اجتماعدولي

خمسون نسخة من الديمقراطية: هل يُمكن قياس سلطة الشعب؟ بقلم برونو كاوفمان

أصبحت المقارنة بين البلدان في جميع أنحاء العالم أشبه ما تكون برياضة شعبية حيث تصدر التصنيفات سنويا وفق مؤشرات تقيس كل شيء من الصحة وحتى السعادة. وبشكل متزايد يتم أيضا قياس الأنظمة السياسية. ولكن هل يمكننا حقا معرفة من يحظى بالديمقراطية الأفضل؟

يقول ألبرت انشتاين: “ليس كل ما يُمكن حسابه محسوبا، وليس كل شيء محسوب يُمكن حسابه”.

أفادت مؤسسة الأبحاث فريدم هاوس التي يوجد مقرها في واشنطن في تقريرها لعام 2020 أن سويسرا “ديمقراطية بصدد التراجع”. وسبب هذا التقييم النقدي “حقوق شريحة واسعة من السكان لديهم حقوق محدودة ويواجه المسلمون تمييزا قانونيا وفعليا”.

وتقدّم مجموعة أخرى معروفة ضمن المؤسسات المصنّفة للديمقراطية، وهي وحدة “إيكونوميست إنتيليجانس” (التابعة لمجلة إيكونوميست اللندنية)، تقييما مُشابها لديمقراطية بلد جبال الألب، ولكن لسبب مختلف هذه المرة وهو “الإقبال المنخفض للناخبين”. في غضون ذلك، وعلى المستوى العالمي، يشير الباحثون المقيمون في لندن، – الذين يعتمدون ستين معيارا مختلفا بدءًا من عمل الحكومة ووصولا إلى احترام الحريات المدنية – إلى أن تراجع الديمقراطية في العالم والذي تم تسليط الضوء عليه طويلا، قد توقّف مؤقتا هذا العام بسبب توسّع المشاركة السياسية.

وبالنسبة لبلد مثل سويسرا، التي شهدت أوّل ثورة ديمقراطية ناجحة في أوروبا في عام 1848، والتي ظلت لفترة طويلة جزيرة ليبرالية وسط قارة ملكية، فإن هذه التقييمات النقدية الصادرة عن باحثين دوليين يمكن اعتبارها نداء إيقاظ صحي، ويقدّم روجيه دو فيك- المؤلّف والإعلامي الذي نشر كتابا في وقت سابق من هذا العام- 12 مقترحا لجعل النظام السياسي السويسري أكثر ديمقراطية.

بطبيعة الحال ليست سويسرا فقط التي تحتاج إلى فحص ديمقراطي، خاصة وأن جائحة كوفيد – 19 قد وضعت المجتمعات الحرة أمام تحديات جسيمة. ولكن كيف يمكن إجراء التشخيص الديمقراطي بطريقة عادلة وشفافة؟

يقول دافيد ألتمان، أستاذ العلوم السياسية في الجامعة الكاثوليكية في سانتياغو عاصمة تشيلي ومؤلف كتاب “المواطنة والديمقراطية المباشرة المعاصرة”، “نشهد من خلال الجهود المبذولة لقياس الديمقراطية منذ سنوات عودة إلى الخبرة والأدلة العلمية”، وألتمان هو أيضا أحد مهندسي مشروع البحث حول “أصناف الديمقراطية” ( V-Dem) الذي يشكل أكبر عملية تجميع للبيانات في العالم بهدف وضع تصوّر لقياس الديمقراطية.

ويمثل مشروع بحث “أصناف الديمقراطية” نهجا جديدا في مجال قياس الديمقراطيات. وتقول آنا لورمان، نائبة مدير هذا المشروع من مقرّ عملها في جامعة غوتنبرغ في السويد: “نحن نوظّف 170 منسقا قطريا و3000 خبير، يقومون بتجميع ومقارنة أكثر من 350 مؤشرا مختلفا”. وعلى خلاف المشاريع المماثلة، يمكن الحصول على الاحصائيات الخاصة بتلك المؤشرات: “جميع البيانات لدينا مفتوحة وشفافة ويمكن الوصول إليها دون صعوبات. وبالإمكان استخدامها مثل مجموعات “الليغو” للتقدّم في البحث أو التعمق في التحليلات الخاصة بها”، تقول لورمان. وفي الواقع، يتم الآن استخدام مجموعة البيانات المفتوحة لمشروع “أصناف الديمقراطية” من قبل شبكة متنامية من المنظمات الدولية مثل البنك الدولي ومجتمعات الديمقراطية والمعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة في الانتخابات.

كذلك نشرت المجموعة التي يوجد مقرها في غوتنبرغ تقريرها السنوي الخاص بها، كما تستخدم البيانات لإصدار تقارير ظرفية محددة مثل مؤشر مخاطر الانتكاس الوبائي.

وعلى الرغم من القيود والتحديات المرتبطة بوضع التصوّرات وأدوات قياس سلطة المواطنين في جميع أنحاء العالم، فإن نتائج هذه التقييمات تحظى بأهمية كبيرة.

وتقول لورمان من مجموعة “أصناف الديمقراطية”: “إن المليارات من الدولارات واليورو تنفق سنويا من أجل تعزيز الديمقراطية محليا وفي الخارج”، قبل أن تضيف: ” تعتمد هذه الاستثمارات على الأحكام المتعلقة بالوضع الحالي للبلد والتوقعات المستقبلية. لهذا السبب نحن بحاجة إلى طرق مناسبة لقياس الديمقراطية”.

وفي حالة سويسرا، يُعدّ هذا أمرا بالغ الأهمية، لأن القانون السويسري يجعل من دعم الديمقراطية في جميع أنحاء العالم، التزاما دستوريا.
ما الأمر؟

بالنسبة للتشخيص: على الرغم من الاختلافات والصعوبات في قياس الديمقراطيات، والأوتوقراطيات في جميع أنحاء العالم، فإن معظم التصنيفات اليوم تتفق على أنه “لم يسبق أن عاش الكثير من الناس في ديمقراطيات، في الوقت نفسه لم يسبق أن تم التنافس على قيمة الديمقراطية”، وفق ما ذكرته كاساس زامورا من المعهد الدولي للديمقراطية والمساعدة في الانتخابات.

على المستوى العالمي، هناك اتجاه واضح يبيّن أن الحكومات التمثيلية القوية القائمة على أنظمة الأغلبية، مثل المملكة المتحدة والمجر، تتراجع في الترتيب، في حين أن الديمقراطيات التمثيلية الأكثر تنظيما (مثل دول شمال أوروبا) تحقق أداءً أفضل.

بينما يشهد العالم بشكل عام عودة موجة من الاستبداد والسلطوية، إلا أن اكثر من نصف البلدان في العالم مازالت ديمقراطية. وبينما حدثت الموجات السابقة في بلدان كانت هذه الميول تتعزّز فيها بالفعل، تحدث الموجة الثالثة للأنظمة المستبدة حاليا في أغلب الأحوال في بلدان ديمقراطية في الأصل. وبينما كانت الأنظمة المستبدة تصل إلى السلطة من قبل من خلال التدخلات الأجنبية أو الانقلابات العسكرية، أصبحت العملية اليوم أكثر براعة وأكثر تدريجا، وغالبا ما تكون مموهة بالتعديلات القانونية.

من الأمثلة النموذجية على هذا التطوّر “القانوني” التوجه الاستبدادي في روسيا حيث تم إجراء استفتاء للسماح لفلاديمير بوتين بالبقاء في السلطة حتى عام 2036 في ظل جائحة كوفيد-19. إنها ممارسات مشكوك فيها للغاية وتتناقض تماما مع ما يجب أن تكون عليه المكوّنات الرئيسية لمجتمع ديمقراطي فعال.
رابط المقال اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى