لبنان في مواجهة جديدة ولكن….! | كتب محمود الحمصي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في ظل إنتكاس المفاوضات الايرانية السعودية، دخل لبنان اليوم في مواجهة مع المملكة العربية السعودية وسائر دول مجلس التعاون الخليجي، هذه المواجهة بدأت تتضح أشكالها بسحب السفراء والتي لن تنتهي في هذا الشكل بل سوف تتطور إلى أبعد من ذلك والتي قد تصل إلى حصار إقتصادي وإستبعاد العاملين اللبنانيين جزئيًا على الاقل والذي قد يترافق مع التوقف عن منح كافة تأشيرات السفر لتلك الدول.
كنت قد كتبت مقالًا منذ ثلاثة اسابيع بعنوان العلاقات اللبنانية السعودية من التأزم الى المجهول، لقد طرحت في هذا المقال العلاقات التاريخية بين لبنان والسعودية وسبل تعزيزها والتي بها مصلحة للبنان حيث إقترحت ضرورة إستدراك السياسيين اللبنانيين خطورة تأزم هذه العلاقات والخوف من وصولها الى مواجهة مع المملكة العربية السعودية.
سوف اوضح في هذا المقال الاسباب التي دفعتي الى إستنتاج هذا الانحدار في العلاقة التاريخية بين البلدين وتحولها إلى مواجهة مع كامل دول مجلس التعاون الخليجي والتي قد تؤدي الى إنعزال لبنان عن الحاضن العربي.
في البداية اود ان استذكر خطاب الامير فهد في زمن كان لبنان يعيش اشد ازمة في تاريخه: “لبنان مهم بالنسبة للمملكة، ومهم بالنسبة الى سيادتها العربية، ومهم بالنسبة لسيادتها الدولية، لبنان نموذج وشهادة لمصلحة العرب، ويجب ان يتمسكوا بهذه الشهادة وان يحافظوا عليها”. من هنا يجب ان لا ننسى وقوف المملكة الدائم الى جانب لبنان وان نقف عند الجوانب الايجابية بالنسبة لعلاقة لبنان مع الدول العربية لان الدخول في مواجهة مع الدول العربية في هذا الوقت العصيب واي وقت كان، سوف يضر بمصالح الدولة اللبنانية والمواطنين اللبنانيين الذين يشكلون جزء من العصب والتاريخ الاقتصادي لهذه الدول.
بالنسبة الى الاسباب التي كانت وراء طرحي لموضوع دخول لبنان في مواجهة مع الدول العربية على راسها المملكة العربية السعودية هي اولًا ان الصراع اللبناني العربي لم يكن وليد اللحظة بل على العكس كان لنتيجة لتفارق المواقف اللبنانية والسعودية في العديد من القضايا المفصلية في المنطقة بمعنى ان القصة “مش قصة رمانة، القصة قصة قلوب مليانة”، بدايةً من الازمة السورية واخذ لبنان مسارًا منفردًا قائمًا على النأي بالنفس وعدم مقاطعة النظام السوري. في ذلك الوقت سعت جامعة الدول العربية الى تشكيل موقف عربي موحّد يأخذ بمساره المقاطعة الديبلوماسية الشاملة لسوريا، استمرت علاقة لبنان مع سوريا والتي اثارت امتعاض المملكة حين ذاك.
ثانيًا: هو قتال فصائل حزب الله الى جانب الدولة السورية والذي اشغل المناخ الطائفي داخل سوريا واحرق الاخضر واليابس واندرج ضمن فتنة طائفية في كامل المنطقة كانت القوى الدولية المختلفة مساهمًا بل طرفًا في هذا النزاع. وقد حمّلت السعودية حكومة لبنان حينها بالتراخي والتواطؤ مع حزب الله بالرغم من النأي بالنفس الرسمي وقد حاول لبنان حينها اقناع الدول العربية بعدم قدرته على فرض هيمنته على اي فصيل يقاتل الى جانب اي طرف وارتباط الفصيل بجوانب اقليمية.
ثالثًا ومع بدأ الحرب اليمنية السعودية، اتهمت السعودية لبنان حكومة وشعبًا بمحاربة السعودية عن طريق دعم الحوثيين ولم تفرق بين حزب الله والدولة اللبنانية فإستقالت حكومة الحريري وكادت الامور قد تتطور لازمة كبرى بين لبنان والسعودية لولا تدخل فرنسا وإعادة الامور الى نصابها.
رابعًا بعد تسلم العماد ميشال عون رئاسة الجمهورية وسيطرة تحالف الثامن من آذار على غالبية اعضاء البرلمان اللبناني، اخذت السعودية القرار”لبنان هي دولة مسيطر عليها من قبل حزب الله وعليه فإن لبنان هو عدو للسعودية” ولكن لم يأتي القرار بالمواجهة نتيجة العديد من الامور ابرزها طبيعة لبنان الطائفية والتوازنات الاقليمية ولكن اخذت السعودية قرارًا بوقف كامل لمشاريع الاستثمار والدعم داخل لبنان.
خامسًا ومع اعتبار السعودية ان المشكلة في لبنان هي حزب الله وقد وصفته بالمنظمة الارهابية التي تقاتل نيابة عن طهران وتغذي الصراعات في البحرين وتدعم المعارضين في السعودية وتؤسس لخلاية في الامارات في ظل صمت لبناني رسمي بالنسبة للمملكة، بدأت السعودية حلقة جديدة في التعامل مع لبنان بداية من ثورة السابع عشر من تشرين التي لعب اعلامها دورًا في اعتبار ان اللبنانيين ينتفضون في وجه حزب الله وتدخلاته في الدول العربية وصولًا الى انفجار المرفأ واتهام حزب الله بالمسؤولية ولكن لم يثمر اي موقف في تغيير سياسة حزب الله او لبنان ككل في المنطقة.
سادسًا والاهم كان لتصريح الوزير شربل وهبه على قناة الحرة بوصف العرب بالبدو تأثيرًا على طبيعة العلاقة العربية بلبنان سوءًا اعلاميًا او شعبيًا، فبدأت المنصات الاعلامية تضج بضرورة قطع العلاقات مع لبنان والمقاطعات الشعبية الكاملة واستبعاد العاملين اللبنانيين من داخل اراضي دول مجلس التعاون الخليجي، فقد غطت جميع هذه الوسائل المرئية ووسائل التواصل الاجتماعي هذا الحدث بنوع من الغضب واعتبار لبنان دولة ايرانية تكن العداء للعرب، فمن تصريحات اعلامية كويتية بضرورة ان ينسى لبنان ان احد من الدول العربية يساعده في ظل ازمته الاقتصادية حيث قالت حرفيًا لقد اعمرنا المرفأ فأحرقتوه. وسخرت بعض المحطات العربية من طلب لبنان للمساعدة من الدول العربية في حين ان لبنان يكن العداء لهذه الدول.
في هذا السياق لقد تناولت الوسائل الاعلامية العربية مجتمعةً ومعهم الجمهور العربي الناشط على مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة ان يعود لبنان الى حجمه الطبيعي وان لا يتجرأ بالتطاول على اسياده العرب ومع استقالة الوزير وهبه عاد النفس الى العلاقة اللبنانية العربية ولكن لم يخفف من الغضب او يهدئ النفوس المشحونة عربيًا سواءًا على الصعيد السياسي او الاعلامي والشعبي.
مع تسلم الحكومة الجديدة مهامها، اثار تصريح اعلامي قديم بعض الشيئ للوزير جورج قرداحي قبل تسلم مهام وزارة الاعلام ولا يعبرعن موقف لبناني رسمي إستياء بل طفح الكيل من لبنان وتفجير كامل للعلاقة اللبنانية العربية ومعها بدأ لبنان مواجهة مع الدول العربية لا احد يدري كيف ستمر وكيف ستنتهي، حيث وصف الوزير قرداحي الحرب السعودية على اليمن بالعبثية وأشار إلى مسؤولية كل من السعودية والإمارات في الإعتداء على اليمن.
سياسيًا هذه المواجهة هي ترجمة لفشل المفاوضات الايرانية السعودية التي بدأت تتّضح مع تقدم الحوثيين وفرض عقوبات على مؤسسات تابعة لحزب الله كان مؤخرًا مؤسسة القرض الحسن ومعها إتسعت رقعة المواجهة بين ايران والسعودية لتشمل لبنان ساحة جديدة ولو كانت المفاوضات الايرانية السعودية في طريقها للنجاح لمرّ تصريح الوزير الشخصي مرور الكرام.
تلك هي الاسباب التي دفعتني الى استنتاج هذه المواجهة، ومن هذه الاسباب دعوني اشرح لكم اننا في نقطة البداية والاتي أعظم وسوف يشهد لبنان المزيد من الاحداث الامنية والمزيد من الإنقسام وردات الفعل ربما قد تصل الى الاستغناء عن بعض العمال اللبنانيين ذات لون معين، والذي في حال تم او هددت الدول العربية به قد يقوم الوزير قرداحي من تلقاء نفسه بالاستقالة كي لا يأخذ على عاتقه السبب في دمار لعائلات لبنانية.
وتبقى فرنسا ومن خلال علاقاتها الديبلوماسية تعمل كالعادة على إطفاء النار التي تشتعل وتخمد بين لبنان والدول العربية ولكن….