إقتصاداجتماع

كما في الشركات كذلك في الدول: مصطلح الاستراتيجية ما بين الواقع والخرافة

هذا المقال موجه لعالم الشركات، لكنه مفيد أيضاً لصنّاع السياسة

عن هارفارد بيزنس ريفيو
منذ أن باتت مواقع التواصل الاجتماعي جزءا لا ينفصل عن حياتنا، ونحن نتعرض يوميا لمئات الأكاذيب والخرافات، وإن كان بعضها يسهل كشف حقيقته، إلا أن هناك أكاذيب كبرى يختلقها أصحاب الدعايا السياسية والتي تعتبر في حقيقتها بمثابة نوع من الخرافات الأسطورية قادرة على إحداث تأثيرات بعيدة المدى، والتي تستند في الأساس إلى مبدأ التشكيك وخلق حالة من التضارب الفكري لدى الجمهور، الأمر الذي ربما يحتاج إلى جهد كبير كي يمكن مقاومته والتغلب عليه.
ويلجأ صانعو الخرافات ومروجو الشائعات إلى استخدام بعض الحيل الماكرة والأساليب الإقناعية من أجل حمل الناس على تبني أفكار خاطئة، والتي قد يترتب عليها أفعال لا يحمد عقباها، فبمجرد سقوط شخص ما في فخ الأكاذيب، فإنه قد لايتمكن بعد ذلك من إنقاذ ما يمكن إنقاذه.
ومن أكثر المصطلحات التي قد يشوبها بعض الأفكار الخاطئة والخرافات، مصطلح (التفكير الاستراتيجي) والذي قد ينخدع الكثيرون بمظهره الجذاب، إلا أن حقيقته قد تنطوي على العديد من أوجه الزيف، وسوف نستعرض سويا من خلال هذا المقال أبرز الشائعات التي يتم ترويجها حول مصطلح (الاستراتيجية) وبخاصة في عالم المال والأعمال.
1- الاستراتيجية هي التخطيط على المدى البعيد
قد يبدو هذا الأمر معقولا في بعض الأحيان بالنظر إلى تمسك بعض أصحاب الشركات والصناعات بالمبادئ والأسس التنافسية التقليدية وعدم تأثرهم وخضوعهم لتقلبات الأمور، ولكن يبقى التحدي الأكبر في حال حدوث تغييرات استراتيجية هامة، حيث يقتضي الأمر في تلك الحالة ضرورة مواكبة الوضع الراهن وإجراء بعض التغييرات السريعة داخل المؤسسة.
وعليه فإن التمسك بالاعتقاد القائل بأن تبني استراتيجية موحدة طويلة الأمد هو الطريقة المثلى في إدارة المشروعات، قد يجعل أصحاب الأعمال لا يلتفتون إلى بعض الأسس التي تحتاجها الصناعات والشركات، مثل كيفية تحقيق مقاييس الجودة والتحكم في تكاليف تقديم الخدمات ومواكبة المعايير التنافسية في الأسواق، فالعبرة ليست بطول الأجل ولكن بالتخطيط العميق وإصابة الهدف، فالتخطيط الاستراتيجي في حقيقته ليس مجرد التفكير في المستقبل، بل الإدارة الناجحة للحاضر من أجل صناعة مستقبل أفضل.
2- تغيير الخطط الاستراتيجية هو ضرورة حتمية تفرضها التغيرات الخارجية
تحرص كبرى المنصات الاجتماعية مثل أمازون وجوجل وفيسبوك على تقديم كل ما هو جديد دائما إلى جمهور المستخدمين، حيث تعمد سنويا إلى تخصيص جزء من رأس المال الخاص بها واستثماره لصالح تقديم المنتجات الحصرية والمبتكرة، ولكن الابتكار في حد ذاته قد يكون مرهونا بتغير الظروف الخارجية، الأمر الذي قد يدفع بعض المؤسسات الكبرى نحو محاولة تحقيق التوازن بين الالتزام بالاستراتيجية الموضوعة بالفعل وحتمية إجراء بعض التغييرات.
والجدير بالذكر أن المنتجات المبتكرة التي تقدمها الشركات الكبرى تعتبر في جوهرها تطبيقا ضمنيا لمبدأ (الاستراتيجية الثابتة) والذي بدا مألوفا في عالم المال والأعمال منذ ستينات القرن المنصرم، وهذا ما أكده بروس هيندرسون مؤسس شركة BCG العالمية للإدارة والاستشارت حينما لاحظ أن التكاليف يمكن أن تنخفض بنسب متوقعة في حال مضاعفة الحجم التراكمي للإنتاج، حيث لابد في تلك الحالة من التسعير بشكل استباقي تحسبا لانخفاض التكاليف، فيما يعرف باستراتيجية (خفض التكاليف وزيادة القدرة الاستيعابية).
وتلتزم المنصات الكبرى بتطبيق تلك الاستراتيجية البائدة ولكن تحت مظلة بعض المفاهيم المستحدثة كالنمو الجامح أو التدرج نحو حرب خاطفة وغيرها والتي تقوم على الأساس على مبدأ الحشد والتنافس من أجل زيادة القاعدة الشعبية للشركة.
3- انتهاء عصر الميزة التنافسية
على الرغم من انتشار التقارير التي تتحدث عن انقضاء عهد المميزات التنافسية للشركات، إلا أنه بالنسبة لبعض المؤسسات التقنية الكبرى مثل أمازون وألفابت وفيسبوك فإنه يصعب التسليم بفكرة القضاء على مميزاتهم وقدراتهم التنافسية، هذا في الوقت الذي ظهرت فيه بعض وجهات النظر التي ترجح إمكانية فرض بعض القيود التي قد تحد من هيمنة الشركات الكبرى، ولكن ما لا يمكن تصوره حقيقة هو أن سلطة السوق وحدها هي القادرة على كبح الجماح والحد من نفوذ بعض الشركات.
وعليه فإن العبرة ليست بقدرة الشركة على صناعة ميزة تنافسية خاصة بها فحسب، بل إن القوة الحقيقة للمؤسسة الناجحة تتمثل في قدرتها على خلق العديد من المميزات التنافسية الخاصة بها والتي تضمن احتفاظها بمكانتها وريادتها في الأسواق.
4- التحلي بالمهارة والذكاء وحده يكفي ولا داعي لوجود أية استراتيجية
ربما يتحقق النجاح بناء على تحلي الشركة بالذكاء في التعامل مع كافة الظروف وقدرتها على إدراة المواقف المختلفة وبخاصة بالنسبة للشركات الناشئة والتي قد تفتقر إلى وجود استراتيجية وخطط مستقبلية مدروسة.
ولكن هذا لا ينفي ضرورة أن تعمد تلك الشركات إلى التخطيط الجيد سواء على المدى البعيد أو القريب مع الأخذ في الاعتبار كافة الظروف الحالية ووضع بعض التصورات المستقبلية.
والجدير بالذكر أنه لا يمكن النظر إلى الاستراتيجية باعتبارها مجرد خطة بل هي إطار عام لصناعة القرارت وحزمة من المبادئ والخطوط العريضة التي يتم الاستعانة بها وفقا لما تقتضيه الظروف، وبالتالي فإن قدرة الشركة على صناعة سياساتها الخاصة هي الضمان الأساسي لاستمراريتها.
5- الاستراتيجية الرقمية هي الحل
من البديهي أن يكون تطبيق التقنيات الحديثة تماشيا مع العصر الحالي هو أولى خطوات النجاح، ولكن يجب أن يدرك أصحاب الشركات جيدا بأنه لابد من تبني استراتيجية عامة تساعد على تطوير وتحسين مستوى الأداء بوجه عام وليس مجرد التركيز فقط على وجود التقنيات الحديثة داخل الأقسام المختلفة بالمؤسسة كقطاع الموارد البشرية والقسم المالي وغيره، وبالتالي فإن التميز يأتي من آلية توظيف التكنولوجيا الرقمية والاستفادة منها داخل المؤسسة وليس مجرد توفيرها فحسب.
وختاما فإنه يمكن القول بأن النجاح الحقيقي يكمن في قدرة المؤسسة على الصمود في وجه الأحداث والتكيف مع الظروف المختلفة، إلى جانب إمكانية التنبؤ بالمتغيرات المستقبلية، فمصطلح الاستراتيجية يشير في حقيقته إلى القدرة على اتخاذ القرارت الفاصلة في شتى المواقف، الأمر الذي يضمن لأي مؤسسة الحفاظ على مكانتها وسمعتها بين العملاء .
رابط المقال الأصلي: اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى