إقتصاد

العملات الرقمية للمصارف المركزية: حلمٌ ومخاطر كثيرة

هل ستؤثر العملات الرقمية الجديدة للبنوك المركزية على الأسواق العالمية؟
تستند الرؤية الاقتصادية الجديدة للبنوك المركزية العالمية على إتمام شراكات مع بعض المؤسسات المالية من أجل إنتاج عملات رقمية على مدار العقود القادمة، والتي يتوقع الخبراء بأن تحدث تغييرا شاملا في عالم المال والأعمال باعتبارها الخطوة الأولى في سبيل الاعتماد الدولي للعملات الرقمية في الاقتصاد، الأمر الذي يجعل المعاملات المالية أكثر سرعة وسهولة وأقل تكلفة في المستقبل.

العملات الرقمية هي السبيل الأمثل لجميع المعاملات المالية
وتسعى معظم الدول حاليا إلى تطوير بنيتها التحتية الخاصة بالمعاملات المالية بما يتناسب مع تبني النظام الجديد الخاص بالمدفوعات الفورية، حيث سيتمكن العملاء من إجراء تحويلات نقدية آنية على مدار اليوم، أي أن الأمر لن يكون مقتصرا على ساعات العمل الرسمية فقط للمؤسسات المالية، كما ستعتمد البنية التحتية للنظام الجديد أيضا على تجهيز الدفعات النقدية بصورة دورية على الأقل بالنسبة للمعاملات النقدية صغيرة الحجم، ومن المتوقع أيضا ألا تعتمد الأنظمة المحلية في المستقبل فيما بينها على مبدأ تبادل العملات.
وسوف تضمن العملات الرقمية الجديدة دقة وكفاءة عمليات التحويل النقدي بين الدول، بحيث يصبح الشخص المستلم للدفعات النقدية على يقين تام بأن التحويل سوف يتم على أكمل وجه دون احتمال التعرض لبعض الأسباب الدارجة التي قد تعيق وصول الدفعات الخاصة بالتحويل.
والجيد في الأمر أيضا أن النظام الجديد المعتمد على العملات الرقمية سوف يحقق الترابط بين المنصات التجارية وتقنيات الأمان من جهة والمنصات النقدية من جهة أخرى، مما يضمن السرعة والأمان التام لجميع المعاملات التجارية والحد من فرص تعرضها للمخاطر.
ومن ناحية أخرى سوف تساعد العملات الرقمية على تقليص دور الوسطاء مما يعني درجة أعلى من الكفاءة في المعاملات البنكية وبخاصة تلك التي تتم بين دولة وأخرى، إلى جانب الانخفاض الكبير في تكلفة إجراء التحويلات النقدية والتي قال عنها تقرير ماكينزي عام 2006 إنها سوف تتراوح ما بين 25 إلى 35 دولار فقط كحد أقصى.
ومن المميزات التي سوف تقدمها العملات الرقمية أيضا هي أسعار الفائدة المشروطة والتي سوف تتيح للبنوك المركزية إمكانية إقرار بعض السياسات النقدية الجديدة، ولكن ربما قد يؤدي ذلك إلى تخوف بعض العملاء من انخفاض أسعار الفائدة الخاصة بودائعهم البنكية، مما قد يدفع المؤسسات المالية نحو أخذ الحيطة قبل المضي قدما في إقرار بعض المميزات التي سوف يحققها النظام الجديد.
والجدير بالذكر أن اعتماد العملات الرقمية الجديدة باعتبارها نظاما موحدا للدفع سوف يتيح للبنوك المركزية إمكانية مراقبة سير عمليات التحويل النقدي بصورة فعالة وآنية، مما يساعد على تقليص الممارسات المشبوهة والتي تتم من خلال عصابات غسيل الأموال.
ما هي الجهات المخولة بإصدار العملات الرقمية الجديدة؟
سوف تصبح البنوك المركزية هي الجهة الأولى الحاصلة على التفويض الرسمي من الدولة لإصدار العملات الرقمية، ولكن تبقى مشكلة نقص الخبرة والموارد اللازمة لبناء واستمرارية البنية التحتية للنظام الجديد هي الأمر الأكثر جدلا، وبخاصة فيما يتعلق بنظام المراقبة الفوري للعملاء والمعاملات المالية.
ومن ناحية أخرى سنجد أن تكفل القطاع الخاص متمثلا في البنوك التجارية بإصدار العملات الرقمية سوف يؤدي إلى جعل الإجراءات التنظيمية أكثر صرامة وربما أكثر كلفة بالنسبة للعملاء، مما قد يطرح إشكالية مدى قدرة النظام الجديد على الاستمرار.
ومن المخاوف التي أثيرت حول العملات الرقمية الصادرة بواسطة البنوك التجارية أيضا هي احتمال قيام أحد الأطراف خلال عمليات التحويل البنكي بالتنصل من التزاماته تجاه الآخر، المشهد الذي يتكرر عادة في بعض المعاملات التجارية والعمليات الاستثمارية.
وعليه فإنه لابد من تحقيق الدمج بين ما تتمتع به البنوك المركزية من سلطة قانونية وقدرة على التصدي للممارسات الملتوية لبعض الأطراف، وما لدى البنوك التجارية من خبرات وموارد من أجل إقرار شراكة تضمن كفاءة وأمن النظام الجديد المعتمد على العملات الرقمية.
ولكي تتمكن العملات الرقمية من التفوق على أنظمة الدفع التقليدية، فيجب على البنوك المركزية والتجارية من إجراء بعض التجارب تدريجيا على صعيد المعاملات البنكية بين الدول ومحاولة تحقيق أفضل فرص للنجاح، وسوف تبرهن السنوات القادمة على قدرة كليهما على الصمود في وجه الآخر، فأيهما ستكون له السيادة على الاقتصاد العالمي؟ العملات الرقمية أم أنظمة الدفع التقليدية؟
رابط المقال الأصلي:
اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى