أمندولي

بعد هجمات السعودية: التكنولوجيا تفشل في ادارة زمام الحروب

من الأسئلة البديهية التي تم طرحها في أعقاب الهجمات على المنشأت النفطية السعودية في كل من بقيق وخريص، من فعل ذلك؟ وكيف؟ وما حجم الأضرار الناجمة عن الحادث؟ ولكن السؤال الأكثر أهمية والذي ظل غائبا، عن أذهان الكثيرين، هو كيف عجزت المملكة العربية السعودية عن إيقاف تلك الهجمات! قد تبدو الإجابة على هذا السؤال في غاية الصعوبة، وبخاصة أنه ليس بالضرورة أن تتمكن الدول العظمى من التصدي لأي هجوم مباغت عليها، فمن المعروف أن السعودية تعد من أكثر الدول إنفاقا واهتماما بالنواحي الأمنية والدفاعية.
والحقيقة الصادمة هنا؛ أنه قد يكون نوعا من المستحيل أن تتمكن أي دولة من التصدي لمثل هذا النوع من الهجوم الشامل، ليس السعودية وحدها هي المعرضة للخطر، بل القواعد الأمريكية المنتشرة في الشرق الأوسط لازالت في مرمى النيران أيضا، فالتهديدات والهجمات العشوائية والرخيصة المنتشرة في جميع أنحاء العالم صارت من أكبر المشكلات التي يمكن أن تواجه الدول العظمى في أية لحظة.
ويمكن وصف الهجمات الأخيرة بمشروع أو ملكية ناشئة تعمل على توظيف مجموعة من الكيانات البسيطة والتوليف بينها (طائرات الدرون المسيرة وصواريخ كروز، على سبيل المثال) لتعمل معا في نظام متكامل، مما يفرز نوعا جديدا من السلوك البشري المثير للقلق. وفي الحادثة الأخيرة كانت مهمة إيقاف 17 طائرة مسيرة و8 صواريخ كروز تم إطلاقها في نفس اللحظة بهدف التشويش على أجهزة الرادار والبنية التحتية الخاصة بالاتصالات وإرباك الأفراد العاملين، بمثابة نوعا من الخيال. وهنا يمكن الاعتراف بخطورة الوضع الحالي، فعندما يتعلق الأمر بحجم التقدم الهائل في الوسائل الدفاعية في العصر الحديث، فإن المعضلة تكمن في البشر في أنفسهم مثلما هو الحل أيضا.
قبل خمس سنوات، أدركت وزارة الدفاع الأمريكية بأن ظهور بعض الأنظمة الدفاعية المتطورة المعتمدة على تقنيات الذكاء الاصطناعي والتعليم الآلي والتشغيل الذاتي وأجهزة الاستشعار عن بعد وغيرها، يشكل خطرا داهما على الأنظمة الدفاعية التقليدية الخاصة بها، الأمر الذي دفع البنتاجون إلى إصدار تقرير يدعو فيه إلى ضرورة تحديث صناعة النظم الدفاعية تماشيا مع تحديات العصر الحديث.
وقد كان تعميم الإجراءات الحديثة داخل مختلف فروع الجيش أمرا في غاية الصعوبة، فقد كانت الشركات المنتجة للنظم الدفاعية القديمة تفتقر إلى المواهب والكفاءات البشرية المطلوبة لإنتاج النظم التكنولوجية الحديثة، الأمر الذي دفعها إلى بذل قصارى جهدها من أجل مواجهة التحديات الراهنة والتي تتطور بسرعة فائقة من حيث إدخال التغييرات بصورة تدريجية إلى النظم الدفاعية وذلك حرصا منها على مصالحها التجارية الأساسية.
كما ساقت تلك الشركات كافة الحجج في وجه الأشخاص المعارضين للتغيير مؤكدة على أن الأمر كله يعتمد في الأخير على العنصر البشري، فهو المشغل الأساسي للتكنولوجيا الحديثة، وبالتالي هناك حاجة كبرى لوجود الإنسان داخل الحلقة الخاصة بالأنظمة المدمجة الحديثة فيما يعرف بـHITL أو “humans in the loop”.
وتكمن المشكلة الأساسية في أن أي نظام يعتمد على مشغل بشري مقترن بخصائص تحكم غير قابلة للتشغيل المتبادل يعد أمرا في غاية الخطورة، حيث أن العدو عادة ما يركز على الأهداف والمواقع التي تعتمد في الجزء الأكبر منها على الإدارة البشرية، فهو يدرك تماما أين تكمن مواطن الضعف.
وفي هذا السياق لابد من النظر إلى القوة البشرية باعتبارها مصدرا للقوة والضعف في آن واحد، ولعل ذلك ما قد يجعلنا نعجز عن التفكير والتصرف إزاء عالم تتطاير فيه عشرات القطع والأشياء الذكية رخيصة الثمن بسرعة تفوق سرعة الصوت لتستهدف مواقع بعينها.
والسؤال هنا ليس عن مدى الحاجة في المستقبل إلى وجود العنصر البشري، ولكن السؤال عن موقع البشر بصورة محددة داخل النظام الجديد، فالتقنيات الدفاعية الجدية وبخاصة تلك التي تقدم تدابير دفاعية للتصدي لأسراب السفن سريعة الحركة في المعارك البحرية، تعمل على تقليل الاعتماد على القرار البشري وبخاصة أن الإنسان لم يعد قادرا على تحديد الأهداف بدقة كما في العصور الماضية، وبالتالي فهي تقوم بإسناد تلك المهام إلى آليات حسابية قادرة على معالجة الأمور بصورة أكثر سرعة ودقة وكفاءة.
ويبقى الدور البشري محصورا هنا في كيفية المشاركة في إدارة العملية بأكملها من خلال استخدام أجهزة الكمبيوتر وتحديد الإجراءات المناسبة، وحقيقة الأمر هي أنه في معظم أنظمة الدفاع الجوي ، والبشر ينتشرون في كل مكان داخل المنظومة، فتجدهم أمام الشاشات ، خلف الرادارات، يقومون بتنفيذ العديد من المهام كالتصنيف والتحديد والتنسيق.
قد لا يكون الحل الأمثل للتصدي للهجمات المباغتة في تطوير المزيد من الرادارات والصواريخ، ولكن يجب أن يكون الحل هيكليا قائما على استحداث مجموعة من أجهزة الاستشعار عن بعد الغير مكلفة والقابلة للتطوير والتي تستند إلى قاعدة من البيانات الدقيقة والغير قابلة للاختراق، حيث ستقوم أجهزة الرادار في تلك الحالة، والتي ترتبط معا بشبكة خاصة، بتتبع مسار كل من الطائرات المسيرة على حدة في صورة تسلسلية، ويبقى دور البشر هنا هو الحفاظ على الهيكل التنظيمي للعملية بأكملها وإدارتها بصورة دقيقة وليس تنفيذ المهام الدفاعية.
ولا تشكل تلك التطورات تغييرا في خطط الأمن العالمي فحسب، بل إنها تعد بمثابة نقلة نوعية في عالم الدفاع والحرب بوجه عام. وكما اتضح من خلال الهجمات الأخيرة على النفط السعودي، فقد شكل الدمج تحديا كبيرا للمشغلين البشر، وقبل وقوع أي هجوم محتمل في المستقبل، يجب أن ندرك أولا، أن الوجود داخل الحلقة لا يختلف كثيرا عن الوجود خارجها.
رابط المقال الأصلي اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى