إقتصادالاحدث

الأزمة العالمية المقبلة | بقلم د. عماد عكوش

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

منذ العام 2008، عام الإنهيار الكبير مع ما رافقه من كوارث على مستوى الدول والبورصات والمصارف والشركات المالية، وما أحدثتنه من انهيارات حادة، وكان العلاج هو شراء الوقت حتى إشعار آخر. وعلى ما يبدو أن الإشعار الآخر للأزمة العالمية المقبلة بدأ يطل برأسه من جديد، فمنذ حلول كوفيد-19 وما تبعه من إغلاقات كارثية بفعل الأمن الصحي العالمي، كانت الكوارث تحل في قلب الاقتصاد العالمي على كافة المستويات، وقد دفعت بدول الاقتصادات الرئيسية الكبرى إلى مسالك رزم التحفيز وشراء الديون والمؤسسات، وغيرها من الإجراءات الاستثنائية التي طاولت كل جوانب الحياة ومؤشراتها المنعكسة في جوهر الاقتصاد العالمي، مراكمة تضخما يعصف بلا رحمة في الاقتصاد العالمي، ومولدة ذعرا من مرحلة الخوف من حلول الركود التضخمي الذي سيزيد الطين بلة ويصعب من مسارات الأزمة، برغم كل المحاولات للنهوض عبر سلسلة من الإجراءات التي ليس آخرها رفع سعر الفائدة لدى العديد من المصارف المركزية.

إن من ينظر اليوم في أرقام اقتصادات العالم يدرك بما لا يقبل الشك حجم المديونية الهائل والتي تتصاعد من لحظة إلى أخرى، ويدرك أكثر أننا على مشارف أزمة كبرى على المستوى الاقتصادي في كل العالم خاصة بعد أضافة الأزمة الروسية الأوكرانية، فكيف بنا معها لترافق كل المعطيات السابقة ومضيفة إليها أزمات حقيقية في قطاعات الطاقة العالمي الذي ارتفعت أسعاره بشكل غير مسبوق، بحيث وصل سعر برميل النفط الى حدود 125 دولارا مع بداية الأزمة ولا زال يعدو فوق المئة دولار للبرميل. أما الغاز فحدث ولا حرج عن تضاعف أسعاره، ضاربا كل القطاعات الحياتية والإنتاجية في آن واحد. أما أسعار الغذاء والأمن الغذائي فتكاد التحليلات لا تنتهي حول خطورة القادم مع استمرار المعارك وتصاعد الأحداث والعقوبات والتقلبات الاقتصادية والسياسية والأحلاف الجيو- سياسية القادمة، وبات الحديث عن المجاعة وحلولها خطرا حقيقيا قائما.

وقد حذر صندوق النقد الدولي من أن التضخم أصبح الآن “خطرًا واضحًا وقائمًا” في العديد من البلدان، وأشار الصندوق في تقريره الأخير إلى آفاق الاقتصاد العالمي، متوقعًا أن تؤدي الحرب إلى زيادة التضخم، ومحذرا من أن تشديد العقوبات الغربية على روسيا لاستهداف صادرات الطاقة من شأنه أن يتسبب في انخفاض كبير آخر في الإنتاج العالمي. وتماهيا مع صندوق النقد لوصف الآثار الكارثية للتضخم، تتحضر البنوك المركزية لمواجهة ضغوطات هائلة ومتزايدة لمحاربة التضخم بسياسة نقدية أكثر تشددًا ومنها رفع الفوائد وهذا ما حصل فعلًا”، مما قد يتسبب في مزيد من الصعوبات لا سيما في دول الاقتصادات النامية التي باتت جديا على المحك بفعل رفع الفوائد وتأثيرها على الديون السيادية.

تراكم الديون السيادية في العالم:

مع ارتفاع مخاطر الديون السيادية، بات من الضروري أيجاد عمل جماعي للتوصل إلى تسوية منظمة لمشكلات الديون والحيلولة دون التوقف عن سدادها. وكانت الديون قد وصلت بالفعل إلى مستويات عالية للغاية قبل فرض إجراءات الإغلاق العام بسبب فيروس كورونا. وعندما تفشت الجائحة، ساهم الدعم الاقتصادي غير المسبوق في تحقيق استقرار الأسواق المالية. كما استطاعت السياسة المالية العامة في كثير من البلدان أن توفر الحماية للناس والمؤسسات أثناء الجائحة. وساهمت كل هذه العوامل في تحقيق التعافي المالي والاقتصادي بنسبة معينة لاحقا”.

والآن، جاءت الحرب في أوكرانيا لتضيف مزيدا من المخاطر إلى مستويات غير مسبوقة من الاقتراض العام، في وقت لا تزال فيه الجائحة تفرض ضغوطا على كثير من الموازنات الحكومية. وقد ارتفعت معدلات العجز وتراكمت الديون أثناء الجائحة بوتيرة أسرع كثيرا مما كان عليه الوضع في السنوات الأولى من حالات الركود الأخرى، بما في ذلك أكبرها : الكساد الكبير والأزمة المالية العالمية. وليس لهذا الحجم مثيل إلا الحربين العالميتين في القرن العشرين.

ووفق قاعدة بيانات الدين العالمي لدى صندوق النقد الدولي، قفز الاقتراض بمقدار 28 نقطة مئوية وبلغ 256% من إجمالي الناتج المحلي في 2020. وساهمت الحكومات بنحو نصف هذه الزيادة، وساهمت الشركات غير المالية والأسر بالبقية. واليوم، يمثل الدين العام ما يقرب من 40% من مجموع الدين العالمي، وهي أعلى نسبة بلغها على مدار حوالي ستة عقود.

مخاطر ارتفاع التضخم :

كان انخفاض تكاليف خدمة الدين حتى وقت قريب يهدئ المخاوف من ارتفاع الدين العام للاقتصادات المتقدمة إلى مستويات قياسية. ويرجع ذلك إلى عنصرين. أولا، الانخفاض الشديد لأسعار الفائدة الاسمية. وفي واقع الأمر، كانت مستوياتها قريبة من الصفر أو حتى سالبة على امتداد منحنى العائد في بلدان مثل ألمانيا واليابان وسويسرا. وثانيا، كانت أسعار الفائدة الحقيقية المحايدة متجهة نحو الهبوط بشكل كبير في كثير من الاقتصادات، منها الولايات المتحدة ومنطقة اليورو واليابان، وكذلك في عدد من الأسواق الصاعدة.

أما اليوم فمع أرتفاع أسعار الفائدة عالميًا والتي ساهمت بها المصارف المركزية في العالم تتجه الديون السيادية في العالم الى الارتفاع نتيجة لارتفاع خدمة هذه الديون وبالتالي تحقيق المزيد من العجوزات في موازنات الدول المدينة، وهذا سينعكس حتمًا إنخفاضًا في القدرة الشرائية للعملات الوطنية لهذه الدول وبالتالي إنخفاض القدرة الشرائية للمواطنين في هذه الدول، وبالتالي المزيد من العجز في الموازنات الذي ينعكس على قدرة هذه الدول على الالتزام بتسديد ديونها عند استحقاقها.

ان عدم التعاون الدولي في مجال الديون السيادية يمكن أن يؤدي مع أرتفاع معدلات التضخم وترافقها مع ارتفاع أسعار الفوائد عالميًا سيؤدي حتمًا وخلال وقت قصير الى ظهور حالات القصور عن تسديد الديون وخاصة لدى الدول الفقيرة مما يمكن أن يدفعها هذا الواقع الى أعلان حالات التوقف عن الدفع وهذا يمكن ان يؤدي الى تدحرج خطير جدًا سينعكس حتمًا على مجمل الاسواق العالمية مع إمكانية بروز حالات إفلاس بالجملة لمراكز مالية مهمة، ويزيد من هذه المخاطر تزايد الدين العام الأميركي الذي تجاوز 33 تريليون دولار أي ما يوازي حوالي 150 بالمئة من الناتج القومي الأميركي وهي نسبة قياسية لم تصل اليها الولايات المتحدة الاميركية سابقًا، فماذا تخبئ لنا نهاية العام 2022.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى