من يالطة الى احتلال العراق: هكذا ثبتت الولايات المتحدة نظام الهيمنة والتحكم
للإشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
ان مفهوم الهيمنة Hégémonie الاتميلوجي اليوناني (مصدره Eghestai) معناه ان تكون قادرا على القيادة والهيمنة، إن هذا المفهوم يحيلنا لا محالة لنتيجة حتمية تقول أن هناك فاعل يقوم بعملية تأثير حول آخر خاضع.
إن الهيمنة لا تعني فقط التفوق، ولكن كذلك استباق كل ما قد يهدد التميز وذلك من خلال هيكلة مجال الفعل والتحكم. فالمهيمن ليس فقط هو ذلك الواعي بوضعه و بقوته، ولكن ايضاً تحويل كل هذا إلى قدرة سياسية، عسكرية، اقتصادية وثقافية لإنتاج وضع دولي يكون خادما لمصالح هذه الهيمنة اللامتناهية.
بحسب جل الخبراء فان السعي للهيمنة الاميريكية ابتدأت مند 1873م. فمع تراجع الهيمنة البريطانية، من 1873 إلى 1914 وجد العالم نفسه أمام قوتين كبيرتين :الولايات المتحدة الأمريكية المتفوقة في صناعة الصلب والسيارات وألمانيا التي كانت متفوقة في الصناعات الكيميائية حيث كانت تمثل ثلث الإنتاج الصناعي العالمي في تلك الفترة.
مباشرة بعد الحرب العالمية الثانية، التي خرجت منها كل دول أوروبا وأسيا منهكة اقتصاديا وعسكريا، استطاعت الولايات الأمريكية إن تصبح القوة الأولى عالميا. بعد ذلك تم تأسيس منظمة الأمم المتحدة في أبريل 1945 م (الدرع السياسي للولايات المتحدة الأمريكية) واتفاقيات بريتون وودز (Bretton Woods) التي أفرزت البنك الدولي للانشاء والتعمير وصندوق النقد الدولي (الدرعين الاقتصاديين للولايات المتحدة الأمريكية). كان الهدف منهما هو إعادة هيكلة اقتصاديات الدول المتقدمة، وكذا الاستفادة من الأخطاء المرتكبة بعد الحرب العالمية الأولى والتي أدت إلى انهيار النظام النقدي والمالي مباشرة بعد أزمة 1929 م.
كانت الأهداف الحقيقية وراء تأسيس الأمم المتحدة وضع سياسة دولية جديدة بمعايير أخرى تخدم مصالح الجهة المنتصرة. بعد ذلك مباشرة انعقد مؤتمر يالطة والذي جمع الرئيس الأمريكي روزفلت والوزير الاول البريطاني ونستون تشرشل والزعيم السوفياتي جوزيف ستالين.وبحسب خبراء الجيوبوليتيك فانه كان من الأهداف المضمرة لمؤتمر يالطة هو توزيع العالم بين الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفياتي:الثلثان للأولى والثلث للثانية،حيث كان الاتفاق أنه لا يجب تغيير العالم ولكن الأساس هو التوزيع وانه لاداعي الدخول في صراعات قد تضرب مصالحهما معا”.
من النتائج الهامة للحرب العالمية الثانية هو أن أمريكا بحكم إنها أصبحت قوة عالمية أولى ومحتاجة لسوق قصد تصدير منتجاتها، قامت بإعادة إعمار أوروبا (مشروع مارشال)،فاستمرت بذلك الهيمنة الأمريكية إلى حدود عام 1960 حيث ظهرت مجموعة من المشاكل تقف في وجهها:
-أولا” تحول أوروبا واليابان الى قوتين متنافستان للولايات المتحدة الأمريكية وذلك بسبب تحسن مستوى عيش مواطنيهما.
-وثانيا” أن مجموعة من الدول أصبحت غير راضية على هذا الواقع المفروض عليها نتيجة اتفاق يالطة (فيتنام،الجزائر وكوبا).
الصين من جهتها أيضا رفضت الانصياع لتوجيهات الاتحاد السوفياتي الذي اقترح عليها التوقيع على اتفاقية سلام مع الحزب الوطني لتايوان والذي يطالب بالاستقلال عن الصين الوطن إلام.
وابتداء من سنوات السبعينات من القرن الماضي،أصبحت أوروبا واليابان شركاء بعدما كانوا تابعين للولايات المتحدة الأمريكية ولهذا السبب تم تأسيس المنتدى العالمي الاقتصادي لدافوس سنة1971 ومجموعة الدول السبع G7 سنة 1976 م.
مند تلك الفترة وخلال ولاية الرئيس نيكسون استشعرت الإدارة الأمريكية ان واقع الريادة الأمريكية في خطر، فأصدر نيكسون القرار التاريخي بفك ارتباط الدولار الأمريكي بالذهب.
مباشرة بعد سقوط جدار برلين وبداية التسعينات من القرن الماضي وانهيار المنظومة الاشتراكية، أصبح مسؤولي الولايات المتحدة الأمريكية امام واقع جديد باحثين عن منظور جديد يؤطر استمرار الهيمنة العالمية.
لقد تزامنت بداية التسعينات مع ظهور كتاب فرانسيس فوكوياما (الإنسان ألأخير،نهاية التاريخ، آخر حضارة) والسعي لنشر القيم الليبرالية، ولو بالقوة، في كل أرجاء العالم. وكذلك ظهور المقال الشهير للكاتب الاستراتيجي صمويل هتنغتن والذي تحول فيما بعد إلى كتاب بعنوان: صدام الحضارات! ومفاد هذا المؤلف هو التأكيد على العنصر الثقافي ودوره الفعال في تأجيج الصراعات واعتبار الإسلام خطر يجب التصدي له بكل الوسائل.
إن اختفاء الاتحاد السوفياتي من الساحة الدولية بداية 1990م وانتهاء تهديده إلى الأبد جعل خبراء أمريكيين يبحثون عن خطة عمل إستراتيجية بديلة.
ومباشرة بعد الاجتياح الذي تعرضت له دولة الكويت من طرف النظام العراقي انذاك،تأسست في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعات للضغط بهدف إسقاط النظام العراقي، فكونوا مشروع القرن الأمريكي الجديد بهدف تهيئة كل الظروف قصد تدمير العراق بشكل ممنهج ومقبول من طرف المجتمع الدولي. ولذلك تم تأسيس مختبر علمي أكاديمي Irakologie انصب عمله حول دراسة العراق من الداخل (التركيبة الاثنية،المذهبية،الطائفية،الدينية.. الخ)،الهدف هو السيطرة على مصادر النفط وتوسيع هيمنة الولايات المتحدة العالمية وتوكيد الدعم اللامشروط للحليفة الإستراتيجية إسرائيل.
تزامن ذلك مع صدور التقرير السري للبنتاغون: دليل الخطة الدفاعية (DPG :Défense Planning Guidance 94-92) الذي أعده كل من بول فولفيتز نائب وزير الدفاع في حكومة الرئيس بوش الابن ،ولويس ليبي مدير ديوان نائب الرئيس الأمريكي.
أهم خلاصات هدا التقرير بايجاز:
-منع كل قوة إقليمية للسيطرة على الموارد التي قد تجعلها قوة عظيمة.
-التشويش على كل قوة صناعية قادرة على منافسة الريادة الأمريكية.
مباشرة بعد تعيين حكومة بوش الابن، أطلق مجموعة من الخبراء صيحات ونداءات تؤكد إن لهذه التشكيلة مواصفات عسكرية مستعدة لردع كل قوة جديدة،:خطابها متعالي فوق كل القوانين والمنظمات الدولية وغير مستعدة للعيش داخل عالم متعدد الأقطاب .إن هذه الحكومة كانت مدعومة وتحث سيطرة المحافظون الجدد أصحاب مفهوم الفوضى الخلاقة والتي أصابت العالم مباشرة بعد أحداث 11 سبتمبر (ايلول)2001. بعد ذلك التاريخ سيعرف الشرق الأوسط فوضى متحكم فيها ،بالنسبة للمحافظين الجدد تسمى الهدم الخلاق.
في11 سبتمبر 2001 ومع الانفجار الذي هز الولايات المتحدة الأمريكية،ظهر مفهوم الإرهاب بشكل قوي وأصبح حاكما يتحكم في كل شيء. بات من المسلم به دوليا” إن الولايات المتحدة الأمريكية لها الحق في بسط سياستها على العالم وحمايته من شر قادم من دول كانت بالأمس صديقة لها.
مثل 11 سبتمبر ذلك الحدث الذي سرع من تطبيق النظرية التي اعتمدها المحافظون الجدد لبسط الهيمنة الأمريكية. ان هذه النظرية بنيت على أساس القضاء وإفناء الدول التي تهدد مصالح مجموعات ضغط معينة في الولايات المتحدة الأمريكية.
إن سياسة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط لم تهدف الى انقاد الدول الحليفة الموجودة على حافة الإفلاس، ولكن الهدف المضمر هو إعادة إنتاج هذه الدول من الداخل وبعثها من جديد على مقاس السياسة الخارجية الأمريكية الإستراتيجية (قتل الدول وتدميرها وإعادة تشكيلها من جديد).
ان ما تعيشه بعض دول الشرق الأوسط حاليا يؤكد ذلك فهناك عملية تدميرللبنى التحتية، إضعاف التضامن والتجانس الاجتماعي والسياسي والديني والتاريخي لهذه الدول. يؤول ذلك الى إحداث واقع جديد سيؤدي لا محالة إلى حرب بين المذاهب والطوائف، تكون متوافقة مع المصالح الحيوية للولايات المتحدة الأمريكية، وهذا ما يمكن رصده من خلال انبعاث قوى محلية جديدة متطرفة مدعومة من قوى خارجية بحيث تكون أداة يتم توظيفها من طرف الإدارة الأمريكية الهدف منها هو تشويه صورة الإسلام المرتكزة على التسامح والسلام والحرية وخلق صورة مختلفة لاسلام يكرهه العقل الغربي والعالمي ويخجل به المسلمون انفسهم.
للإشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
السلام عليكم
ياليت اللي يعرف الكاتب يوصل له المثل العربي
من تكلم في غير فنه ( تخصصه) أتى بالعجائب…