“السُفُن لا تغرق بسبب المياه المحيطة بها ولكن بسبب المياه التي تتسرب إليها.لا تدع ما يحدث حولك يثقل كاهلك ويغرقك.” فعندما تنتصر المصلحة الخاصة على المصلحة العامة ينهزم الوطن، لا يخفي أحد الأكاديمين العريقين في علوم الاعلام والاتصال في لبنان حزنه من حالة التدمير الثقافي بعد التدمير العمراني والإنساني ومعهما التدمير الإقتصادي والنقدي والمعيشي الذي أصاب لبنان ، مضيفا أننا نعيش أسوأ مراحل تاريخنا، مستدركا ” لكن الفجر آت مع أجيال تخرج من أصلابنا مهما إشتدت التحديات “.
في إحدى تصريحاته -التي يصفها المراقبون بأنها كانت في محلها- يقول وزير التربية القاضي طارق المجذوب أن هذه الحكومة هي حكومة أقوال لا حكومة أفعال، بعد فترة قصيرة من تشكيل حكومة الرئيس حسان دياب، ثم ما لبث أن “صوب” تصريحه.
مهلا يا وزير تربيتنا، لا عليك أنت لست وحدك على سفينة الحكومة التي سمحت كباقي الحكومات المتعاقبة للمياه بالتسرب إلى داخلها، حكومات متعاقبة ساد فيها منطق المصالح على يد المنظومة ذاتها، فلا الأخيرة أحدثت تغيير حقيقي منذ نشأتها ولا الحكومات التي شكلتها كلفت نفسها بإحداث هكذا تغيير .
في احدى تصريحاته في 30 تموز 2019 يؤكد الرئيس سعد الحريري على أنه آن الأوان كي لا نختبئ وراء إصبعنا ويجب اتخاذ قرارات وتخطّي الخوف من التغيير، هذا كان قبل إندلاع إنتفاضة 17 تشرين بأشهر معدودة ، وهذا التصريح يسمح لنا بالإستنتاج أن الأوان قبل هذا التاريخ لم يكن قد “آن “.
بالعودة الى منطق المصالح فهو نفسه ” المياه المتسربة ” التي تحولت مع مرور السنوات ومع كثافة تسربها الى ثوابت قائمة على المحاصصة والفساد والسرقات والهدر وجميع المفردات المشابهة، لتصبح قوة المصالح أقوى من قوة القانون وقفزا فوقه وتركه يصرخ وحيدا.
من المعروف ان القاعدة الأولى في السياسة هي المصالح وليس المبادىء ( الأخلاق او المثاليات )، من هنا لا يحتاج تفسير سلوك المنظومة الحاكمة الى ” قارئة فنجان” لما تضمنه من متغيرات كثيرة لكنها كانت تبقى دائما ضمن حدود قواعد اللعبة السياسية التي إتفق عليها مكونات هذه المنظومة على إنتهاجها.
للمزيد حول تهافت السياسات العامة في لبنان اقرأ على الموقع:
في احدى المشاهد التي توثق المستشارة الالمانية انجيلا ميركل أثناء تسوقها ليس الرائع أنها كانت بمفردها من دون مرافقة ولا عسكري مسكين مغلوب على امره مرغم على خدمتها بل الرائع ان لا احد مشغول او ملتفت لها بل يعاملها كشخص عادي. في عنصري هذا المشهد الاول ميركل والثاني ” عينة من الشعب ” السلوك هو ما جعلك تحكم على كل منهما.
من امثال امي في فار تفشكل فقال له القط الله رد عليه الفار شيل ايدك عني وانا بالف خير من الله .
مشهد آخر لكن هذه المرة من الهند البلد الذي يعتبر مثالا للدول الفقيرة التي استطاعت العمل على زيادة ناتجها القومي وتقليص عدد الفقراء عبر تطوير الزراعة والصناعة واقتصاد المعرفة والتكنولوجيا ومنذ عام 2003 وحتى 2010 حافظ اقتصادها على نمو بمعدل 8% ، ويبلغ حجم الاقتصاد الهندي 2,6 تريليون ومن المتوقع ان يقفز الى المرتبة الرابعة في اقوى اقتصادات العالم بحلول عام 2022 .
لقد تمكنت الهند من انتشال ملايين المواطنين من تحت خط الفقر فبين عامي 2005 و2014 انخفض عدد الفقراء من 400 مليون الى 270 مليون. كانت الهند نعاني الحروب والكساد والفساد شعب ممزق اديان واعراق ولغات مختلفة ومشاكل لا تنتهي لكنها تغلبت على تلك التناقضات حين جاء الرجل الذي يأخذ بيدها نحو الطريق الصحيح. الا وهو سينغ الذي عاد مرة اخرى الى الواجهة السياسية حين اصبح رئيسا للوزراء في الهند بين عامي 2004 و2008 وجاء بفريقه الاقتصادي الذي عمل معه في التسعينيات فعين وزير التجارة السابق تشيد امبارام وزيرا للمالية ونصب مونتيك سينغ اهولواليا رئيسا لهيئة التخطيط القومي، المجموعة نفسها عادت مجددا لتواصل صناعة المعجزة الهندية .
يشكل سينغ ومعه ميركل نموذجين على أن من جد وجد وعلى قوله تعالى في سورة الرعد” إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ”، فبحسب النظرية المستوحاة من احد العلوم التطبيقية إذا أخذنا الترتيب العادي للحروف الأبجدية من حرف A وصولا الى حرف Z يوافقها الترتيب العددي العادي من رقم 1 الى رقم 26 واذا اعطي كل حرف في اللغة وزنا بناء على ترتيبه الابجدي يعني مثلا اول حرف هو A وزنه يساوي 1 وآخر حرف وزنه يساوي 26 فسنجد ان السلوك ATTITUDE سيحصل على مجموع 100 % ، ما يعني ان التغيير الحقيقي في حياتنا يحدث من خلال تغيير السلوك يليه العمل الجاد بمجموع 98 %، ثم القيادة ب 97 % المعرفة ب 96 % يليها النقود ب 72 % واخيرا الحب والحظ.
بالتأكيد سنكون سعيدين إذا ظهر “المنقذ المنتظر” وباشر بإنقاذ لبنان من أزماته بمقاربات مختلفة وبسلوك جديد مغاير تماما لما نشهده من سلوكيات -إعتمدتها وتعتمدها المنظومة الحاكمة -جعلت من لبنان بلدا مفلسا ومنهارا وفقيرا، وتغيير السلوك مطلوب أيضا من الشعب اللبناني بالدرجة الثانية حيال هذه الطبقة إن أراد إحداث تغيير حقيقي وإلا سنبقى نبحث عن منارة الشرق في رحاب منارة الشرق .