إقتصاددولي

بريكسيت: حين تبتعد خيارات الناخبين عن العقلانية الاقتصادية

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مخاوف ما بعد Brexitوفقا لرؤية ريتشارد روب

يبدو أن الصناديق الاستثمارية أو فيما يعرف بالمحفظة الوقائية لن تكون بمأمن من المخاطر المحتملة لقرار انسحاب المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي، وهذا ما عبر عنه ريتشارد روب مدير أحد صناديق الاستثمار في كتابه الجديد الصادر بعنوان ” كيف نختار ما نفعله عمداً” حيث أشار إلى الرعب الذي يلوح في الأفق كنتيجة لهذا القرار السيادي الخطير.
فقد كان مشروع روب على شفا مواجهة أزمة محتملة لأن تجارته كانت عرضة للأمواج المتلاطمة والتغيرات المفاجئة التي تحدث في أسواق المال بصرة مباغتة بين الحين والآخر، مما جعله يتحدث في كتابه عن “وصمة عار قد تطال سمعة البلاد على المدى الطويل” .
ويرى البعض أن مخاوف روب كانت تنطوي على نوع من المبالغة، حيث أنه قد تمكن من الاستفادة من خبراته السابقة التي استقاها خلال فترة عمله مع بنك داي إيتشي كانجيو الياباني (DKB) خلال الأزمة الآسيوية 1997-1998 كما أنه تمكن من العبور بمشروعه إلى بر الأمان خلال الأزمة الشهيرة التي تعرضت لها مجموعة شركات ليمان (Lehman Brothers)عام 2008 وبالتالي فإن روب يمكنه النظر إلى مجريات الأحداث الآن بنظرة أكثر ارتياحاً نظرا للأداء الناجح له ولفريقه في الماضي.
ورغم ذلك فإن هذه التجربة قد تلقي على عاتق روب مسئولية (الاختيار العقلاني)، وهو ذلك المبدأ الإنساني الذي يسعى من خلاله الفرد إلى اتخاذ بعض القرارت المنطقية والتي تعمد إلى تحقيق أقصى قدر من المصلحة الذاتية. وقد أشار روب في هذا السياق إلى أن قراره بإنشاء صندوق استثماري كان ينطوي في الأساس على العديد من المخاطرة بالمال والسمعة، كما أنه قد لا يبدو عقلانيا بدرجة كبيرة بالنسبة لمصرفي سابق. ولكن خوض تجربة تجارية جديدة والقبول بتحديات العمل كان أفضل في جميع الأحول من قرار التقاعد.
وقد قضى روب قسطا كبيرا من حياته المهنية بعد حصوله على درجة الدكتوراه من جامعة شيكاغو حيث الموطن الأصلي لمدرسة شيكاغو الاقتصادية. وأيقن روب تماما خلال تلك الفترة أن مبدأ السوق الحرة هو الضمان الأكبر للتخصيص الأمثل للموارد. إلا أن حياته العملية قد أبرزت له لاحقاً عالماً مليئاً بالعديد من الأشخاص والوظائف الذين لا يسيرون وفق هذا النموذج الاقتصادي التقليدي.
وخلص روب إلى أن الإنسان عادة ما يحتاج إلى إعادة التفكير ومراجعة قراراته بين الحين والآخر، ففي بعض الأحيان قد نتجه نحو قرارات بعينها تستهدف إعلاء المصلحة الذاتية، إلا أنه في أحيان اخرى قد نتبنى أفكار أخرى تدعم هويتنا وتحقق لنا قدر من الرضا النفسي. فمعرفة الإنسان بذاته قد تدفعه نحو مسلك معين لا يبدو على درجة كبيرة من الوضوح والتفسير بالنسبة له شخصيا وربما يبدو كذلك في نظر الآخرين أيضا.
وهناك قاعدة أكاديمية تعرف بـ” الأنثروبولوجيا الاقتصادية” والتي تحاول تأطير الاقتصاد في سياق اجتماعي واقتصادي أكبر، فهو ينظر إلى الأبعاد الاقتصادية والاجتماعية للعمليات الاقتصادية والتبادلات التجارية، وليس مجرد حصره في المعاملات النقدية فقط. ولكن مع الأسف فقد أثبتت التجربة أن هناك قلة من الاقتصاديين فقط ممن يدركون وجود الأنثروبولوجيا من الأساس، وقد يرجع السبب في ذلك إلى الطبيعة الخاصة للقطاعات التي يشتمل عليها مجتمع الأنثروبولوجيا ، فضلا عن غطرسة بعض الاقتصاديين. إلا أن هناك البعض منهم ممن بدأوا يعتمدون فعلاً على الأنثروبولوجيا مثل روبرت شيلر صاحب كتاب “الاقتصاد القصصي”.
قد يبدو واضحا خلال هذه الفترة أننا نميل إلى مناقشة القضايا الاقتصادية من منظور ضيق يعتمد على تبني المعايير التقليدية فقط كـ سعات العمل والأجور المكتسبة ومستوى المعيشة وسوق العمل وغيرها. قد يبدو هذا أمرا منطقيا لأننا جميعا بحاجة إلى البقاء على قيد الحياة، إلا اننا بحاجة أيضا إلى رؤية أكبر ترتكز إلى مفاهيم جديدة كالحاجة إلى استشعار الكرامة داخل مجتمع الوظائف، الأمر الذي لا يمكن إدراكه بصورة حسابية بحتة.
قد يبدو هذا صعبا للغاية، ففي الوقت الذي تسعى فيه مدرسة شيكاغو الاقتصادية إلى إنتاج مجموعة من المعايير والمعادلات التي يسهل على المستثمرين تطبيقها، فإن تبني نظريات التمويل السلوكي والأنثروبولوجيا الاقتصادية قد يبدو غامضا بدرجة يصعب معها استخلاص استراتيجية محددة.
ويزعم روب أنه يسعى لتقديم نهج خاص بالقرارات الاقتصادية يساعد المستثمرين وصناع القرار ورجال الأعمال بل ودارسي الاقتصاد أيضا على تحديد أنسب الظروف التي يمكنهم خلالها الاستعانة بالنموذج العقلاني في قراراتهم الاقتصادية.
قد يبدو النموذج الذي دعا إليه روب مثيرا للجدل ولكنه جاء في وقت مناسب، حيث أثبتت تجربة انفصال المملكة المتحدة عن الاتحاد الأوروبي أنه قد يصعب غالباً توقع رؤية ومشاعر الناخبين، والتي لا يمكن تفسيرها دائما من منظور قانون الأرقام والحوافز الاقتصادية.
رابط المقال اضغط هنا

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى