أكراد سوريا : إنجازات وتهديدات | بقلم محمود الحمصي
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
ما زالت القضية الكردية عموماً محور صراع الدول الاقليمية والتوازنات الدولية الى هذا اليوم، لم يكن امتداد الاكراد وسيطرتهم على مناطق واسعة في سوريا، غالبيتها مناطق نفطية مؤثراً لحصولهم على اعتراف دولي بكيانهم المستقل والذي يبني عليه مستقبل الاكراد. ومع هزيمة (داعش) في سوريا، اعتقد الاكراد ان مشروع دولتهم اصبح جاهزاً للبناء خاصة مع القبول العربي والدعم الاميركي. ولكن هذا المشروع اصطدم بالتوافق الاقليمي المناهض لعزلة الاكراد. يظن الاكراد انهم الحليف الاستراتيجي للولايات المتحدة الاميركية كما تزعم الاخيرة وهم يراهنوا على هذا الحلف لتحقيق اهدافهم، وترى فيهم موسكو ورقة لتحجيم تركيا والمحافظة على موازين القوى داخل الشمال السوري، في حين تسعى طهران ودمشق لاعادة دمجهم في المجتمع السوري مقابل تنازل تركيا عن دعم مسلحي ادلب.
الصراع بين الاكراد والدولة السورية
عاش المجتمع الكردي في سوريا على مر الزمن صراعا ذاتيا حاملا معه القضية الكردية الجامعة وحرية تعلم اللغة الكردية في المدارس الرسمية اضافة الى الانتماء القومي الكردي حرية التمثيل السياسي وغيرها من المحظورات التي ابقيت قيد الكتمان الى حين انفجار الوضع في سوريا. يجمع الاكراد والدولة السورية صراع طويل وتوتر مزمن يعود الى احداث العام 2004 عندما شهدت مدينة القامشلي ذات الاغلبية الكردية انتفاضة شعبية ضد النظام السوري الحاكم مطالبين بالعدالة الاجتماعية والحرية وبلغت ذروتها عندما احرق المتظاهرون الكرد مقرات تابعة لحزب البحث السوري واسقطوا تمثال الرئيس الراحل حافظ الاسد، وقد سيطرت القوات الحكومية السورية حينذاك على الوضع الامني بكلفة باهظة من القتلى والمعتقلين. في منتصف العام 2005، شهدت ايضا مدينة القامشلي مظاهرات واعمال عنف بين المتظاهرين الكرد والقوات السورية النظامية احتجاجاً على اغتيال رجل دين كردي يدعى الشيخ خزنوي ويحظى بدعم وتاييد واسع داخل المدينة. وفي اذار من العام 2008، اندلعت اشتباكات بين الكرد وقوات الامن السورية في العيد القومي الكردي وقد ادت هذه الاشتباكات الى مقتل العديد من الاكراد. في العام 2011 ومع اندلاع الاحتجاجات السورية، انتفض اهالي مدينة القامشلي مطالبين باسقاط النظام السوري وقد سيطر المسلحون الاكراد على المناطق الكردية وسيطروا ايضا على مناطق اخرى بعد قتالهم لتنظيم الدولة الارهابي واسسوا مناطق حكم ذاتي خاضعة لسيطرتهم.
أكراد سوريا والخط الاحمر التركي
رسمت تركيا على مدار الحرب السورية خطا احمراّ يمنع تجاوزه سواءاً كردياً او اقليمياً، فقد عملت تركيا طوال الاعوام الفائتة لمنع التوسع الكردي داخل الاراضي السورية، وقد سعت من خلال عملياتها العسكرية الى الحد من السيطرة الكردية على الشمال السوري. نفذت تركيا ثلاثة عمليات عسكرية واسعة النطاق داخل الاراضي السورية كان اولها عام 2016. سيطرت تركيا من خلال تلك هذه العمليات على مساحات واسعة في الداخل السوري وبالرغم من توتر العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة الاميركية بسبب العمليات العسكرية ضد الاكراد والتي كانت تتم بالتنسيق مع روسيا ومع بعض التنازلات لمصلحة دمشق عم طريق تسليمها لبعض المناطق للجيش السوري، ما زالت تركيا الى هذا اليوم تحافظ على موقفها المتصلب بشان القضية الكردية.
اي مستقبل ينتظر أكراد سوريا
اتكل الاكراد في سوريا على الدعم الاميركي لاخذ حصتهم من التقسيم الموعود ولكن بعد قرار الادارة الاميركية السابقة بالانسحاب من سوريا، زاد التخبط السياسي الموجود بالفعل خاصة مع التوافق الايراني التركي والمخاوف من تسوية روسية تركية على حساب الاكرد مما جعلهم يطالبوا بالحوار مع دمشق برعاية روسية. وبعد التراجع الاميركي عن فكرة الانسحاب من سوريا في الوقت الحالي، تصلب الموقف الكردي اكثر فأكثر. وبين تناقض الموقف الاميركي والروسي من مستقبل الاكراد، هناك توافق اقليمي موحد على عودة الاكراد الى الدولة السورية وعليه فان اي محاولة لانعزال الكرد عن الدولة السورية هو خط احمر يمنع تجاوزه اقليمياً. تعمل روسيا اليوم لبناء مفاوضات تجمع الاكراد مع دمشق وترى ان نموذج كردستان العراق في سوريا هو الاوفر حظاً وهو ما لا تسعى له واشنطن كونها ترى الاكراد الحليف الوحيد لها في سوريا والذي يحفظ نفوذ الولايات المتحدة الاميركية. استناداً الى ما سلف، قد يشهد الشمال السوري محور الصراع الدولي في المستقبل القريب والذي قد يؤدي الى مزيد من التازم خاصة اذا قررت واشنطن ومعها بعض الدول الاوروبية الاعتراف بسلطة الاكراد على الشمال وهو الامر الذي تراه طهران وانقره ومعها دمشق بالامر الخطير الذي يجب التدخل العسكري لمنعه.