اجتماع

أزمة القراءة في بلادنا – من المسؤول ؟ الكاتب أم القارئ أم الزمن ؟ ما هو دور الكاتب ؟ | البروفسور نزار دندش

العلاقةُ بين الكاتبِ والقارئ أوسعُ من أَنْ يُعَبَّرَ عنها بكلماتٍ وأعمقُ من أن نلخِّصَها بوُجهاتِ نظرٍ مُعلَّبةٍ ، أو أَنْ نُحيطَ بها بجملةِ خواطر أو مقولات ، نجمعها من هنا وهناك لنستشهدَ بها ونُسقطها على القارئ كما لو أنها أحكامٌ مُبرَمَةٌ تصِحُّ في كلِّ زمانٍ ومكان ، ننحني أمامها ونلتزمُ بها ، ثم نحاول في بعض الأحيانِ فرضَها على قُرّاءٍ ينتمون إلى جيلٍ جديد ؛ فمن الخطأ أن نُلْزِمَ الأجيالَ الجديدةَ الصاعدة بمفاهيم من سبقها ، أو بمفاهيم أجيالٍ قديمةٍ غابرة لم يعد يربطنا بها إلا وفاؤنا لإرثنا الثقافي الذي نرفضُ أن نَضُخَّ فيه أفكاراً عصريةً جديدة .
من جهتي ، أرى أن من حقِّ الجيل الجديد الذي يسمّونه جيل الانترنت أن يقرأ ما يستهويه وليس فقط ما يقرِّرُهُ له الكتَّابُ المخضرمون ، والمدراء المُكَلَّفون ، فمن واجب الكاتب أن يكون مُتفهِّماً ومتواضعاً ، يتحدَّثُ بلغةِ القارئ أيضاً لا بلغته وحدها .
وأرى أن للقارئ على الكاتب حقًّا مقدّساً يتمثَّلُ في الحصولِ على كمٍّ من المعرفة وكمٍّ من الطاقة الإيجابية بعد قراءة كلِّ مُؤلَّف. فكلُّ كتابٍ لا يُغني القارئ ولا يُضيفُ الى معارفه شيئاً ، ليس كتاباً بل بضاعةٌ مُزوَّرة .
الكاتبُ الجيِّدُ كما الطبيب الجيد الذي يُتابعُ تأثيرَ علاجه على المريض الذي يُعالجه ، وكالأم المُرْضِعَةِ التي قد تُغيّر حليبها إذا ما أَثَّرَ سلباً على الطفلِ الذي تُرْضِعُه .
من حقِّ القارئ على الكاتِبِ أن يُعطيَهُ فسحةً للإبتسامةِ والضحك حتى حين يكون المكتوبُ بحثاً جامِداً ؛ ومن حقه ان يكتسِبَ معرفةً معاصرةً حتى ولو كان المؤَلَّفُ روايةً تاريخيةً ، أو دراسةً تستذكِرُ حَدَثاً موغِلاً في القِدَم .
وأرى الكتابَ وَجبةً لتغذية الفكر وبثِّ النَّبْضِ في المشاعِرِ والأخلاق . وكما هو مَطلوبٌ من وجبةِ الغذاء أن تكون غنيَّةً بأنواعِ الفيتاميناتِ والعناصرِ المُغَذِّية ، مطلوبٌ من الكتاب ان يكون غنياً بعناصرِ المعرفة . لذلك أراني لا أميل الى الكتابات التي تكتفي بدغدغةِ العواطف حتى في شعر الغزل .
وارى الكتابةَ فنًّا ، بعضُهُ تجريديٌّ له هُواتُهُ ، وبعضُهُ واضحٌ مُبسَّطٌ أو بسيط . وكلُّنا يعرف أن من الفنِّ ما هو ملتزمٌ بقضايا الناس ومنه ما هو مُتفلِّتٌ لا يبحثُ إلا عن المال والشهرة … وعلى القارئ ان يجري جردة حسابٍ بعد قراءةِ كلِّ مُؤلَّف .
وأرى الكتابة رسالةً ، فالذي أُعطيَ موهبة الكتابة يجب ان يتحلّى بفضيلةِ العطاء . وأرى من واجب كل كاتب ان يشعرَ وكأنَّهُ مسؤولٌ عن صناعة المعرفة وعن تقديمها في صِيَغٍ مختلفة .
وأرى الكتابةَ وسيلةً للتعاطي ولُغةً من أرقى لغاتِ البشر ، هي لغة التخاطب عن بعد التي تفهمها نُخبٌ مميزة من بني البشر . ولَكَمْ تخيّلتُ ردّاتِ فعلِ قرّاء مؤلفاتي قبلَ ان تصلَهم هذه المؤلفات .
يُحِبُّ الكاتبُ القارئَ الذي يفهمه ، والقارئَ القادر على تأويلِ المكتوب وإعادة صياغته في أفكارٍ متنوّعة . ويحب القارئُ الكاتبَ الذي يجيبُ عن أسئلتِهِ التي لا تُطرح ، ويملأ فراغاته التي لا يدري بها أحد ، والكاتب الذي يُشعِرُهُ بأنه ينطقُ بما يجولُ في خاطره دون أن يدري به أحد .
ولو سُئلتُ عن كتاباتي لقلتُ إن أهمَّ ما فيها أنها صادقة ، مع كفالة علمية مسؤولة عن دقَّتها . وأقول عن نفسي إنني جريءٌ أؤمن بحيويّةِ الفكر ، مُحِبٌّ لكلِّ الناس ، نصيرٌ للبيئة وكل المخلوقات … وكاتبٌ يحمل رسالة السلام .

البروفسور نزار دندش

ملخص السيرة الذاتية الدكتور نزار دندش هو - أستاذ جامعي ( بروفسور ) في كلية العلوم - الجامعة اللبنانية . درّس مواداً علمية ( في الفيزياء ، الرياضيات ، علم الفلك وعلم البيئة ) في جامعات لبنانية واسترالية . له عشرات الابحاث العلمية المنشورة في مجلات علمية محكمة . وله عدة كتب جامعية في الفيزياء والبيئة . وشارك في مؤتمرات علمية عالمية عدة مرات . روائي أصدر ثلاث عشرة روايةً آخرها رواية بعنوان " كورونا بين انتفاضتين " ، وكان منسقاً للجنة الرواية في اتحاد الكتّاب اللبنانيين . - شاعر ، أصدر أربعة دواوين شعرية وشارك في عدة امسيات . - خبير بيئي ، أصدر عدة كتب في مجال البيئة منها : كتاب البيئة ( وهو عبارة عن موسوعة مصغّرة يمكن للطلاب والباحثين الاستعانة بها ) ، التلوث الكهرومغناطيسي وصحة الإنسان ، سموم في طعام الانسان ، سموم خفية في منازلنا ، وبيئة الأرض وبيئة السماء . - خبير تغذية ، كتب عن الغذاء الملوّث والغذاء السليم . - كاتب ، أصدر سبعةً وخمسين كتاباً في العلم والفكر العلمي والثقافة وفلسفة البيئة ... وعن الكائنات خارج كوكب الأرض . - له عشرات المقالات العلمية ، وعشرات المقابلات الإعلامية . - ناشط بيئي واجتماعي ، ترأس ويترأس عدة جمعيات ، منها رابطة الأساتذة الجامعيين لحماية البيئة ، الحركة الديمقراطية للثقافة والتنمية ، ورابطة الخريجين الأستراليين العرب . - ناشط في مجال الثقافة والشعر والأدب ، وهو رئيس منتدى ليل وحكي المعروف في لبنان . - أجريت معه عشرات المقابلات التلفزيونية والاذاعية والصحافية . - ناقد سياسي واجتماعي يُكرّس صفحته في الفيسبوك للنقد والإرشاد والتوعية يجيد الانكليزية والروسية والفرنسية الى جانب اللغة العربية

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى