نظرة جديدة على الوثائق الإسرائيلية (3) كتب مجدي منصور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
في الجزء الماضي ذكر رئيس الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية (أمان) الجنرال إيلي زعيرا أمام لجنة أجرنات أن أحد وسائل الحصول على المعلومات تتم عن طريق «العملاء» ، واليوم أريد أن أقف أمام عميل جاء ذكره «تلميحاً» من قِبل زعيرا في بداية تحقيقات اللجنة ، الا أنه عاد وأفصح عن اسمه «تصريحاً»! عقب صدور أحكام اللجنة وتوصياتها باستبعاده من منصبه.
ففي التحقيقات التي أجرتها اللجنة معه ومع غيره من الجنرالات العسكريين والوزراء السياسيين يقول زعيرا في معرض دفاعه عن نفسه ، ومحاولاً إلقاء المسئولية على الموساد ورئيسه وقتها (تسفي زميرا) وعلى القيادة السياسية و(جولدا مائير) على رأسها في وقتها قال زعيرا:
« بأن رئيسة الوزراء (مائير) قابلت يوم 25 سبتمبر (صديق) لإسرائيل من الشرق الأوسط على مستوى رفيع ، وكان هو الذى طلب اللقاء بها مباشرةً ، وأنها تلقت منه تحذيراً حول نية مصر وسوريا لشن هجوم على إسرائيل بداية أكتوبر ، ومع ذلك فإن مائير (أهملت) التحذير ثقةً في المعلومات التي قدمها أشرف مروان للموساد قبل ذلك ».
ويثور التساؤل المشروع – من هو ذلك الصديق الشرق أوسطى(الوفي) لإسرائيل الذى طلب مقابلة جولدا مائير مباشرة والتقاها بالفعل يوم 25 سبتمبر وحذرها من نية مصر وسوريا شن حرب علي إسرائيل في أوائل أكتوبر 1973؟
والاجابة على سؤالنا المنطقي تأتينا من الجنرال زعيرا رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) بنفسه بأن تلك الشخصية هو الملك (حسين) عاهل الأردن بشحمه ولحمه وتقاطيعه وملامحه!
الحسين بن طلال .. عميل هاشمي بدرجة ملك!
في محضر تقييم الموقف يوم 8 أكتوبر 1973 قالت فيه رئيسة الوزراء جولدا مائير:
« لقد أعلن الملك مرتين اليوم أنه أسقط طائرات تابعة لنا. أنا أعتقد أنه يُسقط طائرات (بالكلام) فقط ، لكنه لن يفعل شيئاً، رغم ضغط السادات والأسد عليه ، وأنا اتمنى أن يكتفى بالكلام فقط».
تعليق:
إن هناك حقائق وشهادات وتفاصيل في حالة الملك حسين لم يعد يمكن لأحد إنكارها أو إغفال النظر عنها.
فعن الحقائق:
فإن الملك حسين كان «عميلاً» للمخابرات المركزية الأمريكية (CIA) وكان يتقاضى مرتب من المخابرات المركزية الأمريكية (مليون دولار) كلعام وذلك أكده الصحفي الأشهر بوب ود ورد في كتابه «الظلShadow» الذى نُشر في حياة الملك حسين وأقام الكتاب ضجة كُبرى وقتها ولم تقم المخابرات الأمريكية بالنفي ولا قام الملك نفسه بالإنكار!
وعن الحقائق أيضا:
ما رواه بن برادلي وهو أحد أكبر نجوم الصحافة في الواشنطن بوست ورئيس تحريرها في مذكراته تحت عنوان (حياة جيدةAgood Life) ابتداء من صفحة 424 ما يلى حرفياً:
« ذات صباح في نوفمبر 1976 جاءني بوب ود وارد (أحد أشهر الصحفيين في العالم) ، وقال لي: أنه عرف من مصادره أن احد رؤساء الدول في الشرق الأوسط موجود باسمه على قائمة المرتبات في وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ، وقلت له: (أن هذه قصة إخبارية مهمة، لكن عليه أن يتقصاها أكثر).
ويستطرد بن برادلي: «بعد يومين جاءني بوب يقول لي أنه تأكد أن الملك حسين ملك الأردن هو رئيس الدولة المعنى وأنه يتقاضى مكافأة سنوية (شخصية لا علاقة لها بالمعونات الرسمية للأردن) مقدارها مليون دولار ، وقد بدأ دفعها له منسنة1957 ولا تزال مستمرة حتى الآن»!
وتمضى الرواية بأن برادلى طلب من بوب تأكيد الخبر من مصدر ثاني(لأن الصحافة المحترمة والاعلام المهني لا يكتفى في معلومة مثل تلك بمصدر واحد) ، وبالفعل اتصل بوب بجودي باول المستشار الصحفي للرئيس جيمى كارتر وقتها ، وروى له ما لديه وطلب منه (تأكيداً أونفياً) للخبر.
وتمضى الرواية بأن مستشار الرئيس للأمن القومي زبجنيو برجنسكى وقتها دعاهم (بن برادلى وبوب) إلى لقاء مع الرئيس كارتر ، وقد ذهب واللقاء وكان فحوى اللقاء كما يا لي:
«إن الرئيس كارتر قال لنا بدايةً إن الخبر صحيح»!
ثم أبدى لنا دهشته من أن وزير الخارجية السابق (هنري كيسنجر) حين جاء إليه يضعه في صورة الحوادث والرجال في الشرق الأوسط مع بداية رئاسته لم يذكر له شيئاً عن هذه الحكاية ، ولا ذكرها له جورج بوش (يقصد بوش الأب وكان وقتها رئيس وكالة المخابرات الأمريكية) عندما التقاه أيضاً لنفس الغرض (فكلاهما تعامل معها كأمر عادى وروتيني)!
ثم استطرد كارتر فقال: « إنه يريد أن يقول لنا شيئين: الأول:أن نشر الواقعة يُضر الأمن القومي لأمريكا – والثاني: أنه أصدر أمراً بإيقاف دفع المبلغ للملك حسين (وظن كارتر وقتها ن الملك لم يعد يحتاجه الآن لأنه أكبر أغنياء المنطقة اليوم!)».
وقد رفضت الواشنطن بوست نصيحة كارتر ونشرت الواقعة!
وأما عن الشهادات:
فقد ورد في كتاب «جواسيس جدعون» وهو دراسة موثقة للتاريخ السرى للموساد الإسرائيلى لأحد أبرز الخبراء في تاريخ الأجهزة السرية في الغرب وهو جوردون توماس حصراً بالمنجزات الهامة التي حقهها جهاز الموساد على عهد مديره الأشهر إيسر هاريل ، وقد وردت على النحو التالي:
إدخال سياسة الاغتيال المنظم لأعداء إسرائيل.
إنشاء علاقات حتى بالاختراق مع جهاز المخابرات السوفيتي (KGB)
إعطاء أولوية أولى لتنظيم الهجرة السرية ليهود أوروبا الشرقية إلى إسرائيل (قبل أن يُسمح بها رسمياً ، قبل أن تتحول إلى نزوح جماعي عقب انهيار الاتحاد السوفيتي).
إتقان فنون استعمال المرأة والجنس والابتزاز في خدمة أعمال المخابرات.
(وهنا ما يتصل بالملك حسين) تنظيم اختراق القصر الملكي في عمان والدوائر المحيطة به ، لكن هذه المحاولة توقفت فيما بعد عندما أصبح الحاكم الهاشمي مسئولاً رئيسياً لوكالة المخابرات المركزية الأمريكية في المنطقة.
(وذلك هو نص العبارة التي استخدمها إيسر هاريل رئيس الموساد السابق فيما تحدث به إلى مؤلف كتاب «جواسيس جدعون» ، ويمكن منها استنتاج أنه في الفترة الأولى من حكم الملك حسين أي ما بين توليه العرش (1952) عقب اغتيال جده الملك عبدالله وما بين صلته المنظمة مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية (1957) لم تكن هناكاتصالات على مستوى نشط ومتواصل بين القصر الملكي على سفح جبل عمان وبين قيادة الموساد في شارع (الملك شاؤول) بتل أبيب .
وكان ذلك التعثُر إلى درجة الانقطاع أحياناً هو الداعي إلى محاولات إيسر هاريل لاختراق القصر الملكي.
فلما وقع سنة 1957 إنشاء وترتيب العلاقات بين القصر الملكي على جبل عمان وبين مقر المخابرات المركزية الأمريكية في ضاحية«لانجلى» بالقرب من واشنطن توقفت محاولات الموساد لاختراق محيط الملك حسين وصولاً إليه لأن نظرية (الأواني المستطرقة راحت تؤدى دورها بكفاءة)
وفى باب التفاصيل:
فإن الملك حسين لم يكتفِ بالكلام فقط عن اسقاطه الطائرات في الهواء كما قالت جولدا مائير ، ولكنه كان يمارس دوراً هاماً وكبيراً لمصلحة إسرائيل وجولدا مائير أول العارفين لأنها هي التي أوكلت لها مهمة مد الجسور مع الملك حسين ، كما أنها هي من قابلت جده الملك عبدالله في أوج حرب 1948.
وللتسجيل فقط ، فقد حضر الملك حسين مؤتمر القمة العربية في الإسكندرية سنة 1964 ثم غادر لباريس في زيارة عمل قصيرة ليلتقي فيها مسئولين فرنسيين ، لكن الملك في حقيقة الأمر كان على موعد مع وزيرة الخارجية وقتها جولدا مائير!
وبشهادة الملك حسين وهى مسجلة بصوته أمام الدكتور آفى شلايم ،فإن الملك تحدث عن لقائه بـ مائير قائلاً:
« لقد كان اجتماعاً طيباً. وبحق فإنه اجتماع كسرنا فيه كل الثلوج حتى يعرف بعضنا البعض عن قُرب، ولقد تحدثنا عن أحلامنا وآمالنا أن نرى أبناءنا وأحفادنا يعيشون في الاقليم عهداً من السلام. وقد قُلت لها أننى واثق أنه سيأتي يوم نُلقى فيه جميعاً أسلحتنا ونصنع تمثالاً للسلام نُقيمه في القدس ليُعبر عن رفضنا لصراع عقيم».
اتفاقيات أمنية بين الملك وإسرائيل!
ولم يقل الملك أكثر من ذلك ، ولكن الوثائق الإسرائيلية تُظهر أن هذا الاجتماع مع جولدا مائير كان بداية لاتفاقيات تعاون بين المخابرات المدنية والعسكرية في البلدين ، تضمن ضمن تعهدات أخرى – أن تتولى المخابرات الإسرائيلية متابعة أعداء الملك داخل المملكة وخارجها وابلاغه بما لديها من معلومات تمس أمنه وأمن العرش الهاشمي في عمان!
تعليق:
لعل الملك الهاشمي (حسين بن طلال)! هو أول من اخترع تقليعة التعاون الأمني مع إسرائيل وكذلك هو أول من طلب أن تتولي المخابرات الإسرائيلية (الموساد) حماية أمنه وأمن مملكته ، وتبعه في ذلك الملك العلوي المغربي (حسن الثاني) !! وكلاهما كان يرى الخطر عليه ليس من إسرائيل ولكن من (حركة القومية العربية) ومركزها في القاهرة الناصرية في الستينات ، وتبعهم بعد ذلك ملوك وأمراء ومشايخ الخليج العربي حتى وصلنا لما نحنُ فيه اليوم.
وتُشير وثيقة اخرى إلى أن الملك (حسين) في ذلك الاجتماع مع جولدا مائير طلب سلاحاً من إسرائيل، وحين سألته (مائير) عما إذا لم يكنما تعطيه له الولايات المتحدة، وآخره كان صفقة دبابات (وقتها)، يكفى؟
وكان رد الملك حسين بما مؤداه « أن الاتفاق العسكري الذى حصلت به مملكته على ثمانين دبابة أمريكية يرافقه تعهد مكتوب منه شخصياً ، بأن الحكومة الأردنية لا يحق له ااستعمال هذه الدبابات في الضفة الغربية »!
عودة من جديد للسياق
ويتصل بذلك ما ورد في المذكرة النهائية التي قدمها الجنرال إيلي زعيرا رئيس المخابرات العسكرية (أمان) في السنوات من 1969 وحتى سنة 1973 إلى الكنيست الإسرائيلي في رده على تقرير لجنة أجرنات الذى أدانه هو وكل القادة العسكريين وبرء القيادة السياسية من تهمة التقصير مما اعتبره زعيرا نفاق واضح من اللجنة للقيادة السياسية وكتب رداً على تقرير اللجنة في مذكرة ، المهم أنه في تلك المذكرة ورد في صفحة 136 من الترجمة العربية لهذه المذكرة الضافية ما يا لي:
« لسنوات طويلة كُنا نعقد بين الحين والحين اجتماعات منتظمة معشخص رفيع المستوى وذي مكانة محترمة في منطقتنا ، وسوف اسميه هنا (الرجل المرموق) ، وفى الحقيقة فإنه لم يكن يعطينا معلومات بالمعنى المعروف بالكلمة، ولكنه بسبب مكانته الرفيعة كان مصدراً مستمراً لمتابعة التوجهات والنوايا على المستويين السياسي والأمني ،وكانت ثقتنا فيه عالية بسبب مكانته الرفيعة ، وكان في مقدورنا عن طريقه أن نفهم ما يجرى في العالم العربي».
ومع أن الجنرال إيلي زعيرا أخفى اسم المصدر العربي الرفيع المستوى فإن الرجل بعد ذلك عاد على صفحتي 140و 144 وقام بتسميته صراحةً بصفته وشخصه بأنه ( الملك حسين) !
وكان ذلك رداً على شهادة السيدة جولدا مائير أمام لجنة أجرنات بخصوص لقاءتها مع ملك الأردن وقبل أيام من حرب أكتوبر.
وكان هذا اللقاء بين الملك (حسين) و (مائير) قبل أيام من حرب اكتوبر1973 موضع أخذ ورد في تحقيقات لجنة (أجرنات) وداعيه اتهام(مائير) بأنها لم تأخذ جداً بدرجة كافية «تحذيرات» الملك (حسين) عن مصر استعداد مصر وسوريا لشن حرب على إسرائيل في ظرف اسابيع ، ولو انها أخذتها جداً لما كانت مفاجأة قيام حرب ظهر يوم 6 أكتوبر1973.
وفيما أورده الجنرال زعيرا « فإن عدداً محدوداً من صُناع القرار في إسرائيل (مثل رئيس الوزراء ووزير الدفاع ورئيس هيئة الأركان ومدير المخابرات العسكرية (أمان) ومدير المخابرات العامة (الموساد) وحتى أخر يوم في حياة الملك حسين كانوا يعقدون جلسات منتظمة مع الملك حسين تتم في أماكن مؤمنة ومختارة على جانبي الحدود ، وفيها (يسمعون من الملك حسين تقييماً عاماً لرؤيته للأحوال ، ثم يقومون بعد ذلك بتوجيه أسئلة محددة إليه ، وكان الملك يُجيب»!!» (معتبراً أن ذلك داخل في نطاق التنسيق الأمني المتفق عليه مع إسرائيل!).
لقد انتهت الصفحات المخصصة لذلك الجزء من المقال ، ولم تنتهى بعد الحقائق المزعجة التي في تقرير أجرنات ، وما زالت الوثائق تكشف المسكوت عنه وتفضح المخفي منه.
المراجع
تقرير أجرنات – شهادة الجنرال إيلي زعيرا
شخصية الملك حسين .. ضرورات الفهم قبل الحكم ..ولكن إلى أي مدى؟ – محمد حسنين هيكل