الكتابة هي التعبير عن الأنا حتى وإن كتبت في العلوم الطبيعية ،والكتابة تفريغ لاحاسيس ومشاعر وأفكار ليعرفها الاخر الذي يتقبلها بعين محب ،أو لا يتقبلها بعيون تنفر من أولِ حرفٍ يتطلعُ إليهِ ،لأننا تعودنا أنْ ننظرَ إلى “مَنْ قال لا إلى ما قيل “ونبحث عن إسم الكاتب قبل أنْ نَنْظُرَ إلى النص المكتوب ،ونبحث عن إتجاهه الفكري والسياسي وإنتماءاته لأننا نعيش التصنيف وغارقين في القولبة .
وربما إزدادت حدة هذا الأمر وظهرت انعكاساته بعد سقوط الديكتاتورية والانفتاح ومساحة الحرية التي توفرت لنا بعد 2003.
وبهذا العصر (الانترنيتي ) وفورته في عالم التواصل الاجتماعي ورغم هذا التقارب في العالم الافتراضي إلا أننا نحاول الإختباءَ خلفَ المفرداتِ لكي يتعرفوا على كلامِنا وجُملِنا التي نُحاول أنْ نُنَسِقَ فيما بينها لتجعل مظهرنا (الكتابي) ملائماً للآخر ،كما هو الحال حينما نتأنق في ملبسنا ليرانا الاخرون ويرمقونا بنظرات الاعجاب التي تخترقنا وتحيطنا حتى مغادرتنا لهم .
وربما نكشف هويتنا أو نبقى متخفين بعدها لتبقى مقبوليتنا كتابياً !.
والكتابة هي رسالتنا للاخر ليتقبلنا ونتواصل معه فكريا وثقافيا ً أو نبحث عن مساحاتٍ مشتركةٍ للقاء وإنْ كانَ في العالم الافتراضي.
ولكن هل نفقد مصداقيتنا بهذه الطريقة؟
فكما قيل في المثل الشعبي “كل ماتشتهي والبس كما يريد الناس” فهل نكتب كما يريد الناس ؟ أمْ نثبتَ ما نعتقدهُ مِنْ خلالِ الكتابةِ ِالصادقةِ أو الصريحة مهما كانت النتائج.
عالمنا الانترنيتي يساعدُنا على الأختباء ونعبرُ عن دواخلنا بأسماءٍ مستعارةٍ ،وربما يرى بعضُنا ذلك متنفساً وتفريغاً لحالةِ الغليانِ التي يعيشها إتجاه واقع معين ، فيبدأ بتفريغ فورة غضبه بمفردات تبعث في نفسه شعوراً بالرضا !.
وشخصيتنا العراقية تميل الى الثورة والانفعال حتى في الكتابة وكأني أرى بعض الناسِ يُحرِقُ سيجارتَه الواحدةَ تلوَ الاخرى قبل أنْ يُشرعَ في الكتابةِ ،أو التعقيب على موضوعٍ ما ،لأنها أججت مشاعره فانتابته موجة الغضب ،فيسرع الى الرد خوفاً من أن يهدأ بعدها .
ونسمعُ صوتَ لمساتِ أصابعه على الحروف المطبوعة على جهاز الايباد او هاتفهِ المحمول جراء إنفعاله !.ويحمد الله بعدها أن الكاتب أو المتحدث في الموضوع المخالف لم يكنْ أمامَهُ !!.
ولكن الكتابة يجب أن تكون ثوبُنا الجميلُ الذي نريدهُ أنْ يكونَ ناصعَ البياضِ مكوياً بطريقةٍ إحترافيةٍ متناسباً مع طول الذراع وقصره ،ثوباً يسرُ الناظرين .
لانريد لكتابتنا أن يشوبها الايذاء أو فيها ما يخدش الآخر ،ليس هذا من باب الضعف أو المهادنة وإنما إيماناً بعرض الفكرة فإن لقت مكاناً في فكرِ و عقلِ الآخرِ نبدأُ الحوارَ عندها للوصول الى الحقيقة فهي “بنت الحوار” على حد تعبير السيد فضل الله (رحمه الله) التي رددها كثيراً .
فالكتابة مرآةٌ للاخلاق ،و”كل إناءٍ بالذي فيه ينضح” سواءً كتبنا بأسماءنا الصريحة أم بغيرها .
فالمهم عندي هو جمالية الروح التي تُظهرها الحروف المكتوبة ،وتريحني تلك الجمل التي تنم عن أدب المخالفة وروح الاختلاف للوصول إلى الحقيقة كهدف ، لامن أجل الانتصار وتسجيل نقاط بروح الخصومة .
فنحن نكتب لنتواصل لنتحاور لا لنتقاطع ونستخدم تقنيات العصر في مراسلتنا من أجل أن نكون أكثر إنسجاماً وأكثر قرباً فالفكرة التي لدي تبقى بلا روح مالم يتنفسها الاخر بشهيق عميق ثم تتغلغل فيه وتمتزج في وجدانه .
عندها لاتموت الأفكار أو تتجمد عندي أو عند غيري .
عندها تكون الافكار للاحياء لا للقتل ،وهي تحي أُناساً بدلاًمن أن تُميتهم !.
وتكون الكلمة وقايةً وعلاجاً ولا أُريدُ أنْ أستخدمَ مقولة “الكلمة سلاح” رغم أنها صحيحة !.