اليمن: هل يفتح وقف إطلاق النار الطريق إلى حل للصراع؟ | كتب غابي طبراني
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في وقتٍ سابقٍ من هذا الشهر، أعلن المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى اليمن، هانس غروندبرغ، عن وقفٍ لإطلاق النار لمدة شهرين في اليمن. وهو أول اختراق كبير منذ العام 2015 في الصراع الدائر بين المتمرّدين الحوثيين وإيران من جهة والحكومة اليمنية وداعميها الخليجيين من جهة أخرى. كان الخبرُ بَصيصَ أملٍ في سياقٍ دولي مُثيرٍ للقلق بشكلٍ مستمر.
أو هل كان؟ في أعقاب تولّي طالبان السلطة في أفغانستان وتطبيع نظام بشار الأسد في سوريا، فإن وقفَ إطلاقِ النار، الذي يبدو أنه نتاجُ تقدّمِ الحوثيين بدلًا من الديبلوماسية الدولية، يُشيرُ إلى أنه في كثيرٍ من الحالات، تكون الغلبة للقوّة العسكرية وليس للتسوية التفاوضية.
لا شكّ أن وقف إطلاق النار هذا هو أمرٌ مهم. فهو يفتح ميناء الحديدة الشمالي الرئيس والمجال الجوي حول العاصمة صنعاء، ما يسمح بوصول الإمدادات الحيوية إلى 21.2 مليون يمني يعتمدون على المساعدات الإنسانية من أجل البقاء. حتى الآن، تمّ استخدام الوصول إلى هذه الموارد أو رفضها كورقة لعب من كلا الجانبين، وهو شكلٌ من أشكال الحرب الاقتصادية التي كانت مسؤولة عن غالبية 377,000 حالة وفاة في الحرب منذ العام 2015.
هذه الإمدادات هي موضعُ ترحيبٍ كبيرٍ نظرًا إلى تسارعِ وتيرة الصراع منذ الصيف الفائت، عندما بدأ الحوثيون هجومًا كبيرًا على مأرب، الغنية بالنفط والمُتحالفة مع الحكومة المُعتَرف بها دوليًّأ. تُقدِّرُ وكالات الإغاثة الإنسانية أنه منذ ذلك الحين، تعرّضت مدرسة أو مستشفى على الأقل لهجومٍ كل ثلاثة أيام، وأن حوالي 25 مدنيًا قُتِلوا أو أُصيبوا يوميًا.
مع ذلك، إن الأكثر أهمية من هذا الارتياح الفوري هو ما تشير إليه هذه الصفقة حول الكيفية التي قد يَخرُجُ بها اليمن أخيرًا من هذا الصراع. الشروطُ المُحَدّدة لوقف إطلاق النار مطروحة على الطاولة منذ أكثر من عام. لذا، قد تُشيرُ حقيقةُ أن كلا الجانبين قد قبلاها الآن إلى ذوبان الجليد في المواقف، وأن الوضع قد يكون أخيرًا جاهزًا للتوصل إلى تسوية سياسية. وتجدر الإشارة أيضًا إلى أن هذه الصفقة تمّت بعد قرار مجلس الأمن الصادر في شباط (فبراير) الذي يُدينُ الحوثيين كجماعةٍ إرهابية. وقد دافعت الدولتان الداعمتان للحكومة اليمنية -المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة العضو حاليًا في مجلس الأمن– عن هذا التصنيف. إن حقيقةَ أنهما مُستَعدّتان الآن لعقد صفقة مع “المجموعة الإرهابية” نفسها التي هندستا إدانتها قبل أكثر من شهر بقليل تُشير إلى مدى الإرادة السياسية الموجودة لإنهاء هذا الصراع.
الواقع أن التفاؤل بشأن انفراجٍ ديبلوماسي شجّعه التغيير الكبير من جانب الحكومة اليمنية. بعد أيامٍ قليلة من إعلان الهدنة، تنازل رئيس البلاد، عبد ربه منصور هادي، عن السلطة لمجلسٍ رئاسي تمّ تشكيله حديثًا. كانت العقبة الرئيسة أمام أيِّ محادثات سلام ناجحة هي درجة الانقسام العالية والاقتتال الداخلي بين الأطراف المختلفة في الجانب المُناهِض للحوثيين. وقد تمّ تفسير تشكيل المجلس الجديد على أنه مبادرة تقودها السعودية تهدف إلى تحقيق بعض التماسك لهذه الغاية على طاولة المفاوضات.
لا يزال هناك طريقٌ طويلُ ينبغي اجتيازه قبل الانتهاء من التوصّل إلى اتفاقٍ لإنهاء الصراع، ولا تُقدِّمُ شروطُ ترتيبِ وقفِ إطلاقِ النار الحالي سوى رؤى محدودة حول الخطوط العريضة المُحتَملة له. يدورُ الخلافُ حول أسئلةٍ أساسية عن طبيعة الدولة اليمنية، بما في ذلك ما إذا كانت ستبقى كدولة واحدة مُوَحَّدة، بدلًا من تقسيمها إلى كيانَين أو أكثر من الكيانات ذات السيادة، وكذلك ما هي الأحزاب أو الأطراف التي ستحكم هذه الأجزاء المُكَوِّنة.
كانت هذه الأمور من القضايا الصعبة حتى قبل اندلاع الحرب الأهلية الكبرى والتدخّل الدولي في العام 2015. إنها القضايا عينها التي أحبطت عملية الانتقال التي أعقبت “الربيع العربي”، والتي أدّت، من نواحٍ عديدة، إلى استيلاء الحوثيين على السلطة في العام 2014 ودورة الصراع الحالية. وقد أصبحت أكثر تعقيدًا وترسيخًا بسبب السنوات السبع الماضية من الحرب وما نتج عنها من تفكّكٍ للسلطة السياسية والأمنية، لا سيما في المنطقة المُتحالفة إسميًا مع الحكومة اليمنية.
ومع ذلك، حتى وقف إطلاق النار المؤقت هذا يبدو من نواحٍ كثيرة وكأنه انتصارٌ للحوثيين. من أجل تمديد وقف إطلاق النار وإحراز تقدّم في محادثات السلام، سيكون من الصعب على أيِّ تسويةٍ سياسية مُقبِلة استبعاد الحوثيين من الدولة اليمنية المستقبلية، أو حتى إخراجهم من سيطرتهم الحالية على العاصمة وشمال اليمن.
علاوة على ذلك، يبدو أن هذا الانتصار المحدود المؤقت لم يَنتُج عن اختراقٍ ديبلوماسي، ولكن لأن الاستراتيجية العسكرية الناجحة للحوثيين غيّرت الحقائق على الأرض وبسبب تكاليف الصراع خلال العام الماضي.
من المؤكد أن هناك عواملَ تمهيدية عبّدت الطريق نحو هذه الاتفاقية. يُشيرُ الجانبان السعودي والإماراتي منذ بعض الوقت إلى تعبهما من هذه الحرب الطويلة. الإمارات العربية المتحدة، على سبيل المثال، قرّرت الانسحاب من الحرب، على الأقل من العمليات القتالية المباشرة، قبل عامين. كما أن التغيير في السياسة الأميركية اليمنية الذي أدخله الرئيس الأميركي جو بايدن – بما في ذلك إزالة الحوثيين من القائمة الأميركية للجماعات الإرهابية وسحب الدعم للعمليات الهجومية في اليمن – أدّى إلى مزيدٍ من التغيير في مزاج دول الخليج بالنسبة إلى استمرار القتال الحربي.
لكن العوامل الفورية والمُعَجِّلة لوقف إطلاق النار كانت مكاسب الحوثيين في مأرب وسلسلة هجماتهم الناجحة بالطائرات المُسَيَّرة والصواريخ على أهداف سعودية وإماراتية قيّمة هذا العام. وهذا ما دفع السعوديين والإماراتيين إلى الاعتراف بأن أيَّ نصرٍ عسكري ما زال بعيد المنال – وفي الواقع، ربما يكون الحوثيون هم المنتصرين.
تؤكد معايير الديبلوماسية والوساطة الدولية أن السبيل الوحيد لحلِّ النزاع هو من خلال السلام المُتفاوَض عليه وعملية سياسية تمثيلية. الأكاديميون أقل تفاؤلًا في هذه الجبهة: تشير غالبية الدراسات إلى أن الحروب الأهلية تنتهي بانتصارٍ عسكري في كثيرٍ من الأحيان أكثر من التسويات التي يتم التفاوض عليها. ولكن على الرغم من هذه الأدلّة، فإن الكثير من التفكير حول التوقيت والتسلسل والإجراءات التي تدخل في المفاوضات الديبلوماسية مَبنيّة على الاعتقاد بأن الأطرافَ المُتحارِبة يجب أن تجلس إلى طاولة المفاوضات عاجلًا أم آجلًا، لأنه هكذا في نهاية المطاف كيف تنتهي النزاعات.
وهذه المُعتقدات مُدمَجة في ميثاق الأمم المتحدة وتنعكس في البيانات والاستراتيجيات الدولية للإنخراط والمشاركة. في ما يتعلق بالحرب الأهلية السورية، على سبيل المثال، أعلن الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما أن “الديبلوماسية العنيدة هي التي تحلّ الأسباب الجذرية للصراع” ، وليس “العمل العسكري”، هي وحدها القادرة على إنهاء القتال وتحقيق سلام دائم – وهي قناعة صاحبت مواقف الولايات المتحدة وأفعالها لسنواتٍ عديدة. كما حذّر الديبلوماسيون الدوليون باستمرار من أنه “لا يوجد حلٌّ عسكري” للصراع في أفغانستان، وقد تم استثمار طاقة هائلة في المحادثات بين الأميركيين والأفغان في الدوحة إعتقادًا من الطرفين أن أيَّ حلٍّ يجب أن يبدأ بالحوار.
تُثيرُ الأحداث الأخيرة في كلٍّ من هذين البلدين (سوريا وأفغانستان) حجّةً مُضادة مُخيفة، ما يشير إلى أنه قد يكون هناك، في الواقع، حلٌّ عسكري للنزاعات المُستعصية، وإن كان ذلك لا يرغب فيه السكان ولا دعاة السلام الدوليون. في ضوء ذلك، فإن وقف إطلاق النار في اليمن أخيرًا، رُغمَ أنه بلا شك هو إرجاءٌ تمسّ الحاجة إليه من المعاناة، إلّا أنه حلوٌ ومرّ. قلّةٌ من اليمنيين رحّبت بالضربات الجوية المستمرة، والاستيلاء الجديد والسيطرة السياسية التي تزامنت مع تدخّل القوى الخليجية في اليمن. لكن الكثيرين يُعانون بالقدر عينه من احتمال العيش تحت نير الاستبداد الديني الذي فرضه الحوثيون في شمال اليمن.
في العام الفائت، طغت الحقائق العسكرية على الأرض على أفضل نوايا بُناة السلام ودُعاة الديموقراطية والعاملين في المجال الإنساني في سوريا وأفغانستان والآن في اليمن. إن هذا السجل المُحزن للديبلوماسية الفاشلة والتدخّل يجب أن يُشكّلَ دعوةً وحافزًا للعمل. حان الوقت لإعادة التفكير في كيفية تعامل الأمم المتحدة والجهات الفاعلة الدولية الأخرى مع النزاعات المُستَعصية مثل هذه.