الشرق الاوسط

نحو سلم اجتماعي عراقي .. بقلم السيد علي الهماشي

(مجتمع متماسك بحركة اجتماعية واعية).
لم تكن الطبقية الاجتماعية في العراق حالة دائمية وقد نراها اختفت بعد انقلاب (ثورة تموز) سنة1958ولكن نتجت بعدها الطبقية السياسية قد تكون حلت محل الطبقية الاجتماعية.
ولاشك إن خطر الطبقية واضح على أي مجتمع وركائزه وتؤدي الى الصراع فيما بينها الى تغيير المجتمعات كما ذهب الى ذلك ماركس وجعلها العامل الاوحد في التغيير الاجتماعي .1
ولا أنكر وجود الطبقية وتأثير صراعها ولكن تأثيرها ممكن له أن يضعف حينما تتوافر العدالة الاجتماعية فلايمكن لنا أن نلغي التفاضل ودرجات التفاوت بين الناس ،ولكن هناك حدود واضحة للمعيشة {إِنَّ لَكَ أَلاَّ تَجُوعَ فِيهَا وَلاَ تعرى وَأَنَّكَ لاَ تَظْمَأُ فِيهَا وَلاَ تضحى}2.
لقد عان المجتمع العراقي من الصراع السياسي إضافة إلى الحروب على مدى العقود العشرة من تاريخ الدولة العراقية وكان نتيجته العنف وكذلك الفقر والحرمان ووَّلد نوعاً من التفكيك لبنية المجتمع وامتدت الى مستوى الاسرة الواحدة ولا اريد ان أستقي نماذج وأمثلة لاجعل منها صُلب الحديث في هذا المجال ،ولكن ماجرى تبينت نتائجه جلية بعد احداث 2003جراء الغزو الامريكي للعراق وما تلاها من أُمور مازالت راسخة في أذهان العراقيين .
والتساؤل المثار هل البيئة العراقية مهيئة للاتجاه نحو السلم الاجتماعي ؟
بعض كتابنا ومفكرينا يجد الأمر (مستحيلا) بنظرة سوداوية ويكاد يصل الى نتيجة أننا في دوامة العنف التي لاننفك منها،وكأنها حتميةالوقوع ،ملازمة للمجتمع العراقي ،خلطت بتربته فنتجت عنه ذلك المجتمع الدموي ،ولايمكننا الخلاص منها الا بالاستبدال والتغيير للامم2.
قد نجد ميلا واضحا لهذا التفسير للمعاناة الكبيرة التي نعيشها وعاشها أباؤنا وأجدادنا من قبل ،ولكن التسليم للامر يجعلنا في خانة المؤمنين بالجبرية الاجتماعية ونرفض التغيير والانتقال { بل قالوا إنا وجدنا آباءنا على أمةوإنا على آثارهم مهتدون } 3.
وإنه من المقلق هو توقف الفرد عن الحركة ، و الدوران في حلقة مفرغة وهذا
قد يصل الى حالة مرضية اذا ما أصاب المجتمع أيضا.
فقد يمضي الليل والنهار وتمضي السنون ونجد أن الوضع يكاد يكون متشابها في حالة تصل الى حد التطبع ، وقد اشار بن نبي الى ذلك “إذا تحرك الإنسان تحرك التاريخ ..وإذا سكن ..سكن “.
فالتاريخ الحقيقي في حركة الانسان والمجتمع الحركة الحقيقة نحو إنسانيته ورقيه ،وإلا فلايكون ذلك الا أرقاماً تضاف ليس إلا .
لذلك قيل “ان العمر يقاس بالعطاء ولايقاس بالسنين” .
ولنعد الى التساؤل (هل البيئة العراقية مهيئة للسلم الاجتماعي )؟.
ورغم ضبابية المشهد العراقي إلا أن
بذور الخير تنمو والملاحظ أننا نجد مجتمعنا يزداد تماسكا كلما إشتدت المحن ، وكأنما نحن بحاجة لهذا الضغط كي نخرج معدننا الاصيل ونتمسك بثوابتنا وقيمنا .
وهذه الحالات التي لم أجد لها تفسيرا واضحا حتى هذه اللحظة ، فمجتمعنا خليط الانفعالات مع ثوابت وقيم تشده الى تاريخه ويعيد أصالته .
