بعد الكثير من الجدل حول كورونا.. التباعد والعزلة الاجتماعية المؤقتة هي الحل النهائي لوقف زحف الوباء القاتل
لازالت الحقائق الكاملة عن طبيعة الفيروس التاجي (كورونا فيروس) غير واضحة تماما حتى تلك اللحظة، ولكن الأزمة العالمية الراهنة قد تحمل في طياتها إنذرا للبشرية بأكملها بضرورة تغيير سلوكياتهم والنظر إلى الكثير من الأمور والقضايا من أبعاد جديدة ومحتلفة.
وعلى الرغم من أن البدايات الأولى لتفشي الفيروس لم تكن تستدعي قدرا كبيرا من القلق العالمي وبخاصة أنه كان محصورا تقريبا في مقاطعة هوبي الصينية-حيث مدينة ووهان البؤرة الأولية لتفشي المرض- ولكم ما لبث ذلك الفيروس الدقيق وأن قطع شوطا كبيرا في الانتشار ليضرب عدد من دول أوروبا وبخاصة ايطاليا التي أصبحت منعزلة بصورة شبه تامة، ومناطق عدة في الشرق الأوسط.
ولعل التهوين من شأن ذلك الفيروس في أمريكا في بداية الأمر وعدم الالتفات إلى أهمية إجراء الفحوصات، قد أوصل الحال إلى ما عليه الآن، ومن المحتمل أن تكون هناك أرقام وحقائق غير معلومة ولم يتم الإفصاح عنها من قبل السلطات الأمريكية، مما ينذر باحتمال استقبال المستشفيات الأمريكية لـ 10 أضعاف الحالات المعلن عنها وذلك على مدار الفترة القادمة.
وبالنسبة للمقارنات المتوالية بين فيروس كورونا والأنفلونزا العادية، تشير بعض الدراسات إلى أن الأول قد يكون قاتلا بمعدل عشرة أضعاف مقارنة بالثاني، مما يجعله أكثر خطرا وأشد فتكا من الأنفلونزا. ويعتقد بعض العلماء بأن ثمة بعض المؤشرات التي تدعو إلى الخوف من ارتفاع معدلات الوفيات بنسبة تتجاوز المعدل الحالي البالغ 3.4% والذي قد لا يعبر بدقة كافية عن أعداد ضحايا الفيروس القاتل والسبب في ذلك هو أن المزيد من الحالات لازالت قيد التشخيص وهناك نسبة منهم قد تكون عرضة للموت أيضا.
وفي بداية انتشار الفيروس في كوريا الجنوبية، أعلن الأطباء هناك بأن احتمالات تعرض بعض المصابين للموت لازالت ضئيلة وربما أردوا بذلك نشر حالة من التفاؤل الغير مبرر في مثل تلك الظروف استنادا إلى القاعدة التي تقول بأن البلدان التي تتمتع بنظام صحي قوي ينخفض فيها معدل الوفيات. إلا أن الواقع يشير إلى استمرار ارتفاع أعداد الحالات المصابة، فمن بين 778. 7 حالة ، تعافت 118 حالة فقط ولازال هناك احتمال قائم بارتفاع معدل الوفيات.
وبالنسبة لإيطاليا- البلد الأوروبي المنكوب- والذي يتمتع هو الآخر بنظام صحي قوي، فلازالت الأنباء الواردة منها غير مبشرة على الإطلاق. ففي منطقة لومباردي على سبيل المثال تم تأكيد وجود 7375 حالة، تعافى منهم فقط 622 وتوفى 366 ولازال الباقى منهم يخضع للعلاج ، مما يفصح عن معدل وفيات أكبر من نظيره في البؤرة الأصلية للتفشي، الصين.
وفي ظل هذا الزخم الغير مسبوق من الأنباء والتدابير التي تقوم دول العالم باتخاذها للوقاية من كورونا، يمكن القول بأن الإجراء الوحيد الذي أثبت كفاءته على نحو ملحوظ هو التباعد الاجتماعي ومنع التجمعات في الأماكن العامة. فمنذ تطبيق الحكومة الصينية لإجراء حظر التجوال وإلزام المواطنين البقاء في بيوتهم، بدأ مؤشر الحالات المصابة يسجل انخفاضا كبيرا وكشفت الإحصاءات الرسمية عن ارتفاع نسب الشفاء.
وهناك بعض الدول الأخرى التي حرصت على اتخاذ بعض التدابير الاحترازية أيضا مثل سنغافورة التي قامت بإلغاء كافة الفعاليات العامة وقامت بوضع لجان طبية متنقلة في الأماكن العامة لقياس درجات حرارة المرضى، كما قامت الشركات الخاصة بتوفير معقم للأيدي مجانا للعاملين بها، ومن ثم ساعدت تلك الإجراءات الوقائية على خفض معدلات الإصابة، الأمر الذي يمكن الدول بلا شك من السيطرة على نطاق تفشي الفيروس.
وبالتزامن مع تطبيق إجراءات التباعد والعزلة الاجتماعية، فإنه يجب على الحكومات أن تتبنى أحدث النظم الطبية وتقوم بتوفير العلاج للجميع، كما يجب أن يتم تقديم معاشات أو إعانات بديلة لأولئك المعرضون لفقدان وظائفهم نظرا لتوقف معظم الأشغال والمؤسسات عن العمل، والتعهد أيضا بعدم ترحيل المهاجرين غير الشرعيين المحتاجين للمساعدة الطبية في مثل تلك الظروف العصيبة، إلى جانب الاستمرار والتوسع في إنشاء وحدات العناية المركزة. فكي تضمن الدولة نجاح إجراءات العزلة لابد أولا من تأمين حياة المواطنين وتوفير العيش الكريم والخدمة الطبية اللازمة.
ومن ناحية أخرى، فإن مسئولية الالتزام بتطبيق تلك الإجراءت الوقائية تقع في المرتبة الثانية على المواطنين، الذين يجب عليهم تقبل التغيير وتعديل سلوكياتهم ونمط حياتهم بما يتوافق مع الحالة الطارئة التي يمر بها العالم. فإن كان صناع القرار في الدولة ملزمون بفرض الإجرءات الصارمة، فإن الواجب الوطني يفرض علينا الالتزام بالعزلة الاجتماعية وفي حالة الشعور بأي أعراض مرضية، فإن ضمائرنا يجب أن تكون يقظة خوفا على أحبائنا والمقربين منا.
ويميز التاريخ بين نموذجين من صناع القرار في الولايات المتحدة الامريكية إبان الأزمة الصحية العالمية حينما تفشى وباء الأنفلونزا القاتل في عام 1918. ففي مدينة فيلادلفيا، سمح ويلمر كروسن المسئول عن لجنة مراقبة الصحة لمئات الآلاف بحضور الفعاليات العامة، دون اتخاذ أي نوع من التدابير، وبمرور الأيام توالت الجثث في السقوط، وبحلول نهاية الموسم توفى 12 ألف مواطن من سكان المدينة.
وفي المقابل، في مدينة سانت لويس ، قرر مسئول الصحة العامة ماكس ستاركلوف إغلاق المدينة. متجاهلاً اعتراضات رجال الأعمال والشخصيات المؤثرة في المجتمع ، حيث قرر إغلاق مدارس المدينة والحانات ودور السينما والأحداث الرياضية. بفضل تصرفاته الجريئة وغير المألوفة ، مما ساعد على انخفاض معدل الوفيات بالمقارنة بت فيلادلفيا (في المجموع ، توفي ما يقرب من 1700 شخص من الأنفلونزا في سانت لويس).
وبالتالي فإن خطوات وإجراءات بسيطة قد تقرر الاختيار ما بين الموت والحياة. فعلى كل صانع قرار أن يفرض الخيارات الصحيحة ولو اعتبره الجميع شخص متطرف يسعى إلى المغالاة والمزايدة، إلا أنه في الأخير يعمل من أجل الصالح العام.
رابط المقال بالإنكليزية اضغط هنا