أمندولي

خطأ القذافي لن يتكرّر: لنتعوّد على فكرة “كوريا شمالية نووية الى الابد”

عن National Interest

يجب أن يتقبل العالم هذه الحقيقة.. كوريا الشمالية ستظل دولة نووية إلى الأبد
يبدو أن سياسة الولايات المتحدة الأمريكية تجاه كوريا الشمالية كانت بمثابة الدافع الأكبر أمام اتجاه الأخيرة نحو التسلح النووي، حتى بات أمرا حتميا بأن تتقبل الولايات المتحدة الحقيقة الصادمة ، وهي أن كوريا الشمالية ستظل دائما وأبدا دولة نووية.
أدرك الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أن دول العالم لن تخضع بسهولة لإرادته، فعلي الرغم من العقوبات الأمريكية المفروضة على كل من روسيا وكوبا وفنزويلا وإيران إلى جانب التهديد الأمريكي باستخدام السلاح في بعض الأحيان، إلا أن أيا منهم لم يستسلم لرغبة واشنطن، فقط الجمهورية الشعبية الديمقراطية هي من استجابت لطلب الجلوس على مائدة المفاوضات.
وبرغم معارضة الأحزاب اليمينية واليسارية في أمريكا لرغبة ترامب في إجراءت مباحثات ثنائية مع نظيره الكوري كيم كونج، إلا أن سعيه إلى ذلك حتما يعد أمرا يستحق الثناء، هذا في الوقت الذي بدا فيه المطلب الأمريكي الموجه إلى كوريا بنزع السلاح النووي بشكل كامل، أمرا غير واقعي على الإطلاق.
وللأسف الشديد، فقد توقف سير المفاوضات التي علق عليها الرئيس الأمريكي الكثير من الآمال، حيث انسحب الدبلوماسيين الكوريين من قمة الآسيان وذلك بعد اللقاء الذي كان مرتقبا بين وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو ووزير خارجية كوريا الشمالية ري يونغ هو، حيث قال بومبيو: “نحن على استعداد لمواصلة حديثنا الدبلوماسي مع الكوريين الشماليين” ، لكنه أضاف “يؤسفني أنه يبدو أنني لن تتاح لي الفرصة للقيام بذلك أثناء وجودي هنا في بانكوك. ”
في الواقع، فإن العلاقات الثنائية بين البلدين قد استمرت في التدهور شيئا فشيئا، حيث أصرت كل منهما على إجراء المناورات العسكرية في الوقت الذي قامت فيه بيونغ يانغ بشن مجموعة من الهجمات العنيفة في إطار برنامجها الخاص بالاختبارات الصاروخية قصيرة المدى، الأمر الذي أدى إلى إحراج موقف إدارة ترامب وأثار قلق اليابان أيضا، ورغم تأكيد ترامب على ثقته في التزام كيم بنزع السلاح النووي، إلا أن هذا الموقف لن يكون مستساغا بعد الآن وقد يصعب تبريره في مواجهة هجمات الديمقراطيين مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية 2020
من المعروف أن كوريا الشمالية تعد من أكثر الدول إثارة للجدل حول العالم، ويصفها البعض بأنها دولة غير عاقلة بل وغير مسئولة أيضا، إلا أن موقف الزعيم كيم يبدو منطقيا في مواجهة الولايات المتحدة حيث يعكس الأهداف والمصالح الخاصة بالأسرة الحاكمة، فمن غير المعقول أن يقوم الزعيم الكوري بالتخلي عن نفوذه لصالح حفنة من الوعود الأمريكية الغامضة بجني بعض الفوائد المستقبلية غير محددة المعالم، ولكن على أية حال، فإن الولايات المتحدة قد اعتادت على إدراج الدول عشوائيا على قائمة أعدائها، فهناك مثلا صربيا وليبيا وأفغانستان والعراق لا يملك أيا منهم سلاحا نوويا ولكن واشنطن تصفهم بكونهم مصدرا للخطر العالمي.
وقد يبرهن الموقف السابق لواشنطن تجاه الرئيس الليبي السابق معمر القذافي على أن الولايات المتحدة ليست محل للثقة على الإطلاق، فقد أعلن القذافي عن تخليه عن برنامج بلاده النووي لصالح بعض الوعود الغربية البراقة، وقد قوبل بترحيب كبير آنذاك بين العواصم الأوروبية، إلا أنه عندما قامت ثورات الربيع العربي، فقد استغلت واشنطن وأوروبا الفرصة من أجل الإطاحة بالنظام الحاكم في ليبيا والتخلص من زعيمها الديكتاتور على حد وصفهم، وبالتالي فقد يكون من الحماقة أن يسند كيم مستقبل بلاده إلى واشنطن الغير جديرة بالثقة أبدا، فالرئيس الكوري قد يكون متسلط أو أهوج ولكنه ليس أحمق في جميع الأحوال.
ويرى بعض الخبراء بأن كيم يؤمن بأن امتلاك كوريا الشمالية للرادع الأقوى عالميا أي التسلح النووي قد يجبرالعالم على احترام بلاده، فهو على ما يبدو لا يريد الاعتماد أبدا على النوايا الحسنة لكل من الصين واليابان وروسيا، فهو يعلم جيدا الطبيعة الحساسة لموقع بلاده، وقد علق ديفيد ماكسويل من مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية على ذلك الأمر قائلا بأن واشنطن تحتاج إلى إقناع كيم بأن ترسانته النووية هي مسئولية استراتيجية وليست وسيلة للابتزاز أبدا، ولكن قد يبدو ذلك صعب المنال.
وفي أحسن الأحوال، فإذا فكرت بيونغ يانغ بالتخلي عن سلاحها النووي فإن ذلك الأمر سيتم وفقا لخطوات محسوبة بدقة، فقد أكد دبلوماسيون من كوريا الشمالية بأن بيان القمة التي انعقدت العام الماضي قد أفضى إلى سلسلة من العمليات المتتابعة، أولا ضمان العلاقات الثنائية المثلى بين بيونغ يانغ وواشنطن، ثانيا تحسين ظروف البيئة الإقليمية، ثالثا نزع السلاح النووي.
قد تبدو تلك الشروط منطقية إلى حد ما كضمان لقيام كوريا الشمالية بنزع سلاحها، ولكن ما الذي يضطر بيونغ يانغ إلى التخلي عن رادعها النهائي مقابل الحصول على علاقات ثنائية أفضل مع واشنطن! أو أن الأجواء في المنطقة قد أصبحت أكثر استقرار ولا مجال لاستخدام القوة العسكرية ضد كوريا الشمالية! على الأرجح، لن تتخلى بيونغ يانغ عن سلاحها في شتى الظروف.
وربما قد تلجأ الولايات المتحدة إلى إبرام عدد من الصفقات المحدودة التي تحقق بعض المنافع، فعلى سبيل المثال المقترح الذي طرحته قمة هانوي بأن يتم غلق مركز يونغبيون للأبحاث النووية بكوريا الشمالية مقابل قيام الولايات المتحدة بتخفيف العقوبات، وهنا قد لن تحول الرغبة الأمريكية في نزع سلاح كوريا الشمالية في سعي الأخيرة نحو تحقيق الحد الأدنى من القدرات النووية التي تخطط لها.
وفي الوقت نفسه، يعتقد بعض الخبراء بأن واشنطن يجب أن تتطلع إلى أكثر من ذلك ولو على صعيد محادثاتها الداخلية فقط، حيث يجب أن تحافظ على هدفها العام الشامل وهو إتمام عملية نزع السلاح النووي بصورة لا يمكن التراجع عنها، ولكن قد يبدو من الناحية العملية أنه ينبغي على واشنطن أن تقوم أولا بالترويج لسلسلة من الإصلاحات الشاملة على صعيد العلاقات بين البلدين وضمان استقرار المنطقة، فقد يكون ذلك هو الضمان لتحقيق هدفها الأكبر.
وعلاوة على ذلك، يجب على الرئيس الأمريكي أن يتنازل عن اعتقاده بأن البديل الحتمي لرفض بيونغ يانغ التخلي عن برنامجها النووي، هو الحرب، فعلي الرغم من أن ممارسة الضغوط على ذلك النحو قد يتيح فرصة أكبر لإجراء المفاوضات ، إلا أنه قد يؤدي إلى مزيد من تصعيد التوتر بين البلدين مما قد يرجح بدوره إمكانية اللجوء إلى الخيار العسكري والذي لا يزال شبحه يلوح في الأفق، فقد ترى بيونغ يانغ أنه بالنظر إلى التفوق العسكري المعهود للولايات المتحدة، قد يتعين عليها إما استخدام سلاحها في ساحة المعركة أو فقدانه بشكل كامل في مواجهة واشنطن.
والجدير بالذكر أن موقف الولايات المتحدة وتعنتها الواضح ضد بعض الدول متعللة بخطورة الأنشطة النووية على الأمن العالمي قد بات مكشوفا، حيث أن قبول واشنطن للانتشار النووي ليس أمرا جديدا، فعلى ما يبدو أن الدول تتخذ قرارات بشأن امتلاك الأسلحة النووية بأغلبية ساحقة استجابة لظروفها الأمنية، ويمكن القول هنا بأن واشنطن قد فقدت عذريتها منذ زمن بعيد فيما يخص قضية عدم الانتشار النووي، فقد تقبلت تماما فكرة امتلاك كل من المملكة المتحدة وإسرائيل وفرنسا والهند وباكستان للسلاح النووي، وفي أوائل الستينات من القرن الماضي رفضت واشنطن شن حرب وقائية ضد بكين، كما تخلت عن محاولاتها لإجبار كل من باكستان والهند التخلي عن البرنامج النووي الخاص بكل منهما وفي الوقت ذاته أبدت تناقضا ملحوظا حينما أعلنت عن أن إسلام أباد التي نقلت التكنولوجيا إلى كل من ليبيا وكوريا الشمالية هي أخطر قوة نووية في العالم.
ولازال هناك من يزعمون بأن كوريا الشمالية هي صاحبة الموقف الأكثر تعنتا حول العالم، إلا أنه لابد من الاعتراف بأن سياسة واشنطن تجاه بيونغ يانغ هي المحرك الخفي وراء إصرار الأخيرة على تأمين المستقبل بامتلاك أكثر الأسلحة ردعا حول العالم.
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى