إقتصاد

الاقتصاد الإيراني… لغز طهران الاكبر

عن Atlantic Council

تعتبر إيران من أكثر دول العالم غموضا وإثارة للجدل، فذلك الكيان القابع في الشرق قد أثبت قدرته على تحدي القوى الغربية، ولعل أكثر ما يحير العالم بالنسبة لإيران هي النواحي الاقتصادية، فإذا ما طرحنا بعض التساؤلات عن طبيعة الاقتصاد الإيراني على أكبر رجال الاقتصاد في العالم سيخفقون في الإجابة حتما، فلا أحد يدري من هم صانعو السياسات الاقتصادية؟ وكيف تعكس السياسات النقدية مدى مرونة الاقتصادى الإيراني؟ وما إذا كان حجم التبادل التجاري بين إيران والصين في حالة زيادة مستمرة على حساب علاقاتاتها التجارية مع بلدان أوروبا؟ حتى أن رأي الشعب الإيراني في الأحوال الاقتصادية لدولتهم؛ أمرا قد يصعب التكهن به.
ويبدو أن الحرب الاقتصادية التي تقودها الولايات المتحدة حاليا تأتي انطلاقا من توهم واشنطن بإحاطتها التامة وفهمها الدقيق للاقتصاد الإيراني، حيث يعتقد البعض أنه في حال كان الهدف من فرض العقوبات الأمريكية هو إثارة الفوضى في المنطقة؛ فإن حدود الفهم الأمريكي للاقتصاد الإيراني قد يبدو أمرا كافيا، أما إذا كانت واشنطن تخطط لاستخدام العقوبات كنوع من الضغوط على إيران لحملها على تغيير بعض مخططاتها وتوجهاتها في المنطقة؛ فلابد هنا من أن تكون الولايات المتحدة على دراية تامة ودقيقة بأبعاد الاقتصاد الإيراني كي تتمكن من النجاح في تطبيق سياساتها العقابية.
ومن ناحية أخرى يعتقد بعض الخبراء بأن عدم الفهم الواضح للاقتصاد الإيراني من قبل بعض الدول الأوروبية يعد سببا مباشرا لتأخر تلك الدول في الدفاع عن مصالحها المشتركة مع الكيان الفارسي، ففي حال كانت على علم تام بما يجري هناك ربما كانت تحركت بصورة أسرع لمحاولة إصلاح الأمور.
ويمكن القول بأن هناك جانب إيجابي واحد للحرب الاقتصادية الأمريكية على إيران، فقد ساعدت أحداث الحرب والتوترات الأخيرة صناع القرار في الولايات المتحدة وأوروبا وحتى إيران نفسها على إدراك الدور الهام الذي يلعبه الاقتصاد في تشكيل السياسة الخارجية لإيران واستراتيجية الأمن القومي، ولعل ذلك كان المحرك الرئيسي الذي دفع الكيانات الدولية المؤثرة نحو محاولة فهم الاقتصاد الإيراني على نطاق أوسع والسعي نحو تدابير أفضل من أجل تخفيف الضغوط الناجمة عن العقوبات، فقد أدرك صناع القرار بأن تكوين رؤية ثاقبة عن الاقتصاد الإيراني هو الداعم الأساسي لتشكيل السياسات العامة وتحديد آليات العمل بالمنطقة.
وعليه فقد أجمع خبراء الاقتصاد بأنه سوف تكون هناك حاجة ماسة إلى جهود مؤسسية لمعرفة كيفية إنتاج المعرفة حول الاقتصاد الإيراني واستثمارها في بعض المجالات كالصحافة الاقتصادية ، والأبحاث الأكاديمية.
وفي الوقت الذي تعمد فيه وسائل الإعلام العالمية إلى إنتاج عدد من التقارير حول الشأن الإيراني، إلا أن معظمها يدور في فلك السياسة وليس الاقتصاد الإيراني، حتى التقارير التي تقوم رموز الصحافة الاقتصادية في العالم بإنتاجها مثل بلومبيرج وفايننشيال تايمز، فإنها تتحدث غالبا عن بعض القضايا العامة مثل انخفاض قيمة العملة ومعدل التضخم وغيرها من الآثار الاقتصادية المترتبة على فرض العقوبات، حيث لا يوجد تقارير تتطرق بالحديث إلى السياسات الاقتصادية في طهران أو التطورات في الأسواق والقطاعات المالية والصناعية بالدولة، وعليه فإن التقارير التي تصدر باللغة الانجليزية في هذا الشأن والتي قد تستند في مضمونها إلى بعض النشرات الإيرانية فقط؛ تفتقر إلى الرؤى الاقتصادية العالمية، ولعل الأمر يعزو برمته إلى العزلة الاقتصادية التي تفرضها إيران على نفسها مما جعلها بمنأى عن عيون الإعلام العالمي.
وعلى صعيد العمل البحثي، فإن هناك عدد قليل من الاقتصاديين في أمريكا ممن يشتغلون على الملف الإيراني، فعلى الرغم من درايتهم الواسعة بالتراث الإيراني، إلا أنهم يميلون إلى اعتبار الاقتصاد الإيراني بمثابة جزء صغير من مهامهم البحثية وذلك بسبب ندرة الدعم المالي والمؤسسي الموجه نحو الجهود البحثية التي لا تركز على الشئون السياسية والأمنية في طهران.
ويمكن القول بأن القيود المفروضة من قبل الحكومة الإيرانية تجعل من الصعوبة بمكان القيام بإنتاج تقرير صحفي أو دراسة بحثية حول طبيعة الاقتصاد في طهران، كما أن كافة التقارير التي تركز على العقوبات أو تنشر في سياق ازدياد المخاوف الأمريكية تجاه إيران؛ جعلت الأخيرة أكثر تحسسا تجاه التعامل مع وسائل الإعلام بوجه عام.
وفي الوقت الذي يتحدث فيه العالم أجمع عن محاولة كل من إيران وواشنطن تجنب الانزلاق في فخ المواجهة العسكرية، فقد يبدو نوعا من الترهات القول بأن الفهم الحقيقي للاقتصاد الإيراني هو السبيل الوحيد نحو تمكين المساعي الدبلوماسية من أجل الخروج من الأزمة، ولكن في الوقت ذاته فإن المعرفة المحدودة بطبيعة الاقتصاد الإيراني يعد بمثابة الحلقة المفقودة لتشكيل رؤية أكثر واقعية عن طبيعة الصراع المستعر في المنطقة حاليا.
رابط المقال الأصلي:
اضغط هنا

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى