخاطر هي التي أدّت إلى بعض أكبر نجاحاته في السياسة الخارجية، بينما يرى معارضوه بأنه خطير ولا يمكن التنبؤ بأفعاله. لكن مع ذلك ــــــ تبعاً لرينولدزــــــ فإن الظهور بمظهر المجنون ربما يوفر مزايا “محدودة” في المفاوضات، لكنه في الواقع يؤدي إلى تآكل مصداقية الزعيم وبالتالي تقويض مصالح السياسة الخارجية لبلاده على الأمد البعيد. فهذه الاستراتيجية لم تنجح مع ايران ولم تردع طموحاتها النووية. على وجه العموم يرى رينولدز أن سياسات ترامب الخارجية متهورة، ونظرية الرجل المجنون ليست استراتيجية بل مجرد نظرية حمقاء [4].
في دراسته حاول جوشوا شوارتز قياس النظرية من أبعاد أخرى أبرزها، تأثير البعد الداخلي أو الشعبي على اعتماد القائد لاستراتيجية المجنون، وتوصل الى نتيجة مفادها أن التكاليف الداخلية، ويقصد هنا ردود الافعال المحلية يمكن أن تمنع القائد من اعتماد استراتيجية المجنون، وحتى لو تم ذلك فمن الواضح أنها تضعف فعاليتها. ولذا يجب على القادة التفكير مرتين قبل اعتمادها كاستراتيجية ناجعة، كما وجد شوارتز أيضاً، أن الجنون الواعي أو المُدرك يمكن أن يكون مفيداً تحت ظروف معينة لكنه بعيد كل البعد أن يكون حلاً أو علاجاً شاملاً [5].
من وجهة نظر إليزابيث سوندرز فإن ترامب يعتنق نظرية الرجل المجنون، فهو يناسبه أسلوب عدم اليقين والقيام بالامور بطريقة مختلفة في سياساته الخارجية، كما أنه مؤمن بأن التصرف بشكل غير متوقع هو وسيلة جيدة لإطلاق تهديدات ذات مصداقية، وإجبار الخصوم على التراجع في المواجهات. وترى سوندرز أن ترامب سيستمر خلال فترة رئاسته الحالية – اربع سنوات، بمتابعة أهداف السياسة الخارجية بما يتماشى مع معتقداته الراسخة، لكن هذا الرجل الذي أحب فكرة إبقاء الدول الأخرى في حيرة لم يعد يفاجئ الجميع في كل مرة [6] .
ويرى الباحثان أن شخصية الرئيس أو القائد نفسه، تلعب دورًا محوريًّا في قدرته على اعتناق هذه النظرية أو عدم تقبلها كاستراتيجية في السياسة الخارجية، بمعنى يجب أن يتمتع القائد بمجموعة من الصفات بما فيها الرغبة في المغامرة والجرأة في إتخاذ القرار كي يتمكن من اتباع استراتيجية المجنون وتحمل مخاطرها. فمثلا من الصعب تخيل أن شخصية وازنة ومتأنية مثل الرئيس السابق أوباما يتبع نفس نهج ترامب بشخصيته الجامحة والجريئة في التعاطي مع ملفات السياسة الخارجية. فالرئيس ترامب كان قد اتخذ عدة قرارات صادمة في ولايته الاولى تتعلق بالقضية الفلسطينية، مُخالفاً عقوداً من السياسة الأمريكية التقليدية في خطوة لم يقترب منها أي رئيس أمريكي قبله، منها على سبيل المثال، الاعتراف بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتجميد المساعدات للأونروا، والقفز على حل القضية الفلسطينية باتباع استراتيجية (outside- in) على اعتبار أنها لم تعد أولوية إقليميًّا وعالميًّا، في محاولة لفرض ما يُعرف بصفقة القرن ومشروع اتفاقات ابراهيم ضمن خطة السلام الاقليمي بين إسرائيل ودول المنطقة.
يسعى هذا المقال من خلال المفهوم العام لنظرية الرجل المجنون والسجالات التي تحيط بها إلى اكتشاف الهدف من تبني الرئيس ترامب بعض التصريحات النارية إزاء تطورات الحرب الإسرائيلية على غزة وهل نجحت في التأثير على مسار الحرب؟ وهل هو قادر كما يؤمن على إنجاز ما عجز الآخرون عن إنجازه؟
ثانياً: الاطار الحاكم لقرارات الرئيس دونالد ترامب: هل مهد الطريق لاستراتيجية المجنون؟
أظهرت مواقف ترامب وتصريحاته أن هناك عدداً من العوامل تساهم بقوة في تحريك سياسات الرئيس ترامب تجاه القضية الفلسطينية عموماً، والحرب الإسرائيلية على غزة يتصدرها:
1. النصر الانتخابي الكبير وشخصية الرئيس ترامب
حقق الرئيس ترامب في انتخابات 5 نوفمبر 2024 فوزا ساحقا وصادما لكافة الاوساط السياسية خاصة قادة الديمقراطيين بعد تمكنه بسهولة من هزيمة منافسته كامالا هاريس، مدعوماً بجمهور عريض قوامه القاعدة الحزبية للجمهوريين والتي بات مركزها تجمع Make America Great Again/ MAGA مع تكتل رجال الأعمال والمانحين الاثرياء، الى جانب جمهور المجتمع المسيحي الصهيوني في الولايات المتحدة. تمكن أنصار ترامب من حسم الولايات المتأرجحة مثل بنسلفانيا وويسكونسون وجورجيا وغيرها، وتجاوز الحد الأدنى الحاسم من أصوات المجمع الانتخابي ليحصل على 312 صوتا من أصل 538 مقابل 226 صوت لهاريس، مما منحه تذكرة مرور لكرسي البيت الابيض بكل سلاسة. لم يقتصر الأمر على الفوز الرئاسي بل استعاد الحزب الجمهوري الأغلبية في مجلس الشيوخ (53 مقعداً من مجموع المائة مقعد في المجلس، كما استطاعوا انتزاع 220 مقعداً من مقاعد مجلس النواب البالغ عددها 435 مقعداً. إضافة إلى مفاجأة رابعة لصالح الجمهوريين بعد فوز مرشحي الحزب أيضاً بــ 27 منصباً لحكام الولايات مقابل 23 لمرشحي الحزب الديموقراطي[7].
اعتبر ترامب أن النصر الكبير للحزب الجمهوري ومرشحيه الذين تمكنوا من السيطرة على أركان الحكم بشكل كامل في المؤسسات التشريعية والتنفيذية الأمريكية بمثابة ” تفويض شعبي غير مسبوق” [8] كما قال. لقد أصبح لديه شبكة أمان متينة للشروع في بناء إدارته الجديدة، وسنّ السياسات التي وعد بها لخلق العصر الذهبي الجديد للولايات المتحدة من وجهة نظره وفق معاييره وأسلوبه الفريد في الحكم، وذلك بخلاف الولاية الاولى التي فاز فيها على منافسته هيلاري كلينتون بصعوبة. هذا النصر المقرون بالتفويض الممنوح له من الشعب الأمريكي زاد من الشعور بــ “الأنا” المتضخمة اصلاً في جينات ترامب، ومن قناعاته بأنّه القاضي الأفضل الذي يمتلك النهج السياسي الغير متوقع والأكثر نجاعة في العلاقات الدولية، والقادر على إنجاز ما لا يستطيع الآخرون إنجازه وحل جميع المشاكل المستعصية في العالم. لدرجة أطلق تصريحه الشهير بأن هجوم 7 اكتوبر ما كان ليحدث لو كان رئيساً، وأنه يستطيع وقف الحرب بين اوكرانيا وروسيا في غضون 24 ساعة. في الواقع، هذا الفوز ثلاثي الأبعاد منحه الأفضلية في تمرير معظم سياساته الخارجية وتنفيذ أجندته دون إعاقة ذات أثر من مجلس الشيوخ*. من جانب آخر، تضاعفت نرجسية ترامب وكأن شرعيته العالمية قد تعززت أمام الحلفاء والأعداء على السواء، مما شكل دافعًا للتصرف كما يريد، عند هذه النقطة، فإن الانجازات الانتخابية التي حققها ترامب والصفات التي يتمتع بها جينياً ربما كانت عاملاً دافعاً لتبني استراتيجية الرجل المجنون الخاصة به بلا قيود تذكر.
2. المسيحيون الانجيليون Evangelical Christians
يعتبر المجتمع المسيحي الصهيوني أحد الأعمدة الرئيسية الداعمة لدونالد ترامب. منذ حملته الرئاسية الأولى في العام 2016 نجح ترامب في إستقطاب القاعدة العريضة من جمهور الإنجيليين الأصوليين من خلال تقديم نفسه كحامي للقيم والثقافة الإنجيلية المحافظة من المد اليساري الليبرالي الذي يتزعمه قادة الحزب الديمقراطي. وعلى الرغم من سلوكيات ترامب ونمط حياته البعيد عن القيم المسيحية المحافظة إلا أنه يلتقي مع المسيحيين الإنجيليين في الرؤيا حول بعض القضايا المفصلية والحساسة في الداخل الأمريكي، والتي طالما كانت مثار جدل ونقاش بين المرشحين مثل، الإجهاض والتحول الجنسي. وبحكم عقلية ترامب التجارية وحساباته المصلحية في الربح والخسارة فقد ازداد التصاقًا بقاعدته الانتخابية، وبات يعطي لها الأولوية في السياسات. بالمقابل اصبح لهذه القاعدة تأثيراً كبيراً على سياساته تجاه الفلسطينيين وقضيتهم، وموقفه من مسألة القدس التي مثّلت أولوية لديهم ضمن قضايا النقاش. قام ترامب بتعيين القسيسة باولا وايت كمستشارة له منذ العام 2017، كما تم انشاء “مكتب الايمان” في البيت الابيض الذي تترأسه وايت حاليا لحماية التعاليم المسيحية[9]. وكان لنجاته من محاولة الاغتيال في 13 يوليو 2024 صدى مؤثر على جموع الانجيليين، واستطاع ترامب بذكاء ان يستفيد من الحدث ويحوله إلى خطاب شعبوي ديني قائلاً: بأن “الناس أخبروني أن الله أنقذ حياتي لسبب ما، وهذا السبب هو إنقاذ بلدنا وإحياء عظمة أمريكا” [10]. لم يتوقف ترامب عند هذا الحد، وكرر في اكثر من مناسب أنه لدية احساس داخلي بوجود “تفويض الهي”[11]. حتى بات يُنظر إلى ترامب في بعض الاوساط الدينية الانجلية بأنه “مختار من الله”، ظهر ذلك في البرنامج الديني “فلاش بوينت”، حيث وصف المُبشر التلفزيوني هانك كونمان المعركة بين “الخير والشر” قائلاً “هناك شيء ما في الرئيس ترامب يخشاه العدو: إنه يسمى المسحة الربانية”[12].
وحتى كتابة هذه السطور مازالت استطلاعات الرأي تظهر أن الانجيليين هم أقوى مؤيدو الرئيس ترامب وأظهر استطلاعاً للرأي أجراه مركز بيو أن 72% منهم أبدوا تأييدهم للطريقة التي يتعامل بها ترامب حاليًا مع وظيفته كرئيس. وعبر 69% منهم عن رضاهم على أخلاقيات كبار مسؤولي إدارته ومنحوهم درجة جيد، طكا أظهرت نتائج الاستطلاع أيضاً ان 57% من البروتستانت الانجيليين البيض يثقون بما يقوله ترامب أكثر من باقي الرؤساء السابقين[13]. ضمن هذا المشهد، تصاعد تأثير الانجيليين الاصوليين بشكل كبير على ترتيب اولويات السياسة الخارجية لترامب، بل إن بعض علماء السياسة الأمريكيين مثل وولتر راسل ميد يعتبرونهم القوة المؤثرة الهائلة على السياسة الخارجية الأمريكية تجاه إسرائيل، حيث تتمثل اهم معتقداتهم في ان “الله يبارك أمريكا اذا باركت إسرائيل ويلعنها اذا تركتها لأن للشعب اليهودي دور مستمر في تحقيق أهداف الله”. ويرى ميد أن الدعم الأمريكي الكبير لإسرائيل ليس بسبب قوة اللوبي الاسرائيلي، بل بسبب قوة التأثير الهائلة للرأي العام الأمريكي الذي يقوده الانجيليون، بإعتبارهم المحرك الاساس لأولويات السياسة الأمريكية [14] .
3. المال اليهودي
ترامب رجل اعمال وصانع صفقات تجارية من الطراز الرفيع، ويمتلك مفاتيح المعرفة في العمق الأمريكي ويعلم أن المال يلعب دورًا مركزيًّا في اللعبة السياسية في الولايات المتحدة. وبحكم طبيعة عمله، تربطه مصالح مشتركة وعلاقات مع شبكة واسعة من المليارديرات اليهود المحافظين. ويعد “شيلدون إديلسون” الملياردير اليهودي الراحل وصاحب كازينوهات القمار وزوجته ميريام من أبرز أصدقائه، فضلاً عن أنهما أحد أكبر مصادر تمويل الحملات الانتخابية لمرشحي الحزب الجمهوري. ويعتبر إديلسون واحد من أهم الداعمين والمحرضين لقرارات ترامب في ولايته الاولى في مسألة نقل السفارة الأمريكية الى القدس. وبعد وفاته استمرت زوجته ميريام على نفس السياسة، وتبرعت بمبلغ 100 مليون دولار لصالح حملة ترشيح ترامب للرئاسة الأمريكية 2024، وفقًا لسجلات لجنة الانتخابات الفيدرالية[15]. ورصدت السجلات أيضاً تبرعات بقيمة 2.4 مليون دولار من مليونير يهودي آخر هو جان كوم المؤسس المشارك لواتساب[16].
ومما لاشك فيه أن امتدادات أحداث السابع من أكتوبر 2023 وحرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة كان لها دوراً مركزياً في حالة الاستقطاب الداخلي في المجتمع الأمريكي خاصة مع موجة الاحتجاجات التي عصفت بالمدن الأمريكية إنطلاثاً من الجامعات ضد المجازر التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة. وعلى اثرها بدأت حملات مضادة لجمع ملايين الدولارات من قبل اللوبيات الصهيونية لدعم المرشحين الجمهوريين في الكونجرس ضد نظرائهم الديمقراطيين، وساد التوجه العام لدى المانحين اليهود لدعم المرشح الرئاسي دونالد ترامب بإعتباره الضمانة الاكيدة لدعم إسرائيل، ووقف معاداة السامية [17].
ثانياً: ترامب والحرب الإسرائيلية على قطاع غزة
لم تكن الحملة الانتخابية الرئاسية قد بدأت بعد، حين وصف ترامب هجمات السابع من أكتوبر 2023 بأنها “أحد أكثر الأيام حزنا في حياته”[18]، وذلك في لقائه مع الصحيفة الإسرائيلية اليمينية المقربة من نتنياهو “إسرائيل هيوم” معرباً عن دعمه الكامل لإسرائيل في سياساتها تجاه الهجمات، وفي حربها على غزة مشيراً إلى أنه كان سيتصرف بنفس الطريقة التي تصرفت بها إسرائيل. لكنه في نفس الوقت،- لكسب الاصوات المعارضة لسياسة الرئيس بايدن وخلق فجوة يمكن رؤيتها في المواقف، اعتبر أن إسرائيل تفقد الدعم الدولي وأنه يتوجب على نتنياهو إنهاء حربه[19]. اللافت في المقابله، كان إنتقاده للنهج الإسرائيلي في الرد على الهجمات، واعتبره سبباً كافياً لزيادة العداء للسامية على مستوى العالم، بعد إنتشار صور وفيديوهات للجيش الإسرائيلي وهو يلقي قنابل على المنازل التي تنهار فوق رؤوسس ساكنيها من المدنيين، وهي صور مروعة كان يشاهدها كل يوم شاشات التلفاز[20]. ترامب الذي لا يقدم وعوداً أو التزامات إستمر في إطلاق التصريحات العامة الفضفاضة، فعلى الرغم من تأييده لإنهاء الحرب إلا أنه لا يقدم تفاصيل حول كيفية إنهائها، ولم يطرح خطة متماسكة أو رؤية تفصيلية أو خارطة طريق يمكن اتباعها في مفاوضات تبادل الاسرى، أو حتى الاشارة إلى معاناة الفلسطينيين المدنيين في غزة. على الرغم من كثرة حديثه عن حجم الضرر الكبير الذي الحقته الحرب بمكانة إسرائيل الدولية وتعزيزها لما يصفه معاداة السامية.
مع اشتداد الحملة الانتخابية الرئاسية ألقى ترامب خطابًا بمناسبة الذكرى السنوية الأولى لأحداث 7 أكتوبر، بدا فيه أكثر إنكشافاً وتحديدًا لسياساته المُرتقبة تجاه إسرائيل ولمسار الحرب، وقدم نفسه باعتباره المدافع الأقوى والأكثر صراحة عن إسرائيل. واستغل الحدث لمهاجمة خصومه الديموقراطيين وإدارة بايدن/ هاريس، وإلقاء اللوم على ضعف الإدارة التي اعترها سبباً في وقوع الهجوم على إسرائيل. كما حذر بأنه لن يسمح بتهديد الدولة اليهودية بالدمار، وأنه لن يسمح بحدوث محرقة أخرى للشعب اليهودي، وسيدعم حق إسرائيل في الانتصار بحربها، متبنياً احد الأهداف الإسرائيلية ومؤكداً أن “فجر شرق أوسط جديد أكثر انسجاماً أصبح في متناول أيدينا أخيراً” [21] حسب قوله.
بعد عدة أشهر من الحرب بدأت محاولات أمريكية وإقليمية للتهدئة وتبادل إطلاق الأسرى. وأطلق الرئيس بايدن في أواخر إبريل 2024 مبادرة لوقف اطلاق النار. لكن جميع المحاولات الدبلوماسية الأمريكية باءت بالفشل بسبب تعنت حكومة الاحتلال وعدم رغبتها في وقف الحرب لاسباب يمينية متطرفة داخل الائتلاف الحاكم. من ناحية، وغياب ضغط أمريكي حقيقي من ناحية أخرى. الأمر الذي أدى إلى تدهور سمعة الولايات المتحدة عالمياً وتراجع شعبية الرئيس بايدن الذي بدا واهناً وضعيفاً أمام تحدي نتنياهو لتوجهاته، وانعكس ذلك على سياساته التي ظهرت رمادية وتفتقر إلى ملامح القوة العظمى في العالم، هذا الضعف كان مدخلاً سهلاً لهجوم شديد ومتكرر من المرشح الرئاسي دونالد ترامب.
ترامب الذي لم ينتظر الموعد الرسمي لتسلم الرئاسة في يناير 2025 وفق الدستور الامريكي، وبدأ مبكراً في الترويج لسياسته الجديدة القادمة. ولم يفوت فرصة في أي مناسبة الا وأكد فيها على ضرورة وقف الحرب وانجاز صفقة لتبادل الاسرى[22]. سريعاً قام بتعيين “آدم بوهلر” في ديسمبر 2024 مبعوثاً خاصاً لشئون الرهائن لانجاز المهمة. على إعتبار أن لديه معرفة وإطلاع بشؤون المنطقة فهو أحد أعضاء الوفد الأمريكي المفاوض حول اتفاقيات ابراهيم ومفاوض سابق في جولة المفاوضات بين طالبان والولايات المتحدة وصديق مقرب لصهره جاريد كوشنر[23].
يمكن القول ان المرشح ترامب كان حريصاً خلال الحملة الانتخابية على إبداء رأيًا متوازنًا أو على الأقل تقليديًّا بالنسبة للمواضيع الخارجية خاصة فيما يتعلق بالدعم الامريكي لاسرائيل، وتعمد الابتعاد عن إعلانات قد تكون سبباً في إثارة ضجة أو قلقاً بشأن تصريحات صادمة توحي باعتناقه استراتيجية المجنون. وهذا يعني أنه كان واعياً للتكاليف الداخلية للتصريحات المجنونة وبالخسارة التي يمكن أن يمنى بها إذا حرّك دوافع القلق والخوف لدى الجمهور الأمريكي. بل انه استثمر المظاهرات والاحتجاجات في أمريكا والعالم والغضب العربي والإسلامي على سياسات بايدن تجاه إسرائيل وضعفها في الضغط على نتنياهو لتصوير نفسه على أنه البديل الأفضل للناخبين المسلمين والعرب الغاضبين من حرب الإبادة الإسرائيلية، وتعهد في اكثر من موقف إنتخابي بأنه في حال فوزه بمقعد البيت الابيض سيحل السلام على الشرق الأوسط وسيوقف هذه الحرب المجنونة.
في الواقع، إن رغبة ترامب في وقف الحرب تعود الى ترتيب اولوياته الخارجية في المنطقة، فهو يريد أولاً وقبل كل شيء أن يركز على عقد الصفقات الاقتصادية الكبرى مع المملكة العربية السعودية وباقي دول الخليج، ويتحضر لإتمام مشروع التطبيع او ما يسمى اتفاقات ابراهيم التي بدأها في ولايته الاولى، ويخطط ختاماً للحصول على الجائزة الكبرى حيث تطبيع العلاقات بين السعودية واسرائيل لشعوره بأنه يتوجب على التاريخ أن يتذكره باعتباره صانع سلام. وهذا ما يؤهله من وجهة نظره للفوز بجائزة نوبل للسلام.
ثالثاً: استراتيجية المجنون في طريقها للظهور
1. الجحيم للشرق الأوسط
أطلق ترامب العنان لخيالاته دون قيود، وخرجت على لسانه مجموعة من التهديدات/ قبل تنصيبه رسمياً في يناير 2025، تخصّ عددًا من القضايا العالمية لها علاقة بالحلفاء والأعداء، وبدا وكأنه يرهب العالم بما هو قادم اذا لم يتم تنفيذ ما يقول وترك المعنيين بالتهديد في حيرة وترقب. دعا إلى ضم كندا وجعلها الولاية (51) والسيطرة على قناة بنما وجزيرة غرينلاند واصفاً هذا الأمر بالفكرة العظيمة وبأنه يعزز الأمن القومي والاقتصاد الأمريكي[24]، حتى أنه لم يستبعد الخيار العسكري لتنفيذ هذا الامر. ورغم أنّ هذه التصريحات أثارت تساؤلات حول مدى جديته في هذه المطالبات، إلا أنّه بعد تكرارها مرتين وعدم استبعاده أي من الأدوات لتحقيق هذا الأمر، بدأت تثير فعليًّا المخاوف حول ما اذا كانت طموحات توسعية غير مسبوقة، أو أنها مجرد أدوات تفاوضية لتحقيق مكاسب وكليهما يعزز أن ترامب يعتنق استراتيجية “الرجل المجنون”.
في ديسمبر 2024 أطلق تهديداً مفاجئا من منتجعه (مار إيه لاغو) بولاية فلوريدا بتحويل الشرق الأوسط إلى جحيم قائلا: ” لن يكون هذا جيدا لحماس أو لأي أحد… إذا لم يتم إطلاق سراح الرهائن قبل 20 يناير 2025، فسيكون هناك جحيما سيدفع الشرق الأوسط ثمنه الباهظ…”[25]. كرر ترامب تهديده مرة أخرى في فبراير 2025 أي بعد تسلّمه سدّة الحكم رسميًّا في البيت الأبيض، بأن “الجحيم سوف ينشب في الشرق الأوسط إذا لم تطلق حماس سراح الرهائن الإسرائيليين الذين تم أسرهم خلال هجمات 7 أكتوبر[26]. وهذا يعني أنّ ما تحدث به الرجل في المرة الأولى لم يكن زلّة لسان أو حالة ظرفية في لحظة ما بل إنه يتعمّد هذا التهديد مستدعيًا استراتيجية المجنون . وكأنه أراد أن يقول لا يمكن لأحد تجاهل رد فعل رئيس الولايات المتحدة إذا لم يتم الاستجابة له.
وبمجرد إطلاقه هذا التصريح الناري، أثار صدمة وحيرة ولا شك الكثير من القلق أيضاً حول ماذا يقصد بالجحيم ؟ وما حدوده؟ خاصة أنه تعمد الوقوف في تصريحه عند كلمة “الجحيم” مشيرا إلى أنه لن يفسر الأمر أكثر. ولا شك أن حركة حماس من جانبها أخذت هذا التصريح الصادر عن اقوى رجل في العالم على محمل الجد. فالجحيم الذي ينتظرها يمكن ان يكون أي شيء صعب، فالرجل لا يتوانى عن فعل شيء ولا يردعه أحد.
المفارقة أنه بعد أكثر من 471 يوماً على حرب الإبادة على غزة ورفض بنيامين نتنياهو وقف الحرب رغم الجهود الأمريكية العلنية لإدارة بايدن، تم الإعلان عن التوصل لاتفاق وقف إطلاق النار في 19 كانون ثاني/ يناير 2025 ضمن مراحل ثلاث بعد مفاوضات شاقة. ويعود الفضل في ترغيب أو ترهيب الطرفين وخاصة الطرف الإسرائيلي المتحكم والمتعنت في توقيع الاتفاق إلى تهديد الرئيس الأمريكي ترامب ونجاحاً لاستراتيجية الرجل المجنون في هذه الحالة وضمن هذه الظروف. ترامب ارسل مبعوثه ستيف ويتكوف إلى نتنياهو برسالة واضحة ومباشرة قائلاً: “لطالما كان الرئيس ترامب صديقا عظيما لإسرائيل، حان الوقت لتبادل الصداقة”[27].
أراد ترامب بإطلاق هذه التهديدات إلى تذكير العالم بأجمع بأنه الوحيد القوي والقادر على صنع ما لا يستطيع غيره فعله وهو الذي لا يمكن التنبؤ بتصرفاته لمصالح أميركا كما يراها، ولن يتردد في حمايتها وتعزيزها بسبب المدارس الكلاسيكية للسياسة أو الأعراف التقليدية أو الذوق الدبلوماسي.
2. ريفييرا الشرق الاوسط
في مؤتمره الصحفي الاول الذي جمعه برئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو في البيت الابيض بتاريخ 4 شباط /فبراير 2025، اعلن ترامب[28] عن مخططه لليوم التالي لقطاع غزة. جوهر هذا الاعلان هو تهجير اكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني من قطاع غزة الى دول اخرى، وتحويل القطاع الى وجهة استثمارية (سياحية، صناعية وتجارية)، اطلق عليها “ريفييرا الشرق الاوسط”، وكشف ترامب الواثق بخطته، قبول كل من مصر والاردن للمُهجرين الفلسطينيين من قطاع غزة. ويزعم “أنهم سيفعلان ذلك”. وإدعى “أن دولاً أخرى ستقبل أيضاً”. ويعتبر ترامب “أن غزة اصبحت موقعاً للهدم الآن”. وأنهم /المواطنين “بحاجة إلى موقع آخر يجعل الناس سعداء”. على أن “لا يعودوا إلى غزة”.
في الواقع، يبدو ان الارث الاستعماري الاستيطاني متوارث في جينات قادة الولايات المتحدة، ولكن بطرق متعددة. في حالة غزة، تختلط الجينات الاستعمارية الاستيطانية بإعادة تدوير فائض رأس المال بعد إجراء عمليات التدمير الكلي للمكان. على غرار تدمير دريدسن في المانيا والاستحواذ على جزيرة هاواي[29]. فالتصريحات الواردة من اعلى الهرم السياسي في واشنطن والذي يبدو ان فمه اكبر من عقله، هي بمثابة تحول في السياسة الخارجية التقليدية للولايات المتحدة وتوجهات المجتمع الدولي تجاه حل الصراع الاسرائيلي الفلسطيني منذ عقود، وإعلان رسمي لوفاة حل الدولتين. فتصريحات ترامب[30] لا تقتصر فقط على تهجير مليوني فلسطيني من ارضهم واقتلاعهم من جذورهم، بل إعلان صريح عن نوايا بلاده بوضع اليد على قطاع غزة بشكل مباشر، تحت مبررات العمل على تطويره اقتصاديًا. بعبارة اخرى، ينخرط ترامب بمخططات ترمي الى الاحتلال الامريكي الكامل لقطاع غزة والحاقه بالممتلكات الامريكية. هذا الإعلان ينسجم تماماً مع رغبات مخططات حكومة تحالف اليمين المتطرف في إسرائيل، وخطة صهره رجل الاعمال كوشنير الذي اقترح على اسرائيل تهجير الفلسطينيين من ارضهم[31]. كمشروع استيطاني استعماري يريد ترامب إعادة إنتاجه بطريقة إقتصادية.
من جديد، يلوح شبح تجاهل ترامب للأعراف الدولية في الأفق، مما يغذي المخاوف من تنحية القوانين الدولية جانبًا مرة أخرى. خلال فترة ولايته الأولى، أقر ترامب من جانب واحد بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية المحتلة ومرتفعات الجولان، وهي خطوات فاضحة تتعارض بشكل مباشر مع عقود من الإجماع الدولي. وقد تم رفض كلا الإجرائين من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن ومحكمة العدل الدولية، وكذلك من قبل غالبية الدول التي اعتبرت الضم انتهاكًا للقانون الدولي. وإذا ما كان مخطط ترامب بشأن غزة دليلاً على ذلك، فيبدو أنه غير منزعج تمامًا ومستعد للاستخفاف بالقانون الدولي تمامًا مرة أُخرى[32]. وعلى الرغم من محاولات مبعوثه ويتكوف تنظيف تصريحات رئيسه بعد ردة الفعل الفلسطينية والدولية المستهجنة لهذا الاعلان السخيف. إلا ان ان هذه الافكار ما زالت حاضرة في رأس ترامب. وتجددت في زيارته الاخيرة للعربية السعودية والامارات وقطر، خلال اجتماعه مع رجال الأعمال في قطر يوم 16 ايار/ مايو، اشار ترامب مرة أخرى الى مخططه للاستيلاء على غزة. قائلاً، “أعتقد أنني سأكون فخورًا بأن تستحوذ الولايات المتحدة عليها/على غزة، وأن تستولي عليها، وأن تجعلها منطقة حرة”[33].
من خلال حديثه عن نقل الفلسطينيين الى اماكن الاكثر أمناً واستقراراً، يتجاهل ترامب ان السبب المباشر لهذا الدمار الذي لحق بقطاع غزة وتحويله الى كومة من الحطام هو الدعم الامريكي المباشر لحرب الابادة التي تشنها اسرائيل منذ قرابة عامين. بعد خمسة أيام من من 7 اكتوبر، نشرت القوات الجوية الإسرائيلية على موقعها أنها أسقطت “حوالي 6,000 قنبلة على اهداف في القطاع” – 1200 قنبلة في اليوم. وهذا يعني إلقاء 50 قنبلة كل ساعة، أي ما يعادل قنبلة واحدة تقريبًا كل دقيقة على مدار الساعة- وهو معدل ضخم ولا يمكن تخيله. من بين هذه القنابل الـ 6,000 قنبلة تضم 4,000 طن من المتفجرات. هذا الرقم يتوافق تماماً مع استخدام قنابل من طراز Mk80 أمريكية الصنع، والتي يتراوح وزنها بين 227 و907 كجم، بالإضافة إلى استخدام بعض قنابل M117 “التدميرية” التي يبلغ وزنها 372 كجم. وبافتراض أن كل هدف يتم ضربه بقنبلتين، فإن هذه الأرقام تعني أن 600 هدف في اليوم تم ضرب كل منها بمتوسط وزن إجمالي للقنابل يبلغ حوالي 1300 كجم. وتجدر الإشارة إلى أن واشنطن كانت قد زودت إسرائيل بما لا يقل عن 5000 قنبلة من طراز Mk82[34]. بعبارة أخرى، فإن الجحيم الترامبي الموعود يجري تجسيده فعلياً على الارض الفلسطينية.
في هذا السياق، يرى Stephen Collinson [35] أن خطة ترامب “ريفييرا” غزة هي الفكرة الأكثر إثارة للذهول في التدخلات الامريكية في تاريخ الصراع الاسرائيلي الفلسطيني، وهي من اكثر الطرق غرابة في تاريخ عملية صنع السلام الأمريكية في الشرق الأوسط. ويصفها بإعتبارها رد فعل إمبريالي حتى الآن في ولايته الثانية بعد التهديد بضم قناة بنما وغرينلاند وكندا، ويرى أن ترامب يتصور أن غزة مجرد صفقة عقارية ستصبح ملكية أمريكية، تمنحه الحق في إمتلاكها. ويضيف Collinson إن افضل صفة يمكن إطلاقها على هذه الصفقة هي “الاستعمار للقرن الحادي والعشرين”. وتشير ماكمانوس الى ان ترامب “مدرك لسمعته الجنونية ويعتبرها ميزة له”. ومع ذلك، ليس من الواضح في كثير من الأحيان ما إذا كان يستخدم نظرية الرجل المجنون عمدًا أم أنه يتصرف بناءً على دوافعه الحقيقية، وتضيف “نظرية الرجل المجنون هي الفكرة القائلة بأنه من المفيد أن يُنظر إليك على أنك مجنون في المساومات القسرية”[36]. من وجهة نظر Wolf فإنه من الصعب عدم النظر إلى اقتراح ترامب الصادم بشأن قطاع غزة من خلال عدسة التبجح “الجنون” التي يعتمد عليها. ويضيف، بدلاً من أن يبدو ترامب معتوهًا، بدا متعمدًا للغاية عندما فاجأ العالم والشرق الأوسط على حين غرة. كان الأمر أقرب إلى “اقتراح متواضع” منه إلى “جنون الملك جورج”[37].
محاولات ترامب إحياء إرث الرئيس الامريكي السابق نيكسون واستدعاء نظرية الرجل المجنون، من خلال التصعيد المباشر غير محسوب العواقب والدفع بالامور الى حافة الهاوية، لا تعني بالضرورة ان يكتب لها النجاح. لقد سجل الفيتناميون انتصاراً كاسحاً على الجيش الامريكي الذي هدد زعيمهم نيكسون باستخدام القنابل النووية في حال لم يتوقف الثوار الشيوعيون عن القتال ضد الغزاة الامريكيين لبلادهم واجبروهم على الرحيل. ضمن هذا الاطار، اظهر الفلسطينيون صموداً اسطورياً في قطاع غزة لم يتوقعه ترامب وسلفه بايدن على الرغم من “فتح ابواب الجحيم” التي وعد بها ترامب. ورفضوا الخروج من ارضهم على الرغم من الدمار الهائل وارتفاع أعداد الضحايا، والذي فاق حتى الان اكثر من 200 الف بين شهيد وجريح وقرابة 2 مليون نازح. بالتزامن منع دخول كل اشكال المساعدات الانسانية والطارئة بما فيها الغذاء والدواء والمياه النظيفة، في محاولة من حكومة اليمين المتطرف لممارسة اقصى درجات الضغط لاجبار المواطنين على المغادرة قسراً وفقاً لرؤية ترامب ومخططاته.
الخلاصة
تثير نظرية الرجل المجنون نقاشاً كبيراً حول قرارات الرئيس تجاه الحرب الإسرائيلية على غزة، حيث يمكن النظر إليه باعتباره القائد الذي يقوم بحسابات عقلانية ولكن بناءً على تفضيلات متطرفة، وإن هذا الجنون الظرفي يتم تأسيسه على ظروف أو مجالات أو قضايا معينة وهنا يمكن أن تكون مصلحة الولايات المتحدة و/أو مصالح إسرائيل أو كليهما معاً . لكنه بلا أدنى شك شخصية سياسية من نوع فريد لا يشابه الرؤساء الأمريكيين التقليدين ولا ينتمي الى أي من المدارس السياسية الكلاسيكية المعاصرة. ولأنه صانع قرار السياسة الخارجية وعقيدته وقناعاته هي العدسة التي تفسر رؤيته للاحداث الخارجية، إضافة الى أنه يمتلك قناعات راسخة ورؤية محددة تجاه النظام العالمي، أهم مرتكزاتها القوة وعدم فاعلية المؤسسات الدولية، فضلاً عن الشعور العام بأنه صاحب السلطة المطلقة في تقديم الحلول.
وهذا الوضع ينعكس على اختياراته وقراراته تجاه حدث معين، مسنوداً بالنصر الثلاثي الكبير الذي حققه مع حزبه في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية مما ضاعف من قوته وغروره واعتبره تفويضاً عاماً من الشعب الامريكي للبدء بالحكم قبل تنصيبه رسمياً.
اعتنق ترامب نظرية الرجل المجنون في قراره تجاه غزة حيث (الجحيم في الشرق الاوسط) للضغط على كل من بنيامين نتنياهو حماس للشروع في اتفاق وقف اطلاق النار. دون أن يوضح بشكل مباشر ما هي تبعات الرفض التي ستقع على أي طرف لا يلتزم بوقف الحرب. تاركاً كعادته حالة من عدم التوازن واللايقين سواءً لدى الخصم أو الحليف، منحته ميزة عدم التنبؤ بالخطوة المقبلة لضمان تحقيق اكبر قدر من المكاسب. نجحت هذه الاستراتيجية (استراتيجية المجنون) مؤقتاً عبر فرض هدنة بين الطرفين، لكنا سرعان ما إنهارت وبدأ بتحويل غضبه الموعود كاملاً على المدنيين في قطاع غزة.
أما فيما يتعلق بقرار “ريفييرا غزة” فإن مخططات ترامب تبقى قائمة بالفعل ولا يمكن اعتبارها جنوناً عرضيًّا أو تجاهلها، حيث نستطيع رصدها بسهولة في مواقف البيت الابيض الرافضه للمقترح المضاد الذي قدمته القمة العربية في القاهرة في 4 آذار/مارس. في ذلك، أشار المتحدث باسم الأمن القومي براين هيوز إلى أن الخطة التي أقرتها القمة العربية فشلت في معالجة الواقع المتمثل في أن “غزة غير صالحة للسكن حالياً”. وبالمثل، وصفت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الأمريكية تامي بروس الاقتراح العربي بأنه “غير ملائم”. من وجهة نظر ميريام وبستر، فإن مصطلح “غير صالح للسكن” يعني منطقة بدون سكان، كـ برية غير صالحة للسكن”[38].
سيواصل ترامب سياسات واشنطن الداعمة لاسرائيل، على كافة المستويات الاقليمية والدولية. بما فيها الحماية من المحكمة الجنائية الدولية، وإعادة إنتاج مسار التطبيع العربي الاسرائيلي دون حل عادل ودائم وشامل للقضية الفلسطينية. وفي ظل غياب اوراق الضغط العربي والاسلامي خاصة والدولي بشكل عام على مصالح الولايات المتحدة في المنطقة، فإن من شأن هذا الغياب ان يمنح ترامب مزيداً من المساحة نحو الاستمرار في إنكار حق الشعب الفلسطيني في الوجود وبالتالي إنهاء خيار حل الدولتين، إلى جانب ذلك، تستمر واشنطن في تجاهل مصالح الدول العربية والاسلامية، بما فيها تلك الحليفة لواشنطن.
الثابت الوحيد ان العلاقة بين الولايات المتحدة واسرائيل هي “اصل استراتيجي” للطرفين، لا تتغير مع تغير ساكن البيت الابيض. لكن تكمن المسألة أن الدعم الأمريكي المقدم حالياً لاسرائيل يتخطى فكرة الالتزام بأمن إسرائيل والدفاع عنها الى دعم مباشر لمشروعها الصهيوني المتمثل في فكرة إعلان إسرائيل الكبرى. فالرئيس دونالد ترامب لديه مشروع في المنطقة يعتبر تحقيقه إنجازاً وإرثاً سيخلده في التاريخ. هذا المشروع يرتكز على إعادة إطلاق اتفاقات ابراهيم – اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل والدول العربية. مع التركيز على العربية السعودية. فهل سينجح أم سيصطدم بالتوجهات الدولية الجديدة القادمة خلال الفترة من 17-20 يونيو حزيران القادم حيث المؤتمر الدولي للسلام الذي تنظمه العربية السعودية وفرنسا؟.
المراجع
- Daniel Ellsberg: The Political Uses of Madness. Lecture, Lowell Institute of the Boston Public Library, Boston, MA, March 26. 1959,
https://ia800102.us.archive.org/20/items/ThePoliticalUsesOfMadness/ ELS005-001.pdf.
أنظر ايضاً :
Thomas C. Schelling: The Strategy of Conflict. Cambridge, MA, Harvard University Press, 1960.
- Scott D. Sagan and Jeremi Suri, The Madman Nuclear Alert: Secrecy, Signaling, and Safety in October 1969.Belfer center for science and international affairs, Harvard Kennedy school,
https://www.belfercenter.org/publication/madman-nuclear-alert-secrecy-signaling-and-safety-october-1969
- Roseanne W. McManus, Revisiting the Madman Theory: Evaluating the Impact of Different Forms of Perceived Madness in Coercive Bargaining, Security Studies, 28(5), pp. 976–1009. 2019, doi: 10.1080/09636412.2019.1662482.
- Michael Reynolds, Donald Trump and the ‘madman theory’ of foreign policy, The Conversation, Jan.25,2024, https://theconversation.com/donald-trump-and-the-madman-theory-of-foreign-policy-221909
- Joshua A. Schwartz Madman or Mad Genius? The International Benefits and Domestic Costs of the Madman Strategy, Security Studies, 32:2, 271-305, Routledge. Tayler and Francis group, 2023, https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09636412.2023.2197619
- Elizabeth N. Saunders, On foreign policy: has Donald Trump become predictable? The candidate who wanted to be “the madman” has a pretty clear agenda. The Good Authority, November 3, 2024, https://goodauthority.org/news/foreign-policy-donald-trump-unpredictable-madman-tariffs-nato/
- Election day in America, Election 2024. Presidential result, CNN. 6Nov,2024,
https://edition.cnn.com/election/2024/results/president?election-data-id=2024-PG&election-painting-mode=projection-with-lead&filter-key-races=false&filter-flipped=false&filter-remaining=false
- President Trump historic mandate, Trump /Vance Platform, https://www.donaldjtrump.com/platform
- President Trump Announces Appointments to the White House Faith Office, The White House, Feb.7, 2025,
https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/02/president-trump-announces-appointments-to-the-white-house-faith-office/
- Donald Trump: God saved me so I can save the world, Times News, in an interview with Phil McGraw, Aug.28,2024,
- I bid.
- Aleem Maqbool, “Anointed by God”: The Christians who see Trump as their savior, BBC. 17 Nov., 2024. https://www.bbc.com/news/articles/c20g1zvgj4do
- Chip Rotolo, White evangelicals continue to stand out in their support for Trump., Pew Research.28 Apr.2025,
White evangelicals continue to stand out in their support for Trump
- Walter Russell Mead, God’s Country? Walter Russell Mead, Foreign affairs, September/October 2006 Published on September 1, 2006.
https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2006-09-01/gods-country
- Asaf Elia-Shalev, Miriam Adelson gives $100 million to Trump campaign, making good on reported pledge. The Times of Israel.17 October 2024.
https://www.timesofisrael.com/miriam-adelson-gives-100-million-to-trump-campaign-making-good-on-reported-pledge/
- Arno Rosenfeld, as spending by Jewish PACs soar, two billionaires give GOP group major fundraising advantage, forward. Oct. 31, 2024,
https://forward.com/news/669961/jdca-rjc-fundraising-2024-trump-harris/
- Matt Brooks, RJC Releases ‘Closing Argument’ Ad for 2024 Election: Donald Trump Will Keep Us Safe. Republican Jewish Coalition. Oct. 20, 2024. https://www.rjchq.org/rjc_releases_closing_argument_ad_for_2024_election
- Omer Lachmanovitch and Ariel Kahana, Refile: Our March 2024 interview with former U.S. President Donald Trump, 11 June.2024,
https://www.israelhayom.com/2024/11/06/trump-to-israel-hayom-only-a-fool-would-have-not-acted-like-israel-on-oct-7/
- I bid.
- I bid.
- The Guardian: Trump marks 7 October anniversary and criticizes ‘weak’ Biden and Harris, Oct.6,2024, https://www.theguardian.com/us-news/2024/oct/07/trump-7-october-israel-biden-harris
- Jacob Magid. PA says Trump, in phone call with Abbas, vowed he ‘will work to stop the war’. The Times if Israel. 9 Nov.2024. https://www.timesofisrael.com/in-phone-call-with-abbas-pa-says-trump-vowed-he-will-work-to-stop-the-war/
- Trump announces Boehler as special envoy for hostage affairs. Reuters, 4Dec. 2024. https://www.reuters.com/world/us/trump-announces-boehler-special-envoy-hostage-affairs-2024-12-04/
- Elena Giordano: Trump: Making Canada the 51st state is a ‘great idea’. Politico. Dec.18,2024,
https://www.politico.eu/article/us-donald-trump-says-great-idea-to-make-canada-the-51st-state-justin-trudeau/
- MJ Lee and Elise Hammond, Trump warns ‘all hell will break out’ if Gaza hostages aren’t released before his inauguration, CNN, Jan.7,2025,
https://edition.cnn.com/2025/01/07/politics/trump-warning-gaza-hostages-negotiations-inauguration/index.html
- Kevin Liptak and Donald Judd, Trump says ‘all hell is going to break out’ if Hamas doesn’t release hostages by Saturday at noon. CNN, Feb.10,2025, https://edition.cnn.com/2025/02/10/politics/trump-palestinians-no-right-return-gaza
- Ariel Kahana, Trump Forced Netanyahu to Make a Deal with the Devil, 15 Jan, 2025
https://www.wsj.com/opinion/trump-forced-netanyahu-to-make-a-deal-with-the-devil-israel-hamas-db48045f
- President Trump Holds a Press Conference with Prime Minister Netanyahu of Israel. White House. Website. February 4, 2025. https://www.whitehouse.gov/videos/president-trump-holds-a-press-conference-with-prime-minister-netanyahu-of-israel/
- Settler Colonialism Rebranded: Trump’s Gaza Plan and the Capitalist Logic of War. Khaldun Bshara. Journal of Palestinian Study. 15 Apr 2025.
- In shock announcement, Trump says U.S. wants to take over Gaza Strip. By Steve Holland, Matt Spetalnick and Jeff Mason. Reuters. February 5, 2025. https://www.reuters.com/world/trump-netanyahu-set-pivotal-talks-middle-east-agenda-2025-02-04/
- Jared Kushner suggests Israel should move Palestinians out of Gaza and ‘clean it up’. CNN. 15 Feb. 2024. https://edition.cnn.com/videos/politics/2024/03/20/jared-kushner-gaza-waterfront-property-valuable-trump-israel-sot-vpx.cnn
- Trump Gaza ‘Riviera’ scheme ‘utterly contrary to international law. Emad Mekay, Emad Mekay. International Bar Association.6 March 2025. https://www.ibanet.org/Trump-Gaza-Riviera-scheme-utterly-contrary-to-international-law
- Trump Suggests U.S. Should ‘Take’ Gaza and Turn It Into a ‘Freedom Zone’. Callum Sutherland.Time. 16 May.2025. https://time.com/7285602/trump-plans-for-gaza-freedom-zone/
- Gaza: one of the most intense bombardments in history? Philip Webber. Scientists for Global Responsibility (SGR). and Stuart Parkinson is Executive Director of SGR. https://www.sgr.org.uk/resources/gaza-one-most-intense-bombardments-history
- Trump’s Gaza ‘Riviera’ plan is the most outlandish idea in the history of US Middle East peace-making. Stephen Collinson. CNN. Feb. 5, 2025. https://edition.cnn.com/2025/02/05/politics/trump-gaza-takeover-analysis/index.html
- Trump’s madman tactics and the psychology of bluffing. Fred Schwaller. DW. March 13, 2025. https://www.dw.com/en/trumps-madman-tactics-and-the-psychology-of-bluffing/a-71837284
- Trump veers toward the ‘madman theory’ while his aides are trying to sound sane. Zachary B. Wolf, CNN. Feb 6, 2025. https://edition.cnn.com/2025/02/06/politics/donald-trump-madman-theory-gaza
- Does Trump Still Want to “Clean Out” the Gaza Strip? Khalil E. Jahshan. Arab Center Washington DC. Mar 25, 2025. https://arabcenterdc.org/resource/does-trump-still-want-to-clean-out-the-gaza-strip/
[1] Daniel Ellsberg: The Political Uses of Madness. Lecture, Lowell Institute of the Boston Public Library, Boston, MA, March 26. 1959,
https://ia800102.us.archive.org/20/items/ThePoliticalUsesOfMadness/ ELS005-001.pdf.
أنظر ايضا:
Thomas C. Schelling: The Strategy of Conflict. Cambridge, MA, Harvard University Press, 1960.
[2] Scott D. Sagan and Jeremi Suri, The Madman Nuclear Alert: Secrecy, Signaling, and Safety in October 1969.Belfer center for science and international affairs, Harvard Kennedy school,
https://www.belfercenter.org/publication/madman-nuclear-alert-secrecy-signaling-and-safety-october-1969
[3] Roseanne W. McManus, Revisiting the Madman Theory: Evaluating the Impact of Different Forms of Perceived Madness in Coercive Bargaining, Security Studies, 28(5), pp. 976–1009. 2019, doi: 10.1080/09636412.2019.1662482.
[4] Michael Reynolds, Donald Trump and the ‘madman theory’ of foreign policy, The Conversation, Jan.25,2024, https://theconversation.com/donald-trump-and-the-madman-theory-of-foreign-policy-221909
[5] Joshua A. Schwartz Madman or Mad Genius? The International Benefits and Domestic Costs of the Madman Strategy, Security Studies, 32:2, 271-305, Routledge. Tayler and Francis group, 2023, https://www.tandfonline.com/doi/full/10.1080/09636412.2023.2197619
[6] Elizabeth N. Saunders, On foreign policy: has Donald Trump become predictable? The candidate who wanted to be “the madman” has a pretty clear agenda. The Good Authority, November 3, 2024, https://goodauthority.org/news/foreign-policy-donald-trump-unpredictable-madman-tariffs-nato/
[7] Election day in America, Election 2024. Presidential result, CNN. 6Nov,2024,
https://edition.cnn.com/election/2024/results/president?election-data-id=2024-PG&election-painting-mode=projection-with-lead&filter-key-races=false&filter-flipped=false&filter-remaining=false
[8]President Trump historic mandate, Trump /Vance Platform, https://www.donaldjtrump.com/platform
* حسب الدستور الأمريكي لمجلس الشيوخ سلطة في تصديق المعاهدات الدولية التي يتفاوض عليها الرئيس، بأغلبية الثلثين، الأمر الذي يمنح الشيوخ سلطة مهمة في رسم السياسة الخارجية، كما يملك مع مجلس النواب سلطة إعلان الحرب.
[9] President Trump Announces Appointments to the White House Faith Office, The White House, Feb.7, 2025,
https://www.whitehouse.gov/presidential-actions/2025/02/president-trump-announces-appointments-to-the-white-house-faith-office/
[10] Donald Trump: God saved me so I can save the world, Times News, in an interview with Phil McGraw, Aug.28,2024,
https://www.youtube.com/watch?v=sVGg90hukLI
[11] I bid.
[12] Aleem Maqbool , “Anointed by God”: The Christians who see Trump as their savior, BBC. 17 Nov., 2024. https://www.bbc.com/news/articles/c20g1zvgj4do
[13] Chip Rotolo, White evangelicals continue to stand out in their support for Trump., Pew Research.28 Apr.2025,
https://www.pewresearch.org/short-reads/2025/04/28/white-evangelicals-continue-to-stand-out-in-their-support-for-trump/
[14] Walter Russell Mead, God’s Country? Walter Russell Mead, Foreign affairs, September/October 2006 Published on September 1, 2006.
https://www.foreignaffairs.com/articles/united-states/2006-09-01/gods-country
[15]Asaf Elia-Shalev, Miriam Adelson gives $100 million to Trump campaign, making good on reported pledge. The Times of Israel.17 October 2024.
https://www.timesofisrael.com/miriam-adelson-gives-100-million-to-trump-campaign-making-good-on-reported-pledge/
[16] Arno Rosenfeld, as spending by Jewish PACs soar, two billionaires give GOP group major fundraising advantage, forward. Oct. 31, 2024,
https://forward.com/news/669961/jdca-rjc-fundraising-2024-trump-harris/
[17] Matt Brooks, RJC Releases ‘Closing Argument’ Ad for 2024 Election: Donald Trump Will Keep Us Safe. Republican Jewish Coalition. Oct. 20, 2024. https://www.rjchq.org/rjc_releases_closing_argument_ad_for_2024_election
[18] Omer Lachmanovitch and Ariel Kahana, Refile: Our March 2024 interview with former U.S. President Donald Trump, 11 June.2024,
https://www.israelhayom.com/2024/11/06/trump-to-israel-hayom-only-a-fool-would-have-not-acted-like-israel-on-oct-7/
[19] I bid.
[20] I bid.
[21] The Guardian: Trump marks 7 October anniversary and criticizes ‘weak’ Biden and Harris, Oct.6,2024, https://www.theguardian.com/us-news/2024/oct/07/trump-7-october-israel-biden-harris
[22] Jacob Magid. PA says Trump, in phone call with Abbas, vowed he ‘will work to stop the war’. The Times if Israel. 9 Nov.2024. https://www.timesofisrael.com/in-phone-call-with-abbas-pa-says-trump-vowed-he-will-work-to-stop-the-war/
[23] Trump announces Boehler as special envoy for hostage affairs. Reuters, 4Dec. 2024. https://www.reuters.com/world/us/trump-announces-boehler-special-envoy-hostage-affairs-2024-12-04/
[24] Elena Giordano: Trump: Making Canada the 51st state is a ‘great idea’. Politico. Dec.18,2024,
https://www.politico.eu/article/us-donald-trump-says-great-idea-to-make-canada-the-51st-state-justin-trudeau/
[25] MJ Lee and Elise Hammond, Trump warns ‘all hell will break out’ if Gaza hostages aren’t released before his inauguration, CNN, Jan.7,2025,
[26] Kevin Liptak and Donald Judd, Trump says ‘all hell is going to break out’ if Hamas doesn’t release hostages by Saturday at noon. CNN, Feb.10,2025, https://edition.cnn.com/2025/02/10/politics/trump-palestinians-no-right-return-gaza
[27] Ariel Kahana, Trump Forced Netanyahu to Make a Deal with the Devil, 15 Jan, 2025
https://www.wsj.com/opinion/trump-forced-netanyahu-to-make-a-deal-with-the-devil-israel-hamas-db48045f
[28] President Trump Holds a Press Conference with Prime Minister Netanyahu of Israel. White House. Website. February 4, 2025. https://www.whitehouse.gov/videos/president-trump-holds-a-press-conference-with-prime-minister-netanyahu-of-israel/
[29] Settler Colonialism Rebranded: Trump’s Gaza Plan and the Capitalist Logic of War. Khaldun Bshara. Journal of Palestinian Study. 15 Apr 2025.
[30] In shock announcement, Trump says U.S. wants to take over Gaza Strip. By Steve Holland, Matt Spetalnick and Jeff Mason. Reuters. February 5, 2025. https://www.reuters.com/world/trump-netanyahu-set-pivotal-talks-middle-east-agenda-2025-02-04/
[31] Jared Kushner suggests Israel should move Palestinians out of Gaza and ‘clean it up’. CNN. 15 Feb. 2024. https://edition.cnn.com/videos/politics/2024/03/20/jared-kushner-gaza-waterfront-property-valuable-trump-israel-sot-vpx.cnn
[32] Trump Gaza ‘Riviera’ scheme ‘utterly contrary to international law. Emad Mekay, Emad Mekay. International Bar Association.6 March 2025. https://www.ibanet.org/Trump-Gaza-Riviera-scheme-utterly-contrary-to-international-law
[33] Trump Suggests U.S. Should ‘Take’ Gaza and Turn It Into a ‘Freedom Zone’. Callum Sutherland.Time. 16 May.2025. https://time.com/7285602/trump-plans-for-gaza-freedom-zone/
[34] Gaza: one of the most intense bombardments in history? Philip Webber. Scientists for Global Responsibility (SGR). and Stuart Parkinson is Executive Director of SGR. https://www.sgr.org.uk/resources/gaza-one-most-intense-bombardments-history
[35] Trump’s Gaza ‘Riviera’ plan is the most outlandish idea in the history of US Middle East peace-making. Stephen Collinson. CNN. Feb. 5, 2025. https://edition.cnn.com/2025/02/05/politics/trump-gaza-takeover-analysis/index.html
[36] Trump’s madman tactics and the psychology of bluffing. Fred Schwaller. DW. March 13, 2025. https://www.dw.com/en/trumps-madman-tactics-and-the-psychology-of-bluffing/a-71837284
[37] Trump veers toward the ‘madman theory’ while his aides are trying to sound sane. Zachary B. Wolf, CNN. Feb 6, 2025. https://edition.cnn.com/2025/02/06/politics/donald-trump-madman-theory-gaza
[38] Does Trump Still Want to “Clean Out” the Gaza Strip? Khalil E. Jahshan. Arab Center Washington DC. Mar 25, 2025. https://arabcenterdc.org/resource/does-trump-still-want-to-clean-out-the-gaza-strip/