وهنا أُجيب على التساؤل أعلاه نعم إن توفرت العوامل المطلوبة ،وأهمها وجود حركة إجتماعية تصحيحية .
وهذا يدعونا لتساؤل ثاني هل هناك حركة إجتماعية بهذا المعنى ؟ هل استطاع النظام السياسي الحالي خلق أجواء لحركة إجتماعية تصحيحية !؟.
في المقالات السابقة اكدت انه لاتوجد حركة اجتماعية وانما إرهاصات بعضها فردية تتخذ لها مؤيدين وتختفي فجأة .
اليوم أُؤكد بعدم وجود اي حركة إجتماعية منظمة تسعى لتغيير حقيقي .
فقد إعتدنا أن يكون التغيير السياسي هو الأساس للتغيير الإجتماعي وهو ماأدى الى التعقيدات في بناء منظومة إجتماعية رصينة .
اما التغيير الاجتماعي النابع من رحم المجتمع ويهدف الى بناء منظومة قيمية اخلاقية رصينة تستمد تاريخها من أصالة الامة العراقية ،وتربطها بالحاضر فما زال هذا الامر غير واضح للعيان، ولم نلمسه حتى هذه اللحظة .
ولازال الجدل قائما هل يكون التغيير من النسخ النازل وصعودا الى النسخ الصاعد ؟.أم يكون التغيير من القمة نزولا إلى الفرد الواحد ؟
وكلا الأمرين لايقومان بالمطلوب إلا إذا تم العمل بهما معاً..
فالمؤسسة الدينية وإن كان خطابها يدعو الى الاصلاح والتذكير الا انها تتحاشى الولوج اكثر في عمق المشاكل والتفاصيل الحياتية وتكتفي بالوعظ وتنشأ جمعيات للايتام والفقراء لتعمل على الاصلاح الجزئي .
واما الفعاليات المدنية أو حتى الاحزاب غير الدينية فهي لم تعد تحاكي واقع المجتمع ،وأرى بعضها تعيش الترف الفكري وتحاول محاكاة النزعة الفردية التي تتناسب مع الرؤية الغربية في دعم الفرد تجاه المجتمع ،وهو ما لايتناسب مع بنية مجتمعنا ولا أُصوله النابعة من تاريخه وحضارته وعقائده التي تستمده من الديانات السماوية .
ومجتمعنا وقادته لايرغبون بتشخيص الداء ولا العلاج وهم كبعض المرضى
لايرغبون بتناول الادوية بعد ان تشرح لهم طبيعته وأثاره الجانبية، فيخاف من الدواء اكثر من المرض الذي اعتاد عليه ويستسلم لقدره .مجتمعنا ألف واقعه ويخشى الهزة كما هو المريض الذي يفضل المسكنات على الجراحة!.
هذا الامر لن يكون على عاتق فرد واحد إنما هو عمل جماعي منظم يهدف الى التصحيح بعيداً عن الانفعالات التي قد تثير أثارا جانبية تعرقل الهدف المنشود .
وبناء المنظومة القيمية بحاجة الى وعي بعمق المشكلة في المجتمع ودراسة البيئة الناتجة للظروف القاهرة التي تدفع للانحراف عن الانسانية وقيمها .
الحركة السلمية للمجتمع بحاجة الى جهود حثيثة وواعية لاصل المشكلة وبحاجة الى أن يترفع القائمون عليها عن التأثر بما يدور وبحاجة الى حصانة فكرية وحصانة نفسية ولايمكن للمريض أن يداوي آخر مصاب بنفس المرض .
1-نظرية الصراع الطبقي لماركس
2-طه 118
3- نظرية الاستبدال
4-الزخرف22.

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي

السيّد علي الهماشي، كاتب عراقي مواليد بغداد، له كتابات سياسية عديدة في الشان العراقي.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى