نظرة جديدة على الوثائق الإسرائيلية (2) كتب مجدي منصور
للاشتراك بالنشرة البريدية اضغط هنا
هذا هو الجزء الثاني من مقالي المعتمد على تقرير لجنة أجرنات التي أنشأتها الحكومة الإسرائيلية فور توقف القتال ، للوقوف على الأخطاء والخطايا التي ارتكبتها كُلأ من القيادة السياسية والعسكرية في حرب أكتوبر1973.
وكنت في الجزء الأول نشرت محاضر محادثات سرية للقيادة الإسرائيلية تُظهر وتبين مدى الصدمة المروعة الإسرائيلية من قرارالحرب المصري السوري ومدى عظمة المقاتل العربي (المصري-السوري) في ميادين القتال ضد الجيش الذى كانوا يقولون عنه أنه «لا يُقهر»!.
لقد كنتُ في كل مرة أنتهى من قراءة شهادة أحد السياسيين أو أحد الجنرالات ، أزفر زفرة غضب مختلطة بالآسي ، وأسأل نفسى : كيف بدأنا وإلى أين انتهينا؟
يتبقى لي قبل الدخول الى عمق الموضوع عدة ملاحظات:
1) إن حديثي مُعتمد هُنا على ما نُشر من تقرير لجنة أجرنات والذى قام على تجميعه وترجمته فريق على رأسه د. إبراهيم البحراوي ولجنة أجرنات هي اللجنة التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية تحت ضغط الرأي العام الإسرائيلي للتحقيق في اخفاقات كُلاً من القيادتين العسكرية والسياسية في حرب أكتوبر1973 .
2) إنني خصصت أجُزاءً أخرى للحديث عن «أشرف مروان» الذى لاتخلوا شهادة لأحد العسكريين أو السياسيين أمام اللجنة إلا وذُكر فيها اسمه ودوره عدة مرات وليس مرة واحدة!.
3) إن هدفي من تلك الدراسة ليس الإساءة لأحد ، ولا تعظيم أحد ، أوتبرئة أو إدانة أحد أو شيطنة أحد ، بل هدفي النظر للنفس في مرآة الحقيقة علنا نتعلم من أخطاءنا التي دفعنا فاتورتها بالكامل.
4) إنني قررت استخدام أسلوب «البانوراما» في العرض ، أي اختيار نقاط مظلمة أقوم بتسليط الضوء عليها فتبين معالمها وتظهر ملامحها بعيداً عن العدسات المكبرة (المقعرة) التي يستخدمها النظام الرسمي المصري في إعلامه تلك الأيام ليبدو شكله وعمله أكبر مما هو عليه في الحقيقة عن طريق خداع النظر!
5) إن القاري سيلاحظ أننى لا أتدخل في سياق الشهادات إلا نادراً بتعليق لتصحيح معلومة أو لإيضاح واقعة ، أو لطرح سؤال مشروع.
6) إن تلك الدراسة التي أقدمها هي « محاولة للفهم » ، ولعلها تتطور بعد ذلك « لنية فعل » ، ثم الى « فعل كامل ». فعل يكون عرف أخطاءه السابقة وتعلم منها وابتعد عن مثالبها ، وأدرك حقائق إقليمه و فهم روح عصره.
وأخيراً- إن كل دُعائي و أملى أن يجد « العربي التائه الشريد » ميناءً يرسوا عليها ، بدلاً من غرقه وسط المياه الضحلة والأمواج العاتية وحوله أسماك القرش المفترسة والحيتان الهائجة يريدون جميعاً نهش لحمهُ وتكسير عظمهُ وشُرب دمهُ ، وهو لا يجد ما يفعله معها غير أن يقف أمامها متذللاُ باكياً راجياً مستعطفاً ، وتلك حالة يصعب قبولها أوالصمت أمامها أو السكوت عليها.
(1) اختراق إسرائيلي كامل للأسرار العربية !
إن أول ما يُفاجئ القارئ لتقرير لجنة أجرنات هو أن العرب وجيوشهم(مصر وسوريا) قد دخلوا الحرب وملفاتهم «مفتوحة» وأوراقهم«مقرؤه» وخططهم «مكشوفة» ونواياهم «معروفة» للعدو الإسرائيلي ،وذلك ظاهر بما هو أكثر من اللازم في الشهادات ، وعلى الرغم من أن الرقيب العسكري الإسرائيلي يحاول أن «يُخفيها» أو على الأقل«يُداريها» إلا أنه لا يستطيع !.
ديان يقول: « نعرف الفرق الاستراتيجي بين الخطة المصرية والخطة السورية »
ففي شهادة وزير الدفاع موشى ديان أمام لجنة أجرنات بتاريخ 4 فبراير 1974 يقول:
« نحنُ نعرف أن هناك فرقاً بين الخطط المصرية والسورية للحرب. الخطط المصرية لم تكن ذات مرة لاحتلال كل الأرض ، أو كل سيناء في الوقت الذى كانت فيه الخطط السورية لاحتلال كل هضبة الجولان ».
(من المفارقات أن ديان يصف تحرير العرب لأراضيهم التي احتلتها إسرائيل بالاحتلال!).
تعليق:
أولاً – هنا يجب الوقوف قليلاً ، فقد كانت لدى مصر ثلاث خطط محددة:
الخطة الأولى جرانيت (1): وهدفها عبور قناة السويس بقوة خمس فرق من المشاة والمدرعات تعمل تشكيلاتها تحت إمرة ثلاثة من قواد الجيوش يختص كل منهم بمنطقة علي الخط الطويل الممتد من بورسعيد إلي السويس والمهمة للثلاثة عبور قناة السويس بقوة السلاح والتمسك بثلاثة رؤوس كباري عرضها عشرة كيلومترات علي الأقل كيتظل في حماية حائط الصواريخ حتي تسيطر علي رؤوس الكباري التي تبدأ منها الطرق الرئيسية الثلاثة: الجنوبي والأوسط والساحلي.
والخطة الثانية: هي جرانيت (2): وهدفها التقدم بعد إتمام السيطرة علي رؤوس الكباري في ظرف ثلاثة أيام إلي احتلال مضايق سيناء والسيطرة عليها( بالذات مضيق الجدي) والتمسك بها تحت أيظرف لأن ذلك يطرد القوات الإسرائيلية إلي مناطق مكشوفة تماما وفي الغالب يفرض عليها التراجع إلي خط ( أم كتاف) علي الحدود بين مصر وفلسطين المحتلة.
وأما الخطة الثالثة: وقد أُطلق عليها الاسم الرمزي ( الخطة2000): فهي مجهزة لاحتمال قيام القوات الإسرائيلية الخاصة باختراق قناة السويس في اتجاه معاكس ( من الشرق إلي الغرب ) بقصد النفاذ وراء الجيوش المصرية الثلاثة والقيام بعمليات «كوماندوز» لمهاجمة وتدمير أو شل فاعلية قواعد الصواريخ من طراز سام (2) وسام (6) وحرمان قوات العبور من حمايتها.
ومن الغريب أن تفاصيل هذه الخطة تُشير بالتحديد لمنطقة «الدفرسوار» والخطة تعهد إلي احتياطي القيادة العامة وهو منفرقتين من المشاة الميكانيكية المتحركة تظل غربي القناة , ولا تشارك في العبور لتكون لها حرية الحركة في أي لحظة إزاء أي مفاجأة.
وقد تم وضع الخطط الثلاث قبل رحيل جمال عبد الناصر وصدقبتوقيعه علي أولها ثم وقع خلفه أنور السادات علي جرانيت (2) والخطة (2000). عندما قدمهما إليه الفريق محمد فوزي وزير الدفاعوقتها في شهر مارس1971.
ومن الإنصاف أن يقال إن هذه الخطط وبالذات جرانيت (1) و(2) لحقت بها زيادات وتعديلات في السنوات ما بين (1970-1973) وأنهذه الزيادات والتعديلات رفعت مستواها ودعمتها بخبرات مستجدة وقفزات كبيرة بتكنولوجيا السلاح , خصوصا في استخدامات الصواريخ , والفضل عائد إلي الرجال الذين تولوا وزارة الدفاع في تلك السنوات ورؤساء أركان الحرب وقادة الأسلحة والتشكيلات مما أضافإلي فكرة الخطة وتفاصيلها, وغيرت أحيانا أسماءها وجعلتها علامة بارزة في التاريخ العسكري.
ثانياً – معنى كلام (ديان) أمام لجنة أجرنات أن رسالة الرئيس السادات في ثاني أيام الحرب لمستشار الأمن القومي الأمريكي هنري كيسنجر و التي أرسلها عن طريق حافظ اسماعيل والتي جاء فيها التعبير المشهور :
« اننا لا نعتزم تعميق مدي الاشتباكات أو توسيع مدى المواجهة».
كانت ( تأكيداً للمؤكد لديهم بالفعل ) من خلال معرفتهم لخطط الحرب المصرية السورية و للأساس الاستراتيجي القائم عليها كل منها وكذلك الاختلاف على المستوى الاستراتيجي بينهم.
عودة لتقرير أجرنات وشهادة إيلى زعيرا مدير الاستخبارات العسكرية (أمان)
وفي شهادته أمام لجنة أجرنات بتاريخ 27/11/1973.
تعليق:
أي أن شهادة زعيرا كانت بعد (شهر وأحد وعشرين يوماً) فقط من الحرب و الصورة لازالت حية و جلية ، والأحداث متدفقة و ظاهرة وواضحة والمعلومات منسابة وفوارة في ذهن وذاكرة إيلي زعيرا (رئيس الاستخبارات العسكرية) تعززها الوثائق التي قدمها زعيرا للجنة أجرنات والتي تؤكد صحة كلامه ودفاعه عن نفسه وعن سمعة جهازه.
يقول مدير الاستخبارات العسكرية (أمان) إيلى زعيرا :
لدينا كل المعلومات عن الجيوش العربية ووزعناها على القادة!
• زعيرا: أريد أن أبدأ بموضوع الكتب. نحن نرسل لجيش الدفاع معلومات عن الأسلحة ، وعن أشياء أخرى ، عن كل السلاح المدفعي الذى تستخدمه الجيوش العربية. لا يوجد أي سلاح فيالجيوش العربية لا يظهر هنا. (يقدم نسخ من تلك الكتيبات للجنة).
• ويضيف زعيرا: ليس هذا فقط ، فقد وزعنا على القادة بجيش الدفاع كُتيبات تحتوى أيضاً على معلومات عن معدات الاتصال ، ومعدات الوقاية من الأسلحة الكيمائية والبكترولوجية والنووية في الجيوش العربية. (يقدم زعيرا نسخ آخري من تلك الكتيبات).
• ويُكمل زعيرا: في أبريل 1972 وزعنا كميات هائلة من كتيبات الجيب للتعريف بوسائل العبور عند المصريين (يعيد تقديم نماذج من تلك الكتيبات للجنة).
ويضيف زعيرا ، سأعُطى أمثلة آخري عما قدمناه من معلومات للقادة:
• قدمنا معلومات تفصيلية عن العبارة المتحركة (NSP) وقد استخدمالمصريون هذا كثيراً في القناة ، فتلك العبارة ينقلون بها الدبابات.
• كما يوجد هنا كُتيب يصف الكوبرى الرئيسي المتطور الذى عبرالمصريون القناة بواسطته ، كوبرى عائم سوفيتي الصنع ، مكتوبهنا كل شيء عنه.
• في إبريل 1972 وصلت الشرق الوسط حاملة الجنود المدرعة(GMP1) ، وفى شهر يوليو أصدرنا عنها كُتيباً. إنها نصف مجنزرة وأكثر المعدات تطوراً في العالم. وصلت في أبريل وفى يوليو.
زعيرا: حصلنا على معلومات غاية في الخطورة عن الأسلحة الكيمائية وكيف سيخترق المصريون الساتر الترابي!
• نحن أيضا تابعنا وعرفنا أن المصريين يتدربون على العبور منجزيرة البلاح
إيلي زعيرا للجنة: لقد تحدثنا عن نشر السواتر الترابية بجوار الماء ،وبهذا أجد أنه بين 26 إلى 27 نوفمبر 1971 اكتشفنا فى منطقة جزيرة البلاح محاولة لنشر سواتر ترابية بجوار الماء.
لجنة أجرنات: أين تقع جزيرة البلاح؟
زعيرا: قناة السويس كلها عبارة عن قناة واحدة. وتوجد منطقة معينةمن القناة يوجد بها قناتين ، وهى جنوب القنطرة. وهنا توجد ما يشبهجزيرة نشأت عبر ذراعي قناة السويس. وهذه الجزيرة كانت بصورةدائمة وطول الوقت في حوزة المصريين ، وتدربوا على عبور القناة منأرض مصر إلى هذه الجزيرة ، وكنا نرى ذلك طول الوقت. لذلك لدينامراقبة دائمة لكل محاولات العبور.
لجنة أجرنات: هذا يعنى أنهم نشروا السواتر حتى عمق معين؟
زعيرا: لقد بنوا عندهم ساتراً ، واهتموا بالاقتحام بمساعدة خراطيم المياه.
• كما وصلت معلومات بأن المصريين يشترون مضخات لشق الساتر الترابي ، فأصدرنا كُتيباً حتى يعرف الجميع كيف سيُنفذ هذا العمل. وقد جاء في الكُتيب أن المصريين اشتروا 350 مضخةتستطيع العمل في وقت واحد لشق 90 منفذاً ، وهذا ما حدثتماماً. حقيقة الأمر لم يكن هناك أي سر.
ثم يُعيد زعيرا عد ما قدمه جهاز الاستخبارات العسكرية (أمان)
• لقد قدمنا كذلك المعلومات التفصيلية عن الصاروخ «سكود»مواصفاته وشكله ، وكل البيانات الفنية عن الصاروخ.
• كما أصدرنا كُتيب عن الغازات الحربية الموجودة لدى المصريين، فقد تلقينا معلومات بأن المصريين يعتزمون تحييد النقاط الحصينة علىالقناة عن طريق عملية صد كيميائية. فأصدرنا كُتيباً يوضح الاحتمالات وكيفية الحماية منها.
تعليق:
أثناء الإعداد للخطة (جرانيت1) التي بدأ وضعها في عام 1969 لعبور قناة السويس كانت احتمالات الخطة تشتمل على امكانية استخدام الأسلحة الكيماوية للتغلب على مقاومة النقاط الإسرائيلية علىالشاطئ الشرقي للقناة وكانت خطة العمل على الجبهة الشرقية وسوريا مشاركة فيها قد أخذت في اعتبارها احتمال الاحتياج إلى أسلحة كيماوية في المعركة من أجل مرتفعات الجولان.
وفى ذلك الوقت ذهب مسئول المشروع الكيماوي المصري إلى سوريا وقابل الرئيس السوري (حافظ الأسد) وهو وقتها وزير الدفاع أيضاً وبالفعل اشترى الجيش السوري ما قيمته (6 ملايين دولار) من أسلحة الحرب الكيماوية من المصانع المصرية.
وعندما وقعت حرب أكتوبر 1973 كان القرار السياسي هو تأجيل استعمال الأسلحة الكيماوية رغم أن أقنعة واقية وزعت على الوحدات العسكرية المصرية. وعندما وقعت الثغرة وبدأ الاختراق الإسرائيلي المضاد يتوسع اقترح بعض القادة المصريين أن الوقت قد حان لاستخدام الأسلحة الكيماوية ولكن الرئيس (السادات) أعطى أمراً في كلمتين : (لا تصعيد جديد).
عودة من جديد لشهادة زعيرا
زعيرا: لدينا خطط القتال المصرية و السورية!
الخطة السورية
و لازال زعيرا يكشف الخبايا قائلاً:
في 2 أكتوبر أي قبل أربعة أيام من الحرب وزعنا كُتيبيوضح للجميع (الخطة السورية) لاحتلال مرتفعات الجولان، فلم تكن هناك مفاجأة في خطة العمل السورية.
الخطة المصرية
زعيرا للجنة: أريد أن أعطيكم أهم ثلاثة كُتيبات تصف كيف ستحتل مصر الجانب الشرقي للقناة. الكُتيب الأخير اُرسل لرئيسة الوزراء ووزير الدفاع ورئيس الأركان ورئيس فرع العمليات وضابط استخبارات المنطقة الجنوبية وقائد فرقة المنطقة الجنوبية كان هذا في11 أبريل 1972 ، وهو يصف 97% مما حدث بالضبط.
ثم يضع زعيرا الحقيقة على (بلاطة) كما يقولون! أمام لجنة التحقيق ، فيقول:
لم تكن هناك أي مفاجأة في الخطة المصرية ، وفى الأداء المصري إلى حد أدق التفاصيل فيما يتعلق بالقوات. ها هي الخطة المصرية (يسلم زعيرا للجنة الخطة المصرية التي في حوزة المخابرات العسكرية) وفق الوحدات وبأرقام الوحدات! (علامة التعجب من عندي).
ويكمل قائلاً: وبوجه عام هناك اختلافان: في عام 1972 لم يكن موجوداً لواء الدبابات 25 والفرقة 21 لم تعبر إلى هنا ، ولكن إلى هناك يشير زعيرا للجنة على الخريطة).
• كما وزعنا كُتيب في مارس 1972 يتضمن الكيفية التي ستعمل بها القوات المصرية المنقولة بالمروحيات ، وفى الواقع هذا هو ما حدثفي الحرب الأخيرة ، وقد وزعنا ذلك على الجميع بدأً من رئيسةالوزراء حتى آخر فرد.
• كما يوجد كُتيب هنا عن إجمالي مشتريات الأسلحة المصرية من الكتلة الشرقية واستيعابها منذ النصف الأول من عام 1973. كلالأسلحة التي وصلت وكيفية استيعابها بالجيش.
(2) إسرائيل لديها وفرة تصل إلى حد التُخمة في المعلومات!
إن ثاني الملاحظات التي يكتشفها القارئ لتقرير لجنة أجرنات هو أنإسرائيل كانت لديها « وفرة » تصل إلى حد « التُخمة» في «المعلومات» عن الجيوش العربية (مصر وسوريا) ، لدرجة أن زعيرا فيشهادته أمام لجنة أجرنات ( يشتكى من تلك الوفرة المعلوماتية! ) ،وذلك يبين من شهادة زعيرا أمام اللجنة في الجلسة الثانية للتحقيق بتاريخ 9/12/1973 بقوله:
« إنني أريد أن أعطيكم مثالاً عن حجم المادة التي تردنا (يقصدالمخابرات العسكرية (أمان) وحدها) ، ونقوم بتحليلها ، لدينا شعبة نسميها الشعبة السادسة وهى مسئولة عن مصر. هذه الشعبة تلقت لمدة عام أكثر من ربع مليون معلومة أو تقرير » .
ويستكمل زعيرا شكوته من كثرة المعلومات التي لديه (عن العرب) فيقول:
« إن مصر مثلاً يصل عنها يوميا لنا ما متوسطه أكثر من «ألف معلومة» أي في الشهر ثلاثين الف معلومة أي في السنة 360 الف معلومة ، ونفس الشيء ويزيد عن سوريا ».
(3) إسرائيل لا تمتلك معلومات فقط بل وثائق ايضاً!
وتأتى لقطة كاشفة أخرى في شهادة زعيرا ، وهى أن إسرائيل لم يكنلديها معلومات فقط عن الجيوش العربية بل كانت تمتلك (وثائق) أيضاً والوثائق صورة من الأصل (لمحاضر اجتماعات عالية المستوى سياسية واقتصادية وعسكرية للجانب العربي و تقديرات استراتيجية يجريها الجانب العربي ، وتقارير المخابرات العربية عسكرية أو عامة ،وخطط عمليات ، وأوامر تحركات وغيرها)!.
وذلك يظهر في شهادة زعيرا أمام اللجنة بقوله:
« لقد وُزعَت في المنظومة الاستخباراتية لدينا فقط في شهر سبتمبر1973 (24806) وثيقة ما بين سياسية وعسكرية واقتصادية ».
زعيرا يشتكى للجنة التحقيق من طوفان المعلومات الذى يصله عن الجانب العربي!
زعيرا للجنة: إننا نبحث كل السبل ، الحاسبات وما شابه. لقد زرت أجهزة المخابرات الأجنبية ولم أجد حلاً. قال لي رؤساء المخابرات الفرنسية والأمريكية والانجليزية « أننا نعانى من مشكلة ثراء المعلومات » ، وأنه من « الأفضل أن تكون المشكلة مشكلة ثراء عن أن تكون مشكلة فقر» ، من الأفضل أن يكون لدى جهاز الأمن فائض في المادة عن أن يكون هناك نقص في المادة.
تعليق:
وهنا يثور سؤال مُلح ومشروع وهو ، من المصدر أو المصادر عاليةالمستوى ( في كُلاً من مصر وسوريا ) التي أعطت إسرائيل تلك الوثائق الأصلية والحقيقية؟!
(4) تنوع مصادر المعلومات الإسرائيلية
ثالث الملاحظات التي يكتشفها القارئ لشهادة زعيرا أمام لجنة أجرنات هو أن إسرائيل لديها تنوع في الحصول على المعلومات ، وذلك يظهر من حديث زعيرا وشرحه لمصادر معلومات جهاز الاستخبارات العسكرية ، ثم حديثه عن تقسيم وهيكل الاستخبارات العسكرية(أمان).
وذلك يظهر بقول زعيرا أمام لجنة التحقيق:
إن المعلومات تأتينا بالطُرق التالية:
(من التنصت الإلكتروني) ، (من العملاء) ، (من أجهزة استخبارات أجنبية صديقة) ، (من الصور الجوية) ، (من نقاط المراقبة الأرضية) ، (من الصحف والاذاعات العربية).
تقسيم و هيكل سلاح الاستخبارات
زعيرا للجنة: أتولى هذه الوظيفة منذ 1 أكتوبر 1972 وهذه الوظيفةيطلقون عليها رئيس فرع الاستخبارات و تنقسم إلى الوظائف التالية:
أولاً- رئيس أمان هو رئيس فرع الاستخبارات في هيئة الأركان العامة ،وعلى هذا الأساس فهو ضابط استخبارات رئيس الأركان (أي أنه عينالجيش) وهو تابع مباشرةً لرئيس الأركان العامة ، عكس المخابرات العامة «الموساد» التي تتبع رئيس الوزراء مباشرةً.
رئيس أمان أيضاً قائد سلاح الاستخبارات ، ومن هذا المنطلق فهو أيضاً يتولى القيادة على جميع وحدات الاستخبارات على مستوى قيادات الأركان في جيش الدفاع الإسرائيلي.
مقر الأركان نفسه يتكون من الأقسام التالية :
القسم الأول – هو قسم البحوث الذى يبلغ عدد العاملين فيه 384 شخصاً ، وهذا القسم يمثل 7% من القوة البشرية للسلاح.
القسم الثاني – هو قسم التجميع ، وهو المسئول عن تجميعالمعلومات ، وهذا القسم إضافة إلى الوحدات التي تعمل في مجال تجميع المعلومات تضم معاً 3638 شخصاً ، يمثلون نسبة 66.5 من إجمالي القوة البشرية.
القسم الثالث – قسم التنظيم والهرم الوظيفي ، وهو يضم 187 شخصاً ، وهو يمثل 3.5%.
مهام رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان)
ثانياً- مهام رئيس الاستخبارات العسكرية (أمان) : إن مجمل مهام أو مسئوليات رئيس فرع الاستخبارات العسكرية تتلخص في الآتي:
(أ) البحث ، (ب) جمع المعلومات ، (ج) الأمن ، (د) للعلاقات الخارجية، أي العلاقات مع أجهزة الاستخبارات الأجنبية ، وهى من الناحية التنظيمية تتبع رئيس أمان ، ولو أنها مستقلة مهنياً.
ثالثاً- وحدات سلاح الاستخبارات العسكرية:
وحدة فك الشفرة ويرمز لها بالوحدة رقم 154 وهى الوحدة التي تعملعلى تحليل الصور الجوية ، أي أن مهمتها تلقى الصور الجوية منسلاح الطيران وتقوم بتحليلها ونشرها.
الوحدة 154 ، وهى الوحدة التي تقوم بتشغيل عملاء داخل أراضي العدو ، أو بمعنى أكثر وضوحاً (جواسيس).
الوحدة رقم 269 وهى وحدة عملياتية (حُذف بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار 4 كلمات) وسوف أعود للحديث عنها فيما بعد.(حُذف بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار 25 كلمة).
بالإضافة إلى قاعدة تدريب واسمها الكودى015 ، ووحدة تسمى (أمنالميدان) ، وقسم (الاستخبارات الجوية والاستخبارات البحرية) ،و(وحدة البحث والتطوير وهى مسئولة عن تأمين الاتصالات السرية).
الوحدة (046) أكبر وحدة للتنصت وتستحوذ على85% من ميزانية السلاح
أنتقل إلى وحدة المعلومات 046 ، وهى أكبر وحدة عندنا وتضم مايقرب من 3400 شخص ، وهى أيضاً تستنزف 85% من الميزانية ،وهذه هي (حُذف بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار121 كلمة) تلك الوحدة تقوم بعمليات التصنت ، إن هذه الأمور معقدة ومكلفة جداً جداً ، وأحد اقتراحاتي لكم ، إذا كان لديكم وقت أن تزوروا هذهالوحدة المركزية ، وقاعدتها الرئيسية في سيناء.
أخر وحدات جمع المعلومات واسمها الوحدة 550 وهى الوحدة التي تتولى جمع المعلومات العلنية ، ولكنها مهمة جداً. أي أنهم يستمعون إلى إذاعات الدول العربية وصحف روسيا والصين ، وإذاعات أوروبا، ويشاهدون تلفزيونات تلك الدول (حُذف بمعرفة الرقابة العسكرية الإسرائيلية بمقدار 50 كلمة).
تعليق: قلعة أمان الموجودة تحت الأرض اليوم!
منذ عدة أيام سمحت الاستخبارات العسكرية الإسرائيلية «أمان» لأول مرة لمراسل يديعوت أحرنوت يؤآف زيتون بزيارة القلعة السرية التابعة لها.
يقول يؤآف زيتون إنها مكان سري يقع تحت الأرض في إسرائيل وهي أشبه بالقلعة التي يصعب الوصول إليها.
ويضيف بأنها تحوي جميع أذرع جمع المعلومات الاستخباراتية في الجيش الإسرائيلي، وأنها تستخدم أكثر التقنيات تطوراً ، إلى جانب وجود جيش من خبراء المجال الاستخباراتي بين أروقتها.
ويشير يؤآف زيتون أن المعلومات التي يتم التقاطها عن الأهداف في قطاع غزة عبر الأقمار الصناعية لوحدة ٩٩٠٠ تتدفق إلى تلك القلعة السرية تحت الأرض ليتم تحليلها.
ويصف زيتون المكان قائلًا: « تنزل عدة طوابق تحت الأرض عبر المصعد، لترى عالم آخر ».
عودة للسياق من جديد
(5) محطة التنصت على القيادة المصرية التي يحاول الإسرائيليون إخفائها!
إن القارئ لشهادات القيادة السياسية والعسكرية سيجد أن هناكاشارات متقطعة في شهادات المسئولين حول شيء يتم حذف اسمه أو أية كلمة تدُل على طبيعته. إن أعضاء لجنة التحقيق يسألون عدد كبيرمن المسئولين : « هل تم فتح » ( حُذف بمعرفة الرقابة العسكريةالإسرائيلية) في الفترة السابقة على الهجوم المصري السوري؟ ، ثم يكررون السؤال على مسئول أخر وهكذا في سياقات مختلفة.
ولعله يمكن الاستنتاج من ذلك أن هذا الشيء الذى يُفتح هو أنه(محطة تنصت عملاقة) في أم خُشيب على اتصالات القيادات المصرية.
لقد انتهت الصفحات المخصصة لذلك المقال ، ولعلها امتلأت وفاضت ،ولم تنتهى بعد الحقائق المزعجة التي في تقرير أجرنات ، وما زالت الوثائق تكشف سكوت عنه وتفضح المخفي منه.