هم يحتاجون لأن يبعدوا الضوء ليلا عن عيونهم أو يطفئوه من مصدره كي يروا. نعم على عكس ما هو متعارف عليه علميا وعملياً بأن الإنسان يحتاج للضوء ليلا كي يرى.
فلنفترض أحدهم جلس في سيارته ليلا وكان الضوء الداخلي (ضوء السقف) مضاءً عندها ألا يحتاج هذا الشخص لأطفائه في حال كان سيقوم بتحريك السيارة الى الوراء او في حال كان سيتقدم بها الى الامام؟ أما في حال كان الهدف من إضاءته لجلب غرض ما، فمعناها أن السيارة ستبقى واقفة بلا حركة، وحالها هنا – بالطبع – افضل من حال الوطن الذي يتهاوى بسرعة أسرع من رياح العاصفة الذي نراه وهم يتبارون به بعد خروجهم من …السيارة غير آبهين به ولا بحال المواطن
مثال آخر لكن هذه المرة لسلوكهم في حال كان أحدهم يحمل اللابتوب ( وهو مفتوح ومضاء) وعلى وشك التنقل داخل غرفة مطفأة النور قاصداً إضاءة الغرفة، وكان اللابتوب قريب من وجهه اليس مضطراً لإبعاد هذا الجهاز لمسافة أبعد عن وجهه كي يرى ومن ثم يضيء الغرفة؟ بالطبع نعم .
يقول جبران خليل جبران ” ما حاجتي بك في النور إذا لم اجدك في العتمة “، وهل من عتمة أحلك من التي يعانيها الشعب اللبناني اليوم وهو لا يجد حكامه إلى جانبه فيها ولا في … النور؟
لم تعد عبارة ” اللامبالاة ” كافية لوصف سلوك القادة عندنا حيال مأساة الشعب اللبناني الذي يحتار ممن وإلى من يشتكي المصائب التي حلت به.
إذا ما لجأنا إلى نظرية العقد الإجتماعي وإفترضنا ان الشعب يملك كنزا من اقلام الرصاص والدولة تملك كنزا من الاوراق ، فلن يستفيد أحدهما إلا بإحدى الطريقتين : إما ان يسرق احدهما من الآخر ما يحتاجه وإما أن يتعاونا . لا تعتقد ان خيار التعاون هنا بديهي او غريزي ، فالتاريخ يكذب الادعاء، أما الاخلاق تنشأ وتتغير حسب تطور المجتمع وهي نشأت من الحاجة اليها، وهذا هو العقد الاجتماعي، وهو ملزم للجميع بالقانون وبمجرد إستفادتك منه تعني قبولك به.
قيل الكثير عن سرقة الدولة وأصحاب البنوك وكبار الساسة والمتمولين لأموال الشعب بطرق وصفت بأقل تقدير بأنها “ملتوية” إذا ما أردنا تجنب مصطلح آخر ، فكيف يمكن الحديث والحالة هذه عن العدل الذي هو القاعدة الاولى التي تحكم العلاقة بين الحاكم والمحكوم ؟ أوليس حتى العدل هو اساس الملك وهو اساس الحكم؟ .
من المؤكد أنه لو تعرضت تشيلي لحادث مماثل لإنفجار المرفأ ( مرفأ بيروت في 4 آب ) في زمن ميشال باشليت المناضلة (الرئيسة السابقة) رفضت أي مساعدة لشعبها مهما كان نوعها وحجمها ومن أي دولة كانت . لماذا ؟ يكفي أن ترى دموع الشعب التشيلي أثناء وداعها بالقبلات والاحضان والتصفيقات والورود . نعم لأنها حملت لقب “أم الجميع ” وأحبت شعبها ورفعت إقتصاد البلد بعدما أزالت البطالة وطورت الصحة والتعليم بلا فساد مالي ولا إداري بسياساتها الحكيمة، أعطت درساً لكل الحكام القامعين لشعوبهم بأن الشعب هو السيد ولا سيد سواه فهي قضت على الفاسدين في البلاد وعندما طالبها الشعب بمواصلة الحكم ، رفضت لقناعتها بان منصب الحاكم هو من حق الجميع وليس كما يحصل في لبنان منذ زمن طويل من تربع على عرش السلطة .
بالطبع هناك الكثير من القادة ” الصالحين” حول العالم الذين حكي عن حكمهم الرشيد، وقد يؤكد البعض ان صبر اللبنانيين قد نفذ وآخر يدعوهم الى الصبر لأنه مفتاح الفرج للخروج من العتمة الى النور ليبقى الشعب اللبناني صامدا في مطالبته بالعدل والمساواة في الحقوق والواجبات والحرية والعدالة الاجتماعية تحت راية دولة القانون والمؤسسات فعلا لا قولا، وهذا ما ستحدثه الاحداث غير المتوقعة والأفضل أن تأتي هذه الأحداث على يد الشعب ذاته لا أن تكون معلبة من الخارج.