إقتصادطاقة و بيئة

النفط والغاز في لبنان: الحل أو سبب المشكلة؟ (2) متى وبأي ثمن؟ كتب فادي أنطون

للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا

في موضوع النفط والغاز في لبنان، تنتابنا هواجس عديدة، تتمحور حول السؤالين اللذين طرحناهما في العنوان، وذلك في ضوء موقع لبنان بين روسيا والغرب، حيث ان النقطة الاساسية هي حول الجهة التي ستغذي اوروبا بالغاز، نظراً لوجود مشروع خط نفطي بين لبنان وقطر والانبوب العام الذي يزود اوروبا بالغاز وبدء تركيا بتنفيذ مشاريع لإنتاج هذه المادة. وتقسيم النفوذ على انبوب الغاز العام اصبح نقطة محورية عالمية، بعد ان بات الغاز اهم من النفط. مع الاشارة الى انه، اوروبياً، كانت الورقة الاساسية في هذا المجال بيد روسيا، بدليل التنازع حول اوكرانيا وارمينيا واذربيجان. من هنا يبدو التركيز على منطقتنا واقعياً.

السؤال الأول: زيارة جديدة لمقال النفط والغاز في لبنان : متى وبأي ثمن؟ كان موضوع المقال الذي نشرته عام 2018 واعيد نشره في موقع الملف الاستراتيجي عامي 2019 و2020، حيث نؤكد مجددًا على مضمونه وعلى الخلاصة التي توصلنا اليها في متنه، سيما وان صحة معطياته قد اثبتتها الاحداث المتتالية من عام 2018 الى نهاية عام 2020 .

اما السؤال الثاني: متى وبأي ثمن؟ فهو ما سنتداوله في المقال الحاضر.

1-متى؟
بتاريخ كتابة هذا المقال، احداث داخلية واقليمية ودولية متسارعة تحصل في الفترة الاخيرة، منها على سبيل المثال لا الحصر:

1-انفجار مرفأ بيروت بتاريخ 4/8/2020، وما يرافقه من تساؤلات حول طريقة وصول شحنة الامونيوم الى بيروت، غرق باخرة الامونيوم، عدم تحديد وتبني مسؤولية الانفجار، التهديد من قبل الكيان الصهيوني بوجود بؤر قابلة للتفجير في مواقع اخرى … ألخ.، وهي عوامل تصب جميعها في اتجاه الضغط الامني على لبنان من قبل جهات دولية أو منظمة مدعومة دولياً، وفقاً لمخطط قديم وطويل الاجل، بهدف وضع لبنان بموقع ضعيف في المفاوضات المتعلقة بالنفط والغاز، كما في أي موضوع استثماري آخر.

2-زيارات الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون، والدعم الدبلوماسي والاميركي لترسيم الحدود مع اسرائيل، والتي يمكن ادراجها في خانة الاهتمام الدولي من الدول العظمى لبداية الاستثمار في قطاع النفط والغاز في لبنان، وذلك دون معارضة الدول الاقليمية المؤثرة في الساحة اللبنانية.
ان ما اردفناه في هذا البند يتعارض مع واقعة انسحاب الشركة الفرنسية توتال التي تولت الحفر والاستكشاف في Block 4 بحجة ان الكميات فيه ليست تجارية. وباعتقادنا ان الكميات اكثر من تجارية وانسحاب الشركات وعدم استكمال الحفر سوف يحتم القيام بجهود كبيرة من قبل لبنان لاستعادة الشركات المنقبة ومن بعدها المستخرجة، باعتبار انها من العوامل الاساسية لبداية الانتاج.
ومن سبيل “اللاصدفة” وجود تطابق بين انسحاب منصة التنقيب في Block 4 من قبل شركة توتال في العام 2020 وانسحاب منصة التنقيب من غزة في عهد الرئيسين بيل كلينتون وياسر عرفات، والذي شكل بداية مشروع مشترك بين فلسطين واسرائيل من غزة القسم البحري، في اطار مشاريع السلم بين البلدين، مع اعتقادنا كذلك أن الكمية في غزة كما في Block 4 في لبنان هي تجارية.

3-عدم الانتاج وأو الضرر من جراء ذلك. فنحن في مرحلة متأخرة جداً بالنسبة لجميع الدول المجاورة في الشرق الاوسط، اذ ما زلنا في مرحلة الاستكشاف العملي لمعرفة ما اذا كانت كميات النفط والغاز في لبنان تجارية أو لا. واذا قطعنا هذه المرحلة، والأمل ان نقطعها، سوف تبدأ دراسة مشاريع الاستخراج (Feed Projects) لامكانية الحصول على الاستثمارات اللازمة، وبالتالي الوصول الى مرحلة بداية العروض مع الشركات الكبرى المتعهدة لمشاريع تنفيذ التصنيع والتركيب (Executive Projects).

4-امكانية اشتراك لبنان في الانبوب البحري الشرق أوسطي – أوروبا مع الكابل البحري الجديد. للاسف، وبأحسن الاحوال، لبنان سوف يكون مشتركاً وليس مؤسساً بهذا المشروع الحيوي، فمن بين المؤسسين: مصر، اليونان، قبرص واسرائيل. ومع الاشتراك في الانبوب البحري واذا السيل قليل في أي مشروع تخف كلفة التصدير ويكون المشروع تجاري ويصبح معه تصدير النفط أو الغاز ممكناً ومربحاً.

5-الضغط الاقتصادي على تركيا، الذي ادى الى تراجع الليرة التركية مقابل الدولار الاميركي، ذلك ان البنوك كانت تمول مشاريع النفط والغاز بالعملة الوطنية ما ادى الى توقف بعضها وتأخرها عن الانتاج.

في ختام البحث حول السؤال “متى؟”، لا بد من ادراج الملاحظة التالية: ان مرحلة بداية تنفيذ المشاريع لا تقل صعوبة عن المرحلة الحالية، الاستكشاف والعقود، لسبب عدم جهوزية البنى التحتية في لبنان للمشاريع الكبرى وعدم جهوزيتها هو اما “غفلة عمياء” من المسؤولين اللبنانيين أو “تجاهل” من قبلهم لمصالح شخصية ضيقة، مع العلم بأن اكثر السياسيين اللبنانيين أو مستشاريهم أو اقاربهم هم رجال اعمال ومشاركين في شركات نفط وغاز دولية.

2-بأي ثمن؟
نأمل بداية وقبل الغوص في الاجابة عدم صحة ما سندلي به، مع اعتبارنا وللأسف ان الامر واقعي ومقدّر.
الثمن هو الارض المحروقة أو “الجحيم” بحسب ما جرى تداوله نقلاً عن رؤسائنا ومسؤولينا. الامر الذي مفاده ان الخلاص من هذا الواقع هو في يد فريق آخر، سيما في ظل العقوبات والطروحات الاقتصادية والامنية الحاصلة.
في هذا الاطار نطرح سؤالاً اضافياً: هل لبنان على شفير الهاوية؟
ولما كنا نلاحظ اننا قد وصلنا الى الهاوية، نسأل ايضاً لما التوقف الآن؟
اننا كفريق ثانٍ، في هذه الاوضاع، سوف نوافق على أي عرض والمفاوضات ستكون سهلة للفريق الاول.
فالوقت مثل المبرد يعمل حفراً في نفس اللبناني، سواء اكان من القادة والرؤساء او من المواطنين العاديين والطبقة العاملة، حيث تضعه الضغوط الكبيرة المحيطة به كما لو كان في “لعبة الكباش”.
يبقى الامل للطبقة العاملة والاختصاصيين والمثقفين من الاستفادة من الفتات الذي يقع من طاولة الاسياد، لأن المائدة ليست محضرة للصغار بحسب المقال الذي نشر في هذاالموقع عام 2018 والذي سبقت الاشارة اليه.

اخيراً وليس آخراً، وبالعودة الى الزيارة الاولى للرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون بعد انفجار مرفأ بيروت، وفي حال جرى ادراجها في خانة عاطفة الرئيس ماكرون للبنان التي هي عاطفة الام لأبنائها وبديهية بين تاريخ فرنسا ولبنان، فالزيارة الثانية التي حصلت في ذكرى مئوية اعلان دولة لبنان الكبير تحمل الكثير من المعاني المرتبطة بموضوع النفط والغاز، اكثر من ارتباطها باحترام السيدة فيروز وأو زيارة ارز لبنان (مع احترامنا لشخص الرئيس ماكرون والسيدة فيروز وأرز بلدنا):
– 100 عام هي نهاية الاستعمار في المنطقة، مع عدم انتهاء إهتمام الدول العظمى في موارد الشرق الاوسط، افريقيا، آسيا …، ومنها لبنان.
– 100 عام هي نهاية الدولة العثمانية على يد الحلفاء، مع عدم انتهاء التناحر على التأثير في الشرق الاوسط من قبل الطرفين.
– 100 عام هي نهاية المعاهدة السرية بين الدولة العثمانية والانجليز بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى لعدم السماح لتركيا باستخراج النفط وتقوية او خلق دول الخليج مع استثمار نفطهم.
– 100 عام هي حقبة تاريخ يعيد نفسه مع الاحفاد.

والسؤال الجديد الذي يطرح: مع بداية استخراج النفط، الذي برأينا هو واقع مع دفع الثمن مسبقاً ومع انتظار الوقت، متى سيبدأ الشعب اللبناني “العادي” بالاستفادة من انتاج النفط او الغاز في بلده؟ أو بالعامية متى سيبدأ “بلحس اصبعه”؟
لن نذهب في التحليل الآن، ولكن ما نراه اليوم من الازمة الاقتصادية التي حصدت الطبقة العاملة Working Class والطبقة الوسطى Middle Class انها أرجعتنا أيضاً 100 عام الى الوراء مع بروز نظام الاقطاعية مقابل العامة او الفقراء.
ومع غياب الطبقة الوسطى والعاملة، يكون لبنان متأخر جداً في التجهيز للبنى التحتية لأن “الاقطاعيين” سوف يشاركون في شركات الـ Offshore المرتبطة بالدول العظمى وشركاتها، واستثماراتهم في الشرق الاوسط او الخليج، اما “العامة أو الفقراء” فسيكون لهم دور اليد العاملة وغير المتخصصة في بعض الاحيان.
وعليه، ألم يحن الوقت للاستيقاظ والجري اليوم قبل الغد، لعدم تضييع الفرص التي قد تكون متاحة في المرحلة القادمة، والبدء بالانتاج اللبناني في حقل النفط أو الغاز؟

فادي ج. انطون، مهندس نفطي خبير بالمنصّات

حاصل على ماجستير في الهندسة المدنية من الجامعة اللبنانية (١٩٩٧) وشهادة إدارة أعمال من جامعة ليفربول (٢٠١٢). مطور عقاري في لبنان وخبير بتصنيع منصات بترولية مع خبرة تفوق ٢٠ سنة. يعمل حاليا مدير موقع تصنيع المنصات البترولية لشركة سايبم الإيطالية. عمل سابقاً لمدة ١٤ عام في (فرنسا، تشاد، روسيا، أنغولا، المملكة العربية السعودية). ومع شركات أخرى كخبير إدارة مشاريع نفط (نيجيريا ورومانيا). خبير في تطوير مواقع الإنتاج للمنصات البترولية، تنظيم ووضع التصاميم والخطط لتوظيف وتطوير الكوادر البشرية العاملة في مواقع إنتاج المنصات البترولية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى