يُعرف الانهيار الاقتصادي بأنه حدث غير عادي وقد لا يكون بالضرورة جزءًا من الدورة الاقتصادية القياسية، بل يمكن أن يحدث في أي مرحلة من الدورة، مما يؤدي إلى مراحل الانكماش والركود، حيث يمر الاقتصاد في حالة ضائقة لفترة طويلة، يمكن أن تمتد من بضع سنوات إلى عدة عقود. وخلال فترات الانهيار الاقتصادي، يتسم البلد بالفوضى الاجتماعية، والاضطرابات، والإفلاس، وانخفاض حجم التجارة، وتقلب العملة، وانهيار القانون والنظام.
ومن الأسباب الاقتصادية للانهيار الاقتصادي التضخم المفرط الذي يحدث عندما تسمح الحكومة للضغوط التضخمية بالتراكم في الاقتصاد عن طريق طباعة النقود بشكل كبير، مما يؤدي إلى ارتفاع تدريجي في أسعار السلع والخدمات، عندها تفقد الحكومة السيطرة على زيادات الأسعار بشكل متسارع. ومن أسبابه، التضخم المصحوب بالركود أي الحالة التي ينمو فيها الاقتصاد بمعدل بطيء بينما ترفع مستويات البطالة خلاله إلى مستويات عالية بشكل غير طبيعي.
ومن السيناريوهات التي تحدد وتميز الانهيار الاقتصادي هو ارتفاع أسعار الفائدة حيث تصل أسعار الفائدة إلى ذروتها عند مستويات عالية بشكل غير طبيعي. ومن مظاهرها ايضاً أن عجز الحكومة عن سداد التزامات ديونها عند استحقاقها، وارتفاع مخاطر التخلف عن سداد التزامات ديونها الحالية والإفلاس. أضف الى ذلك وجود أزمة العملة المحلية وتعدد أسعار الصرف.
إن ما تقدم هو بعض من الأدبيات الاقتصادية التي تنطبق جميعها على الاقتصاد اللبناني ولكن الاقتصاد اللبناني يتفوق ويمتلك مميزات سلبية إضافية. وتتمثل تلك المميزات في المظاهر غير المسبوقة والتي لم يشهد الوطن مثيلها حتى خلال الحرب الأهلية، ومنها السرقة المرتفعة والجرائم المتزايدة، وفقدان السلع الاستهلاكية والبضائع، وتخزين وتهريب المحروقات والأدوية، أضف اليها حرمان المواطن من أبسط مقومات الحياة كالكهرباء الدائمة، والمياه الصالحة، والمستشفيات القادرة على استقبال المرضى واحتمال توقفها، وتعثر المؤسسات التربوية، وتعطل الانترنت، والى ما هنالك من مصائب يومية ومستجدة.
وهنا يُطرح التساؤل: هل هي الدولة والمسؤولون هم مسؤولين عما يحدث، أم ان المواطن الخائف والمذعور من المستقبل القاتم هو المسؤول من خلال التهافت على السلع، أم مافيا التجار والمهربين هم المسؤولين، أم المستوردين وتجار الدولار في السوق السوداء، أم المصارف، أم مصرف لبنان ببعض سياساته غير الواضحة والضبابية أحياناً؟ أم جميع هؤلاء؟
منذ فترة ليست وجيزة، بدأ الخوف يتشكل ويتزايد من أن المسؤولين السياسيين والحكومة ومتخذي القرار هم من يدفعون بالأمور الى هذا الحد وذلك للمسوغات والمبررات التالية؛ أولها، صرف الناس عن مطالب الثورة وإشغالهم بأبسط الأمور الحياتية من خلال تجنيد بعض الأزلام الذين يغطونهم خدمة لأهداف مستقبلية. وثانيها – وهنا يكمن التخوف الأكبر والأخطر مما يحصل بأنه قد يكون متعمداً – الدفع باتجاه تحول جزئي أو كلي في النموذج الاقتصادي اللبناني؛ أي من النموذج الاقتصادي الحر، وهو النموذج الذي عرفه لبنان خلال 100 عام، الى الاقتصاد الموجه أو شبه الموجه.
فهذا الانهيار الاقتصادي والاجتماعي والتربوي والأخلاقي المقصود والممنهج، والذي أصبح واضحاً أكثر من ذي قبل، والذي بدأت تتولد لدينا قناعة شبه راسخة بأنه مقصود وموجه الى حدٍ بعيد، قد يقود الشعب والوطن الى شكل آخر من أشكال الاقتصادات. ومن أبرز مظاهر الممارسات المستجدة والتي يتم الدفع باتجاهها، والتي من شأنها أن تعزز من شكل النموذج الجديد: البطاقة التموينية أو التمويلية، كوبون المحروقات، سلة السلع الغذائية المحددة المدعومة، أسعار صرف متعددة وموازية للسعر الرسمي، القدرة المحدودة في السحب من المصارف، تقنين التداول بالعملات الصعبة ولا سيما الدولار الأمريكي وغيرها.
فهل الانهيار الاقتصادي في وطننا هو انهيار مقصود وموجه الغرض منه التحول في طبيعة الاقتصاد القائم حالياً بغرض الوصول الى اقتصاد موجه؟ هل ما يحصل هو لدفع المواطن الى القبول بأمر الواقع والرضى بالحد الأدنى من الحياة الكريمة بغض النظر عن شكل الحكومة أو النظام الاقتصادي؟ هل هناك اتفاقاً اقليمياً ودولياً لتطويع الاقتصاد اللبناني الحر والمنفتح، وترويض الشعب اللبناني- وهو الاقتصادي الحر والمبدع- ليصبح على مثال بعض شعوب الأنظمة البائدة في العالم؟
أسئلة مشروعة ولكن مخيفة في الوقت عينه…فهل لنا أن ننسى تاريخنا الاقتصادي ونفقد هويتنا الاقتصادية؟